شقحب... سهم عز

هنا بلاد الشام التي نشأ فيها الأسد الهصور الغيور، أسد التوحيد، أسد الثبات والصدع بالحق، شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى


 

في أكنَّة الأقضية أحداث متشابهة المشاهد ولو اختلف التاريخ.

في أكنَّة الأقضية إرادتان (كونية وشرعية) وجب مقابلة الأولى بالأخرى.

والحق أن الثانية تحتاج في خضم الخطوب رجالات لا تتردد؛ فالتردد في ميادين النزال نقصة في الدين وخدش في الرجولة، ولا عجب، فالمعين هو هو.

شقحب:

كان لا بد من خُلُو الساحة من المرجفين الذين يقترفون التثبيط عن الجهاد وقد قشب الذعر قلوبهم من أهوال التتار الذين أعلنوا توجههم إلى بلاد الشام الطاهرة، فكان لا بد من تقويض نفثهم.

أيها السادة!

هنا بلاد الشام التي نشأ فيها الأسد الهصور الغيور، أسد التوحيد، أسد الثبات والصدع بالحق، شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى. أقسم على الله بالنصر ليقابل التثبيط بالتثبيت: إنكم في هذه الكرَّة منصورون.

رد عليه الأمراء: قل: إن شاء الله.

فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.

وألقم المثبطين الذين أثاروا شبهة إسلام التتار حجر الحجة بإنزالهم منزلة الخوارج وأردف الحجة بقوله: إذا رأيتموني في ذلك الجانب [يريد جانب التتار] وعلى رأسي مصحف فاقتلوني.

وصل التتار إلى حمص وبعلبك بقيادة قطلوشاه فكان التقتيلُ والثمثيلُ بالجثثِ مع سبي الحرائر والذراري... حينذاك كان الخليفة المستكفي بالله والسلطان الناصر قد أصابهما الوهْن فتوجه الأسد الهصور ابن تيمية يستحثهما بالقدوم فأذعنا.

طلب السلطان من ابن تيمية أن يقف معه في المعركة والقتال، فقال له ابن تيمية: السُّنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم. ثم أفتى الناسَ بالفطر مدة القتال وأفطر هو أيضاً؛ فكان يمر على الأجناد والأمراء بشيء من أكل معه في يده.

وفي يوم السبت الثاني من رمضان عام (702هـ) وصل السلطان المملوكي الناصر محمد إلى عقبة شجورا، وعندما وصل الخبر بأن جيش قطلوشاه قد أقدم تهيَّأ الجنـود وتقلَّدوا سلاحهم واتفق الأمراء على محاربته في شقحب.

وههتف الخليفة: يا مجاهدون! لا تنظروا لسلطانكم، قاتلوا عن حريمكم وعن دين نبيكم.

والتقى الجمعان وانكسرت ميمنة الجيش الإسلامي في بداية المعركة فقام أمراء القلب والميسرة بتعزيز الميمنة.

وفي اليوم التالي توقف القتال وقد ظن قطلوشاه أنهم منتصرون. ولم يستكمل نشوة النصر حتى تفاجأ بمسيرة الجيش الإسلامي على رأسه السلطان الناصر وهم في شموخ فاق شموخ الجبل الذي هم عليه وأعلامهم تخفق، فبهت قطلوشاه الذي تلقى السهام ومن معه من أكنة الجيش الشامي وهزم الجمع التتري وولوا الدبر.

وعمت الأفراح ديار المسلمين طوال شهر رمضان بما آتاهم ربهم من النصر.

وكان درسـاً للأولين والآخرين بأنَّ تكـالُب الأعداء على الأمة ليس سبباً كافياً في هزيمتها؛ بل سبب الهزيمة من داخلها.

وقد قالت معركة شقحب بكل فخر: لن ينهض بالأمة إلا المخلصون من العلماء والحكام والأجناد.

ومن يثني الأصاغر عن مراد

وقد جلس الأكابر في الزوايا؟


أعلى