• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المكتبات الوقفية في المغرب

ما يميز المكتبة الصبيحية عن غيرها، ما تحتويه من نفائس تراثية في صنوف متنوعة من العلوم، جمعتها العائلة من مناطقَ ودول مختلفة، وقد قام محمد حجي بوضع فهرس لمخطوطات المكتبة، تضمن ما يزيد عن 1337 مخطوطاً.


مكتبة الزاوية الناصرية في تمكروت والمكتبة العلمية الصبيحية في سلا نموذجين


يعد الوقف من أهم الركائز المعتمَدة في الإسلام، لنشر قيم التضامن والتآزر والفضيلة في المجتمع. وكان له أثر فعال في ازدهار المجتمعات العربية والإسلامية على مرِّ العصور، وهو من أعظم أنواع البِر لاستمرار فائدته وثوابه وانعكاسها الإيجابي على الفرد والمجتمع.

في هذا المقال، سنحاول التعرف على نوع من أنواع الوقف، هو وقف الكتب من خلال مكتبتين وقفيتين لعبتا أدواراً مهمة في التاريخ المحلي وفي تاريخ المغرب، هما:

- مكتبة الزاوية الناصرية في تمكروت.

- المكتبة العلمية الصبيحية في سلا.

انتشر وقف الكتب في جوامع ومدارس ومكتبات مدن المغرب وحتى في بواديه. وكان لها دور في نشر العلم والمعرفة.

 وعندما نتحدث عن التجارب الوقفية في مجال المكتبات بالمغرب، نستحضر تجربتين فريدتين:

إحداهما في المجال القروي، وهي مكتبة الزاوية الناصرية في تمكروت بمدينة زاكورة جنوب شرق المغرب.

والأخرى في المجال الحضري وهي المكتبة الصبيحية في مدينة سلا.

مكتبة الزاوية الناصرية في تمكروت:

تقع الزاوية الناصرية بمنطقة تمكروت، على بضعة كيلومترات من مركز مدينة زاكورة جنوب شرق المغرب. وكانت تمكروت قرية عالمة، ومركز إشعاع ثقافي وتجاري خصوصاً في حقبة التجارة الصحراوية.

وعُرفتْ البلدة بزاويتها التي لعبت أدواراً سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة في تاريخ المغرب، بفضل مؤسسها سيدي أحمد بن ناصر، فقد كان لها وزن علمي مشرق بفضل مكتبتها التي اخترقت شهرتها الآفاق.

وتختلف الكتاباتُ التاريخية حول زمن تأسيس مكتبة تمكروت، فقد ابتدأ منذ أيام أبي عبد الله بن ناصر، الذي بذل مجهوداً كبيراً في جمع كتبها الأولى، من مناطقَ وأصقاعٍ مختلفة منها التي اقتناها بالشراء، وأخرى نسخها بنفسه واستنسخ العديد من الدواوين العلمية. وبعد ذلك ساهم كل شيوخ الزاوية الناصرية ابتداء من القرن السابع عشر، بشكل أو بآخر، في مسار تأسيسها وتطويرها، بشكل تبدو معه المكتبة كما لو أنها جزء من مسار كلِّ واحد منهم.

وقد بدأت الصبغة الوقفية للخزانة الناصرية بتمكروت في وقت مبكر من حياة الإمام أبي عبد الله بن ناصر، وقد ذيل في كتاب «المنصف من الكلام على مغني ابن هشام»، الذي يحمل رقم 637 بالمكتبة، والذي نسخه بيده بتحبيسه.

