معركة لكة

وتُعد معركة «وادي لكة» معركةً فاصلةً في تاريخ الإسلام؛ حيث توقف عليها مصير إسبانيا، وسقطت مدنها؛ مدينةً بعد أخرى في يد المسلمين


لم يكن فتح المسلمين لإسبانيا مغامرة حربية بقدر ما كان خطة منضبطة ومنظَّمة مِن قِبَل القائد طارق بن زياد، والذي يدل على ذلك أنَّه لم يغامر برجاله دون القيام بحملة استكشافية على جنوب إسبانيا بقيادة القائد طريف بن مالك، وكانت قوة طريف الاستطلاعية تتألف من أربعمائة راجل ومائة فارس.

أبحر هؤلاء على متن أربعة مراكب إلى جزيرة تسمى بالوماس على الشاطئ الإسباني في موضعٍ أصبح يُعرَف حتى اليوم باسم طريف.

هذه الحملة التي كُلِّلت بنجاح باهر، وعادت بالغنائم والأسلاب إلى الشمال الإفريقي؛ شجَّعت القائد الإسلامي طارق بن زياد على المضي قدمًا إلى ساحة الجهاد وفتح الأندلس؛ فمضى على رأس جيش يتألف من اثني عشر ألف رجل من مقاتلي العرب والبربر المسلمين.

وكان معظم المقاتلين من العرب قد رجعوا إلى القيروان مع موسى بن نصير، ولم يبقَ مع طارق بن زياد إلا عدد قليل من العرب؛ من أجل أن يُعلِّموا البربر مبادئ وتعاليم الإسلام، فكان جيشه أكثره من البربر، ورغم أنَّ طارق كان يمتلك سفنًا حربية؛ إلا أنَّه آثر أن يُبْحِر ليلاً على سفن تجارية؛ عملًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الحرب خدعة»[1].

ووصل إلى مكان وعر من الشاطئ في رجب سنة 92هـ، وهناك قصة شائعة تقول: إنَّه قد أحرق سفنه بعد نزوله إلى الشاطئ؛ ليقطع على جنوده خط الرجعة، وليُحفِّزهم على الاستبسال في القتال، ثم خطب خطبته المشهورة التي بدأها بقوله: «أيها الناس! أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم! وليس لكم -واللهِ- إلا الصدق والصبر»... لكنَّ هذه القصة لم تثبت.

نزل طارق على صخرة تسمى جبل كالبي، وهي ما يُعرف الآن باسم جبل طارق، أقام هناك أيامًا استولى فيها على مضيق الجبل؛ ليحمي خطوطه الخلفية، ويُؤمِّن اتصالاته البحرية بشمال إفريقيا، ثم استولى على كل المناطق المحيطة بالجبل[2].

معركة لكة

وتسمى معركة كورة شذونة، مضى على طارق نحو شهرين ونصف قبل أن تقع المعركة الفاصلة بينه وبين ردريك، وما إن سمع ردريك بقدوم طارق حتى جمع قواته، وصالح أعداءه، وعبَّأ جيشه، فجمع مائة ألف مقاتل، وقيل سبعين ألفًا، وقيل أربعين ألفًا.

وكتب طارق إلى موسى بن نصير يستمدّه؛ فأمده بخمسة آلاف جندي، على رأسهم «طريف بن مالك»، وأغلبهم من الفرسان، وبهم كملت عدة الجيش الإسلامي اثني عشر ألفا.

تقابل الجيشان في وادي لكة، أو كورة شذونة، جنوب غرب إسبانيا، ودارت معركة هائلة استمرت ثمانية أيام (من الأحد 28 رمضان إلى الأحد الخامس من شوال)، وانتهت بهزيمة القوط هزيمة ساحقة، بعد أن اقتتل الطرفان «اقتتالًا شديدًا حتى ظنوا أنه الفناء»، وتبع المسلمون فلول القوط بالقتل والأَسْر، ولم يرفعوا عنهم السيف ثلاثة أيام. وقد اختلفت الروايات في شأن مصير ردريك، فقيل: إنه قُتِل غريقًا في وادي لكة. وقيل: إنَّه فرَّ هاربًا. وقد استشهد من المسلمين ثلاثة آلاف رجل[3].

وتُعد معركة «وادي لكة» معركةً فاصلةً في تاريخ الإسلام؛ حيث توقف عليها مصير إسبانيا، وسقطت مدنها؛ مدينةً بعد أخرى في يد المسلمين، حتى وقعت البلاد بأَسْرها في يد المسلمين، وعاد طارق بن زياد وموسى بن نصير وجيش المسلمين مُظفَّرين مُكلَّلين بالنصر والتوفيق.

 


[1] صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، 4/ 64، رقم 3030، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422هـ

[2] انظر: موجز عن الفتوحات الإسلامية للدكتور طه عبد المقصود عبد الحميد أبو عُبيَّة، ص97ـ99، دار النشر للجامعات، القاهرة.

[3] انظر: تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، د. خليل إبراهيم السامرائي - د. عبد الواحد ذنون طه - د. ناطق صالح مصلوب، ص32، دار الكتاب الجديد المتحدة - بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2000م. وانظر: موجز عن الفتوحات الإسلامية للدكتور طه عبد المقصود عبد الحميد أبو عُبيَّة، ص99، دار النشر للجامعات، القاهرة.

 

 

أعلى