الربط القياسي.. مفهومه ومذاهب الفقهاء فيه

الربط القياسي.. مفهومه ومذاهب الفقهاء فيه


لقد أُنجزت دراسات وأبحاث في مسألة تثبيت القوة الشرائية للدخول والديون. وعُقدت مؤتمرات وحلقات علمية من أجل بحث المسألة من جوانبها كافة: الشرعية والاقتصادية.

هذا ولم تجمع هذه الأعمال العلمية على الحكم الشرعي في مسألة تثبيت القوة الشرائية للدخول والديون.. هل يجوز الحكم بصحة تحديد القيمة فيها أم لا؟

كما لم تجمع على الصيغة الشرعية لربط الديون والالتزامات الآجلة والدخول:

هل يكون الربط بمؤشر تكاليف المعيشة؟

أم بعملة مستقرة نسبياً؟

أم بالذهب والفضة؟

 وهل يصح إجراؤه على مقولات الفقهاء المتقدمين في تغيّرات النقدين الذهب والفضة، باعتبار الورق النقدي في حكمهما مطلقاً، أو على آرائهم السابقة في تغيّرات الفلوس الرائجة من حيث الغلاء والرخص والكساد والانقطاع، أم لا يصح ذلك كله ولا بد من اجتهاد في المسألة جديد[1]؟

تعريف الربط القياسي:

الربط القياسي «الاقتياس» ترجمة عربية للفظ الأجنبي indexation، وهذا مأخوذ من index numbers، وتعني الأرقام القياسية التي يعرف معناها دارسو الإحصاء والاقتصاد، ويطلق عليها بالفرنسية indices، حيث تتخذ سنة معينة أساساً للمقارنة وتعطي رقماً قياسياً مقداره 100، وتحدد التغيرات النسبية في سني المقارنة، فتكون أرقامها القياسية 100 أو أكثر أو أقل بحسب الثبات أو الزيادة أو النقصان[2].

ويقصد بالربط القياسي جعل دَين أو التزام مالي آخر يتغير مبلغه عند الاستحقاق بتغير مقياس أو مؤشر لا يكون مستواه عند الاستحقاق معروفاً عند التعاقد، بل يعرف عند الاستحقاق، والمقياس المشار إليه غالباً هو الرقم القياسي لتكاليف المعيشة الذي يعكس تغير مستوى الأسعار، إلا أن هناك أرقاماً قياسية كثيرة تتكاثف جميعاً في إعطاء صورة عن التغير في مستويات الأسعار وتكاليف الإنتاج، ولا يمكن لأحد منها - فقط – أن يكون الجواب النهائي في هذه المسألة[3].

ويقصد الربط القياسي للقرض تثبيت قيمته تحقيقاً للعدالة بين طرفيه: المقرض والمقترض[4].

 أنواع الربط القياسي:

هناك ثلاثة أنواع للربط القياسي:

أحدها: الربط التعاقدي (الرضائي)، وقوامه اتفاق الطرفين في مداينة على كون الالتزام المالي فيها مرتبطاً بمؤشر تكاليف المعيشة.

والثاني: الربط القانوني، وذلك عندما يصدر قانون حكومي يُلزم جميع الأشخاص المتداينين بالربط، مثل إصدار حكومة قانوناً يلزم جميع البنوك بربط الودائع المصرفية بمؤشر تكاليف المعيشة.

والثالث: الربط العلاجي، وهذا الربط لا يكون مقرراً أصلاً عند المداينة لا بالتراضي بين العاقدين ولا بقوة القانون، لكن يُلجأ إليه عند الوفاء في حالات التضخم التي تنخفض فيها القوة الشرائية للنقود انخفاضاً فاحشاً لتعديل الديون والالتزامات الآجلة بغية إعادة التوازن في تلك المداينات تحقيقاً لمبدأ العدالة والإنصاف، ورفعاً للظلم والإجحاف عن المدينين، وجبراً للضرر اللاحق بهم نتيجة ذلك التضخم[5].

مذاهب العلماء المعاصرين في حكم الربط القياسي:

اختلف العلماء والباحثون المسلمون في حكم الربط القياسي، فمنهم من أجازه بقصد دفع الضرر التضخمي، خاصة الربط القياسي للأجور والودائع المصرفية، واستدل على موقفه بأدلة منها: أن الزيادة المستفادة من ربط الديون والقروض بقائمة الأسعار ليست زيادة حقيقية، وإنما هي رد لنفس المالية التي اقترضها المقترض[6].