وقد ساهمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية في الكشف عمَّا تحتويه المكتبة من نفائس تراثية من خلال قيامها بفهرستين لما تحتويه:

الأولى: هي فهرسة محمد المنوني الذي كان يُعَدُّ في حياته رمزاً من رموز الخبرة التراثية في البلاد العربية في القرن العشرين، إذ كان خبيراً في البحث والكشف عن خبايا التراث الثقافي في مختلف الخزانات المغربية سواء منه المطبوع أو المخطوط. وقد قام سنة 1973م بعمليات إحصاء وفهرسة لمحتويات المكتبة، امتدت 29 يوماً، وأسفرت عن فهرس يستوعب قرابة 4200 مخطوط بين مخطوطات مستقلة مهمة تعددت أجزاؤها، ومؤلفات أخرى ضمن المجاميع.

أما الفهرسة الثانية، فقد كلَّفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإعدادها الباحث حميد لحمر وَفْقَ منهجية تتماشى وتقنيات الفهرسة الحديثة، واستغرقت العملية سنتين، ثم أسفرت عن الفهرس الجديد الذي يستوعب ما يزيد عن 4777 بين مخطوطات مستقلة بعضها تعددت أجزاؤها، ومؤلفات أخرى ضمن المجاميع.

وقد كشفت هذه الفهرسة عن كثير من العناوين التي كانت تعدُّ في حكم المجهول بالمكتبة، زيادة على كتب لم تفهرَس أبداً. وهو ما انعكس على عدد الكتب المسجلة في المكتبة، الذي ارتفع من 4184 إلى 4777 كتاباً، وهو رقم وإضافة جدُّ هامة.

ووجبت الإشارة إلى أن المتوفر من المخطوطات والكتب حالياً في المكتبة الناصرية بتمكروت، يُعَد أقل بكثير مما كانت تحتوي عليه في السابق، وذلك مردُّه لكون جزء منها تم نقله للخزانة العامة بالرباط، وذخائر أخرى امتدت إليها أيادي سارقي التراث وتحولت إلى المكتبات الخاصة، وهو ما حرم الباحثين من الاستفادة منها في كتابة تاريخ وطننا، كما أن الباقي من النفائس يعاني من الإهمال وهو ما قد يعرضه للتلف والضياع.

فإذا كانت المكتبة الناصرية بتمكروت، هي ثمرة إشعاع زاوية في محيطها السياسي والاقتصادي والثقافي، فإن المكتبة الصبيحية في سلا هي نتاج إشعاع أسرة عالمة بالمدينة؛ فماذا عن هذه المكتبة؟

المكتبة الصبيحية من الخاص إلى العام:

وأنت تتجول في مدينة سلا العتيقة بالمغرب، تستوقفك بساحة الشهداء بناية عمرانية تمزج بين الأصالة والمعاصرة، بمدخل أنيق مزين بفسيفساء من الزليج المغربي التقليدي. إنها المكتبة العلمية الصبيحية، التي تُعدُّ من أهم الخزانات العلمية الخاصة بالمغرب، والتي وقفها صاحبها الحاج محمد الصبيحي باشا مدينة سلا السابق، لتكون وقفاً على العلماء وطلاب العلم وعامة القراء.

وتعود فكرة تأسيس المكتبة الصبيحية في مدينة سلا لسنة 1965م، فقد راودت الفكرة باشا مدينة سلا محمد بن الطيب الصبيحي سليل أحد أهم البيوتات العلمية في المدينة بتحبيس الخزانة العائلية الخاصة، التي كانت تحتوي على كتب ومخطوطات نادرة جمعتْها العائلة من البلاد العربية والهندية والإيرانية في تخصصات شتى، عبر حقبٍ زمنية طويلة. منها المكتوب بخط اليد، ومنها المطبوع طبعات حجرية، وأخرى نادرة. كما تحتوي على وثائق إدارية مهمة جمعها الصبيحي من خلال عمله المخزني كباشا لمدينة سلا مدة طويلة. وتم التحبيس يوم الإثنين 24 ربيع الأول 1387هـ (3 يوليو 1967م)، ولكن شريطة إشراف الأسرة الصبيحية على إدارتها لضمان قيامها بالواجب المنوط بها، وحفاظاً على ما تزخر به من كتب ونفائس تراثية من أن تنالها أيادي المهملين وتجار التراث.

