الهوية التوراتية للمجتمع الصهيوني

الهوية التوراتية للمجتمع الصهيوني


يهودية المُسمى وصهيونية الهوية ومتطرفة السلوك ويمينية التوجه السياسي، ذلك هو الوصف الأكثر دقة لأغلب الجماعات الدينية التي تنطلق من فكرة الإيمان بأساطير تلموديه وادعاءات صهيونية ليس لها ما يؤكدها في الدين اليهودي.

 فإذا كانت الحركات الدينية لاسيما الحريدية، قد ساهمت وبشكل كبير في بناء الدولة العبرية، بل ورسمت سياساتها وصناعة القرار الداخلي والخارجي لها،  فإن ذلك يؤكد على أن اعتبارات المصلحة السياسية قد تغلبت على الاعتبارات العقائدية والايديولوجية، فحركة شاس التي تشكل واحدة من أكبر التيارات الحريدية داخل الكيان لم تجد أي غضاضة في تخليها عن إرثها العقائدي، مقابل حقائب وزارية ومخصصات مالية تُقدمها الحكومة كدعم للتيار الحريدي.

 

قناة البيان المرئية

وعلى هذا النحو نشأت وترعرعت غالبية الجماعات الدينية الصهيونية داخل الكيان خلال عقود مضت، لكن رُغم أن كره  العرب يُعتبر قاسم مشترك لتلك الجماعات، إلا أن ذلك لا يعني بالمطلق أنها تتفق على ما وصل إليه الكيان الصهيوني من احتلال الاراضي العربية وإقامة دولته عليها، لأن ما يحمله ذلك التيار الذي يُعرف بجماعات التكفير، سواء من اليهود الشرقيين "سفارديم" أو الغربيين "أشكناز"، من أفكار ومعتقدات، تصطدم مع تيار تلك الجماعات الصهيونية، فهذه الأخيرة، تقوم قناعاتها ومعتقداتها  على فكرة أرض الميعاد وشعب الله المختار، بينما التيار الأول المعروف بجماعات التكفيرين لا تتورع جماعاته عن تكفير دولة إسرائيل.

من الواضح إذاً، أننا أمام تيارين من تلك الجماعات الدينية التي خرجت من رحمها كافة الجماعات الدينية الآن داخل دولة الكيان، فالأول: يُعرف "بالجماعات الصهيونية" التي تضم "المزراحي – المفدال – ميماد- موراشا – تامي".

أما التيار الثاني: المعروف بتيار التكفير، الذي تختلف معتقداته عن الأول كما أسلفنا، فيضم حركات شرقية "شاس - حبد - ناطوري كارتا – ساطمر"، وأخرى غربية تمثلها حركات "أجوادات يسرائيل، ويجيل هاثوراه أو علم التوراة".

ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد، أن جل قيادة هذه الجماعات كانت قد تخرجت من مدرسة  الحاخام "آبراهام بن سحاق كوك" المعروفة بمدرسة "مركاز هراف"، التي تم تأسيسها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وهي أول مدرسة صهيونية كانت قد مهدت لقيام الكيان الصهيوني على الأراضي العربية، لذلك حينما نلقي نظرة عامة على المبادئ الرئيسية لتلك الجماعات، لاسيما الصهيونية منها، سنلاحظ أنها تتفق على مبدأ أساسي "أرض إسرائيل كاملة"، وتنطلق هذه الجماعات من هذا المبدأ الذي يُشكل دافعاً لها لإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، على اعتبار أن ذلك يمثل واجب ديني قبل أي شيء آخر.

إن الانطلاق من معتقدات دينية مزعومة لهذه الجماعات التي لا تجد أي حرج في انتهاج القتل وكافة أعمال العُنف ضد العرب والمسلمين، يجعلها ترفض، ذلك الوهم أو السراب الذي يلهث خلفه به بعض الفلسطينيين منذ عقود "مبدأ الأرض مقابل السلام"، حيث ترى هذه الجماعات الصهيونية ذلك المبدأ تفريطاً في حقها التاريخي على أرض الميعاد.

