• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
قصة أديب

قصة أديب


في الساعة السابعة من مساء الثلاثاء لفظت شواطئ الإسكندرية جثة تعلوها نضارة العمر، وإن بدا منها مسحة من شقاء داخلي وهمّ وتقلقل. وعند تقليب الجثة تبيّن للشرطة أنه رجل مدني قد أُلقي أو ألقى نفسه في الماء. وفي نهاية مطاف التحقيق علِمتْ الأخبار أنه الدكتور إسماعيل أحمد أدهم، وكيل الدراسات الإسلامية في روسيا، وهو صاحب المقالات العلمية والنقدية في الرسالة والمقتطف، ومنشط الحركة الأدبية في الإسكندرية!

نَجَله أبوان: تركي وروسي، وبعدها بحين تزوج أبوه (التركي) من مصرية فنقله إلى مصر معه، فتعلم فيها العربية، ثم ترك له بعد وفاته بيتاً يقتات من أجرته هو وأخته، فأخذا يصارعان الحياة يتماً ومرضاً ألَمَّ به هو، وهو داء السل. ومسلسل الحزن لم يقف عند بؤسه وهوانه على الناس، فبدأ يحفر بقلمه خندقاً من العداء لكل كاتب وكتاب إسلامي، حتى أصبح في مقابل كل كاتب وكتاب رأي وتصنيف، فامتاز الرجل بقلمه - الحر - الجريء، وأعانه على ذلك عزيمة نافذة وطبع عمول، ولأن مثل الذي يُنَشَّأ في مراتع لا دينية غالباً تظهر عليه معارضة المألوف وتنكب المسطور حتى لو كانت آيات بينات، حتى أبدى بالنهاية نفَسَهُ الإلحادي والمادي ومد ظلاله وارفاً وخلع نفسه عن ربقة الإصلاح المتمنهج ضمن باكورة العمل الإسلامي، فأصبح من المناهضين لكتّابه، فأبغضوه وأبغضهم، حتى كانت نهايته الانتحار. وقد وضع كتاباً في معطفه عند تفتيش ملابسه إلى رئيس النيابة يقول فيه إنه قتل نفسه بالغرق يأساً من الدنيا وزهادة في العيش، ويوصي بأن يحرق جسده ويشرَّح رأسه.

يقول الأستاذ الزيات - معلقاً على الحدث -: «وأعتقد أن في مخه عبقرية، فهو يرجو أن يظهر بالتشريح خافيها».

قبل الشروع في التعليق على مجريات القصة، نسأل الله تعالى أولاً السلامة والعافية، لا مظنون بغير ذلك عندما تسمع قول الرحمن: (ومن يعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً)، وأن مطارحة التوجيه القرآني ستؤدي بك إلى حلقات مفرغة لا تخرج منها ولا تستطيع الإحاطة بها؛ لقصر منظور العقل عموماً أمام إحاطة الشرع. وثانيها: قطع حبل الله الممدود من السماء بقبضة الاستعانة التي هي ناموس السداد وسبيل الرشد، ليتدلى بك فتسير بقارب الحيرة تلاطمك أمواج الظلال لا تهتدي لشيء، ومن يضلل فما له من هاد.

كثيرٌ ممن سمعنا عنهم وتشار إليهم أصابع الإعجاب بالفن الذي برز أقرانه به، تجارة أو فناً أو شهرةً نالت أسماع من به صمم، ويا حسرةً على آخر مشاهد العرض، انتهى بمشهد مؤلم حقاً لا يختلف عليه اثنان، أحرق علم الشهرة ونكسه رماداً وكأن شيئاً لم يكن.

يا الله ما أعظم شأنك، ويا الله ما أقوى بأسك الذي لا يرام.

حسناً.. لم تبقَ لنا الآن خيارات أخرى بعد هذه القصة وأخواتها إلا لنربط على قلوبنا بمعاهدة الاستعانة بربنا والصيرورة على ذلك، بل كلما خبت نارها أشعلناها بالإنابة وتعاهدناها بذلك وعداً علينا حقاً، كذلك وسقنا بجانبها مداد التوكل ليصطبغ القلب بهذا العماد، عماد التوحيد، ومن أحسن من الله صبغة!

لا تستغرب الحديث - أيها القارئ الكريم - عن هذه الحتمية المفجعة، فنحن في زمن قال عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً). وبعض السقوط مروع وفي الوقت نفسه مدوٍّ، فاستعن بالله ولا تعجز، ولا تنسَ أن العقوبة قد تكون أخف وطأة من نهاية هذا الأديب البائس.

هنا انقطع وحي القلم..

:: مجلة البيان العدد  323 رجب 1435هـ، مايو  2014م.

 

أعلى