أيها القارئ الحبيب!

هذا الكلام أوجهه إلى نفسي أولاً قبل أن أتوجه به إليك كقارئ أو مستمع؛ فأقول لنفسي: عندما أبدأ في الاستماع إلى محاضرة، أو قراءة في كتاب، أو قراءة موضوع من الموضوعات، أقول: ما هو الهدف الذي أردت من أجله أن أقرأ هذا الكتاب أو أستمع إلى هذه المحاضرة؛ إذ لا بد من الحضور القلبي قبل الحضور البدني، ولا بد أن أدقق النظر في النفسية التي أُقدِم من خلالها للاطلاع أو الاستماع، فنفسية المستمع أو القارئ على إحدى صور ثلاث:

1 - (أستمعُ أو أقرأُ) للمعرفة: أي: لزيادة في رصيد المعلومات، والمعرفة بمعنى آخر: ثقافة وإلمام بهذا الأمر؛ سواء كان دينياً أو غيره، ولوجود الرغبة الكافية داخل نفسي ومحبتي لهذه الموضوعات (دينية كانت أو دنيوية).

2 - (أستمعُ أو أقرأُ) بكل جوارحي للجدال والنقد: فهذا يقرأ ويستمع بنفسية يحاول من خلالها إيجاد الثغرات التي سيجادل ويعارض من خلالها؛ لإبطال أو دفع ما يسمع أو يقرأ.

3 - (أستمعُ أو أقرأُ) وقد تهيأت جوارحي للتنفيذ: فأسمع بهذه النفسية؛ لكي أقف على ما هو المطلوب، وقد تهيأت تماماً للتنفيذ الفوري.

وأنا وأنت أيهـا القـارئ (نقرأ ونستمع) وينطبـق علينا ما قاله الله - تعالى -: {وَمِنْهُم مَن يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَذِينَ طَبَعَ اللَهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ 16 وَالَذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 16 - 17]. فالكل قد استمع، والكل حضور في مجلس واحد، ويستمعون من معلم واحد. تُرَى ما هي النفسية التي جاءت بها الطائفة الأولى الذين حرموا الفهم؟

فالحضـور البدني مـوجـود إذن، ولكن الحضـور القلبـي ما زال معلقاً عليه القفـل الحاجز والمانع من الاسـتيعاب والفهـم.

والله - سبحانه - يعلمنا ويرشدنا، إلى النفسية التي (نستمع أو نقرأ) من خلالها؛ إذ يقول - سبحانه -: {يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ 20 وَلا تَكُونُوا كَالَذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ 21 إنَ شَرَ الدَوَابِ عِندَ اللَهِ الصُمُ الْبُكْمُ الَذِينَ لا يَعْقِلُونَ 22 وَلَوْ عَلِمَ اللَهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَوْا وَهُم مُعْرِضُونَ 23 يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَهِ وَلِلرَسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِـمَا يُحْيِيكُمْ}. [الأنفال: 20 - 24]. انظر إلى ما بين النداءين؛ إذ ينبهنا في النداء الأول على وجوب طاعة الله - تعالى - وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما، ويحذرنا من التولي والإعراض بعد ما سمعنا ما هو المطلوب، وبعد ما تُليَت علينا من آيات ربنا، فعرفنا ما وصانا الله به وما أمرنا به وما نهانا عنه، وحذرنا الله - تعالى - أن نتشبه بهؤلاء الذين اكتفوا بأنهم سمعوا سماع إدراك لم يتعـد الآذان وقلـوبهم مغلقة ما زال عليها القفل؛ فلم تدخل المعاني إلى نفوسهم وقلوبهم؛ فكانت منهم الدعوى الخالية التي لا حقيقة لها، وهؤلاء هم شر الدواب.

