• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم الإسلامي

تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم الإسلامي


مثلت إيران (بلاد فارس سابقاً) عَبْر التاريخ طرفاً رئيساً في النزاعات والتوترات المزمنة في المنطقة، ولم ينته هذا الأمر برحيل نظام معيَّن من الأنظمة التي تعاقبت على حكم بلاد فارس منذ بداية القرن العاشر الهجري ولغاية اليوم.

ففي بداية ذلك التاريخ (907هـ - 1501م) نشأت في إيران دولة قائمة على أُسُس عقدية تُضمِر العداوة لكل مَن هو عربي ومسلم سُّنِّي، وتطمح لإعادة الإمبراطورية الفارسية الكسروية البائدة.

وقد بقي حلم إعادة تلك الإمبراطورية المندثرة هدفاً استراتيجياً ثابتاً لدى جميع الأنظمة التي أعقبت العهد الصفوي.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فقد خاضت إيران حروباً وصراعات عديدة ضد الدولة العثمانية التي كانت تُمثِّل آنذاك دولة الخلافة الإسلامية السُّنِّية، وقد خاضت حروبها تلك مدعومة من قِبَل الصليبيين الذين وجدوا في الدولة الصفوية ضالتهم المنشودة؛ لإضعاف الدولة العثمانية ووَقْفِ زحفها نحو أوروبا التي كانت على وشك الانهيار والدخول في الإسلام.

ولهذه الغاية فقط أوكلت الحكومة البريطانية مهمة بناء جيش نظامي وإنشاء مصنع للسلاح في مدينة أصفهان عاصمة الدولة الصفوية في عهد الشاه عباس الأول (حكم من 989 هـ - 1038هـ) إلى الأخوين (أنتوني شرلي و رابرت شرلي) ووضعت تحت إمرتهم 25 ضابطاً من الجيش البريطاني؛ لتنظيم العلاقات والتعاون بين الدولة الصفوية والدول الأوروبية؛ لمحاربة الدولة العثمانية!

وقد انتقل هذا التعاون بين الغرب والدولة الصفوية إلى الحكومات الإيرانية المتعاقبة، وهي: الأفشارية، القاجارية، والبهلوية، وقد بلغ هذا التعاون أَوُجَّهُ في زمن الحكم البهلوي (1926م - 1979م)؛ حيث تحولت فيه إيران إلى قاعدة غربية في المنطقة، وأصبحت مصدر حروب وتهديد لجيرانها والمنطقة عامة قبل قيام الكيان الصهيوني.

ومكافأة لدورها المساند للغرب، فقد دفعت الدول الاستعمارية إيران لضم إمارة الأحواز العربية، وسمحت لها أيضاًً باحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى) و (الصغرى) و (أبو موسى)؛ وذلك بهدف تقويتها للقيام بحفظ المصالح الغربية على أحسن وجه.

وعند قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بهذا الكيان وَمدَّته بالنفط والغاز، كما سمحت لليهود الإيرانيين بالهجرة إلى الكيان؛ لتقديم الخبرات والتطوع في جيش الاحتلال.

واستطاع العديد من اليهود الإيرانيين تسنُّم مناصب عليا في الحكومات اليهودية، ومنهم على سبيل المثال رئيس الكيان السابق موشي كسَّاف (موسى قصاب) وأصله من مدينة « يزد » الإيرانية وكان من زملاء الدراسة الابتدائية للرئيس الإيراني السابق (محمد خاتمي)، وكذلك بالنسبة لوزير الحرب الصهيوني السابق « شاؤول موفاز » فهو أيضاً من اليهود الإيرانيين وأصله من طهران، وهناك الكثير من اليهود الإيرانيين الذين شغلوا مناصب عليا في حكومات الكيان الصهيوني، وقَدَّموا خدمات كثيرة لإيران، ولعبوا دوراً كبيراً في التعاون بين إيران والكيان الصهيوني.

وحول هذا الموضوع تحدَّث « الدكتور سيامك » رئيس جمعية يهود طهران لوكالة أنباء « قدسنا » عن وفاء اليهود الإيرانيين الذين هاجروا إلى الكيان الصهيوني لإيران، وضرب أمثلة على دورهم في التعاون مع جهاز الأمن « السافاك » في عهد الشاه ومشاركتهم في الحرب الإيرانية ضد العراق، معتبراً ذلك أفضل وأروع دليل على وفاء اليهود الإيرانيين أينما كانوا للدفاع عن إيران.

