إستراتيجيات العبور من مآزق الحروب... نماذج معاصرة

إستراتيجيات العبور من مآزق الحروب... نماذج معاصرة


بعد الدمار الذي حل بالبشرية في أعقاب الحربين العالميتين وإدراك الدول الكبرى أنه مهما كان عمق خلافاتها فإن الحـرب طريق محترق يجب أن يستبعَد أن يكون خياراً فيما بينها؛ لا سيما بعد ظهور أسلحة الدمار الشامل التي تهدد الجميع... بعد ذلك كانت نشأة الأمم المتحدة.

«نحن شعوب الأمم المتحدة آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال من ويلات الحروب التي جلبت على الإنسانية في حقب متقاربة أحزاناً عميقة الأثر».

تلك العبارة التي استهل بها الميثاق العام للأمم المتحدة ديباجته، والتي تحمل في مضمونها ما تنطـوي عليه الصراعات والنزاعات من تدمير مادي ومعنوي للشعوب والأمم، فتارة تهدد الدولة بالانقضاء والسيولة وتؤول بها لمصير الدولة الهشة ومنه للفاشلة التي تقف عاجزة عن تلبية أبسط احتياجات شعوبها المتمثلة في الأمن والاستقرار. وتارة أخرى تهدد حياة الفرد وتفقده السلام الداخلي ونزعة الاستقرار التي يسعى لتحقيقها منذ أن خُلق وحُمِّل بالرسالة. ومن هذا المنطلق الذي تسعى من خلاله الشعوب والأمم لتجنب ويلات الحـروب والنزاعات والتغاضي عن آثار التدمير والتخـريب، والنجاة بالأرواح وتجميع شتات النفس من خلال خلق بيئةٍ صحية تحمل في طياتها الاستقرار والأمن والرفاهية؛ بيئةٍ تضمن أبسط الحقوق التي يمتلكها الفرد، المتمثلةِ في حقه أن يحيا وينعم بحياة هادئة بعيدة كل البعد عما يعكر صفوها ويُدنس قدسيتها، ولتحقيق هذا الأمر يتعين أن يتم رسم خريطة مستقبل أو إستراتيجية عبور بالدول من حِقبة الحروب وما تنطوي عليه من قطيعة في العلاقات بمختلف مجالاتها، إلى حِقبة الانفراجة في العلاقات والتغاضي عن العدوان ومسبباته والنزعات ومؤججيها، لتحمل خطى الإصلاح والتعمير وتحقق التعاون والتبادل في مختلف القطاعات، ومنه لتسمو بشعوبها من وهدة اليأس إلى الممكن والمحتمل تحقيقه؛ وذلك من خلال الإسقاط على نماذج إيجابية حققت الانفراجة في علاقاتها بعدما أنهكتها الحروب وقضت على مقدراتها، ولعل من أبرزها دول الاتحاد الأوروبي، هذا بالإضافة إلى العلاقات التي تجمع اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

الظرفية المتقاربة للحروب التي نشبت بين الدول الإسلامية:

نشبت العديد من الحروب بين الدول الإسلامية في القرن المنصرم، ولعل أبرزها الحرب الليبية التشادية عام 1978م، وحرب الرمال بين الجزائر والمغرب عام 1963م، وحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران عام 1980م، وحرب الخليج الثانية بين العراق والكويت عام 1990م، والحرب بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية عام 1971م.

كانت تجمع تلك الحروب عدة مسببات مشتركة تتمثل فيما يلي:

أولاً: مشكلات حدودية: كانت من أبزر مسببات اندلاع الحروب بين الدول الإسلامية وخاصة تلك التي تجمعها حدود مشتركة محل تنازع؛ كما هي حرب الرمال بين الجزائر والمغرب في منطقة تندوف التي انتهت من خلال قرار وقف إطلاق النار النهائي الذي صدر بالتعاون بين الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية. كذلك الأمر في حرب الخليج الأولى؛ إذ اندلعت تلك الحرب بين العراق وإيران بسبب مناوشات حدودية بين البلدين ومن ثَمَّ نشبت تلك الحرب الدامية التي راح ضحيتها كثير من الأرواح البريئة.

