التخطيط أداة فعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر تجنب السلبيات كعدم استغلال الموارد واحتكار السوق، مستنداً على تنبؤ دقيق بواقع الحاضر وتحليله، ووضع خطط مرنة تتضمن بدائل لمواجهة التحديات المستقبلية.
التخطيط هو الوسيلة الفعَّالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالسرعة
اللازمة وفي الاتجاهات المطلوبة؛ بهدف تحقيق وَضْع معيشي أفضل للمواطنين. والدولة
-بما لديها من سلطات ووسائل-، تمارس دورًا إيجابيًّا للتأثير في معدل النمو
الاقتصادي، واتجاهات التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك عن طريق الأخذ بنظام
التخطيط المتميز، مع العمل على إزالة الكثير من السلبيات التي تَعُوق مسيرة
التنمية.
ومن تلك السلبيات: عدم الاستخدام الكامل للموارد المتاحة، ووجود عَجْز في ميزان
المدفوعات، واختناقات في الإنتاج والتوزيع، وتركيز نشاط المواطنين على التجارة دون
الصناعة، ووجود الاحتكار بدلًا من المنافسة الحرة، وكذلك تفشّي مظاهر الفقر والجهل
والمرض.
ومن أكثر تعريفات التخطيط شيوعًا في المؤلفات الإدارية: تعريف
«هنري
فايول»
مِن أنّ التخطيط هو
«التنبؤ
بما سيكون عليه المستقبل، مع الاستعداد لهذا المستقبل».
فالتنبؤ أو التوقع هو الخطوة الأولى لعملية التخطيط، والمقصود بالتنبؤ هو محاولة
الكشف عن أكبر اتجاهات الأحداث المستقبلية احتمالًا للحدوث في الواقع، ومِن ثَمَّ
فإنّ التخطيط يبدأ بهذا التوقع أو التنبؤ الذي يقوم على أساس تغيُّرات أو افتراضات
يُتوقَّع تحقيقها مستقبلًا خلال فترة محددة تتناولها الخطة.
ومن المعروف أن التنبؤ أو التوقُّع يختلف عن مجرد التخمين والحدث، وهو ما يتطلب أن
تكون الافتراضات أو المُقدّمات التي تسند إليها الخطة ثمرة دراسة جادة تستند إلى
بيانات ومعلومات إحصائية دقيقة؛ أي: أن التنبؤ يجب أن يسبقه دراسة الواقع، ومع ذلك
ينبغي أن يُؤخَذ في الاعتبار أنه مهما بلغت دقة التنبؤ الذي تقوم عليه الخطة فإنه
يندر أن يتحقّق تمامًا بصورة كاملة.
ولذا فإنه عند إعداد الخطة يتعيَّن الحرص على تحقيق درجة عالية من الدقة في تحديد
المقدّمات المساعدة على النجاح، ويجب في الوقت ذاته أن يُوضَع في الاعتبار احتمال
عدم تحقُّق بعض هذه المقدمات، وتدبير طريقة تعويض ذلك؛ أي: أنه عند وضع الخطة -متى
أظهرت الدراسات تباين أو اختلاف الافتراضات أو المقدمات- فإنه يتعين أن تتضمن عدة
أساسيات يستند كل منها إلى افتراضٍ مُعيَّن؛ بحيث يكون هناك سياسة أصلية تقوم على
أساس أكثر الافتراضات احتمالًا، وأخرى بديلة لمواجهة الحالات التي يتحقق فيها
افتراضات أو مقدمات مغايرة (مثال ذلك: أن تُرْسَم السياسة الأصلية على أساس افتراض
استمرار حالة السِّلْم، مع افتراض سياسة بديلة تُطبَّق عند قيام الحرب).
ويمكن التمييز في نشاط الإدارة بشأن التخطيط بين ثلاثة أمور؛ فهناك من ناحية دراسة
الحاضر وتحليله، ومن ناحية ثانية التوقع أو التنبؤ بالتطورات المحتملة، وأخيرًا
تحضير البرامج أو الخطط.
