• - الموافق2024/04/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المنكرات بين سياسة الفرض

المنكرات بين سياسة الفرض


 

يقول الله عز وجل: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ...} [هود: 116]، ويقول سبحانه: {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 62 لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:62-63]. يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند الآية الأولى: يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.

وقوله {إلاَّ قَلِيلاً}، أي قد وجد من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104][1].

ويقول عند تفسير آية المائدة: يعني: هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك – أي السحت وقولهم الإثم –، والربانيون هم العلماء العمال أرباب الولايات عليهم، والأحبار هم العلماء فقط: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63].

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني: الربانيين، إنهم بئس ما كانوا يصنعون في تركهم ذلك. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ...} [المائدة: 63][2]. وأمثال هاتين الآيتين في القرآن كثير. والمقصود بيان مسؤولية العلماء والدعاة في تحصين المجتمعات المسلمة من شرور المفسدين وما يسعون به في نشر المنكرات ومحاولات فرضها على الناس حتى تألفها النفوس وينعدم من القلوب إنكارها، والمتابع اليوم لحركات المفسدين وأكابر المجرمين في مجتمعات المسلمين يرى شيئاً خطيراً يجب أن يتنادى أهل العلم والغيرة للتصدي له وتحصين المجتمع من شره، ألا وهو محاولة المفسدين فرض المنكر الذي يريدونه وجعل المسلمين أمام الأمر الواقع مستغلين في ذلك مناصبهم أو قربهم من صنع القرار، متغافلين ومتجاهلين وغير مكترثين بإنكار المنكرين وصيحات المحذرين من هذا المنكر، وفي ظنهم أن هذا الإنكار وهذه الصيحات تتلاشى شيئاً فشيئاً عندما يفرض المنكر فرضاً ويتطبع مع الوقت في حياة الناس ويصبح مألوفاً بعد أن كان منكراً ومبغوضاً، وهنا مكمن الخطر؛ إذ إن تحول المنكر إلى معروف ومألوف أخطر بمئات المرات من تلبس بعض الناس له مع كرههم له وشعورهم بالإثم وهم يفعلونه. ودفعاً لهذا الخطر العظيم ينبغي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمدافعة أي منكر يراد فرضه في حياة الناس، ومنها:

أولاً:

الاحتساب على من يكون وراء إقرار هذا المنكر وإبراء الذمة بإنكاره وعدم الرضا به ومحاولة ثنيه عن قراره، وهذا هو المرتبة الثانية في الإنكار، ألا وهو التغيير باللسان أو الكتابة، وتكرار ذلك وعدم اليأس من التغيير.

 ثانياً:

وفي حالة الإصرار على فرض المنكر وعدم الاستجابة لنصح الناصحين وإنكار المنكرين تبذل المحاولات في تأجيله أو تخفيف آثاره أو تخفيف مفاسده.

ثالثاً:

وفي حالة تجاهل ذلك كله والبدء بتطبيقه وإنفاذه، فإنه يبقى واجب كبير على المصلحين ألا وهو تحصين المجتمع من هذا المنكر واعتقاد مخالفته للشرع، فإن هذا يضمن - بإذن الله تعالى - إفشاله وإضعافه حتى لو تلبس به بعض الناس، إذ إن فعل المسلم للمنكر وهو يعتقد تحريمه وإثم فاعله أهون بكثير من فعله له من غير إنكار له ولا تأثم. وكي يتحقق هذا التحصين وتفويت الفرصة على المفسدين في تطبيع المنكر، فإنه يجب على المصلحين بمختلف تخصصاتهم ومجالاتهم أن يتعاونوا في ذلك، فالخطيب في منبره والواعظ في مسجده، والكاتب في مقالته، والشيخ في درسه والمربي والمعلم في مدرسته، والرجل في بيته وقرابته؛ كل أولئك عليهم أن ينفروا في بيان المنكر للناس وبيان إثم فاعله، وذلك ليبقى في القلوب تعظيم حرمات الله ونواهيه، ويبقى في القلوب كره المنكر، ويقطع الطريق على من يريد للناس أن يألفوا المنكر وأن يطبعوه في حياتهم من غير إنكار ولا رفض؛ لأن القلب إذا خلا من إنكار المنكر فإنه على خطر بفقد إيمانه بالكلية، وهذا ما يُفهم من قوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم.

نسأل الله عز وجل أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه، ويذل فيه عدوه، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.. والحمد لله رب العالمين.

:: مجلة البيان العدد 306 صفر 1434هـ، ديسمبر2012م.


[1] المصباح المنير في تهذيب تفسير بن كثير ص: 651.

[2] المصباح المنير في تهذيب تفسير بن كثير ص: 388.

 

 

أعلى