ثانياً: التدخل في شؤون الدول الأخرى وبسط النفوذ: وذلك من خلال التدخل الليبي في الشأن التشادي الداخلي وتحديداً أثناء الحروب الأهلية التي نشبت في شمال الدولة الثانية من خلال إرسال القوات الليبية داخل تشاد، بينما كان الدافع الخفي لتلك الحرب هو المطامع الليبية بالسيطرة على إقليم (أوزو) الواقع شمال دولة تشاد.     

هذا بالإضافة إلى التدخل العراقي في الكويت واعتبارها إحدى المحافظات أو اللواءات التابعة للدولة العراقية؛ وذلك بغاية السيطرة على الجزر الكويتية (وربة وبوبيان) وبسط النفوذ على الخليج العربي وخاصة في مواجهة عدوها التقليدي إيران.

وأخيراً الحرب بين باكستان الشرقية والغربية من خلال تدخل وحدات عسكرية من وحدات باكستان الغربية ضد المدنيين ومسلحين بنغال الذين طالبوا الحكم العسكري بضرورة احترام ما أسفرت عنه الانتخابات الديمقراطية في باكستان الشرقية، وهو الأمر الذي طالب فيه هؤلاء من حتمية الانفصال عن باكستان الغربية... ثم تدخلت الهند في تلك الحروب وأسفرت عن استقلال باكستان الشرقية متمثلة بـ (بنغلاديش).

وبعد التطرق لأبرز المسببات المشتركة لتلك الحروب فإننا نجد أن هناك أسباباً أخرى وراء اندلاع تلك الحروب تتعلق بالدول ذاتها (النزاعات الدينية، الحروب الأهلية، التعدد الإثني والعرقي والقبلي، نظم الحكم الدكتاتورية...) ومن ثَمَّ ينتج عنها هشاشة مؤسسات الدولة في التصدي ومجابهة تلك التحـديات فتصبح مطمعاً لجوارها الإقليمي بالدرجة الأولى وللدول الخارجية ثانياً؛ وذلك لنهب ثرواتها وممارسة نفوذ من خلالها واقتطاع المناطق الحدودية المتنازع عليها في غِمار ضعفها، ومن ثَمَّ يصبح من اليسير أن يتم تصدير الإرهاب وحروب العصابات وحروب الوكالة إن تطلب الأمر ذلك. ولكن تلك الأدوات تخص الدول الخارجية التي لا ترغب في أن تخـوض الحرب بقواتها بل تسخر لها المرتزقة من أجل إثارة القلاقل والشتات بداخلها تمهيداً لامتصاص ثرواتها.

خريطة المستقبل (إستراتيجية العبور) للخروج من مأزق الحروب:

بَيْد أنه للحديث عن خريطة مستقبل أو إستراتيجية عبور للخروج من مآلات الحروب يتعين:

أولاً: أن تتم دراسة البيئة الداخلية للنزاع؛ بمنعى أنه إذا تم تناول حرب بين دولتين فإنه تتعين دراسة البيئة الداخلية لكل دولة على حدة؛ وذلك للوقوف على مواطن القوة والضعف لكل دولة بالإضافة للخـروج بدوافع الدولة المعتدية ومنه لرصد مدى مشروعية التدخل من عدمه.