وأضاف قائلاً: « إن اليهود الإيرانيين كانوا دوماً مساندين لسيادة إيران والمصالح الوطنية الإيرانية ».

مضيفاً « أن اليهود خلال وجودهم في إيران - والذي استمَرَّ أكثر من ثلاثين قرناً - لم يواجهوا أية حركات عدوانية مضادة.

وهذا يُعتَبر من مفاخر الثقافة الإيرانية، وأن « الإمام الخميني » أكد على مبدأ رعاية كامل حقوق الطائفة اليهودية في إيران ».

وأضاف الدكتور سيامك قائلاً: « نظراً لتاريخ اليهود العريق في إيران؛ فإن ثقافتهم في الحقيقة ثقافة إيرانية، ونحن نكتب ونتكلم ونفكر باللغة الفارسية، والفارق الوحيد بيننا هو ديننا ».

وعلى الرغم من التبني والرعاية الغربية الكاملة للكيان الصهيوني إلَّا أن ذلك لم يُسقِط دور إيران وأهمية التعاون معها، كما أن ذلك لم يُلْغِ المسعى الإيراني لتحقيق حلم إعادة الهيمنة الفارسية على المنطقة؛ حيث لم تجد إيران في وجود هذا الكيان (اللقيط) عائقاً لتحقيق مخططها بقدر ما هو مساعد لها على تحقيق ذلك؛ فالنظرة الإيرانية لليهود تقوم على الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور « قورش الإخميني » عند تحريره اليهود من السَّبْيِ البابلي، وهو أن اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري (الفارسي)، ويمكن الاستفادة منه من خلال إغرائه بالمال.

وهذا ما يفسر سبب عدم ظهور حركة احتجاج واحدة من قِبَل أي جماعة دينية أو سياسية في إيران عند إعلان قيام الكيان الصهيوني (1948م) على أرض فلسطين؛ فقد التزمت وقتها (حوزة قم الدينية) السكوت ولم تدع إلى أي مظهر من مظاهر الاحتجاج، وهكذا الأمر بالنسبة للحركات السياسية؛ فقد جاء موقفها مطابقاً لموقف الشاه غير أن الموقف الاحتجاجي الوحيد الذي ظهر آنذاك تَمثَّل بموقف الشيخ نواب الصفوي - أُعدم 1956م - زعيم حركة « فدائيان الإسلام » فهو رجل الدين الإيراني الوحيد الذي حضر مؤتمر القدس في مدينة القدس سنة 1953م وقد لقي حضوره في المؤتمر اعتراضاً شديداً من قِبَل المرجعيات الشيعية في قُم.

علماً أن حضوره في ذلك المؤتمر كان بناءً على اقتراح من جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي كانت على علاقة وثيقة مع حركة « فدائيان الإسلام » التي اغتالت العالِم والمؤرخ الإيراني العلاَّمة أحمد كسروي عام 1324هـ بعدما ترك التشيع وأصبح من أهل السُّنة؛ حيث اعتبرت الحركة تحوُّل كسروي إلى صفوف أهل السُّنَّة كفراً وأقدمت على قتله.

الثورة الخمينية والتمدد الإيراني:

شكَّل قيام الثورة الخمينية عام 1979م حدثاً كبيراً وهاماً في المنطقة؛ حيث تزامنت تلك الثورة مع حدوث تطورات إقليمية ودولية عديدة كان من أبرزها اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، الغزو السوفييتي لأفغانستان، وتنامي المد الإسلامي في المنطقة، وأحداث كثيرة أخرى إلى جانب القضية الفلسطينية التي تُشكِّل الحدث المحوري لجميع القضايا في المنطقة.

