• - الموافق2024/04/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دخول المسلمين الفردوس المفقود في رمضان

أثبتت المعركة حرص المسلمين الأوائل على نشر مبادئ الدين الإسلامي؛ فلا فرق بين عربي أو بربري أو زنجي، فقد اتحد الجميع في جيش واحد، وما إن علم البربر بفتح الأندلس حتى أقبلوا من كل جهة، وركبوا البحر ولحقوا بطارق، بينما نجد أهل الأندلس فرُّوا هاربين من السهل إ


ارتبط شهر رمضان الكريم بذكرى العديد من الفتوحات الإسلامية التي كان لها صدى واسع النطاق، ولا أحد يستطيع أن يتناساها؛ فقد امتدت الفتوحات الإسلامية في شتى بقاع الأرض رغبةً في نشر الدين الإسلامي بمبادئة السامية، والحرص على تحرير العـديد من المجتمعات من العبودية والقهر، والجهل والوثنية، وإعلاءً لمعنى الكرامة وترسيخاً لمبادئ الإنسانية، ومن هذه الفتوحات العظيمة الهامة في التاريخ الإسلامي كان فتح إسبانيا.

عُرفت شبة الجزيرة الإيبيرية (أي إسبانيا والبرتغال) في الأزمان القديمة بإيبارية، وعندما جاء الرومان أطلقوا عليها اسم (Hispania)، ومن هنا جاء اللفظ العربي أشبانية أو أصبانية وتقع في جنوب غرب أوروبا ويحيط البحر بجميع جوانبها إلا جزءاً في شمالها حيث تتاخمها فرنسا. أما مصطلح الأندلس فهو يشمل المناطق التي حكمها العرب والمسلمون في شبه الجزيرة، وكان قائد هذا الفتح الكبير أحد أبطال الإسلام، الذي وهب حياته لخدمة الدين الإسلامي، وهو بربري من إفريقيا، إنه القائد طارق بن زياد (الذي تربى مسلماً متديناً محباً للجهاد)، إذ بدأ التفكير في فتح الأندلس بعد أن أتم المسلمون فتح بلاد المغرب على يد القائد المسلم موسى بن نصير، وقاد هذا القائد الوجود الإسلامي في المغرب الأقصى، وقام بتعليم المجتمع مبادئ الدين الجديد. وبهذا الفتح الكبير لبلاد المغرب دخل البربر في الدين الإسلامي وأصبحوا دعاة ومجاهدين. وبعد تثبيت أركان الدين الإسلامي في البلاد اتجهت أنظارهم إلى الشمال حيث شبه جزيرة إيبيـريا التي تمثل المدخل الجنوبي لأوروبا[1]، ولم يكن والي إفريقيا موسى بن نصير ليُقْدم على فتحٍ مثل هذا دون أن يستشير الخليفة الأموي في دمشق الوليد بن عبد الملك، وكان الخليفة يخاف على جيش المسلمين من مغبة فتح أراضي مجهولة؛ فأمر موسى بإرسال سرية صغيرة بقيادة طريف بن مالك النخعي قَوامها مئة فارس وأربعمئة راجل تستطلع أحوال هذه الأراضي قبل إرسال الجيش، وكان ذلك في رمضان91هـ/ يوليو 709م، وقامت هذه السرية بعدة غارات على الساحل، غنمت من خلالها غنائم كثيرة، وهو ما شجع موسى على إرسال حملة كبيرة لفتح البلاد بقيادة خير قادته ورجاله القائد طارق بن زياد، الذي كان شاباً يافعاً مقرباً من موسى ويثق به، وكان قَوَام جيشه من البربر الذين اشتهروا بالشجاعة والإقدام والجهاد في سبيل الله، وبدأ العبـور في رجب 92هـ/ أبريل 710م بأربع سفن على أن تتوالى السفن والقادة بعد ذلك حتى يكتمل الجيش الذي تجمع عند الجبل الذي عُرِف بجبل طارق فيما بعد. وبينما أشار بعض المؤرخين إلى أن طارقاً قد أحرق السفن التي عَبَر بها ليزيد حماسة الجنود على الاستماتة في القتال، أشار فريق آخر من المؤرخين إلى أن هذا من قبيل المبالغة[2]؛ إذ كان إنكار الذات في الجيوش العربية إحدى سمات النحاج؛ فكان الأهم هو نشر الدين الإسلامي.

