• - الموافق2025/05/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حسين الشيخ.. نائب أبو مازن وحارس التنسيق الأمني

هل يمثل صعود حسين الشيخ انعكاسًا لحقيقة السلطة بعد أن استهلكت أوراقها التاريخية؟، وهل موقعه اليوم كنائب لرئيس السلطة الفلسطينية بعد أن كان عرّابًا للعلاقة مع الاحتلال هو إعلان رسمي لنهاية مرحلة وبداية أخرى تتماهى مع الواقع الإسرائيلي أكثر مما تعارضه؟


في المشهد الفلسطيني المأزوم، يبرز اسم حسين الشيخ كواحد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل، ليس بسبب موقعه المتقدم داخل السلطة فحسب، بل لما يمثله من رمزية سياسية ترتبط بعقود من التنسيق الأمني والعلاقات المعقدة مع الاحتلال الإسرائيلي، ومع تصعيده مؤخرًا إلى منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تحوّل اسمه إلى مرآة تعكس التحولات العميقة التي تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني، وتفتح الباب أمام أسئلة مؤلمة ومقلقة

 لذا تبدو قراءة سيرة حسين الشيخ ضرورة لفهم ما يجري خلف الكواليس، وما الذي ينتظره الفلسطينيين في مرحلة مقبلة شديدة الالتباس والانكشاف.

صعوده في السلطة

وُلد حسين شحادة الشيخ في مدينة رام الله بالضفة الغربية في عام 1960م، نشأ في منطقة محورية حيث كانت رام الله تمثل مركزًا إداريًا وثقافيًا في الأراضي الفلسطينية، وكان لها دور كبير في حركة فتح والسلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو، عايش منذ صغره الواقع الفلسطيني المأزوم، وأثر ذلك في تشكيل توجهاته السياسية، حيث أسهمت البيئة المشحونة بالتحديات السياسية والأمنية في دفعه مبكرًا كبقية أبناء جيله نحو الانخراط في النشاط السياسي على الرغم من صغر سنه، انضم إلى حركة فتح في سنوات مراهقته، واعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي لـ11 عامًا (بين عامي 1978 و1989)، وخلال فترة سجنه، تعلم اللغة العبرية، وهو ما ساعده لاحقاً في أداء أدوار متعلقة بالتنسيق مع المسؤولين الإسرائيليين في أكثر من صفة سياسية رسمية، وقد عمل في بداياته في قطاع الشؤون المحلية، حيث كان له دور في تنسيق وتوجيه سياسات السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية، وهو ما أعطاه خبرة واسعة في التعامل مع الملفات الإدارية والسياسية في ظل الاحتلال.

منذ بداياته الأولى في الساحة السياسية الفلسطينية، كان الشيخ شخصية لافتة ومثيرة للجدل في آن واحد، تولى مناصب سياسية مختلفة في الهيكل السياسي الفلسطيني بفضل وجوده ضمن صفوف حركة فتح التي تشكل القوة السياسية المركزية في فلسطين منذ إنشاء السلطة الفلسطينية عقب اتفاقية أوسلو، كان من اللافت تدرجه في المناصب بسرعة ملحوظة، انتُخب عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح في عام 2009م وأعيد انتخابه في 2016م، حيث كان له دور في رسم سياسات الحركة وتأثير في دائرة القوات الصغيرة المحيطة بالرئيس الفلسطيني، وفي مايو 2022م عكس مقدار قربه من الرئيس الفلسطيني وتولى منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خلفًا لصائب عريقات.

