المرأة في مرآة المفكر مالك بن نبي

المرأة في مرآة المفكر مالك بن نبي


 إن المطلع على ما كتب حول المرأة سيجد كماً كبيراً من الكتب والمقالات حول هذا الموضوع، إلا إن الكتب التي أعطت الموضوع حقه منهجياً قليلة، وسنتوقف في هذا المقال مع المفكر الجزائري مالك بن نبي ومقاربته لموضوع «المرأة»، خصوصاً أنه صاحب نظرة إصلاحية مبنية على المنهج، ويكفي القارئ أن يعود إلى كتبه ليقف على سعة فكره وتصوره للتغيير الحقيقي.

«قضية المرأة» وفق رؤية المفكر مالك بن نبي ليست قضية يتم البحث فيها بعيداً عن قضية الرجل، بل القضيتان معاً في حقيقتيهما قضية واحدة، وهي قضية «الفرد والمجتمع»، وهنا يرى ابن نبي أنه عند التطرق للموضوع من الضروري استبعاد أولئك الذين نصبوا أنفسهم ذادة عن الحقوق المرأة من كتاب الشرق أو الغرب، كما يرى أيضاً أنه ليس بمجدٍ عقد مقارنة بين الرجل والمرأة ثم نخرج بنتائج كمية تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع وأنها أكبر أو أصغر من قيمة الرجل، أو تساويها، فليست هذه الأحكام سوى افتئات على حقيقة الأمر ومحض افتراء، بل أكد أن الأقاويل عن حقوق المرأة وتحريرها أو المطالبة بإبعادها من المجتمع مجرد تعبير عن نزعات جنسية لاشعورية.

يرى ابن نبي أنه ينبغي أولاً أن تصفى هذه النزاعات، ثم تُحل القضية حلاً يكون الاعتبار فيه لمصلحة المجتمع، فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع: فهي شق الفرد، كما أن الرجل شقه الآخر. وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «النساء شقائق الرجال»، والله عز وجل خلقهما من نفس واحدة، مصداقاً لقوله الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١]، يقول ابن نبي: «المرأة والرجل قطبا الإنسانية، ولا معنى لأحدهما بغير الآخر، فلئن كان الرجل قد أتى في مجال الفن بالمعجزات، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال. ونحن نرى لزاماً علينا أن يكون تناولنا للموضوع بعيداً عن تلك الأناشيد الشعرية، التي تدعو إلى تحرير المرأة، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب، أو في بنات المدن، أو بنات الأسر الراقية، بل هي فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته»[1].

يؤكد ابن نبي أيضاً أنه إذا ما تساءلنا: هل يجب نزع الحجاب؟ هل يسوغ للمرأة التدخين؟ أو التصويت في الانتخابات؟ أو هل يجب عليها أن تتعلم؟ فينبغي ألا يكون الجواب على هذه الأسئلة بدافع مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري، إذ ليست الغاية في إشراكها في هذا المجتمع إلا الإفادة منها في رفع مستوى المرأة ذاتها، إذن ليس من المفيد النظر إلى مشكلة المرأة بغير هذا المنظار. يقول ابن نبي: «ولقد نعلم أنه يضيق صدر بعض ذوي الأذواق الرقيقة بما نقول. فيحتجون علينا بأن مثل هذا الموقف يذيب المرأة في المجتمع، ولكننا نقول لهم: إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع، وبالتالي تدهورها، أليست عضواً فيه؟ فالقضية ليست قضية فرد، وإنما هي قضية مجتمع»[2]. كما انتقد ابن نبي قضية اللباس وصلتها بحل المشكلة، قائلاً: «لقد بدأت المرأة المسلمة التي كانت إلى زمن قريب تلبس (الملاية) في إفراط تسلك في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها، متخيلة أن في ذلك حلاً لمشكلتها الاجتماعية»[3]، وهنا يتأسف ابن نبي من حصر نساء الشرق مشكلتهن في الزي، مؤكداً أن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية يتوقف على حلها تقدم المدنية، فلا يكون حلها بمجرد تقليد ظاهري لأفعال المرأة الأوربية، دون نظر إلى الأسس التي بنت عليها المرأة الأوربية سيرها.

