• - الموافق2024/05/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
النتائج المتحققة والرسائل في صراع الأحزاب الشيعية في العراق

شعر الصدر، وربما أصبح على يقين، بأن المالكي سيُعيد تجربة مطاردته وميلشياته بالسلاح -خلال تولّيه رئاسة الوزراء في عام 2008م-؛ فقرَّر إفشال محاولة الإطار التنسيقي تشكيل الحكومة.


تمثل حالة الصراع الجارية بين الأحزاب الشيعية في العراق، أحد نماذج الصراعات الداخلية الناجمة عن تعارض الأهداف والمصالح بين قوى سياسية-مجتمعية، داخل تشكيلة طائفية واحدة، دون مشاركة فاعلة من باقي مكونات المجتمع، المستهدفة ذاتها من هذا الصراع. وهي حاله تجري وسط تعقيدات واضطرابات داخلية سببها -الأصلي- احتلال أجنبي لا يزال يدير المشهد العام في البلاد، بما يزيد تعقيداتها، ويحدد أُفقها، ويتحكم في مآلاتها النهائية.

وفي مثل تلك الحالات، وسواء جرى التصادم عبر أدوات الاحتشاد والضغط الجماهيري والتمترس في الشوارع أو عبر العنف المسلح والاقتتال؛ ينبغي الاهتمام بتوصيف نمط الصراع والاعتناء بفهم طبيعة تشكيل مكونات القوى والأطراف المتصارعة، وتحديد طبيعة الأهداف البعيدة لكل طرف، ومدى قدرة تلك الأطراف على إحداث تغيير شامل في المجتمع أو في النظام السياسي، إذ الصراع يجري داخل طائفة واحدة وتحت ضغط قُوى خارجية لا تزال تحكم وتتحكم في إدارة العلاقات السياسية -المجتمعية.

وإذا كانت الصراعات التي تشهد استخدام أدوات العنف المسلح أكثر وضوحًا في متابعتها وأكثر مباشرة وسرعة في تحقيق نتائجها على الأرض -احتلال مواقع، أو تحقيق تقدم ميداني، أو غيرها- فالصراعات التي تجري عبر الضغط الجماهيري المتبادل، وباستخدام أدوات القانون وآليات القضاء، والتي يجري خلالها تشكيل التحالفات السياسية وانفضاضها بشكل أسهل ودون عواقب خطيرة، والتي تتعايش مع حالات من الحوار؛ هي حالات تحتاج إلى نمط خاص مدقق من المتابعة والفهم؛ لسيولة أدواتها في تحقيق أهدافها ولاعتمادها خطط الفوز بالنقاط، ولحاجتها إلى زمن أطول لتحقيق نتائجها، ولتوفر احتمالات تغيُّر اتجاهات حركتها؛ إذ هي مثل كرة الثلج، التي يمكن أن تذوب، ويمكن لها أن تكبر؛ بفعل الأجواء المحيطة بها.

ولذلك، لا يجب الانغماس في التفاصيل المباشرة، خلال التعامل الإعلامي والبحثي مع هذا النوع من الصراعات، بل يجب الولوج إلى فهم الأبعاد الكلية للصراع وحدوده، ومتابعة تطوُّر وتغيُّر درجة القدرة على إحداث التغيير العام، ومتابعة تكتيكات الحركة من زاوية ارتباطها بالأهداف المحتمل تحقيقها، دون الالتفات للشعارات الرنانة التي هي أحد سمات هذا النمط من الصراع. وذلك ما يحول دون الدوران في داخل دوامة غير منتجة، ويمنع الوقوع في فخّ المشاركة -دون وعي- في تحقيق الأهداف الخاصة للمتصادمين.

وفيما يجري في العراق من ضجيج، ينبغي للمتابع المدقق، الفصل بين متابعة الأحداث، ورؤية النتائج المتحققة، واستخلاص الرسائل الضمنية التي ينقلها طرفَا الصراع للأطراف غير المشتبكة فيه -حتى دون أن يُحْسَم-، وتركيز النظر على ما يمكن أن يستقر في الواقع على المدى الأبعد، وكل ذلك، دون إغفال الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول المحتلة؛ سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما ينبغي للمتابع المدقق، أن يقلّب في تأثير تطور الأحداث على تماسك التحالفات المتصارعة ذاتها، وأن يتابع تطوّر أو تغيّر مواقف الأطراف غير المشتبكة في الصراع؛ باعتبارها القادرة على إحداث تغيير حاسم في التوازنات، في لحظة ما، إن غيَّرت موقفها من الحياد إلى التدخل في الصراع؛ إذ القوى المحايدة عند بداية الصراع هي قوى احتياطية للطرفين المتصارعين، ويكون لتدخلها دور حاسم في تحديد المآلات النهائية للصراع.. إلخ.

