• - الموافق2025/12/16م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل اقتربت ساعة الحسم ضد تنظيم قسد في سوريا؟

تقترب لحظة الحسم في شمال سوريا، حيث تتصاعد التحركات العسكرية والتصريحات السياسية بين تركيا وسوريا وتنظيم قسد، وسط سيناريوهات متشابكة واحتمالات مواجهة مصيرية قد تغيّر مستقبل المنطقة بأكملها


منذ توقيع اتفاق العاشر من مارس بين الدولة السورية وتنظيم "قسد" بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع وزعيم التنظيم مظلوم عبدي، بدا المشهد وكأنه فرصة أخيرة لتفكيك واحدة من أعقد عقد الصراع السوري عبر مسار "سياسي-أمني" منضبط، يجنّب البلاد والمنطقة مواجهة عسكرية واسعة.

غير أن مرور الوقت وتراكم التصريحات التركية الحادة وتزايد المؤشرات الميدانية، كلها توحي بأن هذا الاتفاق يقف اليوم على حافة الاختبار الأصعب، فإما التنفيذ الفعلي أو الانزلاق إلى مواجهة عسكرية قد تكون مشتركة بين أنقرة ودمشق لأول مرة ضد تنظيم يصرّ على البقاء خارج نطاق الدولة.

تعزيزات عسكرية تركية.. رسائل صامتة في لحظة رمزية

بالتزامن مع احتفالات سوريا بذكرى التحرير الأولى، شهدت بعض المناطق الشمالية تحركات عسكرية تركية لافتة من حيث التوقيت والدلالة، وإن جرى توصيفها رسميًا ضمن إطار "تناوب اعتيادي للقوات"، غير أن مراقبين عسكريين أشاروا إلى أن طبيعة هذه التحركات تجاوزت النمط الروتيني المعتاد، إذ شملت إعادة تموضع وحدات مدرعة مدعومة بدبابات قتال رئيسية من طراز ليوبارد وM60 المطوّرة، إلى جانب تعزيز النقاط الأمامية بعربات مدرعة تركية حديثة مثل مدرعات "كيربي" المخصصة للحماية من الألغام والكمائن، كما نشر الصحفي التركي "نوزت تشيشك" عبر حساباته الشخصية منذ عدة أيام مقطع مصور لرتل عسكري تابع للقوات المسلحة التركية يتجه إلى مدينة منبج بعد أن دخل سوريا من شمال حلب وعفرين ورأس العين.

ناهيك عن عدد من المعدات العسكرية التركية التي ظهرت خلال احتفالات الجيش السوري في الساحات بذكرى التحرير الأولى للبلاد بعد سقوط نظام الأسد البائد، ولذلك فإن هذا التزامن بين الرمزية السياسية السورية والحراك العسكري التركي لم يُقرأ في أنقرة على أنه صدفة، بل جزء من ضغط متدرّج يهدف إلى القول بإن نافذة الحل السلمي ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية، وإن الأرض مهيأة تقنيًا وميدانيًا لأي سيناريو بديل إذا استمر التعطيل والمماطلة في تنفيذ اتفاق 10 مارس من قبل تنظيم "قسد".

تصريحات أردوغان ودلالتها

في قلب هذا التصعيد المتدرج جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتضع اتفاق 10 مارس في إطاره الاستراتيجي الأوسع، حين ربط تطبيقه مباشرة بمستقبل سوريا والمنطقة، معتبرًا أن إنجازه هو "أفضل خيار" ليس فقط لدمشق، بل للاستقرار الإقليمي برمته، وقد حرص أردوغان على تقديم المسألة بوصفها قضية تعايش ورفاه مشترك، مؤكدًا أن تركيا تريد للشعب السوري بكل مكوناته من عرب وتركمان وكرد وسنة ونصيريين، أن يعيشوا كأبناء وطن واحد في استقرار حقيقي

 

فإن أحد أخطر أبعاد هذا المشهد كما تراه تركيا هو تقاطع المصالح بين تنظيم "قسد" وإسرائيل، وهو ما لم يعد يُطرح همسًا كالسابق بل بات يُقال علنًا في الخطاب الرسمي التركي

 داخل دولة موحدة، وأكد أن الاتفاق يمثل خطوة عملية في هذا الاتجاه، وهذا الخطاب من أردوغان لم يكن عاطفيًا بقدر ما كان سياسيًا محسوبًا، إذ وضع تنظيم "قسد" أمام معادلة واضحة المعالم، فإما الاندماج بوصفه مدخلًا للشرعية أو البقاء خارج الإجماع الإقليمي بما يحمله ذلك من عواقب واضحة.

