• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
جهود الاستشراق الألماني والتباين في الأهداف

يؤكد الباحث طاهر صيام وجود المحاولات الجادة لأجل طَمْس الأدلة الحسية التي تُثبت أن هذه العلوم والمعارف والوسائل تراث إسلامي بامتياز


عند دراسة حالات وظواهر الاستشراق والمستشرقين الغربيين؛ نجد ما يؤكّد أن الاستشراق كان نابعًا من مشروعات استراتيجية مؤسسية لدى الألمان وغيرهم، لكنَّ الألمان يختلفون عن غيرهم ببعض المزايا التي تُعدُّ إيجابية لهم قياسًا بغيرهم -كما سيأتي-. 

 وعن هذا أفرد الأستاذ الدكتور علي النملة -المتخصص بدراسات الاستشراق- كتابًا عن هذا التميُّز والتباين في الاستشراق الألماني، وذلك حينما كان باحثًا متفرغًا في معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في فرانكفورت بألمانيا مع الباحث المسلم الضليع الأستاذ الدكتور محمد فؤاد سزكين، سعى قدر استطاعته إلى التقويم المستقل لهذه المدرسة الألمانية الاستشراقية، ومما قال: «توسَّمتُ فيها قدرًا من العلمية والموضوعية والنزاهة والجدِّية، بالمقارنة بالمدارس الاستشراقية الأخرى كالبريطانية والفرنسية والإيطالية والهولندية، التي تحتفظ كلٌّ منها بِسِمات تكاد تُميِّزها عن غيرها من المدارس الأخرى؛ من حيث قربُها أو بعدُها من الصواب، ومن حيث دوافِعُها وأهدافُها، في مقاييسنا نحن المسلمين، التي تقوم على عرض إسهامات المستشرقين عمومًا على صريح المنقول وصحيح المعقول، مع الحرص على تجنُّب الهوى وتبييت النتائج»[1].

 وقوله كذلك بتوازن علمي حول التميُّز لدى الاستشراق الألماني: «وقد كثُر الحديث حول الاستشراق الألماني تحديدًا بمنهجية تميل إلى إنصاف هذه المدرسة؛ بتوكيد مَيْلها إلى الموضوعية والعمق، والبُعد عن الارتباطات التي أساءت إلى مدارس الاستشراق عمومًا، وبلغ الطرح حول هذه المدرسة مبلغًا وصل إلى الإعجاب والانبهار، ومِن ثمَّ الدفاع عنها أمام بعض الإسهامات التي سعت إلى دَمْجها ومساواتها بالمدارس الاستشراقية الأخرى في أحكام تعميمية، كالمدرسة البريطانية والفرنسية الضليعتين بالارتباطات غير العلمية التي أساءت لمسيرة الاستشراق العلمي»[2].

ويؤكد الدكتور رائد أمير على هذا التميز الألماني وتباين أهدافه مع دول الاستشراق الأخرى؛ من خلال حجم الاهتمام، وتعدُّد المكتبات ومحتوياتها الكبيرة بألمانيا، بقوله: «أسهم المستشرقون الألمان أكثر من سواهم بجمع المخطوطات العربية ونشرها وفهرستها، لا سيما كتب المراجع والأصول المهمة، وحُفظت في مكتباتها التي تضم اللغة العربية وغيرها؛ حيث إنه يوجد في ألمانيا سبعة آلاف (7000) مكتبة ملحقة بالبلديات، وأحدَ عشر ألفًا (11000) تابعة للكنائس، وتُعدّ مكتبة برلين الوطنية، ومكتبات جامعات توبنجين، وهايدلبرج، وماينس من أغنى المكتبات بالمخطوطات الشرقية، ولا سيما العربية... ولم يقتصر دور المستشرقين الألمان على حفظ المخطوطات فحسب، بل عمدوا إلى تحقيقها تحقيقًا علميًّا ذا فهارس متعددة، ويُعَدّ فهرسة المخطوطات العربية الموجودة في فيينا من المؤلفات الرائدة التي يَعتمد عليها المحقّقون العرب، وقد حقّق المستشرقون الألمان عددًا كبيرًا من أمهات التراث العربي»[3].

