مذكرات البرقعي (6-7)

ويُورد البرقعي حديث الخميني في الراديو بسياق آخر، فيقول: «مذهب الخميني وأتباعه مليء بالخرافات والبدع والأباطيل، وكما كان يقول بنفسه في الراديو سنة 1984م: لا يفهم القرآن أحد، فإذا كان ميزان الصحة والبطلان، ومعرفة الحق من الباطل لا يُفهَم، فمن الطبيعي عنده

علاقته مع الخميني:

ثار الناس ضد الشاه، وشارَك البرقعي في التظاهرات ضد حكومة الشاه، فأعقب ذلك ذهاب الشاه، ومجيء الخميني رئيسًا للجمهورية الإيرانية، ولكن لم تمضِ مدة من حكم الخميني، حتى رجع الكبت والتضييق على الحريات تمامًا، كما كان أيام حكومة الشاه، بل أشد -بحسب رأي البرقعي-، ولهذا كتب رسائل مناصحة للخميني، فلم يرد عليها، وحاول نشرها فلم يستطع. وقد يُصاب القارئ الكريم بالدهشة إذا علم أن بعض المحسوبين على نظام الشاه والمقربين منه، أمثال سيد خسروشاهي، صار عضوًا بارزًا في حكومة الخميني ومُقربًا منه، وصار رئيسًا لمؤسسة الإسكان الخيري[1].

ذكر البرقعي مدى تلك العلاقة التي جمعته بالخميني، وما يُكِنّه الخميني من تقدير له، فقال: «بعد أن سقطت حكومة الشاه، وأخذ الحكم السيد الخميني، أردت أن أقابله لأننا كنا ندرس أيام الشباب، حوالي ثلاثين سنة في حوزة واحدة، وقبل رجوعه إلى إيران وتغيُّر أحوال إيران ووضع المُعمّمين فيها، ذكرني السيد الخميني في إحدى محاضراته تلميحًا، ولم يجترئ أن يصرّح باسمي، ذلك بعد وفاة ابنه الكبير آية الله السيد مصطفى الخميني؛ قال: «أعاتب العلماء الأعلام أيضًا، فهم غافلون عن كثير من الأمور، ويتأثرون بدعايات النظام الحاكم المُغرضة، والذي يخلق كل يوم توترًا بسبب أمر بسيط... إذ من الخطأ هَدْر الوقت في أحاديث، تدور حول أن زيدًا كافر، وأن عَمْرًا مرتد، وذلك وهابي! ويقولون عن عالم تعب خمسين سنة، ويُعتَبر فقهه أفضل من فقه معظم الموجودين؛ وهابي! هذا خطأ، لا تُفرّقوا الناس من حولكم! فأنتم تبعدون الواحد تلو الآخر عنكم، وتقولون: هذا وهابي، وهذا لا دين له، وهذا لا أدري ماذا! فمن سيبقى لكم»[2].

ثم يواصل البرقعي الحديث عن علاقته بالخميني، ورغبته في لقائه، وما جرى خلالها من أحداث معه ومع من رافقه، فقال: «وبسبب الزمالة القديمة، تقدّمت بعد شهرين من سقوط حكومة الشاه، بطلب موعد مع السيد الخميني، عن طريق أحد الأصدقاء... وقبل أن ندخل إلى غرفته الخاصة، رأيت الشيوخ الخرافيين الذين لا يعرفون الإسلام الصحيح، ولا يعلمون حقائق القرآن، ويتَّبعون الأخبار المذهبية الموضوعة والمكذوبة... رأيتهم وقد أحاطوا المكان... كان كلّ هؤلاء من أشد أعدائي... ولا يرغبون أن ألقى الخميني؛ لأن لقائي قد يُفْسِد عليهم بعض مطامعهم الدنيوية، ولهذا لم يَدَعُوني أقابله، ولو قال قائل: إن السيد الخميني نفسه، لم يكن يرغب بهذا اللقاء، لقلت: نعم؛ لأنه لم يَردّ بعد ذلك على الرسائل، التي وجَّهتها له ووصلته يقينًا.

على كل حال، جعلتني حاشيته أنتظر ساعات ولم يتركوني أقابله، بل قالوا كلامًا بذيئًا، وسخروا مني، ولهذا رجعتُ صفر اليدين، وبعد ذلك أرسلت إليه رسائل كثيرة، وقد وصل بعضها إلى يد الخميني مباشرةً من غير وسيط، عن طريق أحد الأصدقاء، لكنه لم يُجِب على أيٍّ منها»[3].