ولم يكتف الوعظ أن يقف عند ذلك، بل بيَّن الاتجاه الصحيح وما يراد من الاستماع؛ ألا وهو الإجابة، فكان النداء الثاني الذي بين لنا أن الغرض من الاستماع إلى آيات الرحمن: السمع والطاعة، وإجابة الداعي. وكذلك نفسية الجن عندما استمعوا إلى كلام الله - تعالى - عندما كان يقرؤوه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح: {قُلْ أُوحِيَ إلَيَ أَنَهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْـجِنِ فَقَالُوا إنَا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ١ يَهْدِي إلَى الرُشْدِ فَآمَنَا بِهِ وَلَن نُشْرِكَ بِرَبِنَا أَحَداً ٢ وَأَنَهُ تَعَالَى جَدُ رَبِنَا مَا اتَخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} [الجن: ١ - ٣].

لقد تعلمنا من الجن كيف نستمع، فكان هذا هو معيار استماع هؤلاء الذين صرفهم الله - تعالى - إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليستمعوا إلى قراءته وتلاوته التي كان يتلوها في صلاة الصبح، وهذه هي نفسية الباحث عن الحق، والحقيقة؛ فإنه يبحث بكل كيانه وجوارحه؛ ولذا قال الله عنهم: {وَأَنَا لَـمَا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً} [الجن: 13].

وإليك هذه الآيات التي تصف لنا كيف تهيئوا للاستماع فكان حضور القلب قبل استماع الأذن: {وَإذْ صَرَفْنَا إلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْـجِنِ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَا قُضِيَ وَلَوْا إلَى قَوْمِهِم مُنذِرِينَ 29 قَالُوا يَا قَوْمَنَا إنَا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلَى الْـحَقِ وَإلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ 30 يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 31 وَمَن لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 29 - 32]. فانظر إلى هذا الأثر الظاهر على سلوكهم بعد ما سمعوا ووعوا وفهموا المعاني والدلالات.

نفسية من سعى وبحث للوصول إلى الحق:

{لَتَجِدَنَ أَشَدَ النَاسِ عَدَاوَةً لِلَذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَ أَقْرَبَهُم مَوَدَةً لِلَذِينَ آمَنُوا الَذِينَ قَالُوا إنَا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَ مِنْهُمْ قِسِيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ 82 وَإذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إلَى الرَسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَمْعِ مِمَا عَرَفُوا مِنَ الْـحَقِ يَقُولُونَ رَبَنَا آمَنَا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَاهِدِينَ 83 وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْـحَقِ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَالِـحِينَ 84 فَأَثَابَهُمُ اللَهُ بِمَا قَالُوا جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْـمُحْسِنِينَ} [المائدة: 82 - 85]. فتراهم عندهم معيار للحق، فإذا وصل إلى مسمعهم آيات الرحمن علموا مباشرة أنه الحق؛ وذلك من خلال الميزان الذي أقاموه في نفوسهم وقلوبهم.

فنقول - أيها القارئ الحبيب -: ماذا بعد السماع؟ هل نقف عند الوصول للمفهوم الصحيح وانتهى الأمر؟ إننا نتعلم ونستمع ونقرأ؛ لكي نقف على المدلول الصحيح، ومن ثَمَّ ننطلق بعد ذلك إلى العمل والتنفيذ؛ لأن صحة العمل موقوفة على صحة الفهم.

النفسية التي يستمع بها المؤمن:

{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَلْنَاهُ تَنزِيلاً 106 قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إنَ الَذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُونَ لِلأَذْقَانِ سُجَداً 107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِنَا إن كَانَ وَعْدُ رَبِنَا لَـمَفْعُولاً 108 وَيَخِرُونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: 106 - 109]، فعمل الظاهر يدل على أن السماع كان صحيحاً.

والنفسية التي يستمع بها العقلاء (نفسية أولي الألباب)تتجلى في قوله - تعالى -: {رَبَنَا إنَنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِكُمْ فَآمَنَا رَبَنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِرْ عَنَا سَيِئَاتِنَا وَتَوَفَنَا مَعَ الأَبْرَارِ 193 رَبَنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَكَ لا تُخْلِفُ الْـمِيعَاد} [آل عمران: 193 - 194].