 ومن هذه المنطلقات يتم إصدار الفتاوى من قبل الحاخامات، ولعل أهمها في هذا الصدد، حظر إخلاء المستوطنات وإنكار أي حق للفلسطينيين في أرضهم، وتمتد هذه الفتاوي لأكثر من ذلك حينما تصل إلى طرد الفلسطينيين من منازلهم واستباحتها ومن ثم الاستيلاء عليها، فما يجري في القدس على سبيل المثال لا الحصر ضد السكان العرب خير دليل على ذلك.

من الأهمية بمكان حصر الجماعات الصهيونية وتفنيد مُعتقداتها، لكن الأمر الأهم من ذلك هو البحث عن الجماعات الأكثر فاعلية داخل الكيان الصهيوني، لأن تيار التكفير الذي أشرنا إليه سلفاً ليس ذات فاعلية كبيرة وحقيقة داخل دوائر صنع القرار لدى الكيان، الذي يتحرك وفقاً لأفكار وتوجيهات صادرة عن ذلك التيار الصهيوني، كما أن كافة الجماعات الصهيونية الأكثر تطرفاً داخل الكيان، هي نتاجاً لتلك الفتاوى المقدمة من حاخامات التيار الصهيوني، الذي لا يتورع دعم وتبني تلك الجماعات، وهو ما ينعكس على أداء الحكومات اليمينية في إسرائيل تجاه هذه الجماعات، حيث تضع مصالح هذا التيار الصهيوني المتطرف على أعلى سلم أولوياتها.

وبالعودة إلى تشكيلات هذا التيار الصهيوني الذي يحتضن كافة الجماعات المتطرفة التي سنأتي على ذكرها لاحقاً، سنلاحظ أن ذلك التيار الذي يضم ثلاثة جماعات أو تنظيمات رئيسية ويعتمد بالدرجة الأولى على الأنصار والمؤيدين أكثر من التنظيم، ولم يسعى هذا التيار الصهيوني إلى تشكيل أحزاب سياسية أو تقديم مرشحين للانتخابات في الكثير من الأحيان، لأنه بات يمتلك كل مفاصل الكيان، ولعل الحركات أو التنظيمات التي تُعبر عن هذا التيار الصهيوني هي:

1-  حركة "جوش أمونيوم" كتلة الإيمان

تأسست هذه الحركة بعد هزيمة الكيان أمام الجيش المصري عام 1973، على يد الحاخام "موشي ليفنجر"، وأرجعت عدم تحقيق النصر الكبير إلى الانحراف عن روح اليهودية أو الخروج عن النص الديني. أما "جوش إيمونيم " ، التي تعني "كتلة الإيمان"، تُطلق على نفسها أيضا "حركة التجديد الصهيوني"، وهي حركة جماهيرية دينية متطرفة، تستمد تعاليمها من المفكر الصهيوني اللاهوتي الأشكنازي الأصل الذي أشرنا إليه مسبقاً "إبراهام بن سحاق كوك".

تسعى هذه الحركة إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، ولا تتوقف دعواتها عن هدم الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، ومعظم أعضائها من شباب المدارس الدينية التابعة لحزب "المفدال" اليميني المتطرف، وتضم الحركة عدداً من أشهر حاخامات الكيان الصهيوني، وما يُميزها عن سواها من الحركات المتطرفة، أنها تمزج التعاليم الدينية بالأعمال ذات الطابع السياسي، لذلك حظيت بدعم حكومي كبير، وأصبحت فكرة يهودية الدولة التي تبنتها هذه الحركة مطلب سياسي مُعلن للحكومة الصهيونية.

2- دار الحاخامية

هي واحده من أبرز المؤسسات الدينية داخل الكيان، وتحظى باعتراف رسمي رُغم أنها مؤسسة دينية غير رسمية، ويتمتع هذا التنظيم الذي تم إنشاءه عام 1921 برئاسة "إسحق كوك"، بدور اجتماعي وسياسي مهم داخل الكيان، فمن الناحية الاجتماعية، يبث في الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث والطعام والختان والدفن وإقامة شعائر السبت.

أما الدور السياسي لهذه التنظيم، فيظهر بقوة داخل الجيش، كما يمكنهم التأثير في الانتخابات البرلمانية، وتشكيل الائتلاف الحكومي وتوجهات الأحزاب السياسية، من خلال سيطرتهم على العديد من الأحزاب مثل، "شاس، ويهودوت هتوراة، والبيت اليهودي" وغيرها، فضلا عن تأثيرها  على صياغة  القوانين داخل الكنيست من خلال طرحها أو التصويت عليها حسب رغبة الحاخامات، اللذين يصدرون فتاوي من حين لآخر تُشجع أعضاءها على الارهاب وقتل العرب وتهويد ما تبقى من القدس والضفة الغربية.