ثانياً: التطرق للبيئة الخارجية لدولتي النزاع وتحديداً النظرة الإقليمية والدولية للنزاع؛ وذلك للوقوف على أبرز التحديات التي تمثل عبئاً على الدولتين، وأهم الفرص التي قد تنهي النزاع بين الطرفين، فضلاً عن رصد النظرة الخارجية للنزاع ومدى تقاطع تلك المصالح مع احتدام الأزمة من عدمه، وبناءً عليه من خلال الاطلاع على البيئة الداخلية والخارجية للصرع. ومن خلال التغذية العكسية أي مطابقة الوضع الداخلي مع الخارجي يتم وضع الخريطة أو الإستراتيجية المناسبة للخروج من تلك الأزمة مع تحديد المدة الزمنية لتحقيق أهدافها وغايتها المنشودة، فضلاً عن مدى توافر البدائل في حين أفشل أحدَها تواترُ الأحداث، ومن ثَمَّ الرقابة على تلك الخريطة حتى لا يتسنى لأي طرف أن يخترق محتوياتها، ومنه لتحقيق السلام وانخفاض حدة النزاع وصولاً إلى مرحلة التصافي وتحقيق الصالح العام.

ومن هذا المنطلق تتمثل أبرز بنود تلك الخريطة وَفْقاً للمسببات التي تستوفيها الحروب سالفة البيان فيما يلي:

على صعيد البيئة الداخلية: فيما يتعلق بالتباينات العرقية والإثنية والقبلية الموجودة في كل دولة على حدة؛ يتعين على الدول أن تعمل على صهر تلك التباينات في نسيج المجتمع من خلال تصدير ثقافة الاحتواء والمساواة وترسيخ مفهوم المواطنة والمواطن بغض الطرف عن اللغة أو الدين أو العرق أو حتى اللون، وتتم عملية الصهر من خلال الدمج في كافة المؤسسات التعليمية والثقافية حتى على صعيد العمل وتقلُّد المناصب العامة والمشاركة السياسية وحتى على صعيد صنع القرار واتخاذه، وتبني ثقافة تقبل الآخر وأن التنوع والتباين صحي من أجل مجتمع مستقر وآمن. ومن ثَمَّ سيشتد النسيج الداخلي لتلك الدول فتنخفض الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية التي يتم التعويل عليها واتخاذها ذريعة للتدخل في شؤون الدول. هذا بالإضافة إلى أنه في حال اضطرت الدولة للدخول في حالة حرب فلن تهتم للداخل لأنه مستقر وتلقى منه كل الدعم والمساندة وهو ما ينعكس إيجاباً على قوتها العسكرية، كما أنه في حال تم الاعتداء عليها فلن تتمكن الدول المعتدية من تحقيق أي انتصار إيجابي طالما أن الدولة وكافة عناصرها مصطفين خلف هدف واحد وغاية واحدة؛ أي أنه باستقرار الداخل لن تتمكن أي قوة من التسلل وخلق المشكلات بين أبنـاء الوطن الواحد. وعلى النقيض فيما يتعلق بالسلطة السياسية للدولة، فيتعين على كل دولة أن تعمل جاهدة على تحقيق غاية شعوبها من الأمن والاستقرار والرفاهية ولكن دونما أي إضرار بحقوق الآخرين أو حتى التعدي على مقدراتهم، واحترام سيادة كل دولة على إقليمها وَفْقاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تجرِّم التعدي على دولة دون وجه حق يخولها ذلك، ناهيك عن عدم التدخل في شؤون الدول تحت أي ظرف إلا في حال تعدت دولة على حقوق دولة أخرى؛ ففي هذه الحالة تستوجب الدفاع عن النفس وما إلى ذلك. كما أنه ينبغي على صعيد القيادات السياسية بين الدول التي نشبت بينها حروب أن تتغاضى تلك القيادات عن تصعيد الصراع لاستئناف الحروب؛ بل يستوجب أن يتم التفاوض لتقريب وجهات النظر من خلال وسط محـايد، وأن يقدم كل طرف حدّاً أدنى من التنازلات للآخر حتى تتحقق الفائدة للطرفين كليهما، ومن ثَمَّ حل الخلاف من خلال التفاوض وعقد الجلسات الودية؛ أي اللجوء لأساليب وأدوات العلاقات الدولية والامتناع عن ذكر أي حل يتضمن احتمالية نشوب حرب مسلحة.