وقد وفَّرت تلك الأحداث الفرصة لقيادة الثورة الإيرانية للاستفادة منها واتخاذ بعضها مطيَّة لترويج أفكارها تحت مسمى « تصدير الثورة الإسلامية »، وكانت بداية التحرك الإيراني في العراق الذي رأى فيه الإيرانيون البوابة التي يمكن الولوج منها لتحقيق هدف نشر أفكار الثورة الخمينية؛ وذلك بحكم الجوار الجغرافي مع العراق وتركيبته الطائفية التي تضم نسبة كبيرة من المقلِّدين والتابعين للمرجعيات الدينية الإيرانية في كل من النجف وقُم، بالإضافة إلى عوامل عديدة أخرى، جميعها كانت سبباً في اختيار العراق منطلقاً لتصدير الثورة الخمينية نحو المنطقة العربية لتحقيق غايتها في التمدد والهيمنة.

وكانت باكورة مشاريع الثورة الإيرانية في العراق تحريض المرجعيات الدينية في النجف و كربلاء ضد السلطة العراقية وإنشاء تنظيمات طائفية موالية لها لإسقاط نظام الحكم العراقي، والتي بات أغلبها اليوم أداة طيِّعة في يد قوات الاحتلال ومطية لتثبيت المشروع الأمريكي في المنطقة.

إن استراتيجية الثورة الخمينية قامت على اعتبار أن قلب منطقة الشرق الأوسط هو العراق ودول الخليج العربي، وأن الهيمنة على هذا الإقليم سوف تساعد على سقوط الأطراف بسهولة في القبضة الإيرانية؛ ولهذا أرادت طهران تطويق دول الخليج والعراق بمحور (سوري، لبناني، فلسطيني).

ولهذا عمدت إلى التحرك في لبنان الذي كان يعيش حرباً طائفية كان الشيعة فيها الأضعف سياسياً وعسكرياً، وقد وفَّر هذا الأمر الفرصة لإيران للقيام بتشكيل « حزب الله » ليكون ذراعاً إيرانية ليس في لبنان وحسب بل في عموم المنطقة وهذا ما حصل بالفعل؛ حيث استُخدم « حزب الله »، وما زال يُستخدَم كعصا إيرانية غليظة عَبْر تنفيذه العديد من العمليات الإرهابية ضد البُلدان العربية التي قاومت التمدد الإيراني وصمدت في وجه مخططات الثورة الخمينية.

وقد حاولت إيران استنساخ حزب الله في العديد من هذه البُلدان ومنها الخليجية تحديداً، ولكن تلك الأحزاب المستنسَخة لم تستطع أن تحقق لإيران ما حققه لها حزب الله في لبنان؛ فقد وُئد ما سُمِّي بـ « حزب الله الحجاز »، رغم قيامه بعدة عمليات إرهابية في المملكة العربية السعودية، كما وُئد نظيره الكويتي بعد قيامه بعمليات إرهابية مماثلة في الكويت و السعودية.

ووحده حزب الله البحريني الذي بقي يتنفس لِحَدِّ الآن وإن كان بشكل بطيء؛ حيث يقوم بين فترة وأخرى وكلما طلبت منه إيران بارتكاب بعض الجرائم لإحداث القلاقل؛ وذلك للضغط على الحكومة البحرينية وبعض الدول الخليجية.

وإلى جانب ذلك، فقد سعت إيران وبذلت جُلَّ اهتمامها لفتح ثغرة في الحركة الفلسطينية؛ للنفوذ منها إلى الساحة الفلسطينية مستغِلَّة - في تحقيق ذلك - الأحداث التي تتعرض لها القضية الفلسطينية؛ راغبة في إيجاد موطئ قدم إيرانية في الساحة الفلسطينية مدعية أن الثورة الخمينية قد رفعت شعار نصرة فلسطين، ولكن لم تعط دليلاً واحداً يفسر سبب التعاون الإيراني مع الكيان الصهيوني في كثير من الحالات خلال العقود الثلاثة الماضية على أقل تقدير، كما لم تفسر إيران لنا سبب عدم حصول ولو اشتباك (صهيوني - إيراني) واحد طوال هذه المدة.

بينما دخلت إيران في حرب دامية دامت ثماني سنوات مع العراق، كما خاضت اشتباكات وحرباً استخباراتية وسياسية وتعاونت علانية مع الغرب ضد حكومة طالبان (الإسلامية) ولكنها لم تشتبك ولو لمرة واحدة مع الكيان الصهيوني.

