• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الترتيبات الأمنية للكيان الصهيوني في إطار الحل الدائم

الترتيبات الأمنية للكيان الصهيوني في إطار الحل الدائم

يشير السجل التفاوضي للكيان الصهيوني مع الفلسطينيين، إلى احتلال المطالب الأمنية الحيوية مَنزِلَة أساسية منذ أن وقَّعت منظمة التحرير على إعلان المبادئ في اتفاق أوسلو سنة 1993م؛ حيث هيمنت فكرة»الدبلوماسية المعتمدة على الأمن «على التفكير السياسي الصهيوني.

وقد شكَّل البيان الذي ألقاه رئيس الوزراء الصهيوني»بنيامين نتنياهو « في جامعة بار إيلان يوم 14 حزيران 2009م تأكيداً راسخاً على هذه الفكرة الصهيونية المعتمدة على الأمن، حين أصرَّ على وجوب أن يحكم مبدأُ التبادلية العلاقات بين الطرفين؛ أي: الاعتراف بالكيان دولة قومية للشعب اليهودي، مقابل: نزع سلاح الدولة الفلسطينية المستقبلية، واحترام حاجات الصهاينة الأمنية الحساسة.

ولا يمثل إصرار »نتنياهو «على دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وحدود يمكن الدفاع عنها، إستراتيجية جديدة؛ لأن رئيس الوزراء الأسبق »إسحاق رابين« قال للكنيست في 5 تشرين الأول 1995م:  »ستكون حدود دولة »إسرائيل« بموجب الحلِّ الدائم خارج الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة، ولن نعود إلى خطوط الرابع من حزيران 1967م«، بعبارة أخرى، قال رابين لقيادة جيش الاحتلال: إن دولة الكيان ستكون بحاجة للاحتفاظ بنحو من 50% من أراضي الضفة الغربية في أي تسوية مستقبلية.

معايير ميدانية:

وتبدي محافل مقربة من دوائر صنع القرار الصهيوني أنه إذا قُدِّر للضفة الغربية أن تقع في أيدي جهات معادية للكيان، كحركة حماس - مثلاً - فسينتج عن ذلك وضع يشكل خطراً دائماً على البنية التحتية الوطنية الصهيونية، كمطار بن غوريون، والطريق السريعة، وشبكة المياه الوطنية، وشبكة الكهرباء القطرية.

ولذلك تبدي تل أبيب إصرارها على حضور دائم على امتداد المحيط الشرقي للضفة الغربية في وادي الأردن لمنع تهريب الأسلحة وتسلل القوات المعادية. ولا ريب في أن أحد أهم الشروط المسبقة لإستراتيجية ناجحة لمكافحة قوى المقاومة، هو القيام بعزل منطقة الصراع للحيلولة دون تعزيزها بالرجال والعتاد.

ومما زاد في رفع منسوب البعد الأمني في إطار الحل الدائم لدى المفاوض الصهيوني، ظاهرة انتشار المقذوفات والصواريخ التي لديها القدرة على النَّيل من العمق المناطقي والإستراتيجي بالنسبة للكيان؛ ذلك أن جيشه النظامي الصغير قد يضطر لخوض معارك لفترات طويلة دون تلقِّي تعزيزات من قوات الاحتياط، التي قد تتأخر أو تُمنع من الوصول في الوقت المناسب بسبب نيران الصواريخ.

الدولة منزعة بالسلاح:

تسود قناعة في الأوساط الأمنية والسياسية في تل أبيب أن من الأمور التي يساء فهمها على نطاق واسع، ما يسمى بـ »مقدار الضعف« الذي تعاني منه دولة الكيان؛ ذلك أن نحواً من70%من سكانها، و %80 من قدرتها الصناعية محصورة في شريط ساحلي ضيِّق بين البحر المتوسط والضفة الغربية.

ومن الناحية الطبوغرافية، تهيمن تلال الضفة الغربية على السهل المسطَّح والمكشوف نسبياً، وهو ما يوفر ميزة فريدة للقوى المهاجمة، تسمح لها بالمراقبة وإطلاق النار والتصدي لردٍّ بري صهيوني؛ ولذلك، لا تبدو مستعدة للتنازل عمَّا حققته من سيطرة شبه مطلقة في الضفة الغربية، تتيح للجيش الوصول إلى أي مكان تُصنَّع الأسلحة المحظورة أو تُخبَّأ فيه، والحيلولة دون تمكُّن المسلحين من صنع الصواريخ، وإطلاقها على القدس وتل أبيب، كما مكَّنته من اعتراض منفذي العمليات الانتحارية قبل تمكُّنهم من تنفيذها.

