تأطير :

نحن نعيش اليوم في عالم تشغله العوالم البصرية بكامل تفصيلاتها وطرقها في التدليل وأنماطها في الاشتغال ، ولعل هذا وغيره ما دفع كثيراً من الباحثين في النفسيات إلى التأكيد على أن أكثر المعلومات التي يجري استيعابها من المحيط من قِبَل الفرد تمر عبر القناة البصرية ، وهو ما يفرض الاهتمام أكثر بتطوير طُرُقنا في التعامل مع الجهاز البصري عموماً حتى يمكننا أن نستفيد من هذه القناة في تحصيل معارفنا .

إن الآلة البصرية الإدراكية المعقدة بطبيعتها ، جعلت الكائن الإنساني مختلفاً عن باقي الحيوانات الأخرى ؛ لأنه يستطيع نقل المعلومات من المحيط الذي ينتمي إليه ومعالجتها من خلال هذه القناة الإدراكية البصرية بالخصوص .

1 - الصورة البصرية في التصورات النفسية : مرَّ على البحث في الصورة مراحل عدة ارتبطت بالتصورات الفلسفية ابتداءً ، ثم انتقلت إلى علماء النفس والسيميائيين وغيرهم .

وإن المتتبع للدَّور التربوي والتعليمي للصورة يجد أن الأمر يتعلق بمدى مساهمة علوم التربية في تجديد النظر إلى الوسائل التعليمية المبنية على الوسائط ؛ حيث يجري النظر إلى الصورة باعتبارها وسيطاً في المثلث الديداكتي ( المعلم والمتعلم والمادة الدراسية ) .

لكنَّ كل المساهمات التربوية المرتبطة بالصورة مستمَدة من تطوُّر العلوم المعرفية في عمومها ، خصوصاً أبحاث بعض رواد علم النفس المعرفي أمثال جان بياجيه ( Piaget j) و ميشيل دونيس ( Denis . M ) و بيليشن ( Pylyshyn ) و كوسلين ( Kosslyn ) ، و بيفيو ( Paivio ) ، و نيسر ( Neissr ) ؛ حيث يجري استثمار مختلف نتائج الأبحاث المرتبطة بهذا الحقل المعرفي حول الإدراك ( Perception ) ، والانتباه ( Attention ) ، والذاكرة ( Mémoire ) ، والتمثُّل ، وبناء الصور الذهنية ، والنمو المعرفي ، وغيرها من مجالات اهتمامات علم النفس المعرفي .

ويمكن أن نَخْلُصَ إلى أهم التصورات النفسية التي عالجت موضوع الصورة في :

- الحقبة التي واكبت الكتابات الترابطية ( Associanisme ) .

- العلوم المعرفية بمختلف اتجاهاتها ، خاصة علم النفس المعرفي منها .

- نظرية الجشطالت ( Gestalt ) الألمانية .

- نظرية الذكاءات المتعددة ؛ ( intelligence Multiple ) .

فقد شكلت الترابطية في القرن التاسع عشر الاتجاه التحليلي للصورة ، متخذة الفلسفة التجريبية مع جون لوك ( Lok. j) ، و دافيد هيوم ( Hume . d) سنداً لها في البحث في الصورة ؛ فالترابطية ترى أن الإحساس هو أساس المعرفة ؛ فقد استطاع فرانسيس جالتون (Galton F.) تقديم مساهمة فعالة حيث بَلْوَر طُرُقاً إحصائيةً واختبارات مختلفةً ، استطاع من خلالها قياس قدرة الفرد على اختزان الصورة واستحضارها كما كانت لفيشنر ( Fechner ) اهتمامات بالغة بالصورة ، دفعت علماء النفس إلى إعادة النظر في الأدوار التي تضطلع بها [1] .

لكن الصورة لم تجد مكانها الطبيعي إلا مع الاتجاه المعرفي خصوصاً مع أعمال بياجيه و إنهالدر ( Inhelder ) ؛ فالصورة عند بياجيه تحضر وتؤثر ابتداء من السِّن السابعة ، وإن كان يشير إليها منذ المرحلة ( الحسحركية ) ( Sensori- motrice ) ؛ لأن ما يميز المرحلة بعد السابعة هي العمليات ( Opérations ) ؛ والعملية في عُرْفِ بياجيه فِعْل يكون دافعه الإدراك أوالحدس ( Intuition ) ، وتباعاً لبرونر (Brunner s . j) وبياجيه جرى البحث في فرضية التسنين ( Codification ) الواحد الذي يجمع بين دخل ( Input ) المعلومات الصورية ، ودخل المعلومات الكلامية اللفظية .

