وماذا بعد جنوب السودان؟

وماذا بعد جنوب السودان؟

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد قال وزير الأمن الداخلي للكيان الصهيوني (آفي ديختر) في محاضرة نشرتْها الصحف العبرية في العاشر من أكتوبر 2008م: (إن الهدف هو تفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية؛ لأنه بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية، وإنه يجب ألاَّ يُسمَح لهذا البلد - على الرغم من بُعدِه عنَّا - بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي؛ لأن موارده إن استُثمرَت في ظل أوضاع مستقرة، فستجعل منه قوة يُحسَب لها ألف حساب؛ ولذلك كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة؛ وهذا من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي).

وها نحن الآن نشهد تحقيق هذا المشروع (الصهيوأمريكي)؛ حيث انتُزع الجنوب انتزاعاً، بعد سلسلة من الكيد والمكر والتواطؤ الدولي والصمت العربي، تعرَّض فيها السودان لضغوط وإكراهات كبيرة جداً؛ فهل سيستفيد العـرب عمـوماً والسودان خصوصاً من هذا الدرس، أم سيعود الغرب إلى استنساخ التجربة من جديد في السودان نفسه وفي العراق واليمن، وسنكرر الأخطاء نفسها في قراءة الواقع واستشراف المستقبل؟

إنها نازلة تاريخية لم تنتهِ فصولها بَعْد، ولا يُستبعَد أن تكون تداعياتها أشدَّ خطراً وأكثرَ إيلاماً، وربما تُشجِّع على فتح أزمات وجراحات جديدة... ونحسب أننا في حاجة ماسَّة لتجاوز مرحلة الاتهام والتلاوم وإعادة بناء المستقبل، والاستفادة من الدروس والوقوف طويلاً عند المسائل الآتية:

أولاً: الاستفادة من التاريخ:

فبعد الاتفاقية البريطانية الفرنسية (سايكس بيكو) التي قسمت دول العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة، استمرت مشاريع التفتيت في العصر الأمريكي لإضعاف المسلمين وتفريق شملهم. والتاريخ الحديث لتقسيم الدول الإسلامية أثبت أن الخاسر الرئيس في كثير من تلك المشاريع هم المسلمون، ومن أبرز شواهد ذلك: تقسيم القارة الهندية، وانفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا، وانفصال سنغافورة عن ماليزيا.

والغرب يتعامل مع شعار (تقرير حق المصير) بانتقائية ظاهرة؛ ففي الوقت الذي يضغط فيه ويمارس أشد أنوع الاستفزاز من أجل انفصال تيمور الشرقية وجنوب السودان، يتعامل بصورة سلبية مفرطة إزاء حقوق المسلمين في كشمير، وتركستان... وغيرهما. وهذا يجعلنا نؤكد ما أشرنا إليه مراراً من أن مشروع الغرب الإستراتيجي هو إثارة النزاعات في العالم الإسلامي وإضعاف تماسكه، وانتهاب خيراته ومقدَّراته الاقتصادية. وقد ذكر الكاتب الصهيوني (العميد ميشي فوجي) في كتابه الشهير: (إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان: نقطة البداية ومرحلة الانطلاق) أن انفصال الجنوب سيكون انطلاقة جديدة لإضعاف العالم الإسلامي، وأن السياسة التي يتعامل بها الغرب مع المنطقة تعتمد على شَدِّ الأطراف ثم بترها.

ثانياً: سياسة التنازلات:

يتعامل الغرب مع الضعفاء بسياسة القوة والضغط والحصار، ويوظف أنصاره وحلفاءه لخدمة أهدافه، ويستخدم أدواته الرخيصة، وحروبَه القذرة، للتأثير على مسار الأحداث، وبقدر ما يجد من الضعف والتنازل فإنه يتمادى في الابتزاز والتسلط، ولن تقف طموحاته عند حدِّ معيَّن؛ فهو يتعامل مع الأحداث بسياسة النَّفَس الطويل؛ إمعاناً في السيطرة والترويض. ويخطئ من يظن أن تقديم بعض التنازلات سيخـفـف من وطأة الضغوط الدولية؛ فالأيام علمتنا أن الغرب لا يحترم الضعفاء، وأن أطماعه لن تقف عند حدٍّ. وصدق المولى - جل وعلا - في قوله: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