لكن قبل ذلك كله فقد حمل العام 2007م لحسين الشيخ الفرصة الأكثر إثارة للجدل في مسيرته، حين تولى إدارة التنسيق المدني مع إسرائيل، بصفته وزيرًا الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية بات معنيًا بقضايا مثل تصاريح التنقل والحركة داخل الأراضي المحتلة، ومع مرور الوقت وجد نفسه في نقطة مفصلية من تاريخ السلطة الفلسطينية، وأصبح بمثابة جسر التواصل بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني، وهو ما وضع الشيخ في قلب عملية التنسيق الأمني التي بدأت تحت إشراف السلطة في التسعينيات، فكانت تلك بداية تكريس علاقاته مع الإسرائيليين، وهو ما جعله محط انتقادات من قطاعات واسعة داخل المجتمع الفلسطيني، حيث اعتبر البعض أن هذا التنسيق يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

رجل التنسيق الأمني

مع تطور منصبه كمسؤول عن التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، بدأ الشيخ في تمتين هذه العلاقات على مختلف الأصعدة، وقد برع في بناء شبكة من التواصل مع المسؤولين الإسرائيليين مما ساعد على ضمان استقرار السلطة الفلسطينية على الأرض، لكن هذا الدور لم يكن خاليًا من العواقب السياسية، فقد تزايدت الشكوك حول نوايا السلطة في هذه المرحلة، خاصة في ظل الوضع الفلسطيني المترهل وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وما زاد من تعقيد الصورة هو تحركات الشيخ الملموسة التي تركزت في توجيه السلطة نحو تبني مواقف لم تلقَ تأييدًا شعبيًا كبيرًا، خاصةً فيما يتعلق بقمع المقاومة وهو ما أضعف من مصداقية أي جهد فلسطيني جاد نحو تحقيق التحرير، وهو ما زاد من ردود الفعل الفلسطينية ضده بحدة، لدرجة أن البعض قد اتهمه بأنه "رجل إسرائيل في قلب السلطة الفلسطينية"، وهي تسميات تزايدت مع مرور الوقت، خاصة عندما بات التنسيق الأمني مع الاحتلال جزءًا من الصورة السياسية له، كما أن هذا التنسيق قد تسبب في فترات متعددة في اعتقال النشطاء الفلسطينيين المناهضين للاحتلال.

التنسيق الأمني الذي وقع تحت إشراف حسين الشيخ يمثل أحد أبرز المواقف السياسية المثيرة للجدل في السنوات الأخيرة، ففي حين ترى السلطة الفلسطينية أن التنسيق الأمني كان بمثابة أمر واقع فرضته التحديات الأمنية المعقدة في الضفة الغربية، ترى فصائل المقاومة الفلسطينية وغالبية أبناء الشعب الفلسطيني أن هذا التعاون مع إسرائيل بمثابة خيانة للقضية الفلسطينية وأنه لم يكن أبدًا ضرورة حتمية بل خيارًا يعكس استسلامًا للمشروع الإسرائيلي، ومن المؤسف أن التنسيق الأمني بات في السنوات الأخيرة خطًا أحمر في خطاب السلطة الفلسطينية، ويرى كثيرون أن الشيخ قد مثّلَ خط الدفاع الأول عن السياسات الناتجة عن هذا التنسيق والتي يراها الفلسطينيون ضد مصالحهم، بل يذهب البعض إلى حد تحميله مسؤولية الانحراف عن الأهداف التي نشأت من أجلها السلطة الفلسطينية ذات يوم.

تحولات سياسية

منذ أن تولى محمود عباس (أبو مازن) رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة ياسر عرفات، شهدت الساحة الفلسطينية تحولات سياسية عميقة. أحد أبرز هذه التحولات كان غياب منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية لفترة طويلة، ما ترك عباس في موقع الاستفراد بالسلطة، حيث مارس محمود عباس حكمًا منفردًا على مدار سنوات طويلة، متخذًا القرارات السياسية الرئيسية التي أثرت على مجريات الأحداث الفلسطينية دون أن يكون هناك نائب يتولى معه المهام، هذا الغياب المتعمد لمنصب النائب عكس رغبة عباس في تقليص القوى المنافسة أو الموازية داخل المؤسسات الفلسطينية وفرض سيطرته التامة على كل مفاصل السلطة، وهو ما أسهم في تعزيز مواقفه وتوجهاته السياسية بعيدًا عن أي منافسة داخلية حقيقية.