وزارة الدفاع التركية تدخل على الخط

اللغة الأكثر صراحة وصرامة في خضم هذا الصراع الدائر جاءت من المؤسسة العسكرية التركية، حيث أكد وزير الدفاع التركي يشار غولر على أن اندماج العناصر المسلحة في سوريا ضمن الإدارة السورية لم يعد مسألة مؤجلة بل ضرورة ملحّة، مشددًا على أن أنقرة لن تسمح بقيام أي بنية إرهابية تهدد استقرار المنطقة، وهذا الموقف عززه تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية "ذكي آك تورك" الذي أوضح أن تنظيم قسد رغم توقيعه الاتفاق، لا يزال يواصل أنشطته المسلحة بدلًا من الاندماج، معتبرًا أن هذا السلوك يضر بالأمن المنشود في سوريا.

و لم يكتفِ آك تورك بوصف المشكلة، بل أشار بوضوح إلى وجود دول تشجع تنظيم قسد عبر خطابها وممارساتها على المماطلة ورفض نزع السلاح، مؤكدًا أن محاولات التنظيم لكسب الوقت لن تجدي نفعًا، وأن الخيار الوحيد القابل للحياة هو الاندماج كأفراد ضمن الجيش السوري لا ككتلة مستقلة، كما أكد متحدث وزارة الدفاع التركية على أن تحركات الجيش التركي في سوريا خلال الآونة الأخيرة كانت ضمن عمليات تناوب اعتيادية للوحدات العسكرية، وهذا التصريح برأي يدخل ضمن نطاق ترك مساحة أخيرة للحوار مع الضغط العسكري في نفس الوقت، وإلا فلِمَ يتم إرسال كل هذه الوحدات والمعدات في هذا التوقيت الذي يتزامن مع نكوث تنظيم "قسد" عهده السابق بتنفيذ اتفاق 10 مارس بحلول نهاية عام 2025؟

وكدلالة أخرى على جدية الجانب التركي في إرسال رسائل عسكرية واضحة لتنظيم "قسد" فقد انتشرت صورة لقائد القوات البرية في الجيش التركي الجنرال "متين توكيل" خلال زيارته سوريا وهو يتفقد برفقة رئيس أركان الجيش السوري اللواء "على النعسان" مركز العمليات المشتركة "التركية السورية"، وهي زيارة عسكرية لافتة تحمل رسائل واضحة حول مستوى التنسيق الميداني ومستقبل التحركات المشتركة في المنطقة.

فيدان.. الحوار أولًا لكن السلاح حاضر

أما وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" فخلال ظهوره قبل عدة ساعات في لقاء تلفزيوني عبر قناة TVNET التركية، فقد قدّم مقاربة تجمع بين الدبلوماسية والردع، حين شدد على أن حل ملف شمال شرق سوريا يجب أن يتم بالحوار ضمن إطار اتفاق 10 مارس وليس عبر السلاح، محذرًا في الوقت ذاته من أن استمرار الوضع الحالي يهدد أمن سوريا وتركيا ودول الجوار، وكان فيدان أكثر وضوحًا حين قال إن ذريعة محاربة داعش لم تعد مبررًا لإطالة أمد سيطرة "قسد"، متهمًا التنظيم بالحصول على دعم وتشجيع مباشر من إسرائيل ومعتبرًا أن هذا الارتباط يزيد خطورة المشهد، خاصة في ظل التدخل الإسرائيلي المتنامي جنوب سوريا، وفي حديثه التلفزيوني ذهب فيدان إلى أبعد من ذلك حين أكد أن أي نضال أيديولوجي يجب أن يُمارس عبر السياسة، أما الاستمرار في الاحتماء بالسلاح فسيُواجَه حتمًا بالسلاح، في عبارة تعكس استعدادًا صريحًا لكل الاحتمالات والسيناريوهات لحسم هذا الملف الشائك.

