نزف القوافي

نص شعري


لَمْلمْ قوافيك واستحدثْ لنا جُمَلا

    يا عبقرَ الشعرِ إن القولَ قد هزُلا

فهاك شعرُ بني قحطان لو جُبهتْ

    به الأعاجمُ ما خيلٌ لها صهلا

إذا وعتهُ من الألباب أفئدةٌ

    لاقيتَ كلّ بني الدُّنيا به ثَمِلا

وإنَّ شِعْري إذا ما شفَّ جارحة

    يحيا بها كلُّ غصنٍ ميّتٍ ذبلا

سليلُ قافيةٍ، وابن المكارمِ بلْ

    عَمّ العلومِ إذا ميدانها احتفلا

سبطُ اليراعةِ إذ غاضتْ محابرهم

    يفيضُ حبرًا على جدبِ الثرى هطلا

(يشوي الوجوهَ) ويدمي كل جارحةٍ

    من الجسومِ إذا رأيُ الجهولِ علا

(فلا وربّك) ما كلُّ الأنامِ ترى

    في ساحةِ الحرفِ شادَ القول مُشتملا

(ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركه)

    ما سلوة النفسِ إلا أن ترى أملا

(تجري الرياح بما لا تشتهي) أُمَمٌ

    إلا أمانيَّ تذري يأسها عِللا

وكلُّ بارقةٍ في الذهنِ يصدُقها

    حُسنُ الفِعالِ وما نجمٌ لنا أفلا

وإن شعري بعيضٌ منْ شمائلنا

    ناطحتُ فيه الثُّريا وامتطى زُحلا

ولو يكونُ لشعري حدُّ أزمنةٍ

    لكانَ مندثرًا، أو قدْ قضى أجلا

لكنْ هو الروحُ سالتْ في صحائفكم

    أشدو بها صلةً لا أبتغي جَدلا

وكيف يغدو سقيم اللفظِ مكتملاً

    واهًا ويا عجبًا كلاّ وألفُ بلى

إلا بنظمٍ به قولُ الفتى اختزلا

    وأحسنُ الدُّرِّ في الأصدافِ قد جُعلا

وكيف يُنكر قلبي بعضَ قافيتي

    وحبُّ يعرب في الأحشاءِ قد جُبلا

لملمْ حروفكَ واستحضرْ بها حكمًا

    وانقضْ عُرَى المحفلِ المستثمرِ الجهلا

واحمل عليهم بيانًا يزجرونَ به

    فيرعوي الطفل والشيخُ الذي كهلا

ويح القوافي إذا لم تكتنفْ قِيمًا

    ولم تفضْ أدبًا نسمو به مُثلا

ولا رثتْ ماجدًا في الأرض تفقدهُ

    ولا هجت ماجنًا يبغي بنا خللا

ولا دعتْ فارسًا يومًا لملحمةٍ

    ولا لمكرمةٍ قد بيّنت سُبلا

إني أنا الغمدُ والمنطيقُ منسلطٌ

    على البريةِ أجلو الداءَ والعِللا

فمن دعاهُ هواه نقضَ قافيتي

    فنقضُ بنيانه عندي قد اكتملا

فمن يرومُ المعالي يومَ سابغةٍ

    (ترى على صدره للخيل) مُنتزلا

كلُّ البيانِ فضولٌ من قصائدنا

    وكل آلائه من آينا نُحلا

وما حوتهُ قواميسُ الأُلى قبسٌ

    من فيض بحرٍ به تاج العروس سَلا

هذا القريضُ صدوقٌ إن به نطقت

    جوارحُ الصبِّ عما في القلوبِ غلا

فالقلبُ بركانُ شعري عندَ ثورته

    لا بارك الله في شعرٍ قد انخذلا

أعلى