لكن هذا الاستفراد بالسلطة لم يخلُ من تداعيات سلبية على المستوى السياسي والاقتصادي. فقد تعرضت السلطة الفلسطينية لانتقادات شديدة من الداخل والخارج، بما في ذلك من فصائل فلسطينية أخرى، بسبب انعدام التداول الديمقراطي للسلطة وغياب الشفافية في اتخاذ القرارات. كما ساهم هذا الوضع في تشديد قبضة عباس على مقاليد الحكم دون وجود مجال حقيقي لتوزيع السلطة أو تحقيق شراكة سياسية مع أطراف أخرى. وفي خطوة غير مفاجئة، بدأ عباس في اتخاذ إجراءات تعيين نائب له عبر اختيار حسين الشيخ لهذا المنصب، إلا أن هذا التعيين جاء في وقت بالغ الحساسية، في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة له وللسلطة الفلسطينية في أعقاب الانتكاسات المتتالية على صعيد القضية الفلسطينية.

لكن ما هي الأسباب التي دفعت عباس إلى اختيار حسين الشيخ تحديدًا كنائب له؟، في الغالب تتركز الأسباب الجوهرية في:

* التنسيق الأمني مع إسرائيل: فعلى مدار سنوات ظل الشيخ يُنظر إليه كحلقة وصل مهمة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. هذا الدور جعله شخصية محورية بالنسبة للجانب الإسرائيلي، الذي يفضل وجود شخص على رأس السلطة في الضفة الغربية يلتزم بسياسات التنسيق الأمني ويدعم استقرار الوضع هناك.

* علاقته القوية بالأجهزة الأمنية: بعد سنوات من الصراع الداخلي والانقسامات بين فتح وحماس، كان عباس بحاجة إلى شخصية تحظى بالثقة داخليًا في الضفة الغربية، فبفضل علاقات الشيخ الوثيقة مع الأجهزة الأمنية في الضفة، يُعتبر هو الشخص الأنسب لضمان استقرار الوضع الأمني والسياسي في المناطق التي تحتفظ السلطة الفلسطينية بسيطرتها.

* الدعم الأمريكي والغربي: يُعتقد أن تعيين حسين الشيخ كنائب لعباس جاء بتنسيق وتوجيه من القوى الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة، وبالتالي فإن هذا التعيين ليس فقط نتيجة لحسابات السلطة الفلسطينية الداخلية، بل هو كذلك جزء من تحركات معقدة على المستوى الإقليمي والدولي، تتضمن مصالح القوى الكبرى التي تتعامل مع القضية الفلسطينية وفقًا لمواقفهم الأمنية والسياسية.

* تجنب منافسة داخلية محتملة: بالنظر إلى قوة حسين الشيخ داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية، قد يكون عباس قد اختار تعيينه لتفادي التوترات مع الأجنحة المختلفة في حركة فتح، وضمان ولاء الشيخ الشخصي والسياسي له، وبذلك يكون عباس قد سدّ الباب أمام أي منافسة قد تأتي من قيادات فتحاوية أخرى قد تسعى لتولي هذا المنصب.

مستقبل مجهول

مع تعيين حسين الشيخ نائبًا لمحمود عباس، يُطرح سؤال كبير حول مستقبل القيادة الفلسطينية ودور الشيخ في المرحلة المقبلة، لا سيما في الوقت الراهن الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني على مختلف الأصعدة، أحد السيناريوهات المحتملة هو أن يستمر الشيخ في اتباع النهج الذي تبناه في السنوات الماضية، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، بغض النظر عن الانتقادات الداخلية، وربما قد يسعى لإعادة هيكلة العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، والتوجه نحو سياسة أكثر مرونة وتبعية.

في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط حسين الشيخ بالغرب وإسرائيل، يُتوقع أن تكون مواقفه السياسية تحت المجهر في المرحلة المقبلة، وقد يجد نفسه مضطرا لاتخاذ مواقف استراتيجية تُوازن بين الحفاظ على الدعم الدولي وبين تلبية مطالب الشعب الفلسطيني. في النهاية، من غير الممكن الجزم بما ستؤول إليه الأمور، وإن كان غالب الظن أن حسين الشيخ سيكون مجرد امتداد لسياسات محمود عباس الحالية.

أعلى