ويميز بياجيه في بحثه في الصورة بين نوعين منها : صور منتجة ( productrices Images ) وصور توقعية ( nticipatrices Images ) فالصور المنتجة هي الصور التي يستحضر العضو بوساطتها أشياء وأحداثاً معروفة سالفاً ، وسبق له أن أدركها .

أما الصور التوقعية فهي تلك الصور التي لا تستند إلى ما سبق ، بل إلى الخيال عن طريق توقُّع أحداث ووقائعَ لم يسبق للفرد رؤيتها وإدراكها من قَبْلُ [2] .

والصورة عند بياجيه ليست امتداداً للإدراك ، بل هي عملية ذهنية مرتبطة بنشاطات ذهنية ، وهذا التصور هو ما يميز الاتجاه المعرفي عموماً عن باقي الاتجاهات الأخرى في تصورها للإدراك الإنساني [3] .

أما النظرية الجشطالتية الألمانية ( Gestalt بالألمانية تعني شكل ) فيقلل روادها : كوهلر ( Kohler ) و كوفكا ( Koffka ) و بول كيوم (Guillaume . p) من دور الثقافة والانتباه في الوظيفة الإدراكية ، ويرون أن العالم والصور يفرضان بنياتهما على الذات الناظرة المتأمِّلة ، ويذهبون كذلك إلى أنَّ إدراك صورة مَّا هو إدراك مباشر وحدسي ، والذات تدرك الشكل كمجموعة لا فاصل بين عناصرها .

وتنقسم الصور المدركة عند الجشطالتيين إلى عمق ( Fond ) ، وشكل ( Forme ) ؛ حيث يمكن أن تؤثر طبيعة العمق في الصورة ، وهذا ما يفسر عدداً من الأوهام الإدراكية ( Illusion ) ، و ( أعطت النظرية الجشطالتية أهمية قصوى للأوهام الإدراكية في بنائها النظري الشكلي ) .

أما نظرية الذكاءات المتعددة التي اقترحها هاورد كاردنر ( Gardner . h) [4] فتشير إلى ثمانية ذكاءات تُميِّز التفكير الإنساني برمَّته وهي : الذكاء المنطقي الرياضي ، والذكاء اللغوي ، والذكاء الحسي الحركي ، والذكاء الموسيقي ، والذكاء الطبيعي ، والذكاء الذاتي ، والذكاء التفاعلي ، والذكاء البصري الفضائي ؛ وهذه الذكاءات - كما يشير كاردنر - ليست حصراً فهي قابلة للزيادة .

وقد أشار كاردنر في حديثه عن الذكاء الفضائي إلى أن هذا الأخير يخص في غالب الأحيان بعض الأشخاص الذين يتميزون بذاكرة فضائية ؛ حيث يتمكنون من تذكُّر أماكن وفضاءات بمجرد أن يَرَوها لأول مرة ، كما أن بإمكانهم أن يتعلموا بطريقة أفضل عن طريق الصورة .

2 - قوانين انتقاء الصور البيداغوجية : إننا نؤكد على أنه لا يمكن لأي صورة أن تكون صورة بيداغوجية إلا إذا احترمنا في اختيارها مجموعة من المعايير الكفيلة بجعلها أكثر أداتية ، خصوصاً منها المعايير الجشطالتية ، كما أن على المتعلم نفسه أن يتحلى بمجموعة من القدرات والخبرات التي تساعده في إدراك الصورة ، ونختزل هذه القوانين المشتركة بين الصورة ومتقبلها ومنتجها في النقاط الآتية :

1 - لا بد للمتعلم في إدراك الصورة أن يكون منتبهاً ؛ لأن الانتباه هو الحركة الأُولَى في العملية الإدراكية ، تليها عملية الإحساس ؛ حتى يمكنه أن يستدخلها في صورة ذهنية ويستثمرها استقبالاً ، ويفترض فيه الثبات والتركيز على الصورة من حيث مكوناتها وعناصرها ؛ فكلما طال التركيز ودامت نظرته كلما استطاع فهمها واستيعابها .

2- وينبغي أن تكون له رغبة وحافز للتعامل مع الصورة ، وهذا التحفيز يفرض على منتِج الصورة أن ينتقي الصور التي تُشبِع رغبات التلميذ التي تختلف بحسب الميولات والتنشئة الاجتماعية .