3- حركة كاخ وكهانا حاي

أسسها الحاخام "مائير كهاناة" عام 1972، وحرص على أن يكون معظم مؤيديها وأعضائها  من الشرائح الفقيرة والأقل تعليماً، ومعظم أنصارها يسكنون في مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، وقد تفرع عن هذه الحركة بعض المنظمات السرية التي انتهجت اسلوب الاغتيالات، وهي مسألة حاولت الحكومات الصهيونية التغطية عليها وتداركها، من خلال حظر هذه الحركة لتهدئة الرأي العام الفلسطيني.

 لكن أبن "مائير كهاناة" استكمل مسيرة والده الاجرامي وأسس جماعة أخرى بعد وفاة والده عام 1990، عُرفت باسم "كهانا حاي" تبنت كل أشكال الحقد والكراهية للعرب وسعت لطردهم بشتى السبل، ولعل أشهر عملياتها الارهابية، مجزرة الخليل الذي ارتكبها "باروخ جولد شتاين" بحق المصلين المسلمين داخل الحرم الابراهيمي في 25 فبراير 1994.

من رحم هذه التنظيمات الصهيونية الثلاث، وبناءً على توجيهات وفتاوى واضحة من حاخاماتها، خرجت مجموعة من الجماعات الدينية المتطرفة وباتت تُعبر عن الغالبية العُظمى من المجتمع الصهيوني اليميني، أبرزها:

- حراس الهيكل: وهي حركة تضم مجموعة من التنظيمات، كمعهد الهيكل الذي تم تأسيسه عام 1983 في الحي اليهودي بمدينة القدس، ويؤمن مؤسسي هذا المعهد " يسرائيل أرييل، وموشي نيمان، ومايكل بن حورين" بان إعادة بناء الهيكل المزعوم يحتاج لمبادرات فعاله، لذلك يتلقون دعم من بعض المنظمات الصهيونية بالإضافة إلى الدعم الحكومي.

ويتبع لحركة حراس الهيكل جماعة أخرى تُسمى، "إلى جبل حامور" تضم مجموعة من الأكاديميين تركز اهتماماتها على عقد دورات لطلاب المدارس الدينية وتلقينهم كل أشكال الكراهية للعرب وشرح تاريخ مدينة القدس بما يتفق مع معتقداتهم، ولا تتوقف هذه الجماعة عن تنظيم حملات متكررة لتوجه اليهود إلى الحرم القدسي.

وتضم حركة حراس الهيكل أيضاً تنظيم آخر يُعرف بـ "الحركة من أجل إنشاء الهيكل" وتحمل أفكار أكثر تطرفاً، حيث تعلن في منشوراتها عن اهدافها الساعية لتهويد القدس وبناء الهيكل على أنقاضه، ولا شك في أن نشاط هذه الجماعات يصل إلى ذروته خلال الاعياد اليهودية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالهيكل المزعوم.

-  إحياء الهيكل: يعتبرها المتخصصين في الشأن الصهيوني الجماعة الأكثر تطرفاً، خاصةً وأن زعيمها  "هليل وايز " يسعى لضم الجماعات اليهودية المهتمة بهدم الأقصى في جماعة واحدة، لذلك تشكل هذه الجماعة اطار عام لمعظم المنظمات المعنية بذلك الهيكل المزعوم.

-  جماعة أمناء جبل الهيكل: انتهجت هذه الجماعة سلوك العنف والارهاب ضد مواطني القدس والخليل وباقي مناطق الضفة الغربية، وذلك من أجل إرهابهم وإجبارهم على الهجرة وترك أراضيهم، ولا تتوقف هذه الجماعة عن تنظيم العديد من المظاهرات الصاخبة والعمليات الارهابية ضد المدنيين الفلسطينيين العزل بغرض الاستيلاء على أملاكهم.