دراسة الواقع أو الحاضر
إن أيّ قرار إداري بغضّ النظر عن موضوعه يتطلب بالضرورة أن يسبقه العلم بالوقائع
وتحليل هذه الوقائع على نحو سليم، وإذا كان ذلك يصدق بالنسبة للقرارات الفردية
الإدارية فإنه يصدق من باب أولى بالنسبة للخطة، وما تتضمنه من أنشطة متنوعة؛
فالإدارة يتعين عليها أن تبدأ من الوقائع وتقوم بملاحظتها وتحليلها. والأخطاء التي
يقع فيها النشاط الإداري ترجع في أغلب الحالات إلى أن الإدارة لم تُحِطْ بالواقع
على حقيقته.
وبالنسبة للوسائل التي تحصل عن طريقها الإدارات على المعلومات المتنوعة التي تلزم
لنشاطها؛ فإنه يمكن التمييز بين عدد من المصادر؛ فهناك الاتصال الشخصي بين الوزير
أو رؤساء الإدارات وسائر مَن يلتقون بهم خلال عملهم اليومي من ممثلي الطوائف
والجماعات ورؤساء المؤسسات وأصحاب المشروعات والأفراد، غير أنه مهما كانت أهمية هذه
المعلومات التي تحصل عليها الإدارات المركزية عن طريق الاتصالات الشخصية؛ فإنها لا
تكفي بالطبع لتوضيح الصورة أمام هذه الإدارات، خاصةً أن ممثلي الجماعات والطوائف
وأصحاب المشروعات الخاصة يَهُمّهم في المقام الأول الإدلاء بمعلومات تخدم مصالحهم
وتبرّر السياسة التي يرغبون في إقناع الإدارة العامة باتخاذها، ومِن ثَمَّ فإنهم
يميلون بالضرورة عن قَصْد أو بغير قصد إلى حذف أيّ معلومات من شأنها ألّا تخدم وجهة
نظرهم ومَطالبهم، ولذا يتعيَّن على الإدارة المركزية السعي للحصول على المعلومات
والإلمام بالواقع من مصادره المباشرة، وهي تملك في هذا الصدد عدة قنوات.
فمن ناحية يمكن للإدارة أن تطلب من تابعيها أن يُقدّموا بصفة دورية المعلومات التي
تُتيح لهم أعمالهم الحصول عليها، مثال ذلك أن يُكلَّف رؤساء الإدارات الفرعية
بكتابة تقارير دورية تتضمّن الأرقام والمعلومات والإحصاءات التي تتوافر لهم. ويمكن
في هذا الصدد أيضًا الاستعانة بتقارير التفتيش، كما أن بعض طوائف العاملين بالإدارة
يُكلّفون على وجه الخصوص بجمع المعلومات المهمة لمصلحة الإدارة في الداخل، كما يقوم
الممثلون الدبلوماسيون بجَمْع أكبر قَدْر من المعلومات عن تصرُّفات ونوايا الحكومة
التي يُمثّلون دولتهم فيها.
وتحرص الإدارة العامة على متابعة ما يَطرأ من تغيُّرات على الهيكل المالي
والاقتصادي والاجتماعي، ورَصْد أيّ تفاعلات، وذلك عن طريق إدارة الإحصاء.
ومع التطور الملحوظ الذي لحق طرق ونظام جمع المعلومات مِن قِبَل الإدارة في السنوات
الأخيرة؛ فإن الإدارة العامة في بعض الدول لا تكتفي بما تحصل عليه من معلومات
وإحصاءات بجهودها الذاتية، وإنما تعتمد أحيانًا على تكليف بعض المكاتب والمؤسسات
الخاصة ببعض الدراسات لحسابها، وخاصةً في هذه المجالات التي تتطلب درجة عالية من
التخصُّص العلمي أو الفني الذي قد لا يتوافر لموظفي الوزارة أو الإدارة المعنية،
كما يُواكب ذلك أيضًا أن الإدارة قد تعمد في بعض الحالات إلى إجراء استطلاع للرأي
العام لدى المواطنين؛ لمعرفة ردود فِعْلهم تجاه مشروعات الإدارة.