وفي أول معاركهم استطاعت الفِرَق الإسلامية الاستيلاء على الجزيرة الخضراء قبالة جبل طارق ليصبح مضيق جبل طارق إسلامياً، وما إن علم ملك القوط وحاكم إسبانيا زَرِيق استعداد المسلمين حتى أرسل فرقة من جيشه لملاقاة المسلمين فكان مصيرها الهزيمة الفادحة، وحاول زَرِيق أن  يستعيد قواه؛ فسار نحو الجنوب واستولى على قرطبة، وعسكر بجيشة في سهل برباط أما طارق فقد سار بجيشه بحذاء الساحل ثم قصد قرطبة حتى وصل نهر برباط، وبعث رجاله لمعرفة أخبار زَرِيق وعلم أن معه جيشاً يزيد عن مئة ألف معظمهم من الفرسان وأدرك الفارق بين الجيشين؛ فأرسل إلى موسى يطلب منه المدد، فأرسل الأخير خمسة آلاف راجل؛ فكان لذلك أثر حاسم في نفوس المسلمين قبل اللقاء الفاصل، بالإضافة لانضمام أعداد كبيرة من أهل البلاد إليهم بفضل حُسْن معاملة الجيش لهم[3]. بدأت المعركة بجس النبض إذ تقدمت فرقة من جيش زَرِيق لاختبار قوة المسلمين، فلقوا هزيمة وولوا هاربين خوفاً من بأس المسلمين، وفي يوم الأحد 28رمضان 92هـ/ يونيو710م اشتبك الجيشان طوال اليوم، وفي اليوم الثاني ثبت المسلمون في القتال أمام فرسان القوط، وانضم إلى المسلمين عدد من رجال زَرِيق، واستمرت المعركة ثمانية أيام، وفي النهاية وقعت الفوضى في جيش زَرِيق؛ فقد هرب كثير منهم وحتى قائدهم اختفى عن الأنظار، وغنم المسلمون كثيراً منهم، واستشهد في هذه المعركة ثلاثة آلاف من المسلمين، وبقي منهم خمسة آلاف زادهم النصر حماسة؛ فأسرع بهم طارق نحو قرطبة، وقد انتصر المسلمون بفضل إيمانهم وعقيدتهم، وأصبحت كل بلاد الأندلس تدين لهم بالطاعة، وتوِّجت بالحكم الإسلامي وأخذت تسقط مدنها الواحدة تلو الأخرى[4] وتخضع للحكم الإسلامي.

لقد أثبتت المعركة حرص المسلمين الأوائل على نشر مبادئ الدين الإسلامي؛ فلا فرق بين عربي أو بربري أو زنجي، فقد اتحد الجميع في جيش واحد، وما إن علم البربر بفتح الأندلس حتى أقبلوا من كل جهة، وركبوا البحر ولحقوا بطارق، بينما نجد أهل الأندلس فرُّوا هاربين من السهل إلى الجبال، وسار طارق بجيشه، وفتح عدة مدن منها شَذونة، وإستجة، ثم قسَّم جيشه إلى فِرَق على الأمراء تقوم بفتح المدن الأخرى، ففُتحت قرطبة، وغَرنَاطَة، وذهب طارق بنفسه إلى طليطلة دار مملكة القوط؛ فاستولى عليها دون عناء لفرار أهلها، ثم اتجه إلى جليقية وفتح بعض مدنها ثم عاد إلى طليطلة[5]. ولا نستطيع إغفال دور والي إفريقيا وأحد قادة الجيش الإسلامي موسى بن نصير؛ إذ عبر بجيش تعداده ثمانية عشر ألفاً في شهر رمضان 93هـ/ يونيو 711م، وكان معظمهم من رجال قريش البارزين الذين كانوا بمنصب القيادة ومن القبائل اليمنية، وبعض العشائر العربية التي كانت موجودة فعلاً في شمال إفريقيا، بالإضافة لأولاد موسى نفسه، وسلك طريقاً آخر غير الذي سلكه طارق، وذلك لفتح بلاد جديدة لم تُفتَح من قبل؛ ففتح قَرمُونة وهي من المدن الحصينة، وحاصر إشبيلية حتى استسلمت، واستمر بفتح المدن والقلاع حتى التقى بطارق قرب طليطلة، وهنا أمر موسى أن من يقوم بقيادة الجيش أمامه طارق بن زياد وكان لا يمر بمدينة أمامه إلا افتتحها مثل سَرَقُسطة ربيع 94هـ/ يناير 713م، ثم افتتحوا أماية (Amaya) واسترقة (Astorga) وليون (Leon) وغيرها من المدن والحصون المنيعة، بينما استطاع عبد العزيز بن موسى أن يفتح ملقة (Malage) والبيرة (Elvira)[6].

وبذلك دانت أغلب مدن وحصون الأندلس بالطاعة للدولة العربية الإسلامة؛ وستظل الأندلس في الذاكرة حاضرة، تشهد مدنها وشوارعها بالحضارة العربية التي ما زال كثير منها يحمل أسماء عربية، ولنا أن نفتخر بأن حضارتنا العربية محفوظة بأوروبا وآثارُها باقية حتى اليوم.

 


 


[1] البكري، جغرافية الأندلس وأوروبا، بيروت 1968م، ص57 - 58. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت 1966م، ص556. للمزيد من التفاصيل عن اسم الأندلس أو إسبانيا انظر: الطاهر أحمد مكي، دراسات أندلسية، دار المعارف، القاهرة 1987م، ص9 - 25.

[2] خليل إبراهيم السامرائي وآخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، دار الكتاب الجديد، بيروت 2000م، ص27 - 30، عادل سعيد بشتاوي، الأمة الأندلسية الشهيدة، المؤسسة العربية، بيروت 2000م، ص46.

[3] حسين مؤنس، فجر الأندلس، دار الرشاد، القاهرة 2008م، ص69 - 71. خليل إبراهيم السامرائي، مرجع سابق، ص29 - 32.

[4] عادل بشتاوي، مرجع سابق، ص46؛ للمزيد عن فتح قرطبة انظر: علي الجارم، قصة العرب في إسبانيا، مطبعة المعارف، القاهرة، 1944م، ص22-24.

[5] خليل إبراهيم السامرائي، مرجع سابق، ص35 - 37. 

[6] عادل بشتاوي، مرجع سابق، ص48. لمزيد من التفاصيل عن خط سير الحملة وتقسيم الجيش لفرق وفتح العديد من المدن والحصون انظر: خليل إبراهيم السامرائي، مرجع سابق، ص39 - 46.


أعلى