حتى في أحلك الظروف التي مر بها الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة لم نشاهد على أرض الواقع أي تَدَخُّل إيراني حقيقي لمناصرة هذا الشعب؛ فأثناء تَعرُّض قطاع غزة للعدوان الصهيوني الذي دام قريباً من شهر سمع العالم كيف أن مرشد الثورة الإيرانية آية الله « علي خامنئي » أصدر فتوى بمنع تَوجُّه أيِّ إيراني للمشاركة في الدفاع عن أهالي غزة.

ووصف خامنئي الدعم الإيراني للفلسطينيين بالدعم المعنوي.

ولكن مع ذلك؛ فإن النظام الإيراني ما زال يزايد على الجميع في مسألة الدفاع عن فلسطين.

وهناك الكثير ممن ما زال يصدق هذه الشعارات التي ثبت زيفها! التمدد الإيراني لم ينحصر في المنطقة العربية وحسب، بل تخطاها ليصل إلى جنوب آسيا و شمال إفريقيا ووسطها.

وحول هذا الموضوع كتبتْ مجلة التايم الأمريكية (4/11/1991) تقول: « إن الحكومة الإيرانية ترسل الأموال والبعثات (الثقافية) إلى بُلدان مثل: غانا و نيجيريا، وتستقبل الطلاب المسلمين من تايلاند و بورما و إندونيسيا؛ ليتلقوا ( الدراسة الشيعية) في قم ».

وفي الحقيقة؛ إن الزائر لمدينة قم « العاصمة الدينية الإيرانية » يشاهد بوضوح أعداد الآسيويين والأفارقة والمدارس الدينية التي خُصِّصَت لهم، وهي مدارس يجري إدارتها وتمويلها من قِبَل « المركز الإسلامي العالمي » المموَّل من قِبَل وزارة الاطلاعات (الاستخبارات).

ولتعزيز نفوذها في إفريقيا، فقد تناوب رؤساء الجمهورية الإيرانية (خامنئي رفسنجاني، خاتمي، و أحمدي نجاد) على زيارة عدد من الدول الإفريقية.

وتُعدُّ زيارة أحمدي نجاد في شهر مارس آذار الماضي إلى ثلاث من الدول الإفريقية هي: (كينيا، جيبوتي، جزر القُمُر) دعماً للمساعي الإيرانية التي بدأت منذ عدة سنوات في توسيع دائرة تحركاتها الإفريقية مستفيدة إلى أقصى حد من الفرص المتاحة؛ فإلى جانب السودان توجد علاقات إيرانية وثيقة مع كلٍّ من جنوب إفريقيا و السنغال و أوغندا، وعادةً ما يتم ترويج النموذج الإيراني إفريقياً، ولا سيما في مجالات الطاقة والتنقيب عن النفط وتنمية القِطَاعات الزراعية والصحية وما شاكل ذلك؛ فقد افتتحت إيران مصنعاً للجرارات الزراعية في أوغندا كما أنها أقامت خط إنتاج لسيارات « ساماندا » الإيرانية في السنغال [1].

كما أن التمدد الإيراني قد توسع شمالاً في الجمهوريات الإسلامية ودول القوقاز.

وإن تَدَخُّلها في شؤون أفغانستان و باكستان واضح، كما يتضح كذلك في العراق و البحرين و اليمن ولبنان... وغيرها، وأغلب هذا التدخل يتم بزعم الدفاع عن مظلومية الشيعة! ولكن الأسئلة التي تبقى تراود أغلب المتابعين للسياسة الإيرانية هي: لماذا تمكنت إيران من القيام بهذا التمدد بينما عجزت دول عربية وإسلامية كبرى عن ذلك؟ فهل الأدوات السياسية التي تمتلكها إيران تختلف عن تلك التي يمتلكها غيرها؟ وكيف استطاعت إيران أن تُحْرِز هذا التمدد والنفوذ وهي محاصرة من قِبَل القوى العظمى، كما تزعم، أم أن القوى العظمى هي من سمحت لإيران بالتمدد فيما منعت ذلك عن غيرها من الدول العربية والإسلامية؟ وأخيراً: هل الخطر « الصهيوني » وحده الذي يتهدد أمن ومصلحة المنطقة، أم أن في المنطقة من لا يقل خطراً عن الكيان الصهيوني على هذه المنطقة ومستقبل أبنائها؟

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)


(1) نقلاً عن جريدة العرب القطرية، عدد 1/3/2009م.

 

أعلى