كان البرقعي متفائلًا في أول أيام الثورة، فقد كان مؤيدًا للخميني وناشدًا للإصلاح، ولكنَّ ذلك كله تغيَّر لاحقًا، بعد أن يئس من إصلاح الأحوال، فقال: «لكن لما شاهدت بنفسي كيف صار الاتصال، والتباحث مع آية الله الخميني غير ممكن، بكل الطرق؛ سواء اللقاء المباشر، أم عن طريق المكاتبة، ولما رأيت كيف يهمل الرد على الرسائل التي وصلته... وكيف التفَّ حوله المتعالمون عديمو الكفاءة، والذين يَحُولُون دون وصول آراء الناصحين، أيقنتُ أن التضييق سيرجع مرة أخرى، أشد من عصر الشاه، وأن تبليغ الحقائق غير مرغوب به، هنا يئست من النظام الجديد»[4].

وفي موضع آخر يقول: إنه يئس من الخميني ورفاقه، وتوجَّه لأداء الواجب الشرعي، وهو محاربة البدع والخرافات والانحرافات، فقال: «وبعد أن يئست من إصلاح الأمور عن طريق الخميني ومن معه، كففتُ عن تأييدهم، وأداءً للمسؤولية الشرعية، بدأت أحارب البدع والانحرافات»[5].

 

رأي الخميني في البرقعي:

أرسل البرقعي رسالة إلى الخميني عن طريق ابنته، التي زارت منزل الخميني في قم، فلما أعطته الرسالة، وقالت له: إنها من البرقعي، سألها: أيّ برقعي؟ قالت: السيد أبو الفضل، وعندما سمع الاسم أظهر احترامًا كبيرًا لابنة البرقعي، وأخذ الرسالة وذهب بها، فقالت زوجة الخميني: سنأخذ جواب الرسالة، ونأتي بها إلى طهران، وبعد مدة زارت زوجة الخميني ابنة البرقعي في طهران، ولكن لم يكن معها أيّ جواب[6] سوى أنها قالت: «قال السيد لما رأى رسالة والدكم: إن السيد البرقعي مجتهد بنفسه، وصاحب نظر، ولكنه لا يُحسن حفظ الناس حوله»... بهذا علمت أن الخميني توقَّف عن الإجابة عن مضامين رسائلي، ولم يُقْدِم على ذلك خوفًا من العوام!!»[7].

 

رأي البرقعي في الخميني:

يرى البرقعي أن الخميني كان غارقًا في الفلسفة اليونانية والعرفان، ومُتلطّخ بالخرافات إلى حد كبير، وليس عنده كبير اطلاع على حقائق القرآن، بل ويُفسِّر القرآن حسب آراء الفلاسفة، ويعتقد أن القرآن ليس كتابًا قابلًا للفهم[8]، ويدلّل البرقعي على خرافات الخميني وانحرافاته، فيقول: «أنا أتذكر جدًّا أيام تدريسه في المدرسة الفيضية، أني سمعته يقول لتلاميذه: إذا نفخ الإمام تسكت النجوم (أي يذهب نورها)!، وكان يعتقد أن جميع ذرات العالم، خاضعة لتصرُّفات الإمام، نعوذ بالله من الضلال، وكتابه كشف الأسرار الذي يحكي فيه معتقداته مُلوّث بهذه»[9].

نسب البرقعي إلى الخميني وتلاميذه الاعتقاد بوحدة الوجود، فقال: «ومن الطوامّ أن الخميني وتلاميذه يعتقدون بوحدة الوجود، وهو أقبح أنواع الكفر، ولأنهم يعتقدون بوحدة الوجود، فلا يحسّون بما يرتكبون من ظُلم وجَوْر، وهو من إفرازات هذه العقيدة السيئة»[10].

كما يرى البرقعي أن الخميني من شدة تلوّثه بهذه المعتقدات نسي القرآن، فقال: «ولشدة غرقه فيها نسي القرآن، إلى درجة أنه قال في إحدى بياناته التي أُذيعت في الراديو والتلفاز: نحن لدينا في القرآن الكريم سورة المنافقون، وليس عندنا سورة الكافرون، ولم يعلم أن السورة التاسعة بعد المائة في القرآن، هي سورة الكافرون»[11].