أما عن مخطوطات التاريخ وكُتُبه فقد كان للمستشرقين الألمان اهتمام واضح بها وبفهرستها وتصنيفها؛ كما قال رائد أمير: «ولا يمكن لأي دارس في الأدب والنقد العربيَّيْنِ أن يتجاهل أعمال مستشرقين ألمان كبار مثل كارل بروكلمان، وكتابه (تأريخ الأدب العربي) الذي له فضل السبق في التعريف بالتراث العربي الإسلامي المخطوط في مكتبات العالم جميعها. وعنوا بعلم الببليوغرافية وفهرسة المخطوطات، وتصنيف المعاجم العربية وتحريرها، وحقق سخاو ورفاقه (1903م) كتب الطبقات والتراجم كـ(الطبقات الكبرى) لابن سعد، وحقّق فلوجل Flugel (الفهرست) لابن النديم.. وترجم غوستاف فايل Gustav fwell (1808-1889م) عددًا من المخطوطات منها: السيرة النبوية لابن هشام، وطُبع سنة 1864م... ونشر المستشرق ماكس فون من حيث العدد: (الكامل) للمبرد، و(تأريخ الرسل والملوك) للطبري الذي استمر تسعة عشر عامًا من العمل المتواصل»[4].

وهناك أعمال تاريخية كثيرة قام بها وأصدرها فردناند وستنفيلد (1808-1899م)؛ وذلك أن هذا المستشرق الدؤوب قام  بتحقيق (وفيات الأعيان) لابن خِلِّكَان، و(طبقات الحفاظ) للذهبي، واللباب في معرفة الأنساب لابن الأثير، ومصادر ابن خِلِّكَان، وتواريخ مكة المكرمة الجزء الأول من (أخبار مكة) للأزرقي، والمنتقى في أخبار أم القرى، وهو منتخبات من تاريخ مكة للفاكهي، وكتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام للنهرواني، وكتاب مكة وأنساب أشراف مكة، و(معجم البلدان) لياقوت الحموي، و(آثار البلاد وعجائب المخلوقات) للقزويني، و(معجم ما استعجم للبكري)، و(تهذيب الأسماء واللغات) للنووي... وقد زادت آثار هذا المستشرق على المائتين، لا سيما (معجم البلدان)، و(وفيات الأعيان) المليئة بالأخطاء والأوهام، على الرغم مما كان يبذله من جهد في إصدارها[5]

وعمل الدكتور رائد إحصاءً علميًّا في بحثه عن المستشرقين الألمان وأبرز الكتب التي حَققُوها، وعن عدد هذه المكتبات ومحتوياتها، ويمكن الرجوع إلى هذا في بحثه المتميز بالوثائقية.

السرقة والانتحال:

ومما يُعدُّ من تميُّز الألمان عن غيرهم: احتضانهم العلمي للبروفيسور محمد فؤاد سزكين العالم العلَّامة في البحث والتحقيق في المخطوطات والتراث العربي الإسلامي على مدى عقود من الزمن في ألمانيا إلى حين رجوعه إلى تركيا من ألمانيا بعد شهر أكتوبر من عام 2017م، حينما أنشأ بتركيا (وقف أبحاث تاريخ العلوم الإسلاميَّة)؛ بهدف دعم أنشطة (متحف إسطنبول لتاريخ العلوم والتكنولوجيا في الإسلام)، وكان قد أنشأ قبل ذلك (معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية) في فرانكفورت عام 1402هـ الموافق 1982م، وهو الباحث المتخصص في هذه المجالات، الذي كانت له اكتشافاته العلمية لكثير من كتب التراث، خاصةً حول سرقة التراث وانتحال مؤلفات المسلمين على مستوى كتب كاملة بالمئات أو بالآلاف من المخطوطات والمؤلفات في العلوم التجريبية، ومنها الخرائط الجغرافية والعلوم الطبية والصيدلانية والفلك والفيزياء والهندسة والرياضيات، وذلك بنزع اسم المؤلف المسلم واستبداله باسم آخر بعد الترجمة الكاملة للكتاب، وهو ما يُسمَّى الانتحال.    