 يقول الدكتور عجيل جاسم النشمي: ولا نجد ما يمنع من تنظيم الدول نسب التضخم وتحديدها كل عام، وتكون قائمة الأسعار مقياساً لتقييم العملة. وهذا موضوع ينظر تفصيله عند الاقتصاديين، لكن المبدأ مقبول ابتداء، حتى تنجلي صورته العملية من كل وجه، ويتبين عدم مصادمته لنص أو قاعدة أو مقصد شرعي.

ومنهم من اعتبر الربط القياسي للدخول (الأجور والرواتب والمعاشات وغيرها من الدخول الثابتة المتشابهة)، قد يكون مجدياً ويمكن اللجوء إليه باعتدال على أنه مسكن مؤقت لآلام التضخم، لكنه ليس حلاً مستديماً. فإن السياسة البديلة المثلى التي تتفق مع معيار العدالة الاقتصادية الاجتماعية، وهو المعيار الذي تؤكد الشريعة الإسلامية أهميته، هي استقرار الأسعار لا الربط القياسي. وعلى الدولة الإسلامية أن تبذل كل جهد ممكن لتحقيق هذا الهدف[7].

ومنهم من اقترح جواز الربط بمجموعة من الأرقام القياسية لا برقم واحد: وعلى هذا الأساس تتطلب العدالة الاقتصادية الاجتماعية ربط الدخول والأصول النقدية لا باستخدام رقم قياسي عام واحد، بل باستخدام عدة أرقام قياسية تستند إلى أنماط الإنفاق المختلفة، وعلى العكس من ذلك فقد بين التطبيق العلمي أن التوسع في الربا القياسي على الدخول والأصول النقدية حتى لو استند إلى رقم قياسي عام واحد؛ غير مجد بسبب تعقيداته وتكاليفه العالية، لذلك لم يحرم إلا ربط بعض الدخول والأصول النقدية وكان أوسع تطبيق له في مجال الأجور والرواتب والمعاشات التقاعدية، كما حرم الربط في بعض الأصول المالية (مثل القروض والودائع المصرفية والسندات الحكومية) والضرائب والإيجارات والقروض الموثقة برهون عقارية[8].

ومنهم من لم يقبله واستدل على موقفه بحجج منها:

- سد باب الذريعة إلى المحرم: والقول بالربط القياسي ذريعة للفائدة، ولا معنى للقول بحرمة الفائدة إذا أجيز ربط الديون والودائع بمؤشر الأسعار[9].

- أن الربط يعني ضمان عائد إيجابي للقروض، وهو عين الربا المحرم.. يقول محمد عمر شابرا إن ربط القروض الحسنة لا يزال مشكلة قائمة. فهل يمكن الأخذ به؟ الحكم العام للفقهاء لا يزال حتى الآن على عدم جواز ربط الأصول المالية بما في ذلك القروض الحسنة، ويرجع ذلك إلى أن الربط يعني ضمان عائد إيجابي على القروض حتى لو كان ذلك على أساس نقدي لا حقيقي، ولهذا يعد داخلاً في ربا النسيئة[10].

- النظر إلى المآلات معتبر مقصود شرعاً: فلو أبيح الربط القياسي لأدى إلى أن يأخذ المقرض من المقترض أكثر مما يأخذه المرابون وأكثر مما يربح لو استثمر مبلغ القروض بطريق مشروع[11].

- أن الربط القياسي ينبني على أرقام تقريبية يكثر الاختلاف بين المتخصصين في قواعد إعدادها وفي فهم وتحليل نتائجها[12].

- أن الربط القياسي يتضمن غرراً محققاً، لأن طرفي العقد لا يعلمان ما سيؤول إليه الثمن أو الأجر عند القبض[13].

- أنه يتضمن الجهالة بمقدار الثمن في البيع المؤجل والأجرة في عقود الإجارة[14].

- أن المقترح في ربط الديون بقائمة الأسعار ليس تماثلاً فعلياً، وإنما هو تماثل مقدر على أساس المجازفة والتخمين، لأن نسبة الزيادة والنقصان في الأسعار ليست إلا نسبة تقريبية إنما تقدر على أساس حساب مخصوص لا يرجع إلا إلى المجازفة والتخمين[15].