فهم استمعوا سماع المستجيب لما تدعوه إليه الآيات؛ ولذا ترى علاقة الاستجابة متمثلة في الأعمال الصالحة واللجوء إلى الله - تعالى - بالدعاء وطلب المغفرة: {فَبِشِرْ عِبَادِ 17 الَذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَاهُمُ اللَهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 17 - 18].

فهم استمعوا إلى آيات الرحمن وأعقبوا ذلك بالعمل من خلال ما دلت عليه الآيات.

نفسية المنشغل بالمطالب الدنيوية:

{اقْتَرَبَ لِلنَاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ١ مَا يَأْتِيهِم مِن ذِكْرٍ مِن رَبِهِم مُحْدَثٍ إلاَ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٢ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}. [الأنبياء: ١ - ٣]، فهذا المنشغل يستمع سماع إدراك؛ فقد وصل الكلام إلى أذنيه، ولكن انشغال القلب ما ترك له فرصة للتدبر والفكر، فكان الحضور البدني، أما الحضور الروحي فهذا مفقود؛ فالقلب منشغل مغلق غير يقظان.

نفسية المجادل:

{وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلاَ أَسَاطِيرُ الأَوَلِينَ} [الأنفال: 31]، فهذا المجادل يسمع، ولكن ليست بنفسية المستمع المستجيب الذي يبحث عن الحق، وعن طريق النجاة، ولكن بنفسية الكاره للحق؛ فهو لم يرغب من استماعه الوصول إلى الحق، ولكن قضيته في السعي لإبطال الحق.

نفسية المستكبر:

فهذا المستكبر يستمع، ولكنه ليس بباحث عن الحق، ولكن بنفسية المتعالي عن الحق المتعاظم في نفسه: {وَيْلٌ لِكُلِ أَفَاكٍ أَثِيمٍ ٧ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَ يُصِرُ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: ٧ - ٨].

النفسية التي كان الصحابة - رضي الله عنهم - يستمعون بها:

فلقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - عندما يستمعون إلى كلام ربهم، يستمعون إليه وقد هُيِّئوا تماماً للاستقبال والتنفيذ الفوري، فكانت الأذان تسمع ثم تنقل هذا المسموع على الفور وفي اللحظة نفسها إلى قلوبهم؛ ليترجَم ذلك المسموع، ويظهر في صورة التطبيق الفوري بلا تأخير، يتمثلون في ذلك قول الله - تعالى -: {وَإذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، وقوله: {إنَمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَذِينَ إذَا ذُكِرُوا بِهَا خَرُوا سُجَداً وَسَبَحُوا بِحَمْدِ رَبِهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]، فكانت هذه الآية هي القاعدة التي يتعاملون من خلالها مع آيات ربهم.

وختاماً إليك - أخي - هذه القصة:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (لَمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِـمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، قَالَ: فَاشْتَدَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَ بَرَكُوا عَلَى الرُكَبِ فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَهِ! كُلِّفْنَا مِنْ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَلاةَ وَالصِيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَدَقَةَ. وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ». قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فَلَمَا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْـمَصِيرُ} [البقرة: 285]، فَلَمَا فَعَلُـوا ذَلـِكَ نَسَـخَهَا اللَـهُ، تَعَـالَى.  فَأَنْزَلَ اللَـهُ - عَزَ وَجَلَ -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. قَالَ: «نَعَمْ». {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}. قَالَ: «نَعَمْ». {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}. قَالَ: «نَعَمْ». {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. قَالَ: «نَعَمْ»)[1].

فهل رأيت كيف فهم الصحابة - رضي الله عنهم - الآيات؛ فاندفعوا عندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكون ضيقهم، وأن مدلول الآية لو طُبِّق؛ لهلكوا؟

ثم انظر إلى تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، وتربيتهم على تصحيح النفسية التي يستمعون بها فلا تكن كحال نفسية اليهود والنصارى الذين يستمعون بنفسية المتولي والمعرض، ولكن نفسية المؤمن؛ نفسية المستمع المستجيب.

وانظر إلى نفسية الصحابة - رضي الله عنهم - لما سمعوا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، فقالوا من فورهم بلا تردد ولا تباطؤ: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

 

 

 


[1] رواه مسلم.