إن الهوان الذي أصاب بعض المسلمين فتح الباب على مصراعيه لتسلُّط الأعداء وتطاولهم على حقوق المسلمين وديارهم، وجعل بعضهم يقدم تنازلات أكثر من المطلوب منه، ونحسـب أن بنـاء العـزة في الأمة وتربيتهـا علـى الثقـة باللــه - تعالى - وبنصره، من أهم مقومات الثبات والنصر. قال الله - تعالى -: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إنِ الْكَافِرُونَ إلاَّ فِي غُرُورٍ 20 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ 21 أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك: 20 - ٢٢].

ثالثاً: الاختراق الأمني والتدخل في الشأن المحلي:

إنَّ تَرْك الفرصة للغرب للتدخل في الشؤون المحلية، والاتصال بالأقليات الطائفية أو العرقية أو الفكرية، يمثِّل بداية الاختراق الأمني والسياسي، وفي كل مجتمع يوجد من ضعاف النفوس وأصحاب الأهواء من لا يتردد في التعاون، بل التواطؤ مع الغرب والاستقواء به لتحقيق مصالحه الشخصية أو الحزبية على حساب مصالح أمته ودولته وشعبه. وقد رأينا عدداً من المفكرين والإعلاميين يرحب - مثلاً - بالاستعمار الأمريكي للعراق، بل يدخل على ظهر دبابته بحجة مواجهة الاسـتبداد والدعـوة للديموقـراطية، وصدق المولى - جل وعلا - إذ يقول: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر: ١١].

ومنذ ترهُّل الدولة العثمانية وضعفها كانت سياسة القوى الغربية تعتمد على اختراق الأمة من خلال استثارة تلك الأقليات، وتوظيف طموحاتها لصناعة الفتن والاضطرابات المحلية، وتجعل المناداة بحقوقها جسراً للتدخل السافر في الشؤون الداخلية.

والتعامل مع تلك الأقليات لا يكون من خلال سياسة القهر والظلم والتعدي على الحقوق والممتلكات؛ فإن ذلك لن يكفَّ شرَّهم عن الأمة، بل قد يستفزهم للعداء والحروب الخفية، وإنما تقتضي السياسة الشرعية بناء منهج متكامل للتعامل مع الأقليات الدينية والطائفية، أساسه رفع لواء العدل والإنصاف.

رابعاً: إثارة النعرات القومية والشعوبية:

تُستثَار النعرات القومية والنزعات الشعوبية والعرقية من أجل إذكاء الصراعات الداخلية بين الشعوب في البلد الواحد، ويستخدمها الغرب كما يستخدم القنابل الموقوتة أو الألغام المتفجرة التي توظَّف من بُعْد وقت الحاجة، ويحدث هذا بين القبائل العربية والإفريقية في دارفور، وبين العرب والأكراد في العراق، وبين الطوارق والأفارقة في غرب إفريقيا، وبين قبائل العفر المسلمة ومحيطها القبلي في منطقة القرن الإفريقي... في سلسلة طويلة من الشواهد الحية على خطورة النزاعات العرقية.

إن استيعاب هذه التحديات العرقية لا يكون إلا بجعل الإسلام هو الجامع الذي يستوي في ظله الناس (عربُهم وعجمُهم)، وأن يكون معيار التفاضل بين الناس هو التقوى. قال الله - تعالى -: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

خامساً: المعارضة بين المصالح السودانية والمصالح الحزبية:

تصاعد صوت المعارضة السودانية قبيل الاستفتاء، وهو ما يعني أنه سيزداد حدة بعد نتيجة الاستفتاء، وليس سرّاً أن نقول: إن بعضهم اتجه إلى المزايدة السياسية، وراح يقدِّم خطاباً نفعياً يغلِّفه بالدعوة إلى ما يسمونه الانفتاحَ الفكريَّ والتسامحَ ومهاجمةَ تطبيق الشريعة، وكأنه يريد أن يقنع الغرب بأنه رجل المرحلة القادمة، الذي يستطيع أن يبني سوداناً جديداً يتكيف مع رغبات الغرب، ويتلوَّن مع متطلبات الإسلام الأمريكي. حتى الحركة الشعبية التي قام مشروعها على الدعوة إلى الانفصال بدأت تنادي بكل جرأة إلى اعتماد قطاعها الشمالي حزباً سياسياً في الشمال!