- أن المقصد الشرعي من مشروعية القرض أن يكون عملاً من أعمال البر والإرفاق بالمقرض: ولا يصح للمقترض أن يتخذ القرض طريقاً لاستثمار ماله والحفاظ على قيمته، فمن جعله وسيلة لاستثمار أمواله وتنميتها والحفاظ على قيمتها؛ فقد خالف قصد الشارع[16].

- أن ربط الأجور المتكررة بتغير الأسعار يتضمن غرراً ناشئاً عن الجهالة بمقدار الأجر[17].

- استباحة الفائدة الربوية تحت ستار الربط القياسي.. يقول الدكتور القري: بل إني أقول إنه لا معنى للقول بحرمة الفائدة إذا قلنا بجواز الربط القياسي، لأن تحريمها لا يعدو أن يكون لغواً.

ومنهم من ميّز في الحكم بجواز الربط القياسي بين أمرين:

- الربط القياسي للأجور والمرتبات.

- الربط القياسي للقروض أو الديون.

الأول: جائز عندهم.

والثاني: ممنوع.

ودليل هؤلاء:

- أن ربط الأجور والمرتبات يلبي معيار العدل الإسلامي[18].

- أن الربا بنوعيه ينطبق فقط على عمليات الاقتراض والإقراض والديون بشكل عام ولا ينطبق على الأجور والمرتبات[19].

- أن ربط الودائع وأدوات الدين والقروض لا يجوز لأنه أكثر جوراً من الربا[20].

ومنهم من نظر في نوعين من الربط:

1 - الربط القياسي بمؤشر تكاليف المعيشة.

2 - الربط ببعض العملات الذهبية.

فأجازوا النوع الأول دون الثاني.

ولقد أدى النظر الاجتهادي فيما يتم به تثبيت الديون والدخول، إلى تنوع صيغ عديدة للتقويم ذكر منها الدكتور عصمت عبد المجيد بكر:

- تحديد العملة الأجنبية أو معادل قيمة هذه العملة في الالتزام العقدي.

- تحديد الالتزام النقدي بالذهب أو بقيمة معادلة لكمية معينة من الذهب.

- تحديد الالتزام العقدي بتسليم بضاعة معينة أو ثمن بضاعة معينة.

- تحديد الالتزام العقدي وفقاً لمؤشر معين.

وقد يتم اللجوء إلى أساليب أخرى في تحديد الالتزام العقدي لتجنب الآثار المترتبة على تغيّر قيمة النقد، كإدراج شرط الإرهاق وشرط إعادة النظر في العقد أو شرط التكييف؛ وهذه الأساليب تُعتمد عادة في العقود الدولية خاصة.

وتحديد الالتزام النقدي بعملة مستقرة نسبياً كالدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني والمارك الألماني؛ أسلوب يمكن في نظر البعض أن يتفادى به المتعاقدون آثار تذبذب قيمة النقود.. وبناء على هذا الأسلوب إذا استدان أحدهم ألف دينار أردني تحسب قيمتها بالنسبة إلى الدولار مثلاً، فتكون 2300 دولار، وعند الوفاء إما أن يسددها 2300 دولار أو ما يساويه من الدينار عند الوفاء[21].

وهناك من الباحثين من يرى أن هذا القول إذا اعتمد فكأننا نؤسس نظرية شرعية في مصلحة الغرب، إذ مبتغاهم اعتماد عملاتهم في كل دول العالم للهيمنة والسيطرة على مجريات حركة سوق البورصة العالمية؛ فالتحكم في أجهزة الاقتصاد لبلدان العالم كله[22].

والحقيقة أنه سواء قلنا بربط الدين والالتزامات بالعملة الأجنبية أم لا، فإن هذا لا يدفع الهيمنة الغربية على المسلمين في مجال أسواق النقد العالمية وغيرها ما داموا لم يستطيعوا استشراف المستقبل وتقييم الذات والأخذ بشروط النهضة الحقيقية في ضوء تنزيل قيم السماء وتحكيمها في ضبط سلوك البشر.

والدعوة إلى توحيد التعامل بعملة إسلامية على غرار العملة الأوروبية الموحدة، تحتاج إلى إرادة سياسية قوية تستطيع إعادة توحيد الذات العربية والإسلامية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية.