3- فإذا كانت الصورة لا تلبي رغبة المتعلم فهي بذلك صورة غير بيداغوجية أما التنظيم فيرتبط بتنظيم مكونات الصورة حتى تبدو خاضعة لنَسَق معيَّن ، والتنظيم مرتبط كذلك بوجهة تَلَقِّي الصورة من قِبَل المتعلم ؛ فعماد الصورة يؤثر في تلقِّيها عموماً ، كما يُفتَرَض في الصورة أن تكون من جنس التنشئة الاجتماعية للمتعلم ، وتنتمي إلى موسوعته الإدراكية ؛ فالصور التي ليست جزءاً من خبرات المتعلم السابقة ستكون عصيَّة على الاستيعاب ، وهذا ما نلمسه لدى المتعلم الصغير عندما يصادف صوراً في الكتاب المدرسي لا عهد له بمرجعها الثقافي ؛ حيث تبقى عنده مجرد أوَّليات كما عبر عنها بورس ، لا يستطيع تذكرها ولا يحصل له الإدراك بصددها .

4- كما ينبغي للصور أن تكون خالية من التشويه أو التحريف ، بل يجب أن تكون بسيطة في عناصرها ؛ لأن الهدف ليس الصورة في ذاتها ، بل ما تقدِّمه من أدوار تعليمية تعلُّمية ، والتحريف قرين الخداع الإدراكي ، كما ينبغي أن يكون العمق فيها عادياً بسيطاً ، ويستحب أن تكون في المراحل الأُولَى من التعلم ثلاثيةَ البعد ؛ لأن الطفل في بداية تعلُّمه لا يستطيع أن يسقط الأشياء ذات البعد الثلاثي على مساحةٍ من بعدين اثنين بطريقة سهلة .

3 - أهمية الصورة البصرية في المنظومة التربوية : يمكن بما لا يدع مجالاً لشك إذاً أن تلعب الصورة دوراً فاعلاً في العملية التعليمية التعلُّمية ؛ فإذا كانت المدرسة إلى حدِّ الآن تعطي أهمية بالغة للعناصر الشكلية اللغوية ، فإن بإمكان الصورة أن تدخل التعليم من هذا الباب نفسه باعتبارها وسيطاً أصبح يفرض نفسه على المنظومة التعليمية أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك لما تتميز به من خصائص لا يمكن أن تلبيها اللغة اللفظية .

والصورة ليست وسيطاً في التعلم والتعليم وحسب ، بل هي استراتيجية وطريقة في التفكير والتعقل والتنظيم والتحري ، وليست مادة فضلة يمكن الاستفادة منها أو تركها ، بل هي لازمة لزوم الاستيعاب للتعلم ، وهي كفيلة بتجاوز التعلم اللفظي الذي يعتمد الحفظ والاستظهار في الغالب ، ولا يتيح للتلميذ إعمال الفكر والتفكر والتعقل والتنظيم ، بينما الصورة تمنح للطفل الفرصة للمقارنة واستخدام ذهنه في حل المشكلات ، واستثمار كل العمليات المنطقية في التحصيل ، كما تسهم في إبقاء الأثر التعلُّمي بعكس اللفظ ، ولا غرو في أن أغلب خبرات الفرد يحصل عليها من خلال حاسة البصر بنسبة 80 % إلى 90 % ، كما أن مبدأً سيكولوجياً يقول : إن الفرد يدرك الأشياء التي يراها إدراكاً متميزاً أكثر مما لو سمع عنها أو قرأ .

ولا غرو في أن الوسائل المرئية تتعدد بتعدد الاهتمام بدورها التربوي في العملية التعليمية التعلمية ؛ فمنها الصور الفوتوغرافية ، والصور المتحركة والثابتة ، والأفلام ، والشرائح بمختلف أنواعها والرسوم البيانية والتوضيحية ، والرسوم المتحركة ، والحكايات المصوَّرة ، والعيِّنات والنماذج والخرائط والاستعمال البصري للسبورة ، واللوحات الوبرية والمجلات الحائطية وغيرها ؛ غير أن طبيعة البحث تفرض الاهتمام بنوع منها ، نرى أنه يفضلها في المدرسة المغربية ؛ لما له من دور فعال في تطوير المناهج التعليمية خصوصاً في المدرسة الابتدائية ، ونخص بالحديث الصورة في الكتاب المدرسي ؛ فقد أكدت التجارب التي قمنا بها واستطلاعات الرأي التي اعتمدناها مدى أهميتها في العملية التربوية .

ولا بد من التذكير بأن كل وسيلة تعليمية تختلف عن نظيرتها ، وهذا ما ينطبق أيضاً على الصورة ؛ فالتعلم بواسطة الحكاية المصورة مختلف عن التعلم بواسطة شريط سينمائي ، أو التعلم بالصورة الإشهارية ... وهلم جرا .

