ومن حِكَم تسليط الظالم على الظالمين: أن يكون ذلك سببًا لقطع ظلم الظالمين. وقد قيل: الظلم لا يدوم، وإن دام دَمّر ولو بعد حين
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه
وصحبِه، وبعدُ:
أحداث
كبرى تقع في العالم، وينصرف كثير من الناس لتحليل أسبابها واستشراف مآلاتها، وهذا
ينبغي أن لا يَصرف المؤمنين عن تلمُّس حِكَم الله تعالى فيما يُقدِّره، ورَبْطها
بسُنَن الله تعالى التي يُجريها في هذا الكون.
ومن الأحداث التي تدعو للتأمل: ما جرى في التاريخ، ولا يزال، من تسليط الظالمين
بعضهم على بعض، كما قال الفضيل بن عياض: «إذا رأيت ظالمًا ينتقم من ظالم؛ فقِفْ،
وانظر فيه مُتعجّبًا»[1].
في مثل هذه الوقائع تظهر لنا سُنّة من سُنَن الله -عز وجل- لا تخطئها عين المؤمن،
وهي ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِـمِينَ بَعْضًا
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: 129]؛ قال ابن كثير -رحمه الله-: «ومعنى
الآية الكريمة: كما وَلّينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من
الجن؛ كذلك نفعل بالظالمين، نُسلّط بعضهم على بعض، ونُهلك بعضهم ببعض، وننتقم من
بعضهم ببعض؛ جزاء على ظلمهم وبغيهم»[2]،
وقال القرطبي -رحمه الله تعالى-: «هذا تهديدٌ للظالم إن لم يمتنع عن ظلمه؛ سلَّط
الله عليه ظالمًا آخر»[3].
ومن حِكَم تسليط الظالم على الظالمين: أن يكون ذلك سببًا لقطع ظلم الظالمين. وقد
قيل: الظلم لا يدوم، وإن دام دَمّر ولو بعد حين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه
الله-: «فإذا اقتتل الظالمون، تسلَّط بعضهم على بعض، وكان في ذلك فَرَج للمظلومين»[4].
وكن على يقين أن لله الحِكمة البالغة في قدَره وشرعه؛ «ومن له فطنة إذا سافر
بفِكْره في هذا الباب رأى الحكمة الإلهية سائرة في القضاء والقدَر ظاهرة وباطنة
فيه، كما في الخلق والأمر سواء، فإياك أن تظن بظنّك الفاسد أن شيئًا من أقضيته
وأقداره عارٍ عن الحكمة البالغة، بل جميع أقضيته تعالى وأقداره واقعة على أتمّ وجوه
الحكمة والصواب»[5].
فإذا رأيت بطش الظالمين وقهرهم للمظلومين قد طال؛ فلا تحسبن الله غافلًا عما يعمل
الظالمون، واعلم أن وراء ذلك حِكمًا كثيرة، منها ما جاء في قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «إنّ الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته، ثم قرأ:
﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ
أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢]»[6].
[1] تفسير القرطبي: ٧/ ٨٥.
[2] تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٠٤.
[3] تفسير القرطبي: ٧/ ٨٥.
[4] مجموع الفتاوى: 28/ 546.
[5] الجواب الكافي لابن القيم: ص45.
[6] صحيح البخاري: ٤٦٨٦.