ومع تصاعد هذه الأصوات نحسب أن عقلاء السودان يدركون أن هذه المرحلة التاريخية لا يجوز أن تكون ساحة للتدافع الحزبي، والتسابق الشخصي، والاستقطاب السياسي؛ بل يجب أن يأتلف الجميع بمختلف مكوناتهم الحزبية على كلمة سواء تغلِّب مصلحة السودان على المصالح الحزبية؛ فمشكلات السودان لا تُحَل بعقلية الصراخ والضجيج؛ وإنما بالحوار العاقل الراشد الذي يسعى للبناء لا الهدم.

ولا شك أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، وعليه أن يتعامل مع جميع المخلصين الجادين في خدمة السودان، الحادبين على مستقبله، بمنطق الدولة وليـس بمنطق الحزب، وسـياسـة التكـامل والتعاون لا سياسة الاحتواء.

سادساً: تطبيق الشريعة:

إن تطبيق الشريعة ليس خِيار حزب المؤتمر الوطني فحسب، بل هو خيار الشعب السوداني، ولا يجوز أن تكون هذه القضية محل جدل أو نزاع، ولا محل مساومة أو مقايضة، وقد كان كثير من المعترضين على هذا المبدأ يحتجُّون في مرحلة سابقة بتعدُّد ثقافات المجتمع السوداني ويطالبون باحترامها، ومع أن هذا مبدأ مرفوض شكلاً ومضموناً إلا أننا نقول: أمَا وقد آثر الجنوبيون الانفصال، فإن هذه الحجة قد سقطت، ومن حق الشمال أن يتمسك بخيار تطبيق الشريعة بكل اعتزاز وثقة.

وتطبيق الشريعة ليس شعاراً، بل هو عقيدة راسخة في دين الإسلام، تُوجِب على الجميع التسليم المطلَق بلا تردد أو حرج، كما قال - سبحانه وتعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65]. وإذا كان الأمر كذلك، فإن مِن أوجب واجبات الحكومة السودانية إعلاء كلمة الدين، وسياسة الدنيا به، ولا يتأتى ذلك تشريعياً إلا بأن يكون الكتاب والسُّنة هما المصدر الوحيد للتشريع؛ حتى يكون الدين كله لله. ويتطلب ذلك تواصلاً جادّاً مع العلماء الربانيين المخلصين لبناء منظومة علمية متكاملة لتطبيق الشريعة، وجَعْلها الأساس والمنطلق لكل إصلاح. وَلْنجعل من الأزمة فرصة لتعزيز إسلامية الدولة وترسيخ هويتها.

نعم! ثمة عوائق كثيرة في طريق الإصلاح الشامل؛ لكن إذا صدقتْ الإرادات، وصحَّت العزائم وبُذلَت الأسباب الموضوعية فإن الله - تعالى - سيجعل من بعد عسر يسراً، بعونه سبحانه.

سابعاً: عمقنا الإستراتيجي في الجنوب:

إنَّ انفصال جنوب السودان يجب أن لا ينسيَنا عمقَنا الإستراتيجي فيه وهم مسلمو الجنوب، وإذا كنا قد قصَّرنا في وقت مضى في نشر الدعوة، أو حالت دون ذلك ظروف سياسية أو أمنية، فلا يجوز بحال أن يستمر ذلك التقصير، وواجبنا تجاه إخواننا هناك أكبر من أي وقت مضى؛ فالذي يربطنا بهم ليس مجرد الجنسية أو الوطن، بل تربطنا بهـم وشـائج الدين والأخـوة الإسـلامية، وهـذه الآصـرة العظيمـة لا تتغير بتغير الأحوال السياسية. ومن المتوقع أن يكون الجنوب في المرحلة القادمة مرعىً خصيباً للمنظمات التنصيرية التي ستستهدف الوثنيين والمسلمين على حدِّ سواء، وقد لاحظ المراقبون أن المنظمات التنصيرية والإرساليات الكنسية نشطت نشاطاً ملحوظاً منذ عام 2005م، ومن ذلك أنَّ منظمة واحدة هي منظمة (سامرتين بيرس) قامت ببناء ثمانين كنيسة في عام 2007م فقط، وبدأت منذ عام 2008م بأكبر عملية توزيع للأنجيل بين الجنوبيين[1].