توقُّع التطوُّرات المحتملة
إن ملاحظة وتحليل الوقائع الحاضرة لا يكون لها مغزى أو جدوى إلا بالقَدْر الذي
يُسْهم به هذا التحليل في إنارة وكشف المستقبل القريب منه والبعيد، فالإدارة العامة
شأنها في ذلك شأن المشروعات الخاصة لا يمكنها أن تتصرَّف على وجه سليم من غير
توقُّع لما سيُسْفِر عنه المستقبل، ومحاولة تصوُّر التطورات المحتملة في سائر جوانب
النشاط الإنساني في الوسط الذي تُديره.
ومع التسليم بأن توقُّعات الإدارة تستند في الغالب إلى قَدْر كبير يقوم على أساس
تحكمي، فإن التجارب في جميع دول العالم على اختلاف أنظمتها قد أثبتت جدوى هذه
التنبؤات؛ إذ تبدو أهمية التوقع أو التنبؤ لآجال أو مُدَد طويلة أو متوسطة على وجه
الخصوص عندما تكون القرارات التي تتخذها الإدارة العامة قرارات مهمة، مثل إنشاء أو
اختيار موقع لتوريد الطاقة النووية، أو رسم خطة دفاعية عن إقليم مُعيَّن.
وقد أصبح من الشائع أن تهتمّ الوزارات والإدارات بصورة متزايدة بحساب وتقدير المهام
التي ستقوم بها خلال خمس أو عشر أو عشرين عامًا، والنتائج التي يمكن أن تترتب على
ذلك، مثل زيادة الموارد المالية والإنشاءات والتجهيزات الجديدة، وما يستتبعه كلّ
ذلك من تعديل الهيكل وأساليب العمل والإدارة.
إعداد الخطط والبرامج
لا شك أن جَمْع المعلومات، سواء تعلقت بالماضي أو الحاضر أو المستقبل القريب أو
البعيد، له فائدته وجَدْواه بالنسبة للإدارة العامة؛ بقَدْر ما يُتيح لها اتخاذ
القرارات الدورية، ومعرفتها أفضل طريقة للعمل، وينبغي أن تنظم هذه القرارات في
مجموعة شاملة أو مُوحَّدة تتمثل في الخطة أو البرنامج الذي يحكم نشاط الإدارة؛ فهذه
الخطط أو البرامج تستند إلى التطورات المحتملة، كما تم توقُّعها، وتسعى في نفس
الوقت إلى تكييفها مع ما يُواكِب أهداف الإدارة.
ومن المعلوم أنّ مجرد الإلمام بالحاضر وتوقُّع المستقبل لا يكفي لوجود خطة، وإنما
ينبغي أن تسعى الإدارة لخلق التناسق والانسجام بين الأهداف والوسائل، فالتخطيط لا
يتحقّق عندما يقتصر عمل الإدارة على التوقُّع السلبي لتطوُّر سير الأحداث ومتابعته،
بل إنّ التخطيط السليم يستند إلى جمع المعلومات عن الماضي والحاضر والتنبؤ
بالمستقبل، ومقارنة ذلك مع الآمال، والخطة السليمة بمعناها الدقيق تتطلب توافر عدة
عناصر هي:
- تحليل شامل أو كُلّي للوضع القائم في لحظة معيَّنة من سائر جوانبه.
- توقُّع تطورات المستقبل أو على الأقل الخطوط الرئيسية فيه.
- تحديد الأهداف الرئيسية والثانوية التي يمكن تحديدها في تواريخ مُحدَّدة بعينها.
- الوصف الدقيق للوسائل التي تسمح ببلوغ هذه الأهداف.
- بيان الأساليب التي عن طريقها يمكن مراقبة درجة التقدُّم في تنفيذ الخطة.