إسرائيل وقسد.. تقاطع مصالح يفاقم التعقيد

وبعبارة صريحة فإن أحد أخطر أبعاد هذا المشهد كما تراه تركيا هو تقاطع المصالح بين تنظيم "قسد" وإسرائيل، وهو ما لم يعد يُطرح همسًا كالسابق بل بات يُقال علنًا في الخطاب الرسمي التركي، فهذا التقاطع لا يُقرأ فقط في إطار الدعم العسكري أو الاستخباري، بل في كونه جزءًا من محاولة إسرائيلية أوسع لإبقاء شمال شرق سوريا منطقة رخوة خارج سيطرة الدولة، بما يسهّل توسيع النفوذ الإسرائيلي وخلخلة التوازنات الإقليمية، ولذلك فمن هذا المنطلق ترى تركيا أن إنهاء هذا الوضع لا يخدم دمشق وحدها، بل يقطع أيضًا أحد المسارات التي تستخدمها إسرائيل لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية السورية منذ سقوط نظام الأسد البائد، وخاصة أن وزير الخارجية "هاكان فيدان" أكد خلال لقائه التلفزيوني على أن إسرائيل كانت إحدى الدول التي كانت ترفض سقوط نظام الأسد في الوقت الذي كان يتقدم فيه الثوار نحو العاصمة دمشق.

سيناريوهات المواجهة والتوقيت المحتمل

في ضوء هذه المعطيات يتداول صحفيون ومحللون أتراك عدة سيناريوهات محتملة للمواجهة مع تنظيم "قسد"، أول هذه السيناريوهات يتمثل في استمرار سياسة الضغط السياسي والعسكري المتدرج، عبر تعزيز التنسيق مع دمشق وتشديد الخناق على قسد اقتصاديًا وأمنيًا لدفعها إلى تنفيذ الاتفاق دون إطلاق رصاصة واحدة.

 أما السيناريو الثاني -وهو الأكثر تداولًا في الكواليس الإعلامية- فيتمثل في عملية عسكرية محدودة النطاق تُنفذ بدعم استخباري وتنسيق غير معلن مع الدولة السورية، حيث تستهدف هذه العملية نقاطًا حساسة للتنظيم لإجباره على القبول بشروط الاندماج.

 أما السيناريو الثالث -وهو الأقل ترجيحًا حتى الآن- فيتحدث عن مواجهة أوسع إذا ما انهار الاتفاق بالكامل، وهو خيار تدرك تركيا كلفته لكنها لا تستبعده إذا فُرض عليها.

وعلى الرغم من غياب أي إعلان رسمي عن موعد محدد لمثل هذه المواجهة، تشير تسريبات صحفية مقربة من دوائر صنع القرار في تركيا إلى أن أنقرة لا تنوي ترك الملف مفتوحًا دون حسم، خاصة مع تأكيد هاكان فيدان على أن عام 2026 يجب ألا يشهد استمرار السياسة التوسعية الإسرائيلية، ولذلك فإن هذا الإطار الزمني يوحي بأن الأشهر أو ربما الأسابيع القادمة ستكون حاسمة، إما باتجاه تنفيذ فعلي لاتفاق 10 مارس أو الدخول في مرحلة جديدة عنوانها إعادة فرض الدولة بالقوة.

كلمة أخيرة

لم يعد اتفاق 10 مارس في الوقت الحالي مجرد وثيقة سياسية قابلة للتأجيل، بل بات معيارًا حاسمًا لفرز الخيارات في شمال شرق سوريا، فتركيا التي ترى في تنفيذ الاتفاق مدخلًا لاستقرار إقليمي أوسع، تبدو عازمة على إنهاء أي تواجد لتنظيمات مسلحة خارج نطاق الدولة، مفضّلة الحوار ما دام ممكنًا لكنها مستعدة للانتقال إلى خيارات أشد إذا فُرضت عليها، ومع تقاطع الإرادة "التركية والسورية" والتوافق في هذا الملف، يجد تنظيم "قسد" نفسه أمام لحظة مفصلية تحتم عليه إما الاندماج في الدولة والمساهمة في رسم مستقبل سوريا أو الارتهان لحسابات خارجية قد تقوده إلى مواجهة لا يملك ترف خوضها فضلًا عن الانتصار فيها، وما بين هذين الخيارين يضيق هامش الوقت ويقترب فصل الحسم.

أعلى