باختصار، في هذا النمط من الصراعات، هناك ما هو جارٍ، وهناك نتائج مباشرة ملموسة متحققة، وهناك نتائج ضمنية لا تُرَى إلا بالعين الفاحصة، وهناك أهداف أبعد للمتصارعين، تحدّد مساحة الصراع زمنيًّا، وتحدّد احتمالات تجدُّده إن توقف عند لحظة ما. وهناك تغييرات وتحولات في توازنات القوى جرّاء تدخل قوى جديدة من خارج الحسابات لكلا الطرفين المتصارعين. وهناك تغييرات أخرى يمكن أن تحدث جرّاء تراجع قوة أحد الأطراف أو كليهما خلال الصراع، وهناك تحولات قد تجري داخل تحالفات كل طرف من أطراف الصراع. وهناك قوى يمكن لتدخُّلها أن يقلب اتجاه حركة الصراع لغير صالح الطرفين المتصارعين بما قد يدفعها لتغيير مواقفها. وهناك الأطراف الخارجية التي لها اليد الطولى في إدارة الصراع الكلي في المجتمع.

وتلك أمور لها أهميتها الكبيرة، ليس فقط على صعيد تحديد النتائج النهائية، بل حتى على صعيد الوسائل المعتمدة للصراع؛ إذ بعض القوى -أو أحدها- قد يتحوّل إلى استخدام العنف المباشر لتعويض تراجعه أو لقطع الطريق على تدخُّل طرف ما لغير مصلحتها.. إلخ.

الأحداث

تفجَّرت الأحداث عقب ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية، وتمحور الصراع حول تشكيل الحكومة الجديدة.

كانت نتائج الانتخابات قد أظهرت إحراز التيار الصدري أعلى عدد من النواب -وهي حالة مستجدة في توازنات القوى بين الأحزاب الشيعية- فيما تراجع الإطار التنسيقي الذي يضم الميلشيات السافرة في إعلانها عن الانحياز لإيران، وجاء في مرتبة تالية.

حاول التيار الصدري تشكيل الحكومة، تحت شعار «حكومة أغلبية» لا حكومة محاصصة، لحاجته إلى ضم آخرين؛ لمواجهة رد فعل «الإطار» المتراجع، فتحرك «الإطار» سياسيًّا وقضائيًّا وإعلاميًّا حتى أفشل محاولة التيار.

رد التيار الصدري بسحب نوّابه من البرلمان، وترك المجال أمام الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، فتحرك الإطار بسرعة لاستثمار اللحظة، وأعلن خلال أيام من انسحاب نوّاب الصدر عن مرشحه لرئاسة الحكومة، ودخل في مفاوضات متعجلة مع الأحزاب الكردية لتحديد المرشح لرئاسة العراق.

وكان الخطأ الذي أعاد الصدر وتياره للمواجهة، أن رشّح الإطار أحد وزراء المالكي -العدو اللدود للصدر تاريخيًّا- لرئاسة الوزراء، وأن جرى نشر تسريب صوتي للمالكي، هدَّد فيه وتوعَّد الصدر وتياره بالمواجهة حتى لو تطلب الأمر استخدام السلاح.

شعر الصدر، وربما أصبح على يقين، بأن المالكي سيُعيد تجربة مطاردته وميلشياته بالسلاح -خلال تولّيه رئاسة الوزراء في عام 2008م-؛ فقرَّر إفشال محاولة الإطار التنسيقي تشكيل الحكومة.

احتل أنصار الصدر مجلس النواب، ومنعوا انعقاد جلساته، بما أفشل محاولة الإطار التنسيقي تمرير اسم المرشح رئيسًا للوزراء وإقرار البرلمان لتشكيلة الحكومة. وهو ما فتح الصراع على آفاق أبعد؛ إذ تظاهر أنصار الإطار هم الآخرون، واعتصموا على أبواب المنطقة الخضراء التي يوجد فيها أنصار الصدر حول البرلمان.

تمترس طرفا الصراع في الشارع، وصار محتملاً أن يشتبك أنصارهما في حرب شيعية- شيعية خالصة، وارتفع السقف السياسي للصراع.

طوّر الصدر مواقفه، وبات يطلب حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وإجراء تغيير في المفوضية وقانون الانتخابات، وتحدث بعض أنصاره عن تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي.. إلخ.