- جماعة "شوفوبانيم": ظهرت عام 1984، وذلك خلال الفترة التي بدأ فيها الكيان الصهيوني بمصادرة الاراضي العربية بغرض توسيع الاستيطان، وقد عمل أعضاءها على ممارسة كافة أشكال العُنف ضد العرب، وخصوصاً المقيمين بالقرب من الحرم القدسي الشريف لإجبارهم على الهجرة وترك ممتلكاتهم، لكن النشاط الارهابي لأعضاء هذه الجماعة تراجع بمرور الوقت، مقارنة بالجماعات الصهيونية الأخرى.

- جماعة " آيال" التنظيم اليهودي المقاتل: هي عباره عن تحالف مجموعة من طلبة "جامعة بار آيلان"، تم الاعلان عنها عام 1992، وهي إحدى أهم الجامعات الدينية داخل الكيان الصهيوني، وقد تبنت هذه الجماعة أفكار ومعتقدات، "حركة كاخ وكهانا حاي" التي سبق أن ذكرناها، على اعتبارها حاضنة لمجموعة من الحركات والجماعات الدينية الأكثر تطرفاً.

- جماعة" ييشع "مواطنون من أجل يهودا والسامرة وغزة: ظهرت عام 1985، داخل مستوطنة "كريات أربع" الواقعة في مدينة الخليل، وقد أهتمت بحشد وتعبئة المعارضة ضد أي حل سياسي مع العرب، وقد تزعمها المستوطن المتطرف "الياكيم يعتسيني" المعروف بنشاطاته العدائية للعرب.

-  جماعة أبناء يهودا: جماعة لديها طقوس غريبة حيث يعتكف أعضاءها في المشارف الغربية لمدينة القدس بالمقرب من ينابيع المياه، ويمارسون طقوس الطهارة، ويعتبرون أنفسهم رُسل للسيد المسيح عليه السلام، كما يمارس هؤلاء المتطرفين طقوس أخرى غريبة، كالمشي ووجوههم دائماً في اتجاه الشمس.

- جماعة إعادة التاج: لا يتوقف زعيمها الحاخام "يسرائيل فويختونفر" عن تحريك مجموعات من الشباب المتطرفين لترويع سكان مدينة القدس من الفلسطينيين والتخطيط للاستيلاء على ممتلكاتهم من المباني القديمة بحجة أنها كانت ملكاً لليهود.

- إسرائيل الفتاة: تم تغيير أسمها مؤخراً ليصبح "كهانا حي" نسبة لزعيمها الحاخام "لخمان كاهانا"، ويسكن أغلب أعضاءها في البلدة القديمة بمدينة القدس، وقد بدأت هذه الجماعة صداماتها الدموية مع المقدسين العرب عام 1983، عندما حاولت إدخال التوراة إلى "كنيس كوليل جورجيا" في احتفال ديني يمرون خلاله بجوار حائط البراق، وهو ما يُعتبر أحد أشكال التهويد لمدينة القدس.

تلك الجماعات هي الأبرز والأكثر تطرفاً، لكن عددها الاجمالي يتجاوز الـ 23 جماعة صهيونية "كنساء الهيكل، وحراس المكبر، وهذه أرضنا، والنهضة، ومملكة الشر أو تدفيع الثمن، وهي أخر الجماعات الصهيونية من حيث الظهور، حيث ركزت نشاطها الارهابي على حرق منازل الفلسطينيين، لاسيما منزل عائلة "الدوابشة" بقرية دوما بمحافظة نابلس، فضلاً عن جماعات دينية أخرى تنشط أعمالها الإرهابية من وقت لآخر أو بشكل موسمي.

ختاماً، إن سيادة النهج الديني وهيمنته على أجهزة الكيان المختلفة, وسيطرة ما يُعرف بالجماعات الصهيونية "التيار الحريدي" على كافة مؤسسات الكيان شكل بيئة خصبة لظهور الكثير من الجماعات الدينية المتطرفة، خصوصاً وأن هذا التيار قد أهتم بالتنشئة الثقافية القائمة على التطرف، وقد نجح في فرض سيطرته على الثقافة العامة للمجتمع الصهيوني، ما مكنه من غرس معتقدات وأفكار كانت كفيلة بتحويل الغالبية العُظمى من المجتمع الصهيوني الى مجتمع يميني مُتطرف.

أعلى