على صعيد البيئة الخارجية: من خلال الاضطلاع بالدارسة والتحليل لمجريات البيئة الخارجية للدول الواقع بها النزاع؛ فكل دولة تعي جيداً حجم المخاطر التي تتعرض لها، ومن هي الدول الصديقة لها وتلك التي تحمل لها العداء، ومن ثَمَّ اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمواجهة كافة التحديات الخارجية التي قد تتعرض لها؛ سواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو التجارة أو حتى على صعيد علاقاتها بغيرها من الدول. كما أنها من المفترض أن تستغل الفرص وتسعى جاهدة لاغتنامها من أجل أن تحقق مصالحها القومية وتحمي شعوبها، وتستغل مقدراتها ومواردها الطبيعية إن وجدت - وخاصة النفطية - لتشكل أداة ضاغطة على الدول لكي لا تتعرض لأي خديعة منها، كذلك تأمين حدود إقليمها من المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها وخاصة فيما يتعلق بمرتكبي الجرائم الدولية وجرائم الإرهاب، وأن تتجنب أن تكون ساحة قتال وحرب لغيرها من الدول من خلال حروب الوكالة أو حتى حروب العصابات والمرتزقة؛ بمعنى ألا تسقط فريسة لأجندات أي دولة أخرى، هذا بالإضافة لاتباع سياسة خارجية نشطة تستهدف التعاون مع الدول قدر الإمكان، فضلاً عن تحقيق التنمية والتطوير في مختلف القطاعات، ناهيك عن عقد الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية في مختلف المجالات وخاصة الأمنية والاقتصادية منها، بالإضافة للانضمام إلى التحالفات الاقتصادية والأمنية من أجل تدعيم أواصر ومركز ثِقل الدولة أمام الدول المناظرة لها، وعليه لن يتسنى لأي دولة أن تضمن ميدان القتال وتحكم قبضتها عليه إذا لم تستغل كافة الفرص التي قد تمنحها الأفضلية ومن ثَم تجعلها ذات أفضلية في عمليات التفاوض ومنه لتحقيق مكاسب بنحو متزايد عن الآخر. إن السعي نحو التخريب والتدمير لهو العمل اليسير الذي لا يتطلب جهداً ولكن الإعمار والبناء والتعمير وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار يتطلب الكفاح والنضال والعمل من أجل تحقيقه.

أخيراً: فيما يتعلق بأبرز النماذج الإيجابية التي كافحت من أجل تجنب ويلات الحروب ونأت بنفسها عن المخاطر وتبعاتها، يمكن إيجازها فيما يلي:

أولاً: دول الاتحاد الأوروبي: جاءت الإرهاصات الأولى لنشأته قُبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج دوله منهمكة من جراء الحروب، بالإضافة إلى الاقتصاد المنهار تماماً نظراً لما تورثه الحروب من استنزاف للموارد والمقدرات، فقررت تلك الدول أن تجتمع متغاضية عن الخصومة التي بينها لإعادة بناء ما قضت عليه الحروب؛ وذلك من خلال إنشاء المجموعة الأوروبية للحديد والفحم عام 1951م، التي استهدفت القضاء على فكرة الحروب وجعلها خياراً مستحيلاً. وغير مقبول لأي دولة من تلك الدول المنضمة إلى تلك المجموعة أن تلجأ إليها تحت أي ظرف. ومن تلك المجموعة إلى جملة من الاتفاقيات والمعاهدات التي مهدت الطريق أمام تلك الوحدة، ولعل من أبرز تلك الاتفاقيات معاهدة (ماستريخت) التي كانت البداية لإنشاء الاتحاد الأوروبي. ووضع الاتحاد عدة ضوابط لدوله من أجل تحقيق الوحدة والتعاون والتقدم في مختلف المجالات ولعل من أبرزها هـوية المواطن الأوروبي، فضلاً عن عدم وجود عائق أمام انتقال الأفراد لما وراء حدود دولهم، فضلاً عن حرية التجارة كذلك، والعملة الموحدة والاقتصاد الموحد، ناهيك عن البرلمان الأوروبي وإنشاء قانونٍ للاتحاد الأوروبي يسمو على القوانين الداخلية للدول. أما على صعيد السلطة القضائية فتم إنشاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي للفصل فيما يقدم أمامها من نزاعات، وتسمو بعض أحكامها على الأطراف المتنازعة على أحكام المحاكم الوطنية، والجدير بالذكر أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تمتثل لكافة القرارات والقوانين التي تصدر عن الاتحاد وكافة مؤسسات لأنها تنبع من إرادة الدول التي لا ترغب في تكرار معـاناة الحروب، فتلك دول اعتزمت الإعمار والإصلاح من أجل تحقيق الأمن والسلام لشعوبها وغضت الطرف عن أي معوقات داخلية قد تحول دون هذا التجمع.

