• - الموافق2025/12/15م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مقربون من ترامب يتنافسون على عقود ما بعد دمار غزة

يكشف تقرير حصري عن ملامح صراع خفي يدور خلف الكواليس الأميركية حول مستقبل قطاع غزة، حيث لا يقتصر التنافس على المقاربات السياسية والأمنية


البيان/القدس: يكشف تقرير حصري عن ملامح صراع خفي يدور خلف الكواليس الأميركية حول مستقبل قطاع غزة، حيث لا يقتصر التنافس على المقاربات السياسية والأمنية، بل يمتد إلى سباق محموم بين شخصيات مقرّبة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشركات جمهورية كبرى، للفوز بعقود المساعدات الإنسانية والخدمات اللوجستية وإعادة الإعمار، في ما يبدو أنه إعادة إنتاج لنموذج «اقتصاد ما بعد الحروب» الذي شهدته مناطق نزاع سابقة.

ووفق مصادر ووثائق اطّلع عليها معدّا التقرير، تقوم الخطة المطروحة حاليًا على تعيين «متعهد رئيسي» يتولى إدارة تدفق ما يقارب 600 شاحنة يوميًا من المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية إلى قطاع غزة. وتُظهر الوثائق أن الخطة لا تتعامل مع الإغاثة بوصفها واجبًا إنسانيًا بحتًا، بل كمجال استثماري منظم، إذ تقترح فرض رسوم تصل إلى ألفي دولار على كل شاحنة مساعدات، واثني عشر ألف دولار على الشاحنات التجارية.

وتشير الحسابات الواردة في الوثيقة إلى أن المتعهد، بصفته جهة ترخيص وتنظيم، سيكون قادرًا على تحقيق عوائد مالية ضخمة من هذه الرسوم وحدها، قد تصل إلى نحو مليار وسبعمائة مليون دولار سنويًا، ما يحوّل بوابة غزة الإنسانية إلى مصدر ربح استثنائي في واحدة من أكثر مناطق العالم تضررًا.

وتأتي هذه المخططات في ظل دمار غير مسبوق طال القطاع، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب ثلاثة أرباع مباني غزة قد تضررت أو دُمرت، فيما تُقدَّر كلفة إعادة الإعمار بنحو سبعين مليار دولار. هذا الرقم، وفق التقرير، لا يُنظر إليه داخل بعض الدوائر الأميركية بوصفه تحديًا إنسانيًا، بل «فرصة استثمارية» لشركات البناء والنقل والخدمات اللوجستية، على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان بعد الغزو الأميركي.

وتدار هذه المرحلة من التخطيط عبر فريق خاص أنشأه ترامب لملف غزة، بقيادة صهره جاريد كوشنر ومبعوثه الخاص ستيف وويتكوف، إلى حين بدء عمل ما يُعرف بـ«مجلس السلام». ويقود النقاشات الفنية والتنفيذية مسؤولان سابقان في وزارة الكفاءة الحكومية يتمتعان بعلاقات سياسية وثيقة مع أوساط محافظة نافذة، هما جوش غرونباوم وآدم هوفمان، الأخير الذي برز اسمه بوصفه المرجعية الأساسية للمخطط.

ويعكس صعود هوفمان، البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا فقط، طبيعة هذه المقاربة الجديدة، إذ يمتلك سجلًا سياسيًا محافظًا أكثر من امتلاكه خبرة إنسانية أو ميدانية. فبحسب التقرير، بدأ نشاطه السياسي في سن مبكرة، وعمل في إدارة ترامب الأولى قبل تخرجه الجامعي، ما يطرح تساؤلات جدية حول المعايير التي تحكم إدارة ملف بالغ الحساسية مثل غزة.

وتنقل المصادر عن أحد المطلعين على العملية قوله إن «الانطباع السائد هو أن ما يقوله هؤلاء سيحدث»، في إشارة إلى النفوذ الواسع الذي يتمتع به الفريق المشرف على التخطيط، رغم غياب أي إطار رقابي دولي أو مشاركة فعلية للجهات الإنسانية التقليدية.

وفي هذا السياق، برزت شركة «غوثامز» كأحد أبرز المرشحين للفوز بعقد المتعهد الرئيسي، لكنها انسحبت لاحقًا بعد مخاوف أمنية وتداعيات محتملة على سمعتها، خصوصًا في ظل سجلها السابق في تشغيل منشآت احتجاز مثيرة للجدل داخل الولايات المتحدة. ويعكس هذا الانسحاب حجم المخاطر الأخلاقية والسياسية المرتبطة بالانخراط في مشروع يُنظر إليه على نطاق واسع كاستثمار في معاناة إنسانية.

في المقابل، ردّ المتحدث باسم فريق عمل البيت الأبيض على التقرير بوصفه «يفتقر إلى فهم جوهري لطبيعة عمل فريق غزة»، مؤكدًا أن كل ما طُرح لا يزال في إطار الأفكار الأولية دون قرارات نهائية. غير أن هذا النفي لم يبدد المخاوف التي عبّر عنها فاعلون إنسانيون مستقلون، حذّروا من تغييب البعد الإنساني لصالح الحسابات الربحية.

ويرى آمِد خان، مدير مؤسسة خيرية تنشط في إيصال الأدوية إلى غزة، أن التخطيط الجاري «معيب وساذج»، مؤكدًا أن القائمين عليه لا يمتلكون أي خلفية في العمل الإنساني، وأن الخطط المطروحة تفتقر حتى إلى أبسط الأولويات، مثل زيادة الإمدادات الطبية والمعدات الصحية.

وتزداد هذه الانتقادات حدّة في ظل الغموض الذي يلف مستقبل دور الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، خاصة مع سيطرة إسرائيل على تصاريح الدخول والخروج لجميع الجهات العاملة في القطاع، بما فيها الشركات الربحية التي تسعى للعمل تحت مظلة «مجلس السلام».

في المحصلة، يكشف التقرير عن معركة نفوذ تدور بصمت فوق أنقاض غزة، حيث تتقاطع المصالح السياسية والاقتصادية في لحظة إنسانية كارثية. وبينما يُفترض أن تكون إعادة الإعمار مسارًا للإنقاذ وإعادة الحياة، تبدو، وفق هذه المعطيات، وكأنها تُصاغ بوصفها مشروعًا ربحيًا عالي المخاطر، يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة حوّلت الحروب إلى أسواق مفتوحة، وتركَت المجتمعات المنكوبة تدفع الثمن مضاعفًا.

 

أعلى