ويُورد البرقعي حديث الخميني في الراديو بسياق آخر، فيقول: «مذهب الخميني وأتباعه مليء بالخرافات والبدع والأباطيل، وكما كان يقول بنفسه في الراديو سنة 1984م: لا يفهم القرآن أحد، فإذا كان ميزان الصحة والبطلان، ومعرفة الحق من الباطل لا يُفهَم، فمن الطبيعي عنده أن تكون أعمالهم سيئة»[12].

يرى البرقعي أن هذا الموقف من القرآن الكريم، ليس مقتصرًا على الخميني فحسب، بل هو توجُّه لدى قادة الجمهورية الإيرانية، فقال: «يسعى قادة الجمهورية الإسلامية، إلى إبعاد الناس عن كتاب الله، ولذلك يقولون في محاضراتهم: إن الناس لا يفهمون القرآن، وينبغي لهم ألَّا يستدلوا بالقرآن، ويقولون: لا يصلح لهذا الأمر إلا مَن درس في الحوزة العلمية خمسين سنة؛ لأن فيه عامًّا وخاصًّا ومطلقًا ومقيدًا... إلى آخر ما يقولون»[13].

ولهذا يذكر البرقعي أن مَن يقوم ببيان العقائد الموافقة للقرآن، فإنه يتم وَصْمه بتهمة الانتساب للوهابية، فقال: «وهكذا فإن كل مَن جرى على لسانه كلمة، لبيان العقائد الموافقة للقرآن، فإن نظام الخميني يتّهمه بأنه وهابي»[14].

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخميني الذي أخطأ وجهل اسم سورة من القرآن، نجده يتهكم على بعض مخالفيه، من أنهم لم يقرأوا القرآن، فقال: «وماذا نقول لمن لم يقرأ القرآن ولو لمرة واحدة، ويقول بصريح العبارة: إنه لم يرد في القرآن اسم جبرئيل؟!»[15]

 كما قال أيضًا: «هؤلاء الثرثارون لم يقرأوا القرآن، ولو مرة واحدة على الأقل، ليروا كم أنزل الله من آيات حول الشفاعة»[16]، كما يتّهمهم أحيانًا بأنهم لم يروا القرآن، فقال: «هؤلاء الأغبياء إما إنهم لم يقرأوا القرآن ولم يروه»[17].

كما يرى البرقعي أن من إحدى خصوصيات الخميني، هي الخوف الشديد من العوام، ولهذا يراعي رضاهم، حتى إنه ربَّى ولده أحمد على هذا النهج[18]، فقال: «كان السيد الخميني يُظْهِر شجاعته الكاملة، في محاربته للشاه وأمريكا والعراق... ولكنه لم يجرؤ على أن يتكلم بما يخالف ذوق العوام، ولم يكن يجرؤ على إظهار رأيه صريحًا، في البدع واضحة البطلان، من قبيل ضرب الإنسان لنفسه، بالسيوف والسلاسل، ونحو ذلك»[19].

كما يرى البرقعي أن الاستبداد من أبرز صفات الخميني؛ إذ لديه روح استبدادية فلا يشاور أهل النظر والخبرة والتجربة، ويترك سماع الانتقادات والآراء المخالفة له، مِن قِبَل كثير من المراجع، وهو بذلك مثل شيخه البروجردي، ولكنها لم تتضح لدى هذا الأخير؛ لأنه لم يَصِل إلى السلطة، وإلا لظهر الاستبداد في تصرُّفاته ومواقفه وآرائه[20].

يرى البرقعي أن الروح الاستبدادية لدى الخميني، تجلَّت في أبهى صورها في حرب العراق، فقال: «وبخصوص مصالحة العراق، فقد طالَب كثير من أهل النظر مرارًا بإيقاف الحرب، وذكروا بأن استمرار الحرب له مضارّ كثيرة، أهمّها عدم مشروعيتها... ولكنّ الخميني لم يقبل ذلك، واستبدَّ برأيه، دون اعتبار حتى لرأي الحكومة والناس»[21].