ثانياً: (اليابان والولايات المتحدة الأمريكية): تعتبر العلاقة بين هاتين الدولتين خير مثال على الدول التي تغاضت عن الخصومة والعداء الكارثي وتحولت إلى تعاون أو هدنة أو حتى صداقة إن تعين ذلك، بداية من الهجوم الياباني على القاعدة البحرية الأمريكية في (بيرل هاربر)1941م (وذلك بسبب النزاع حول جزيرة نانسي) أفقد من خلاله الأسطول البحري الأمريكي كامل قوته وحقق خسائر فادحة في الجانب الأمريكي، فضلاً عن تدميرها للأسطول البريطاني المعاون للأسطول الأمريكي في تلك الحقبة، وتصاعدت وتيرة الأعمال العدوانية بين البلدين وجاء الرد من الجانب الأمريكي رادعاً من خلال إعلان الحرب رسمياً على الإمبراطورية اليابانية ومنه اندلعت الحرب العالمية الثانية 1939م والتي انتهت على نحو مُفجع وخاصة بعد ضرب مدينتي (هيروشيما) و (ناغازاكي) اليابانية بالقنابل النووية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من الأبرياء من جراء تلك العملية وتبعاتها، وهو الأمر الذي جعل اليابان تعلن استسلامها التام، وبهذا انتهت تلك الحرب وطـويت معها صفحة العداء والخصومة التي أدت إلى كارثة ستبقى عالقة في التاريخ باعتبارها الحدث المأساوي الأكبر في القرن العشرين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقَّعت الدولتان اتفاقية ذات بنود أمنية من أجل تعزيز التعاون الأمني وأصبحت اليابان تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وظهرت تلك التبعية جليّاً من خلال ما تضمنه الدستور الياباني الذي يقضي ضمن المادة التاسعة على سلمية تلك الدولة وعدم انتهاجها للحروب مستقبلاً. أما عن اضطلاعها من أجل إنشاء قوة عسكرية فكان من قبيل المساهمة في عمليات حفظ السلام وتأمين تجارتها الدولية فضلاً عن حماية مكتسباتها الاقتصادية كونها من الاقتصادات الدولية الكبرى، وما يمكن الإسقاط عليه في هذا الموضع أن اليابان نأت بنفسها بعيداً عن الصراعات والنزاعات والحروب بعد حقب من التدمير التي ما زالت تعاني آثارها إلى اليوم وانتهجت نهج التنمية، وتحقيق الريادة في مجال التطور المعلوماتي والتقني وأضحت مصنفة رابع أقوى اقتصاد عالمياً، وتنطلق بإستراتيجية تستهدف الريادة الاقتصادية عالمياً. فمن دولة الحروب إلى دولة السلام بدستور السلام وباقتصاد موجَّه من أجل الاستقرار والسلام ظهرت يابان العصر الحديث، التي تقترب تدريجياً من مرحلة الاستقلال وفك القيد الأمريكي.

جدير بنا نحن - شعوب العالم العربي والإسلامي - أن نطمح إلى نموذج شامل يخرج من ركام الدول المتداعية لتكوين كيان متماسك شبيه بالاتحاد الأوروبي بَيْد أن مولده يبدو عسيراً.

 

 


أعلى