أما تثبيت قيمة الدين بالذهب أو بقيمة معادلة لكمية معينة من الذهب، فيدافع عنه الكثيرون لاتصافه بالاستقرار النسبي من جهة، ثم لربط زكاة النقود الورقية به من جهة أخرى.

وفي لغة الأرقام أجرى الدكتور محمد الأشقر مقارنة بين قيمة الذهب في عصر رسول الله وفي عصرنا الحاضر في حساب الأنصبة وأقيامها، حتى قال: إن القوة الشرائية للذهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تساوي 100% أو 120% مما هي عليه الآن لا أكثر [23].

الربط القياسي في دورات مجمع الفقه الإسلامي الدولي:

انتهى رأي مجمع الفقه الإسلامي الدولي في مسألة الربط القياسي بعد اطلاعه على البحوث والدراسات في عدد من الدورات التي يعقدها المجمع؛ إلى اتخاذ قرار في الموضوع هو:

قرار رقم: 75 (6/ 8)[24]

بشأن قضايا العملة.. إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام، من 1 – 7 محرم 1414هـ الموافق 21 – 27 حزيران (يونيو) 1993م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع قضايا العملة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله؛ قرر ما يلي:

أولاً: يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود، شرط الربط القياسي للأجور، على ألا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام.

والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغيّر في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص، والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات.. وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حراماً أو يحرم حلالاً.. على أنه إذا تراكمت الأجرة وصارت ديناً تطبق عليها أحكام الديون المبينة في قرار المجمع رقم 42 (4/5).

ثانياً: يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد – لا قبله – على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد. وكذلك يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة، الاتفاق يوم سداد أي قسط على أدائه كاملاً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم.

ويشترط في جميع الأحوال أن لا يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة في الذمة، مع مراعاة القرار الصادر عن المجمع برقم 50 (1/6) بشأن القبض.

ثالثاً: يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الآجل أو الأجرة المؤجلة بعملة تدفع مرة واحدة أو على أقساط محددة من عملات متعددة أو بكمية من الذهب، وأن يتم السداد حسب الاتفاق، كما يجوز أن يتم حسب ما جاء في البند السابق.

رابعاً: الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى، على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها.

خامساً: تأكيد القرار رقم 42 (4/5) الصادر عن المجمع بشأن تغيّر قيمة العملة، ويوصي بما يلي:

قيام الأمانة العامة بتكليف ذوي الكفاءة من الباحثين الشرعيين والاقتصاديين من الملتزمين بالفكر الإسلامي، بإعداد الدراسات المعمقة للموضوعات الأخرى المتعلقة بقضايا العملة، لتناقش في دورات المجمع القادمة إن شاء الله، ومن هذه الموضوعات ما يلي:

إمكان استعمال عملة اعتبارية مثل الدينار الإسلامي، وبخاصة في معاملات البنك الإسلامي للتنمية، ليتم على أساسها تقديم القروض واستيفاؤها، وكذلك تثبيت الديون الآجلة ليتم سدادها بحسب سعر التعادل القائم بين تلك العملة الاعتبارية بحسب قيمتها، وبين العملة الأجنبية المختارة للوفاء كالدولار الأمريكي.

السبل الشرعية البديلة عن الربط للديون الآجلة بمستوى المتوسط القياسي للأسعار.

مفهوم كساد النقود الورقية وأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلة.

حدود التضخم التي يمكن أن تعد معه النقود الورقية نقوداً كاسدة.. والله أعلم.

قرار رقم: 115 (9/ 12)[25]

بشأن موضوع التضخم وتغيّر قيمة العملة.. إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ حتى 1 رجب 1421هـ الموافق 23 – 28 أيلول (سبتمبر) 2000م، بعد اطلاعه على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم (بحلقاتها الثلاث بجدة، وكوالالمبور، والمنامة) وتوصياتها، ومقترحاتها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء؛ قرر ما يلي:

أولاً: تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42 (4/5) ونصه: «العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أياً كان مصدرها، بمستوى الأسعار».

ثانياً: يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها، وذلك بأن يعقد الدين بما يلي:

الذهب أو الفضة.

سلعة مثلية.

سلة من السلع المثلية.

