جَـسَدًا أَرادوها

نص شعري


جسدًا أَرادوهــــــا بغيـرِ حَـيــاةِ

أَمَــةً مُـكَـبَّـلَـةً بـقَـيْــــدِ جُـنــاةِ

بـمـَناخِسِ الأَوْغــادِ تُسْبَـى عَـنْوةً

                    وتُـقـادُ رَغْـــمَ الأَنْـفِ للنَّـزواتِ

شَحَنوا غرائــزَها بفِكْرٍ ماجنٍ

فَـتَـوَغَّلَت حَذْوًا بـجُحْـرِ عُداةِ

ومَضَت تَـعُـبُّ من الفواحشِ والـخَنا

وَغَدَت تُراغـمُ أَخْبَثَ الـحَـيَّاتِ

وتُـحاوِلُ الإِفْسادَ تُغْري مَن أَبَـتْ

بالعالَـمِ الوَهْمـيِّ والـحُظُــواتِ

تُبْدي السَّعادةَ والرُّقـيَّ تَصنُّـعـًا

أَيــنَ الرُّقـيُّ بأَسْفلِ الدَّرَجــاتِ

ضاعت كرامتُها ودِيسَ عَفافُها

في عالَـمِ الرَّغَباتِ والشَّهَواتِ

كانت مَناطَ الفَخْرِ رَمْـزَ كرامةٍ

فَغَدَتْ مُشَرَّدَةً على الطُّرُقاتِ

سِلَعًا بقارعةِ الطَّريــقِ رَخيصةً

تُشْرَى هناكَ بأَبْـخَسِ العُملاتِ

نحوَ الحضيضِ تَسيرُ عاثرةَ الـخُطا

بيـنَ الرِّداغِ تَسُوخُ سَوْخَ الشَّاةِ

قالوا لـها: أَنتَ السَّجينةُ فاكْسِري

أَغْلالَ عَصْرِ الكَبْتِ والظُّــلُماتِ

وتَـذوَّقي الـحُـرَّيَّــةَ الـحَمْراءَ وافْـــ

ـــتَكِّي العُــرا من رِبْقةِ السَّنَواتِ

وتـَمتِّعي ما شِئْتِ من مُتَعِ الدُّنا

بـمَفاتِــنِ الأَجْسادِ والصَّبَواتِ

خُدِعَت بأَفْكارِ الملاحدةِ الأُلـى

جَعلوا الـحياةَ نـهايةَ الـحَيَواتِ

قالوا لـها: اهْتَبِلي الـحياةَ فإِنَّـما

هي فُـرْصةٌ لتَنَاهُبِ اللذَّاتِ

فَعَلامَ تُـخْفيـــنَ الـجَمالَ وإِنَّــه

هِبَــةُ الطَّبيعــةِ فاغْنميهِ وهاتِ

وخُذِي بـحَظِّـكَ من مباهجِها التي

تُـحْيِـي القلوبَ بطـيِّـبِ الثَّمَراتِ

غاصت بأَوْحالِ الـحياةِ وظَــنُّـهـا

تَرْقَى إِلى دنيا السُّموِّ الذَّاتـي

وإِذا بـها تَلِجُ الكهوفَ وحالُـها

حالُ الرَّمائـمِ في حـميمِ رُفـاتِ

ضاقت بـها سُبُلُ الـحياةِ بُعيدَ ما

سَفَحَت مَباذِلَـها لشَرِّ دُعــاةِ

لم يَبْـقَ من ذاكَ الـجَمالِ سوى الرُّؤى

والبؤْسُ حاصرَها بكـلِّ جِهاتِ

قطفوا ثِـمارَ شَبابِـها ورَموا بـهـا

حَذَرَ الوباءِ بأَسْفلِ الدَّركاتِ

هذا مصيرُ اللاهثاتِ إِلى القَذى

طرْدَ السَّرابِ يُـخالُ في الفلواتِ

فإِذا أَتـتْـه لم تَـجِـدْ ماءً ولـم

تَظْفرْ بغيـرِ خِزايةٍ وشتاتِ

لن تَظْفري يومًا لدى غابِ الـخَنا

بيدٍ تَـمُدُّ إِليكِ حَبْلَ نَـجــاةِ

قد سِرْتِ في دَرْبِ الـمذلَّةِ فاحْصدي

ثـمَـرَ الـهَــوانِ وعَثْـرةَ الـخُطــواتِ

همْ يـبْتغونَــكِ شَهْوةً ومطـيَّـةً

ويَــرونَ فيكِ حبائـلَ الإِفــلاتِ

فحذارِ أَن تَـلِـجي الكُـهــوفَ وتُصْـبحـي

جِسْرَ العُبــورِ إِلـى لظـى الـحاناتِ

فهناكَ مضْبَـعـــةُ الأَنـامِ فحاذري

أُختاهُ من مُسْتَنْقَـعِ الحشراتِ

تَلِجيـنَهــــــا بـحَفـــاوةٍ ولطـافـــةٍ

لتدوسَكِ الأَقــــدامُ كُــلَّ غَــداةِ

وتذكَّري أَنَّ البدايــــــــــةَ حُـلْــوةٌ

أَمّــا النِّهايـــةُ فمُـرَّةُ النَّكهاتِ

ما لابْـنِ آدمَ راحــةٌ في عيشِه

إِلاَّ بظـلِّ اللهِ ذي القدراتِ

فاحْرثي لنفْسِكَ وادَّخِــري خَـبيئةً

حتَّـى تنالي منازلَ الـجَـنَّــاتِ

مَنْ تُرْخصِ الـجسدَ القويـمَ ذليلةً

ستُقادُ مثْلَ الشَّاةِ للسَّعْلاةِ

قد أَهْدرت ماءَ الـحياءِ وطأْطأت

تَـخْتالُ في بُرْدِ الـخنا وتُـواتـي

لم تدْرِ أَنَّ اللاهثيـنَ إِزاءَها

همْ مَـحْضُ شُذَّاذٍ وشرُّ حُـواةِ

أَينَ النَّجـاةُ وحولَـكِ اللقطاءُ نسْــــــ

ــــلُ حثالةٍ ومُـخلَّفاتُ زُنــاةِ

تبْغِـيـنَ في الـملْهـاةِ إِشباعَ الهوى

وغدًا تريــــنَ مرارةَ الـمأْساةِ

تُرْمَـيْـنَ من برْجِ الـمخازي مُوْمسًا

في سَلَّـةِ الأَقْـــذارِ والفضلاتِ

لا تُـخْدعي يومًا ببَـرْقٍ خُـلَّـبٍ

وبفكْـرِ شيطانٍ زنيـمٍ عاتِ

أَنـتِ الـمثـالُ لكلِّ نفْسٍ حُـرَّةٍ

واللهُ قد أَولاكِ خيـرَ صفاتِ

فلِـمَ التَّخلِّـي عن مكانتِكِ التـي

قد كنْتِ فيها أَكْــرمَ الـمَلكاتِ

لا عِـــزَّ إِلاَّ بالكتابِ ونَـهْجِـه

وبِسُنَّةِ الهادي الكريـمِ الذَّاتِ

 

 

 

 

 

 

 

  

أعلى