ورد قادة الإطار التنسيقي -خاصة نوري المالكي وقيس الخزعلي- بوصف ما يقوم به أنصار الصدر بالانقلاب، فيما وصفوا ما يقوم به أنصار الإطار من مظاهرات واعتصام بحالة دفاع عن الشرعية والدستور ومؤسسات الدولة وعن الديمقراطية، وأنها تَستهدف منع انزلاق البلاد نحو الفتنة الداخلية.

اعتصم أنصار كل طرف في الشارع، وحاول فرض شروطه على الآخر، وصدرت تهديدات بمظاهرات أضخم، فَجَرَت التدخلات والمفاوضات، وأُطلقت مبادرات للحل، تمحورت جميعها حول الانتخابات البرلمانية، وتشكيل مفوضية جديدة للانتخابات، دون حديث عن أيّ تغيير في أسس العملية السياسية التي كانت سببًا لهذا الصراع ولما سبقه من صراعات جرت عقب كل انتخابات.

التوصيف

في توصيف الصراع؛ فما يشهده العراق هو صدام بين طرفين سياسيين شيعين؛ يحاول كل منهما السيطرة على العملية السياسية والأجهزة التنفيذية في الدولة. وبالدقة، فهناك طرف تنامت قوته (الصدر)، فشرع يسعى لإعادة تقسيم المصالح والمغانم التي كان يسيطر عليها الطرف الآخر، مستثمرًا ما أصابه من ضعف (الإطار التنسيقي).

والصراع يجري بين طرفين مشاركين في العملية السياسية؛ إذ يحاول كل منهما تأطيرها على المقاس الذي يناسبه ويحقق أهدافه ومصالحه.

والصراع لا يجري لتغيير أُسس العملية السياسية؛ فلم يتطرق أيّ من طرفي الصراع لضرورة تغيير المعادلات الحاكمة لها، ولم يعلن أيّ منهما تحويلها من الطائفية إلى الوطنية، أو مساواة الأطراف المجتمعية الأخرى بالشيعة في الحقوق السياسية. ولا حديث عن تغيير الأسس العامة التي حددتها وثبّتتها الولايات المتحدة بعد احتلال العراق، وأهمها سيطرة الأحزاب السياسية الشيعية على القرار السياسي الداخلي وجهاز الدولة في البلاد.

وإذ تطرح بعض الشعارات البراقة على هامش مجريات الصراع، مثل تغيير الوضع الحالي والانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، فذلك لا يُشكّل تغييرًا في معادلات السيطرة على الدولة ولا فتحًا لأبواب المساواة بين المواطنين، بل هو مسعًى لتعزيز سيطرة الأحزاب السياسية الشيعية؛ إذ سيجري نقل الصلاحيات الحالية لرئيس الوزراء (الشيعي) إلى الرئيس الشيعي، وهو ما يعني إضافة تمثيل الشيعة للعراق في الخارج إلى سيطرتهم على الجهاز التنفيذي للدولة.

والصراع لا يجري ولا يستهدف إنهاء سيطرة الميلشيات على البلاد -وهي أداة سيطرة الأحزاب الشيعية السياسية على السلطة والمجتمع- أو غَلّ يدها عن ما تقوم به من أعمال فساد وجرائم قهر وترحيل للسكان لإنفاذ مخططات التغيير الديموغرافي من المناطق السُّنيّة.

وبمتابعة ما يجري، فهو خلاف على طريقة أداء دورها؛ الصدر يستهدف تعزيز قدرتها ورفعها لمستوى أعلى؛ إذ أقصى ما يطرحه عمليًّا بشأن الميلشيات، هو دمجها في الأجهزة الأمنية والعسكرية للدولة، بما يعمّق دور الأحزاب الشيعية في جهاز الدولة، فيما يطرح الطرف الآخر (الإطار) ضرورة الإبقاء عليها «مستقلة»؛ كضرورة من ضرورات إبقاء النفوذ والدور الإيراني «مستقلاً» متمتعًا بحرية الحركة، وفق ما تقتضيه تطورات الأحداث في العراق؛ إذ يسود اعتقاد باحتمالات وقوع انقلاب عسكري معادٍ لإيران.

وخلاصة كل ذلك؛ أن الصراع يجري من داخل العملية السياسية، ولا يستهدف تغيير أُسسها، ولا تغيير عوامل القدرة الشيعية والإيرانية في السيطرة على الآخرين. وبذلك فهو صراع محدود النتائج على صعيد التغيير السياسي في العراق.