وفي هذا السياق نؤكد أن بوابتنا إلى العمق الإفريقي يجب أن تتواصل؛ فالقارة الإفريقية بيئة خصبة للدعوة الإسلامية يجب أن تكون مُشْرعة الأبواب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه».

ثامناً: حقوق القبائل الحدودية:

من ضرورات المرحلة القادمة ضرورة التأكيد على المحافظة على حقوق القبائل الشمالية المتاخمة للحدود الجنوبية؛ خاصة في المناطق المتنازع عليها في منطقة أبيي - مثلاً - وأن لا ندعهم نهباً لأطماع الحركة الشعبية.

تاسعاً: خطابنا الدعوي:

نحسب أن من لوازم المرحلة القادمة إعادةَ بناء خطابنا الدعوي وتجديدَ أولوياته العلمية والعملية، وظنُّنا بالعلماء والدعاة وأهل الحل والعقد من جميع الاتجاهات والأطياف الدعوية أنهم سيكونون أشدَّ حرصاً على الاستفادة من تجربة المرحلة السابقة بإيجابياتها وسلبياتها. ولا يخفى أن في مقدمة ذلك ينبغي العناية بركيزتين اثنتين:

الأولى: ترسيخ التدين، ونشر معالم الدين وأصوله الجامعة في الأمة، امتثالاً لقول الله - عز وجل -: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، وقوله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّـمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْـحِكْمَةَ} [الجمعة: ٢].

الثانية: الدعوة إلى الائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، وإدارة حوار راشد يجمع ولا يفرق، ويُصلِح ولا يشتت، قاعدته العريضة قول الحق - تبارك وتعالى -: {وَتَوَاصَوْا بِالْـحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ٣]، وقوله - سبحانه -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢].

ومن المتفق عليه عند جميع العقلاء أن الغرب قد اجتمع علينا من أقطارها، ورمانا عن قوس واحدة، ولا يسوغ أن نشتغل بأنفسنا، وننسى عدونا؛ فاتقوا الله في أمتكم وفي مستقبلكم، ولا يخفى عليكم أنكم لن تتفوقوا على عدوكم بقـوَّتكـم المادية وسلاحكم، ولكنكـم سـتتفوقون عليهـم بدينكم وصـدقكــم مـع اللـه، وتذاكـروا مقالـة ســعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لَـمَّا أراد مواجهة الفُرس (أقوى قوة عسكرية ومادية في عصره): (والله لينصرنَّ الله وليَّه، وليطهرنَّ الله دينه، وليهزِمَنَّ الله عدوَّه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْي، أو ذنوب تغلب الحسنات)[2].

وإذا أردتم أن نذكِّركم بدور العلماء والدعاة - وهو ليس خافٍ عليكم - فاسمعوا لأبي العباس أحمد التلمساني المقَّري وهو يقول: (لـمَّا تقلص الإسلام بالجزيرة، واستردَّ الكفار أكثر أمصارها وقُراها على وجه العنوة والصلح والاستسلام، لم يزل العلماء والكتَّاب والوزراء يحرِّكون حميَّات ذوي البصائر والأبصار، ويستنهضون عزماتهم في كل الأمصار)[3]. فهذا هوا السبيل لمن أراد الحق وأراد أن يُبرِئ الذمة.

ختاماً: هذه مرحلة جديدة أراد منها العدو تمزيق السودان، فَلْنُرِد نحن تمتينه. وأرادوا إضعافه، فَلْنُرِد نحن تقويته. وأرادوا مسخ هويته، فَلْنُرد نحن تجديد إسلامه...

إن سُنَّة الله - جل وعلا - لا تتبدل: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١]، فلن يغير الله - تعالى - ما بنا من الضعف والهوان، حتى نغيِّر ما بأنفسنا من معاصٍ وآثام.

 


[1] موقع المصريون.
[2] البداية والنهاية: (10/11). تحقيق الدكتور عبد الله التركي.
[3] أزهار الرياض: (1/63)، والمقصود بالجزيرة (الأندلس).

 

 

أعلى