إن مسألة تحديد مهمة المرأة في المجتمع، ينبغي النظر إليها وهي تسير منسجمة مع المشكلات الاجتماعية الأخرى في سبيل تقدم المدنية. ويتساءل ابن نبي: هل من المفيد للمرأة المسلمة أن نجعلها في مركز تشبه فيه أختها الأوربية؟ وهنا يقول ابن نبي إنه بشيء «من النظر نرى أن انتقالنا بالمرأة من امرأة محجبة إلى امرأة سافرة، تطالع الصحف وتنتخب، وتعمل في المصنع لم يحل المشكلة، فهي لا تزال قائمة، وكل الذي فعلناه أننا نقلنا المرأة من حالة إلى حالة»[4]. يعطي ابن نبي المثال بمشكلة النسل لدى أوربا، فبمشكلة النسل فقدت أوربا تنظيمها الاجتماعي إلى حد ما.

هكذا إذن يرى ابن نبي أنه من الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أماً، وزوجة للرجل. وحبذا لو أن نساءنا عقدن مؤتمراً عاماً يحددن فيه مهمة المرأة بالنسبة لصالح المجتمع، حتى لا تكون ضحية جهلها، وجهل الرجل بطبيعة دورها فإن ذلك أجدى علينا من كلمات جوفاء ليس لها في منطق العلم مدلول، يقول: «إني لا أرى مشكلة المرأة بالشيء الذي يحله قلم كاتب في مقال أو في كتاب. ولكني أرى أن هذه المشكلة متعددة الجوانب، ولها في كل ناحية من نواحي المجتمع نصيب؛ فالمرأة كإنسان تشترك في كل نتاج إنساني أو هكذا يجب أن تكون»[5]. وقد انتقد مالك بن نبي عمل المرأة الأوربية، معتبراً أن المجتمع الذي حررها قذف بها إلى أتون المصنع في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها، وتركها في حرية مشؤومة، ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع، يقول ابن نبي: «نعم إننا نرى المرأة في تطور، ولكننا لم نشرع بعد في التخطيط الدقيق لجميع أطوارها، فنحن نراها في مظاهرها الجديدة فتاة في المدرسة، وفي حركة كشفية، وفي تسابق في الحياة العامة، عاملة، ومولدة، وطبيبة، ومدرسة، وعاملة في المصنع والأوتوبيس، ونائبة...»[6]. ونبه ابن نبي إلى أنه مهما يكن عجزنا كبيراً عن تخطيط مراحل تطور الفتاة المسلمة، فإنه يلزمنا عند أي تخطيط ألا نغفل بعض القضايا الجوهرية، كقضية «الحضور» أي حضور المرأة في المجتمع حضوراً بيِّناً. يقول ابن نبي: «القضية إذن من حيث إنها تتطلب التنفيذ هي في النهاية موقوفة على من بيده وسائل التنفيذ. ولا شك أن مؤتمراً يحدث فيه ما يسميه الفقهاء بالإجماع هو الكفيل بهذا، فالقضية تتطلب بالضبط إجماعاً»[7]. وما تجدر الإشارة إليه أن المسايرة ضرورية لينجح المشروع، مشروع تكون فيه المرأة إلى جانب أخيها الرجل يداً في يد لبناء مجتمع حضاري بعيداً عن الشعارات النظرية.

وجملة القول، إن المفكر مالك بن نبي قد أفلح في التطرق لموضوع المرأة، مبيناً عيوب غيره في مقاربة الموضوع، مقدماً الحل والمنهجية الصحيحة التي يجب على الجميع اتباعها لتكون المرأة عنصر التغيير الحقيقي رفقة للرجل، بعيداً عن التفرقة غير المعقولة التي لن تزيد الطين إلا بلة، فالمرأة ركيزة أساسية في عملية البناء الحضاري، فتهميشها هو تعطيل لمشاريع النهوض التي تعيد للأمة مجدها.


 


[1] شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة: عبد الصابور شاهين، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،  دمشق، ص115- 116.

[2] نفسه، ص116.

[3] شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة: عبد الصابور شاهين، ص116.

[4] نفسه، ص117.

[5] شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة: عبد الصابور شاهين، ص118.

[6] نفسه، ص119.

[7] نفسه، ص121.

 

  

أعلى