أشار البرقعي إلى حقيقة تواضع الخميني وزهده، وإظهار الأثاث المتواضع للناس، وإخفاء الأثاث والزينة في الداخل، فيظهر المرجع أمام الناس بأنه زاهد، ولكنه في داخل بيته يعيش عيشة الملوك، فقال: «وأذكر أنني في شبابي كنت مقيمًا في قم، وكان السيد الخميني عالِمًا، أكنّ له في قلبي معزةً واحترامًا، وكنت درست معه مدة، وكنت أذهب عنده أحيانًا؛ تقديرًا له وأزوره، فيُدخلني في غرفة خارج منزله، وهي غرفة متواضعة جدًّا، ليس فيها إلا بساط بَالٍ قد تغيَّر لونه، وكرسيّ مكسور، فكان في نظري زاهدًا تقيًا مُعرضًا عن الدنيا، حتى إنني وضعت مرة ريالًا واحدًا عند كرسيه وخرجت.

وبعد مدة دعاني السيد الخميني إلى حفل زفاف ابنته، وبحسب ترتيبهم دخلنا داخل داره، فرأيت الفرق بين داخل الدار وبين الغرفة الخارجية، كالفرق بين السماء والأرض، الغُرَف الفخمة، والبُسُط الراقية والمرايا الكبيرة، وكل أنواع الأثاث الفخم موجود، ففهمت أن ما يظهر للناس يخالف الوضع الداخلي، وهكذا فإن أسلوب التوجُّه إلى العوام مِن قِبَل الشيوخ، بمظاهر الزهد في الخارج فقط، عيب قد ابتُلِيَ به أكثرهم»[22].

ذكر البرقعي أنه كان يكنّ الحب والتقدير والاحترام للخميني، وهذا ما أكَّدته سَرْد وقائع التحقيق التي تعرَّض لها أثناء سَجْنه، في شهر رمضان من سنة 1403هـ، حينما قال له المحقّق: «ما سبب عدائكم للإمام الخميني؟ فأجابه: أنا لا أبغضه، بدليل أنه لما أخذه الشاه، وكان يريد إعدامه أو إبعاده، اجتمع عدة من الروحانيين لأجل إنقاذه، وكان منهم آية الله منتظري، والروحانيون الذين يحاولون التقرب من الإمام الخميني لم يكونوا حاضرين حينئذ؛ خوفًا من السافاك، ولكني كنت حاضرًا مع عشرة أشخاص رغبةً في تخليصه، يمكنك سؤال آية الله منتظري، لتتأكدوا أنني وقفت مع الخميني أيضًا يوم 15 خرداد، قبل الذين يسمون أنفسهم اليوم علماء دين»[23].

وفي المقابل ما الذي فعله الخميني لردّ هذا الجميل للبرقعي، الذي تعرَّض لأنواع الظلم والاضطهاد والسجن والنفي، بل لم يتنزل الخميني للرد على رسائل البرقعي، التي كان يبعث بها إما مباشرةً، أو عن طريق واسطة من الحكومة، أو عن طريق ابنته، فقد وضَّح البرقعي عدد الرسائل التي أرسلها للخميني دون تلقي أيّ ردّ، فقال: «على كلٍّ أطلب منكم اللقاء والمقابلة لأبيِّن لكم مظلمتي، وهذه سابع رسالة أرسلها إليكم بواسطة ابنتي»[24].

 


 


[1] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (127-128).

[2] سوانح الأيام، البرقعي، (ص144).

 [3] سوانح الأيام، البرقعي، (ص145).

 [4] سوانح الأيام، البرقعي، (146-147).

 [5] سوانح الأيام، البرقعي، (ص169).

 [6] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص148).

 [7] سوانح الأيام، البرقعي، (ص148).

 [8] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص149).

 [9] سوانح الأيام، البرقعي، (ص149).

 [10] سوانح الأيام، البرقعي، (ص302).

 [11] سوانح الأيام، البرقعي، (ص149).

 [12] سوانح الأيام، البرقعي، (ص302).

 [13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص213).

 [14] سوانح الأيام، البرقعي، (ص303).

 [15] كشف الأسرار، الخميني، (ص38).

 [16] كشف الأسرار، الخميني، (ص95).

 [17] كشف الأسرار، الخميني، (ص96).

[18] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (151،149).

 [19] سوانح الأيام، البرقعي، (ص149).

 [20] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص150).

 [21] سوانح الأيام، البرقعي، (ص150).

 [22] سوانح الأيام، البرقعي، (ص154).

[23] سوانح الأيام، البرقعي، (206-207).

 [24] سوانح الأيام، البرقعي، (ص169).

أعلى