عملة أخرى أكثر ثباتاً.

سلة عملات.

ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين، لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلاً.

وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما، مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى (الربط بتلك العملة) أو بسلة عملات، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 (6/8) رابعاً.

ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي:

الربط بعملة حسابية.

الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات.

الربط بالذهب أو الفضة.

الربط بسعر سلعة معينة.

الربط بمعدل نمو الناتج القومي.

الربط بعملة أخرى.

الربط بسعر الفائدة.

الربط بمعدل أسعار سلة من السلع.

وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير وجهالة فاحشة بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود. وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد، فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يُطلب أداؤه ومشروط في العقد، فهو ربا.

رابعاً: الربط القياسي للأجور والإجارات:

تأكيد العمل بقرار مجلس المجمع رقم 75 (6/8) الفقرة: أولاً بجواز الربط القياسي للأجور تبعاً للتغير في مستوى الأسعار.

يجوز في الإجارات الطويلة للأعيان تحديد مقدار الأجرة عن الفترة الأولى والاتفاق في عقد الإجارة على ربط أجرة الفترات اللاحقة بمؤشر معين، شريطة أن تصير الأجرة معلومة المقدار عند بدء كل فترة.

الرأي المختار في حكم الربط القياسي:

يرى الباحث - بعد عرض مذاهب العلماء، وذكر ما توصل إليه مجمع الفقه الإسلامي الدولي من قرارات بشأن الربط القياسي - أن أنسب الآراء وأوفقها لمقصود الشرع هو جواز الربط القياسي بشرط مراعاة القواعد التالية:

الأولى: أن يقع الاتفاق على الربط القياسي يوم السداد لا يوم التعاقد؛ سداً لذريعة الربا أو الجهل بالثمن أو الغرر فيه.. والأصل في جواز هذا الاتفاق قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً»، وأخذاً بالقاعدة الفقهية: الأصل في المعاملات الجواز.

الثانية: أن يكون الضرر محققاً وفاحشاً فيرفع.. والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، والقواعد الفقهية الأخرى في الضرر، مثل: «الضرر يزال»، و«الضرر مرفوع».

الثالثة: ألا تكون للدائن قدرة على دفع الضرر قبل وقوعه، فينزل منزلة دفع الجائحة، في صحيح مسلم: «أمر النبي عليه السلام بوضع الجوائح».

:: مجلة البيان العدد 304 ذو الحجة 1433هـ، أكتوبر-نوفمبر 2012م.


[1] د. نزيه حماد: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، ص 491.

[2] د. رفيق المصري: الإسلام والنقود، ص 85.

[3] محمد علي القري: ص 17.

[4] نفسه ص 86.

[5] د. نزيه حماد، ص494.

[6] القاضي محمد تقي العثماني: تغير قيمة العملة، ص 439، المجلة العربية للفقه والقضاء.

[7] د. محمد عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادل، ص 61.

[8] د. محمد عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادل، ص 56-57.

[9] علي القري: الربط القياسي، ص 27.

[10] د. محمد عمر شابرا: نحو نظام نقدي عادل، ص 58.

[11] د. نزيه حماد، ص 497.

[12] محمد علي القري، ص 18.

[13] د. رفيق المصري: الإسلام والنقود، ص 84.

[14] د. رفيق المصري: الإسلام والنقود، ص 84.

[15] القاضي محمد تقي العثماني: تغير قيمة العملة، ص 442، المجلة العربية للفقه والقضاء.

[16] د. رفيق المصري: الإسلام والنقود، ص 84.

[17] د. رفيق المصري: الإسلام والنقود، ص 84.

[18] انظر: القري: الربط القياسي، ص 26-27.

[19] نفسه، ص 27.

[20] نفسه.

[21] هايل عبد الحفيظ يوسف داود: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية، دراسات في الاقتصاد الإسلامي 35، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص 336.

[22] مضر نزار العاني: أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض، ص 138.

[23] مضر نزار العاني: أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض، ص 134-135.

[24] مجلة المجمع (العدد الثالث، ج3، ص1650؛ والعدد الخامس، ج3، ص1609).

[25] مجلة المجمع (العدد الثاني عشر، ج 4، ص 10؛ والعدد الخامس، ج 3، ص 1609).

أعلى