في سياق آخر ذي صلة، تُصرُّ تل أبيب على أن سيطرتها على المجال الجوي فوق الضفة الغربية عنصر لازم لمنع وقوع هجمات معادية، بحجة أن المسافة الفاصلة بين نهر الأردن والبحر المتوسط 75 كم؛ لذلك يمكن وَفْقَ الخيال الصهيوني - أن تجتاز طائرة حربية عرض الكيان في أقل من أربع دقائق، ويمكن لطائرةٍ اختراقُ سمائها بالتحليق فوق نهر الأردن، والوصول إلى أجواء القدس في أقل من دقيقتين.

كما تعاني دولة الكيان مما توصف بأنها »عيوب أمنية طبوغرافية« هامة؛ لأن كافة ممرات طيرانها المدني الدولي يمكن أن تكون عرضة لهجوم محتمل تنفِّذه عناصر معادية تستخدم صواريخ مضادة للطائرات تُحمَل على الكتف، وتُطلَق من إحدى التلال في الضفة الغربية على الطائرات أثناء أقلاعها أو هبوطها في مطار بن غوريون.

بينما يتمتع الكيان الفلسطيني القادم الواقع على التلال الجبلية الوسطى بميزة طبوغرافية مقارنة بأراضي فلسطين المحتلة الساحلية بدرجة كبيرة؛ حيث يمكن لمحطة إرسال فلسطينية صغيرة على جبل عيبال بالقرب من نابلس التشويش على نظام الاتصالات بأكمله من الناحية الفعلية، وهي تبثُّ باستخدام الترددات نفسها في المناطق الإسرائيلية.

الحدود الآمنة:

من الأهمية أن يشار - وَفْقَ دوائر صنع القرار الصهيوني - إلى أنَّ أمن الكيان يجب أن يرتكز على حدود دفاعية؛ بمعنى استمرار السيطرة على المناطق الرئيسة في الضفة الغربية، وأن تبقى القدس موحَّدة غير مجزأة؛ لأن تقسيمها سيؤدي إلى هجومٍ من القناصة وقصفٍ بالهاون والقذائف الصاروخية عليها من المناطق المسيطَر عليها من حولها.

ولذلك، فإن إستراتيجيتها في الحفاظ على الحدود الآمنة تستهدف بالدرجة الأُولَى منع وقوع أحداث أمنية تهدد استقرارها، وفي حالة حدوثها فعلاً، فإنها توفـر إمكانية الرد الصهيوني بشكل سريع على التهديد، والحدود الدفاعية قد تمنع وقوع عدَّة تهديدات متميزة.

وهنا تبدو سيطرة تل أبيب على غور الأردن أمراً حيوياً؛ لأنه في ظل غياب هذه السيطرة، فإن الوضع سيشهد على طول الحدود مع الأردن تدهوراً كالوضع السائد الآن على حدود غزة ومصر؛ أي تهريب الأسلحة والمقاتلين وأشكال أخرى.

تقويض الاستقرار:

تبدي محافل سياسية صهيونية قناعتها بأنَّ الحدود الآمنة تقلِّص من محاولة أطراف إسلامية تقويض الاستقرار في الأردن، أو استغلال أراضيه كقاعدة للانطلاق لشن هجمات وعمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني عن طريق الأراضي الفلسطينية؛ لأن اتفاق السلام مع الأردن يشكل حجر الأساس في أمن الكيان؛ لذا فإن الحفاظ على هذه الحدود مهم جداً بالنسبة لها.

ولهذا، ترى تل أبيب أنه من أجل أمنها، يبقى الوجود العسكري الصهيوني على الحدود مع الأردن أمراً غير قابل للنقاش؛ ولهذا، فإن دولة فلسطينية غير منزوعة السلاح ستشكل دعوة مفتوحة للمنظمات المسلحة للتدخل والهجوم، بالإضافة للسيطرة على الأراضي من أجل إقامة مخازن للأسلحة المتطورة وتوجيهها ضد الكيان. علماً بأنَّ إقامة كيان فلسطيني منزوع السلاح لا يعني تخليِّ دولة الاحتلال بشكل كامل عن سيطرتها الأمنية، في ضوء تأكيد نتنياهو على المطالبة بسيطرة دائمة على معابر الحدود، خصوصاً في الجانب الشرقي لأي دولة فلسطينية مستقبلية، وضمان حق جيشه في الدخول إلى الكيان الفلسطيني عند الحاجة.

أعلى