النتائج المباشرة والرسائل الضمنية

وسط دوامة التمترس في الشوارع والمفاوضات والحوارات والمبادرات، ورغم أن الصراع الجاري ربما تتغير اتجاهاته، إلا أن ما تحقَّق فعليًّا وبشكل مباشر هو كثير وربما خطير، وإن كانت احتمالات الانقلاب على ما تحقق واردة وبقوة.

لقد حققت الأحزاب المتصارعة نتائج، وثبتت معادلات، وأرسلت رسائل ضمنية للداخل والخارج، تُفيد بإحكام سيطرتها على العراق.

ثبتت الأحزاب السياسية الشيعية خلال صراعها الحالي، فكرة ومعادلة داخلية تقول: إنها وحدها ودون غيرها مَن يملك القدرة على ممارسة الصراع على الأرض وفي داخل النظام السياسي وبشأنه. وأن ما كان عرفًا أو تقليدًا من قبل أصبح واقعًا محميًّا بالقوة الجماهيرية في الشارع وبالميلشيات بطبيعة الحال.

وثبتت الميلشيات معادلة محددة، وأرسلت رسالة عملية بها للطوائف والمكونات الأخرى بأن لا دور لأي أحد آخر في العراق، إلا من بوابة الارتباط بطرف من الأطراف الشيعية. وبأن ممثلي السُّنة والأكراد في العملية السياسية لا دور لهم إلا من خلال الارتباط بأحد الأحزاب الشيعية، وهو ما تُرجِمَ بوضوح في سعي الطرفين الشيعيين المتصارعين للقاء الأطراف الأخرى باعتبارها أطرافًا مساندة، لا أطرافًا أصيلة في اتخاذ القرارات.

وأرسلت الأحزاب الشيعية المتصارعة رسالة للطرف الأمريكي المحتل، بأن المرتبطين بإيران تحولوا من استخدام الرخصة الأمريكية الممنوحة لهم عند بداية الاحتلال بحكم العراق، إلى واقع محمي بقوة الشارع والميلشيات، وأنه بات لإيران قوة جماهيرية وقوة عسكرية مسيطرة في العراق، وأن لا قدرة الآن للولايات المتحدة على التحرك في العراق دون التواصل والاتفاق مع إيران، التي باتت تملك وحدها أدوات وإمكانية تعطيل كل مناحي الحياة في العراق.

وذات الرسالة وُجِّهت للدول العربية في جوار العراق، بأن لا مستقبل لكل الأدوار والنشاطات والاتفاقات مع أيّ حكومة لا يُشكّلها أتباع إيران، وأنهم هم وحدهم مَن يجب التعامل معهم. وربما يصل الأمر حد إرسال رسالة واضحة بأن لا عراق بدونهم.

التحولات المحتملة

لكن الأمر لم يستتب بعدُ، وهو بحاجة إلى وقت طويل حتى ينتهي إلى نتائج كاملة. بل هو مُعرَّض للانقلاب رأسًا على عقب، وكما هو معلوم، فالواقع لا يتحدد وجوده بفكرة الإنسان عنه. فهناك قوًى وتيارات اجتماعية وتكوينات حركية قادرة على تغيير تلك المعادلات أو قلبها، وهي لم تقل كلمتها بعدُ؛ إذ الصراع يجري داخل طائفة واحدة. كما أن الصراع قد يؤدي إلى ضعف المكونَيْن المتصارعَيْن أو أحدهما بما يُغيّر توازنات القوى داخل المجتمع.

- هناك موقف الشعب العراقي؛ إذ كل تلك الأحداث تجري دون مشاركة عامة من الشعب العراقي، بل هي تجري لاستبعاد مشاركة الشعب العراقي في صياغة مستقبل البلاد، على طريقة استبدال الكلّ بالجزء.

وما يطرح دور الشعب العراقي ليس البُعد الوطني العام فحسب، بل الواقع المزري الذي تسبّبت فيها القوى المتصارعة. فالصراع يجري بين تيارات وقوى متَّهمة بالفساد واستنزاف المال العام. وهي ذاتها المسؤولة -بحكم تولّيها الحكم- عن ما تعيشه البلاد.

 والقصد أن هناك آلاف الأسباب التي توجب دخول الشعب العراقي على خط الصراع، وهو ما سيغيّر التوازنات أو يطيح بعوامل سيطرة كلا الطرفين المتصارعين، ويحوّل طبيعة الصراع جذريًّا.

ويزيد من ورود هذا الاحتمال أنَّ القوى المتصارعة ذاتها سبق لها أن علّقت أسباب فشلها وتسببها في الكارثة الاجتماعية التي يعيشها العراق على شماعة حزب البعث، وعلى دور تنظيم الدولة أو داعش، ثم انتهى تأثير كلا العاملين -وآخرهم منذ خمس سنوات- دون أن يتغير شيء.