وقد ظللت فترة من الزمن غير متأكّد من قصة وقوع الانتحال الكامل للكتب، بالرغم من تكرار ذِكرها في بعض الكتب والمقالات، لا سيما أن الانتحال الكامل للكتب حدث في القرن الثالث عشر الميلادي قبل عصور الاستشراق الحديث، ولم تكن مضاعفة قراءتي السابقة حول هذا الموضوع وتدوين نتائجها حاسمة([6]، لكن زيارتي العلمية لألمانيا وزيارات تركيا المتكررة ولقائي ببعض الباحثين خاصة من بعض تلاميذ سزكين كانت لها نتائج أخرى، إضافةً لقراءتي المكثفة حول هذا الموضوع والقراءة عن جهود  محمد فؤاد سزكين (ت: 2018م) الباحث التركي الألماني الذي أمضى معظم عمره في جامعة غوته في فرانكفورت بفريقه العلمي وطلابه، وكانت لبحوثه وإنتاجه العلمي نتائج مُبهرة، وكان من أبرزها تاريخ التراث العربي 18 مجلدًا، إضافةً إلى نتائج غيره من الباحثين من تلاميذه أمثال الأستاذ الدكتور علي النملة المتخصص بدراسات الاستشراق وأحد تلاميذ هذه القامة العلمية.

ومما قال التلميذ عن أستاذه حول السرقة والانتحال في محاضرةٍ له عن سزكين: «اتَّخذتْ عملية أَخْذِ اللاتين [بعض مستشرقي الغرب] من علوم المسلمين صفة الانتحال. ولقد بيَّن هذا عددٌ من العلماء في بحوث كثيرة؛ إذ أظهروا كيف انتحل علماء لاتين لأنفسهم بحوثًا أخذوها من كتب العلماء المسلمين، أو انتحلوا كتبًا كاملةً ترجموها إلى لغتهم، زاعمين أنها من إبداعهم وتأليفهم. كما أنهم نقلوا كتبًا عربيَّةً أخرى ثم زعموا أنها لمشاهير من الإغريق، مثل أرسطاليس وجالينوس وروفوس»[7].

ويؤكد النملة هذا الانتحال الأوروبي المتعمد نقلًا عن أستاذه فؤاد سزكين في موضع آخر من محاضرته: «انتحلوا مؤلَّفات العلماء المسلمين المترجمة في صقلِّية والأندلُس، من دون الإشارة إلى مصادرها الأصلية. لذا يُنسب فضل تأسيس الحضارة والعلوم الغربية إلى الحضارة الإغريقية القديمة العريقة السابقة على الحضارة الإسلامية. بينما يُهضم حقُّ الحضارة الإسلامية ودورها البارز في هذا المضمار»[8]

ويؤكد سزكين في إحدى محاضراته أن 25 مجلدًا تم ترجمتها من التراث العربي للغة اللاتينية دون ذِكْر أسماء مؤلفيها الحقيقيين زمن العصور الوسطى لأوروبا، وذلك في المدينة الإيطالية ساليرنو، وتزامنت هذه السرقات والإخفاء مع عصر الكراهية والبغضاء لدى الأوروبيين خاصةً بعد وفاة فريدريش أو فردريك الثاني (1194-1250م) الموصوف بالملك أو الإمبراطور مؤسِّس جامعة ساليرنو ونابولي، والذي كان ملكًا لجزيرة صقلية، وكان محبًّا للتراث العربي الإسلامي، وقد احتفظ بمجلدات من التراث والكتب التي كَتَبَها علماء عرب أو مسلمون، وكانت قد تُرجمت بعد سرقتها وطَمْس أسماء مؤلفيها حسب قول سزكين، وذلك بعد اكتشافها في القرن العشرين من قِبَل سزكين ومن غيره كذلك. وقد أسهمت الكنيسة الإيطالية وكثير من علماء أوروبا آنذاك في الإخفاء للأسماء والمؤلفين بعد وفاة جامع هذا التراث العربي الإسلامي في القرن الثالث عشر الميلادي، واعتبَر فؤاد سزكين أن هذه أكبر سرقة علمية عبر التاريخ بقصة يرويها في محاضرة له منشورة، وفيها كذلك عن هذا الإمبراطور العَالِم الغربي الجامع للتراث «فريدريش الثاني» المعروف بـ (فردريك الثاني) المتوفى عام 1250م، وهو الموصوف بأكبر مشجّع للعلم في أوروبا حينذاك، وقد كان يتكلم العربية وداعية تقارب وتبادُل علميّ مع المسلمين آنذاك حسب قول المؤرخ Thomas Schuetz بقصة تطول ليس هذا موطن ذِكْرها، لكنَّ علماء أوروبيين معنيين أظهروا بعض الحقيقة![9] لا سيما عن محاولات الطمس مِن قِبَل الكنيسة؛ حيث كان استيلاء الكنيسة على هذه الكنوز الثمينة بعد موت داعية العلم والتقارب سابق الذِّكر. 