وقد قام ببناء مقرها الحالي المهندس الفلاحي عبد الله الصبيحي، وحبسه في 25 شعبان 1396هـ (21 أغسطس 1976م). ويشتمل البناء على قاعتين فسيحتين مجهزتين لاستقبال رواد المكتبة ولحفظ الكتب، وعلى مكاتب ومرافق تشتمل على مسجد وضريح. وتشتغل المكتبة طيلة أيام الأسبوع ما عدا الأحد، وتحظى بعناية خاصة من أفراد العائلة الصبيحية.

ما يميز المكتبة الصبيحية عن غيرها، ما تحتويه من نفائس تراثية في صنوف متنوعة من العلوم، جمعتها العائلة من مناطقَ ودول مختلفة، وقد قام محمد حجي بوضع فهرس لمخطوطات المكتبة، تضمن ما يزيد عن 1337 مخطوطاً.

والمتوفر في المكتبة:

-  يزيد تقريباً عن 4000 مخطوط، منها 1200 مفهرسة و 1400 مخطوط.

-  20.000 وثيقة، منها 6000 مصنفة.

-  ما يفوق 120 مجلة بعضها في مجموعات كاملة.

- القرآن وعلومه: 93 عنواناً مصنفاً.

- الحديث وعلومه: 81 عنواناً مصنفاً.

- التوحيد: 259 عنواناً مصنفاً.

- التاريخ: 104 عناوين مصنفة.

- الحساب: 263 عنواناً مصنفاً.

- الطب: 22 عنواناً.

- الكيمياء: 22 عنواناً.

- متنوعات: 73 عنواناً.

وما زالت الخزانة الصبيحية، تواصل رسالتها العلمية في مساعدة الباحثين عن العلم، بما توفره لهم من كتب ونفائس، ومن مساعدة وحسن تعامل القائمين على تسييرها، مرسِّخة المشهد الثقافي بالمدينة. وهو ما يفرض ضرورة الاهتمام بهذا الإرث التاريخي، لكون المكتبة لم تكشف عن كافة أسرارها من وثائق ونفائس تحتاج أن يُنفَض عنها الغبار، وأن تنالها أيادي الباحثين رغم المحاولات التي تمَّت في هذا المجال، كمحاولة المؤرخ لطفي بوشنتوف لوضع فهرس جديد للمكتبة.

خلاصة القول: تشكل كلٌّ من مكتبة الزاوية الناصرية بتمكروت والمكتبة الصبيحية بسلا، نموذجين لوقف الأجداد في سبيل نشر العلم والمعرفة بين صفوف المسلمين، وذلك يجعلنا نسائل واقعنا حيث إهمال أماكن المعرفة وتدني مستوى القراءة بالوطن العربي، وهو ما يفرض علينا ضرورة صيانة الموروث الثقافي للمُحبِسين، والتعريف بأصحابه نشراً للقدوة الحسنة، كما يجب علينا إعادة فهرسة ما تحتوي عليه هذه المكتبات من ذخائر، وإنقاذ المتضرر منها عبر ترقيمها، وتمكين الباحثين منها خدمة لما فيه صالح أمتنا. 

 

المراجع المساعدة:

العلوي محمد الفلاح والدفالي محمد معروف، الخزانة الصبيحية نموذج خزانة خاصة للنفع العام، مجلة أمل، العدد الخامس، السنة الثانية، 1994م.

المنوني محمد، حضارة وادي درعة من خلال النصوص والوثائق، مجلة دعوة الحق، متاح على الرابط: http://www.habous.gov.ma/%D8%A7

المنوني محمد، مخطوطات الزاوية الناصرية بتمكروت، مجلة دعوة الحق، ديسمبر 1973م.

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة الزاوية الناصرية تمكروت إقليم زاكورة، إشراف وتنسيق ومراجعة: الأستاذ حميد لحمر، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2013م.

 

 


أعلى