كما أن تلك القوى كانت قد أرجعت الكارثة الاجتماعية التي يعيشها العراق إلى تراجع عائدات النفط، لكنَّ أسعار النفط ارتفعت، وزادت العائدات دون أن يتغيّر حال الشعب العراقي، بل تردَّى.

- وهناك احتمال لعودة قوى ثورة تشرين للحركة، وقد كان لها دور فاعل في إضعاف قوة الإطار التنسيقي خلال حراكها، ويمكن لتدخُّلها أن يُحدِث تغييرًا في توازنات الصراع داخل الطائفة الشيعية. وهي كانت قد أحدثت تغييرًا بالفعل في بِنْيَة البرلمان؛ إذ وصل من قادتها وآخرين ممن يوصفون بالتيار المدني الرافض للتشيُّع السياسي.

تلك الحركة يمكن لها أن تدخل على خط التفاعل، ويمكن لها إضعاف كلا الطرفين والإطار التنسيقي بالدرجة الأكبر.

- وهناك القوى والتيارات السياسية والفكرية التي رفضت الاعتراف بالعملية السياسية والمشاركة فيها، منذ بداية الاحتلال، وهي ترى أن كل ما يجري يؤكد صحة مواقفها ويراكم وعيًا شعبيًّا، بضرورة إعادة تأسيس الوضع السياسي في البلاد وبناء نظام سياسي وطني وديمقراطي.

- وهناك القوى الكردية والسُّنية المشاركة في العملية السياسية. وهي لا شك تدرك مخاطر ما يجري عليها، وتتابع حركة ترمومتر قوة الأطراف المشتبكة في الصراع، وستدفعها مصالحها عند لحظة ما، للتدخل.

وفي جانب ثانٍ، لا يجب نسيان وجود الاحتلال وتنازع الأدوار والمصالح بين المحتلَّيْن الأمريكي والإيراني، وكلاهما ليس ببعيد عن ما يجري.

- هناك الدور الإيراني الحاكم لإدارة الصراع بين المجموعات السياسية الشيعية. ويمكن القول هنا: بأن لإيران القدرة على إعادة ترتيب التحالفات بما يُغيّر توازنات القوى، ويحسم الصراع الجاري مؤقتًا على الأقل. ويمكن لها أن تفعل ذلك لترسيخ الرسائل الضمنية التي تحقق إرسالها للأطراف الأخرى، كما يمكن فِعْل ذلك ضمن مساومات حول قضايا أكبر مع طرف الاحتلال الثاني.

- وهناك الدور الأمريكي الحاكم للإطار العام للصراعات، والمُحدّد أو الساعي لتحديد مآلاتها ولإدارتها لمصلحة الاحتلال.

والموقف الأمريكي الذي يراقب حتى الآن -أو يتحرك دون علانية- قد نراه يتبدل، وقد يكون الدافع هو توقيع اتفاق مع إيران حول البرنامج النووي، وقد عوّدتنا الولايات المتحدة وإيران على توقيع اتفاقات سرية على هامش الاتفاقات المعلنة، وقد حدث ذلك في الاتفاق السابق. كانت هناك سلسلة أشياء لا يعلم أحد عنها شيئًا؛ إذ كانت هناك قنوات معلنة للحوار وأخرى غير معلنة.

وفي اتجاه ثالث؛ يمكن لفعاليات الصراع ذاتها أن تفكك بعض التحالفات، لا أن تضعف حظوتها لدى أنصارها فقط. وقد ظهرت مؤشرات على وجود اختلافات في رؤية الثالوث الذي يقود الإطار التنسيقي. فإذ يميل نوري المالكي وقيس الخزعلي إلى نهج المواجهة مع الصدر وتياره -إلى درجة الجهر بأمر طرد العناصر الموالية للتيار من جهاز الدولة-؛ فالبادي من حركة هادي العامري أنه يميل لاعتماد منهج التنازلات وتقديم الامتيازات للصدر وتياره؛ خوفًا من انفلات الأوضاع، بما يُصيب الجميع بالخسارة، وقد يُنهي تجربة قيادة الأحزاب السياسية الشيعية في حكم البلاد. وذلك يطرح احتمالات حدوث تحوُّل في مواقف العامري.

وإذ يمكن تصوُّر أن ما يجري هو تقسيم أدوار بين الثالوث القيادي؛ فهناك ما يرجّح احتمالات وقوع الاختلاف بل توسُّعه خاصةً إذا اندلعت أعمال عنف.

 

 


أعلى