وقد كتب سزكين عن هذا الانتحال والسرقة ببعض التفصيل، وذلك بقوله: «لقد تمت في «ساليرنو (بإيطاليا)» ترجمة 25 خمسة وعشرين مجلدًا إلى اللاتينية دون أن تُعرَف أسماء مؤلفيها الحقيقيين، وكان هذا نهجًا عاديًّا في أوروبا في العصور الوسطى، فلم يكن ضياعًا للتراث، بل كانت سرقة، ولم يُعْلَم أن هذه الكتب تعود لمؤلفين عرب إلا في القرن العشرين»[10].  

ويؤكد الباحث طاهر صيام وجود المحاولات الجادة لأجل طَمْس الأدلة الحسية التي تُثبت أن هذه العلوم والمعارف والوسائل تراث إسلامي بامتياز، وذلك بقوله: «جَهِدت أوروبا بكل وسيلة لأجلِ طمسِ أدلتِها الحسيةِ أو تجييرها بشتى التأويلاتِ، كِبْرًا وسَطوًا خِدمةً لأغراض شتى؛ منها: التعالي الحضاري والنفسي على البشرية، وقيادةُ العقول والأفكار، ثم غزو الأمم بزَيْف سبق التنوير والعلم والحداثة»[11]، ولذلك حرص سزكين في المكتبة التي أنشأها في معهد غوته بجامعة فرانكفورت على ترتيب متحفٍ مصاحبٍ يُجسِّد الآلات والأدوات الحضارية للمسلمين من خلال أدلة ملموسة محسوسة.

كما فنَّد الباحث طاهر كغيره من الباحثين محاولات نسبة علوم المسلمين التطبيقية والتجريبية لليونان أو الرومان بأقوال ونقولات علمية بعناوين ومعلومات موثقة، ومن عناوينه: «2- بداية النقل الممنهج لعلوم المسلمين ودور الكنيسة فيه: أثناء تتبُّع جذور الإمبريالية المعرفية الأوروبية التي كانت من أسباب غزو نابليون لمصر؛ حيث اصطحب مئات العلماء والباحثين للتنقيب عن العلوم في المكتبات وغيرها، استوقفني إقرارُ المؤرخين -موسوعة غينيس-  بأن جامعة القرويين في فاس كانت أول جامعةٍ في العالم؛ إذ أسَّستها فاطمةُ الفهريةُ كوَقفٍ، وصامَت حتى اكتملَ البناءُ عام 859م. لكن العلامةَ الفارقةَ هنا أن (البابا سيلفستر) درسَ فيها أسوةً بابنِ خلدون والفيلسوفِ اليهودي (موسى بنِ ميمون) الذي تأثر  به، ونقلَ بعضَ علومِه المشرقية كبارُ فلاسفةِ أوروبا كديكارت واسبينوزا وليبنيتز»[12].

ويُورد الباحث طاهر عن بداية الاستشراق مع إشارته لحالة استثنائية عن أحد البابوات ممن أُعجب بعلوم المسلمين وعمل على نقلها إلى الشمال الأوروبي، وذلك بقوله: «البابا سلفستر الثاني (توفي 1003م) هو قطب الرَّحى ومهندسُ بداية حركة نقل علوم المسلمين إلى أوروبا بشكلٍ ممنهجٍ وهو البابا الوحيدُ الذي (تعلم العربية) ثُمَّ أَوفد آلاف الطلبة الكنسيين وغيرهم من أوروبا إلى مدارس ومكتبات الأندلس. وقد اعتبر بعضُ المؤرخين أنّ الاستشراق يعودُ إليه؛ إذ قصدَ بلادَ الأندلس وتتلمذ على أساتذتِها في إشبيلية وقُرطبةَ، حتى أصبح أوسع علماء عصره الأوروبيين اطلاعًا، وقد زار واطلع على معارف العالم الإسلامي (كجامعة القرويين) المغربية، وإليه يرجع نقلُ الأرقام العربية والرياضيات والفلك إلى أوروبا»[13]