فإذا كان كل نمط من هذه الصور يختلف في بِنيَاته ، وكيفيات اشتغاله ، فإن التعامل معه يكون أيضاً مختلفاً تباعاً لذلك ؛ إذ لا بد للمدرس من أن يكون على بيِّنة بهذا الاختلاف كي يأخذه بالحسبان في العملية التعليمية ؛ حتى يمكن للصورة أن تلبي حاجات المتعلم التعلمية ، ويدخل في هذا أيضاً اختيار المكان المناسب والوقت المناسب والطريقة المناسبة في توظيفها .

وبما أن التعلم مرتبط بشحذ الذاكرة ؛ سواء تعلَّق الأمر بالتعلم الذاتي ( التغذية الراجعة ) ، أم بالتعلم التقليدي المعتمِد على الحفظ والاستظهار والتلقين ، فالصورة تسهم إسهاماً فعالاً في استثارة مخزون التلميذ ، وتشحذ معارفه في الموضوع الذي تثيره الصورة في المادة الدراسية ، فيكفي المعلم أن يُحسِن التعامل مع الصورة بُغيَة الوصول إلى تحقيق الكفايات المرادة من الدرس .

تلبي الصورة حاجات التلميذ في التعلم والتدقيق والتحصيل والبناء وإعمال فِكْرِه المنطقي في التعامل معها ، كما تُحِسُّه بأهمية ما يشاهده ويعاينه ، وتدفعه إلى التعرف أكثر إلى الأشياء التي يشاهدها ، وتجعل العملية التربوية متوازية بين المتعلم والمعلم ؛ يشتغلان في آن واحد ؛ إذ بوساطتها سنتمكن من تجاوز معضلة التدريس العمودي الذي يرى في المتعلم صفحة بيضاء ؛ إذ يقوم هذا التعليم التقليدي على الإلقاء والشحذ والاستظهار ؛ فالصورة بعكس ذلك تجعل الطفل الصغير مشاركاً في بناء دلالة الصورة .

ويمكن أن نختصر سمات الصورة البيداغوجية في أنها :

- تُعَدُّ عنصر إثارة وتشويق بالنسبة للمتعلم الصغير ؛ تيسر الفهم والاستيعاب والانتباه الدائم .

- تساعد الطفل في البناء المنطقي واستخدام أسلوب الاستدلال والاستنتاج والمقارنة والتأمُّل .

- تنقل المعلومات العلمية والجمالية والأدبية وغيرها ، في صورة سمعية بصرية تقوم على التركيز والاختزال في الجهد والوقت .

- تلعب الصورة دوراً مهماً في تغذية التفكير الذهني لدى الطفل ، وتنمي قدراته العقلية في التخزين والتذكر واستعمال التفكير المنطقي عموماً ، كما أنها تعدِّل من سلوكياته المختلفة انسجاماً مع المنظومة التربوية عامة لما تريد تحقيقه من قيم وأخلاقيات .

- بإمكان الصورة أن تثير اهتمام الطفل ، وتستثيره في تقبُّل المادة المدرسة .

- تتميز الصورة عن اللفظ في أنها دقيقة وتختزل المسارات القرائية المتشعبة للفظ ؛ لأن صورة واحدة قد تغني عن آلاف الكلمات .

- يمكن للصورة أن تؤثر في المتعلم الصغير ؛ لما تحمله من قيم وأساليب في التنشئة الاجتماعية والتربوية .

- الصورة لا تخضع لسلطة الزمن والمكان والحدود ، وتُغْنِي عن إحضار الأشياء بالنسبة للمتعلم الصغير ؛ فهي غير اللفظ الذي يحتاج إلى إحضار موضوعات عينياً ؛ لأن الطفل الصغير لا يمكنه أن يدرك أشياء غائبة جزئياً عن موسوعته الإدراكية بطريق اللفظ وحدَه مهما حاولنا شرحه له .

- تساعد الصورة الطفل على استثمار مَلَكَته العقلية في الاستنتاج والحكم والتقويم والتقييم والربط ، كما أنها تشحذ ذاكرته في استحضار الأشياء الغائبةِ عن حقله الإدراكي ، وتيسِّر خَلْقَ الصور الذهنية في تمثُّل الأشياء ؛ وهو ما يساعده على التعلم السريع .

4 - أدوار الصورة في التعليم والتعلم : يمكن للصورة أن تلعب دوراً فعالاً في المنظومة التربوية ، وهذا الدور يبدو جلياً اليوم في حضارة الصورة عموماً ؛ بالرغم من أن المجتمع العربي لم يعطِ للصورة الدور المنوط بها في العملية التعلمية التعليمية ؛ إذ لا يتعدى الاستعمالَ التقليدي العادي ، دون أن يكون له أثر فاعل في الرفع من الجودة إن وجدت ، إلا أن الصورة في البلدان الغربية وجدت أرضاً خصبة بوصفها أكثر الوسائط التعليمية أهمية ، وأقدرها على تقديم المادة الدراسية بأيسر السبل ، كما تساهم في تجديد النظر إلى الرفع من التقنيات وتحسين البرامج التعليمية .