ويضاف إلى هذا ما كتبه هذا الباحث بعناوين متتابعة في بحثه تحت عناوين من رقم (3 -6)، وهي حسب ترتيبه كالتالي: دور إمبراطور أوروبا شارلمان الحكيم، فضل المسلمين على الثورة الكوبرنيكيَّة العلمية الكبرى، أوروبا ودعوى مصدرية علوم اليونان والقنطرة الأرسطية، دور العلم التجريبي والاستقراء عند المسلمين في النهضة الأوروبية([14]. وهي عناوين بمحتواها تكشف عن عمق الدراسة والتحليل حول هذا الموضوع.

ويُعدُّ سزكين بجهوده العلمية في التراث وتحقيقه عَلَمًا من أعلام العصر في التحقيق العلمي، وبجهوده تم كشف بعض هذه السرقات، فقد كان أبرز شخصية معاصرة تَقصَّى المخطوطات والحضارة الإسلامية في المكتبات الغربية، وقد تنبّه سزكين إلى أن الإثباتات العلمية للتراث المسروق لا بد أن تصحبها أدلة حسيَّة مادية، فكانت خطواته الجادة والحثيثة في إنشاء المتحف المعنيّ بالأدوات والمخترعات الإسلامية، وقد خصَّص للمتحف الدور الأول من معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في فرانكفورت؛ لتكون الأدلة الحسية مُصاحِبَة للجانب النظري (المخطوطات التراثية)[15].                      

وعن هذا التفوق الحضاري في التراث العربي الإسلامي كتب المستشرق والمؤرخ الفرنسي المُنصِف غوستاف لوبون عن علماء المسلمين ونبوغهم في كتابة المعاجم والتراجم والفهرسة قبل معرفة المستشرقين لهذا الفن من العلم بقرونٍ من الزمن، والفهرسة المتقدمة تاريخيًّا؛ مما يكشف عن بعض المؤلفات والمسروقات، وذلك بقوله: «وكُتُبُ التراجم عند العرب كثيرةٌ أيضًا، وأشهرُها كتابُ المكتبة الشرقية (كشف الظنون) الذي ألَّفه حاجِّي خليفة المتوفَّى سنة ١٦٥٨م، والذي هو معجم لأسماء نحو (18500) كتاب شرقي، وفيه إحصاءُ (1200) مؤرخ للتاريخ العربي [الإسلامي]، والذي أَلْحَقَ فيه اسم كلِّ كتاب منها باسم مؤلفه مع بيانٍ عنه»[16]، ويُضاف إلى هذا حول فهرسة تراث العرب المسلمين ما كتبه ابن النديم (الفهرست).  

وعن أدوار المستشرقين وجهود الباحثين فيهم وعنهم؛ عمل غير واحد من المسلمين المعاصرين في معاجم كبيرة ونفيسة عن أسماء المستشرقين عامة وجهودهم العلمية، من أمثال الأستاذ الدكتور علي النملة في كتابه (الاستشراق الألماني والمستشرقون في المراجع العربية- رصد وراقي «ببليجرافي» لما نُشر عن الاستشراق الألماني والمستشرقين)، ومما أورد المؤلف عن هذا الرصد قوله في مقدمة كتابه هذا: «وما بين يدي القارئ هو رصدٌ «تقليدي» في بدايته لما أسهم به الكُتَّاب العرب والمسلمون، والكُتَّاب غير المسلمين تحديدًا، فيما له علاقة بالاستشراق الألماني دراسةً أو ترجمةً. وهو رصدٌ وليس حصرًا لذلك؛ لتعذُّر الحصر على الجهود الفردية... وقد قسَّمت هذه القائمة الورَّاقية إلى ثلاثة أقسام؛ أوَّلها حول الاستشراق الألماني نفسه، وما تعرَّض له من نقد في المراجع العربية، أو حديث عنه دون نقد. وبرزت فيه الكتابات الاستشراقية. والثاني حول المستشرقين الألمان أنفسهم، وما قيل عنهم من مدح أو قدح. والتزمت ما استطعت الموضوعية في هذا الرصد، دون السعي إلى تغليب الهوى والانتقائية...»[17].

ومن الجهود العربية الإسلامية في مجال الفهرسة: ما كتبه يحيى مراد في كتابه (معجم أسماء المستشرقين) الذي تجاوزت صفحاته 1140 صفحة، ويُذكَر أن هذا الكتاب نَسْخ حرفيّ لكتابٍ سابقٍ له في الصدور، وهو كتاب نجيب العقيقي (المستشرقون) بأجزائه الثلاثة دون تصنيف حسب المدارس، بل بترتيب هجائي.

 


[1] انظر: علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق الألماني بين التميز والتحيز، بيروت: بيسان للنشر، 1440هـ (2018م)، ص12.

[2] انظر: المرجع السابق، ص14، ويلحظ أن في الفصل الرابع والخامس من كتاب النملة بصورة خاصة ما يوضّح أكثر عن تميز هذا الاستشراق الألماني عن غيره.

[3] انظر: رائد أمير عبدالله، بحث بعنوان: (المستشرقون الألمان وجهودهم تجاه المخطوطات العربية الإسلامية)، ص12-13، 16.

[4] انظر: المرجع السابق، ص15، 17.

[5] انظر بتصرف يسير: رائد أمير عبدالله، بحث بعنوان: (المستشرقون الألمان وجهودهم تجاه المخطوطات العربية الإسلامية)، ص17-18.

[6] انظر: محمد السلومي، المفكر الألماني مراد هوفمان – رؤيته في احتضار الغرب! وصعود الإسلام!، ص384-388.

[7] انظر: علي بن إبراهيم النملة، محاضرة بعنوان: (محمد فؤاد سزكين: انطلاقة عالم)، أسبوعية الأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني، بتاريخ 8 رجب 1443هـ الموافق (9 فبراير 2022م)، نقلًا عن: (فؤاد سزكين. محاضرات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية: ص21).

[8] انظر: المرجع السابق، نقلًا عن: (عرفان يلماز. مكتشف الكنز المفقود فؤاد سزكين وجولة وثائقية في اختراعات المسلمين: ص 108).

[9] للمزيد عن هذا الموضوع ومعلومات أكثر عن هذه الكتب ومعرض فرانكفورت انظر: مجلة Welt der Wunder التلفزيونية العلمية الألمانية، على الرابط التالي:

 http://www.weltderwunder.de/.  

وانظر الفيلم التعريفي عن (العلم والإسلام الدفين المكتم) على اليوتيوب الرابط التالي:

 https://youtu.be/oM3C7paN1dY.

[10] انظر الفيلم التعريفي عن (العلم والإسلام الدفين المكتم) في اليوتيوب على الرابط التالي:

 https://youtu.be/oM3C7paN1dY.

[11] انظر: طاهر صيام، بحث بعنوان: (جحود الغرب والإمبريالية الغربية)، مجلة رواء، العدد 13، بتاريخ رجب 1443هـ الموافق (فبراير 2022م)، ص34-35.

[12] انظر: طاهر صيام، بحث بعنوان: (جحود الغرب والإمبريالية الغربية)، مجلة رواء، العدد 13، بتاريخ رجب 1443هـ الموافق (فبراير 2022م)، ص35-36.

[13] انظر: المرجع السابق، ص35-36.

[14] انظر: المرجع السابق، ص36-37.

[15] انظر: علي بن إبراهيم النملة، محاضرة بعنوان: (محمد فؤاد سزكين: انطلاقة عالم).

[16] انظر: غوستاف لوبون، حضارة العرب، القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2013م، ص469، 468.

[17] انظر: علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق الألماني والمستشرقون في المراجع العربية- رصد وراقي «ببليجرافي» لما نُشر عن الاستشراق الألماني والمستشرقين العربية، بيروت: بيسان النشر، 1440هـ (2019م)، ص19-20.


أعلى