إن الصورة تلعب مجموعة من الأدوار في العملية التعليمية التعلُّمية ، ويمكن إجمالها في ما يلي : إن الصورة تقلِّل من الجهد والوقت والمصادر التي يمكن أن تكون ضرورة من دونها في إبلاغ المادة الدراسية ، كما أن الصورة تعمل على إشباع رغبة التلميذ وتحقيق حاجاته بالتعبير ( الكلاباردي ) من خلال الخبرات التي تزوِّده بها ؛ وكلما كانت هذه الخبرات قريبة من تنشئته الاجتماعية وواقعه الذي يعيش فيه ويتلقى معلوماته منه ، كانت أكثر فعالية في تدعيم المعلومات وشحذ ذهنه للخلق والابتكار في علاقته بها ، وتؤدي كذلك إلى ترتيب واستمرار أفكاره وَفْقَ سيرورة نَسَقيَّة ؛ وهذا ما سيجعل المعلم يحقق الكفايات التي يستوجبها الدرس بأقل تكلفة ممكنة وبفعالية أكبر ؛ وكلما استطاعت الصورة ضخ أكبر عدد ممكن من المعلومات لدخل المتعلم ، استطاع التلميذ على إثرها إثراء خبراته ؛ وهذا ما سيجعله قادراً على التعلم ومقبلاً عليه ، إن هذا الاستعداد التي تمنحه الصورة للمتعلم ، سيجعل عملية التعلم في مستوى أرجح .

وتساعد الصورة كذلك على تجنب الاتكاء الكبير على اللفظ ؛ حتى ليصبح الدرس من خلاله عبئاً على المعلم والمتعلم ، والصورة كفيلة بتجاوز هذا العائق التعليمي ؛ وذلك بخلق مجال أرحب للمزج بين هذين المكوِّنين السيميائيين ، ولا غرابة في أننا قد نجد المعلمين يستعملون ألفاظاً ليست في الموسوعة الإدراكية للمتعلمين ، تأتي هكذا بلا وعي ، ولو أنه حاول وصفها باللفظ فلن يزيدها إلا تعقيداً

 لأن الطفل في هذه المرحة يكون التفكير عنده ليس تجريدياً ؛ أي أن المفهمة لا تبدأ إلا في حدود السنة 12 ( مرحلة العقل التجريدي ) كمرحلة يصل فيها المتعلم إلى توازن تام .

إن الصورة باعتبارها شيئاً ملموساً قادرةٌ على جعل المجرد مقدوراً عليه من قِبَل المتعلم ، وهو ما يخلق خيطاً ناظماً بين معاني الألفاظ عند المعلم والمتعلم على حدٍّ سواء ، وهذا التنويع في المكوِّنين سيؤدي - حتماً - إلى تكوُّن تصورات متوافق عليها بين المعلمين والمتعلمين .

وتساعد الصورة الطفل كذلك على إشراك جميع حواسه ( الحس المشترك ) ؛ وهو ما سيودي لا محالة إلى الزيادة في كمية التعلم وتسيير غناها ، وتساعد في تخزينها واستيعابها والاستفادة منها استقبالاً ؛ لأن هذا هو المبتغى الأسمى للتعلم ، كما تساهم في الرفع من قدرة المتعلم على المشاركة ، وترفع من قدرات التفكير العلمي لديه بدءاً من الملاحظة والوصف والتفسير إلى حل المشكلات وطرح البدائل ، وهو ما يساعد في الرفع من جودة التعليم .

 


(1) DENIS (M) : Les images mentales, PUF, Paris, 1979, pp 19-22 .

(2) خصص بياجيه كتاباً كاملاً من مجموع كتبه للنظر في الصورة الذهنية ، وهو المعتمَد في هذه الدراسة ، نقصد كتابه : PIAGET (J) : L’image mentale chez l’enfant, PUF,Paris,1966 .

(3) انظر : تصورات إيكو U Eco ، وبورس Ch S Peirce, و جاكندوف و دونيس .

(4) نخص بالذكر كتابه الأول الذي كان اللبنة الأُولَى في إرساء مشروعه الذي اعتمدناه في هذه الدراسة وغيرها : GARDNER (H) : Les intelligences multiples, Ed RETZ, Paris, 1996 .