حصار غزة يدخل عامه السادس
يتساءل كثير من أبناء قطاع
غزة المصطفِّين في طوابير طويلة على بوابة معبر رفح جنوبي القطاع، ماذا فعلوا لمصر
كي تشارك في الحصار المستمر على القطاع منذ أكثر من خمسة أعوام؟!.. فيهم المريض
والطالب والمغترب الذي خرج باحثاً عن رزقه في بلاد الله الواسعة، ينتظرون منذ
ساعات الفجر الأولى حتى تقوم السلطات المصرية بالتواصل مع الجانب الفلسطيني لإدخال
أولى الحافلات، فيبدأ الترقب والأمل، لكن سرعان ما تكسره خيبة أمل بعد أن يغلق
المعبر بشكل فجائي بسبب تعطل الحواسيب أو سوء الوضع الأمني، ويعود الناس أدراجهم
بسبب ذرائع واهية تختلقها السلطات المصرية بشكل شبه يومي.. بعض المرضى الذين
يتلقون علاجهم في الخارج تتوفاهم المنية على بوابة معبر رفح، وكان آخر ضحايا هذه
المأساة، بحسب ما أورد موقع وزارة الداخلية الفلسطينية، رضيع توفي بداية الشهر
الماضي بعد يوم واحد من ولادته، حيث أنجبته أمه القادمة من الجزائر لزيارة أهلها
على بوابة المعبر من الجهة المصرية بعد أن رفضت السلطات المصرية إدخالها إلى قطاع
غزة، وبحسب الداخلية الفلسطينية فإن سوء العناية الطبية بالطفل لدى الجانب المصري
أدى إلى وفاته.
وتجدر هنا الإشارة إلى أن
الطاقة التشغيلية لمعبر رفح تصل إلى ألفي مسافر في الحالات الطبيعية خلال اليوم
الواحد، لكن في الحالة الراهنة فإن خالد الشاعر، مدير عام معبر رفح البري، يبيّن
في بيان صحفي أنه خلال الأسبوع الأخير قبل عطلة عيد الأضحى وخلال "خمسة أيام
من العمل الاستثنائي في معبر رفح، تمكنت 25 حافلة من الدخول إلى الجانب المصري
تحمل ما يقارب 1848 مسافراً، من بينهم 11 حافلة تحمل 400 حاج ". ولفت الشاعر
إلى أنه خلال نفس المدة وصل إلى قطاع غزة 432 مسافراً.
قبل 5 سنوات كان يعمل في
قطاع غزة سبعة معابر حدودية أغلقتها الحكومة الصهيونية لتشديد الحصار على القطاع
وانتزاع مواقف سياسية من حركة حماس التي تسلَّمت الحكم فيه، وبقي معبر رفح مرهوناً
بالمواقف المصرية المتأرجحة اتجاه قضية الشعب الفلسطيني، ففي عهد الرئيس السابق
محمد حسني مبارك كان المعبر مغلقاً في معظم الأوقات، ما جعل الفلسطينيين يقومون
بحفر أنفاق لإدخال المواد الغذائية والمحروقات لتعويض النقص الناجم بسبب الحصار
الصهيوني، ونتج عن ذلك حالة تجارية نشطة استفاد منها كلا الجانبين على الحدود
المصرية - الفلسطينية، لكن بعد فوز الرئيس محمد مرسي في الانتخابات في يونيو عام
2011، طرأ تحسن على أداء المعبر، وكانت السلطات المصرية تفتح المعبر 5 أيام في
الأسبوع لمدة تصل إلى ثماني ساعات، أما عقب إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي في الثالث
من يوليو بواسطة الجيش، فقد أغلق معبر رفح وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه في عهد
مبارك، لكن ما زاد من سوئها الحملة التي شنتها السلطات المصرية لإغلاق الأنفاق،
حيث صرح وزير الاقتصاد في حكومة غزة، علاء الرفاتي، بأن قيام الجيش المصري بإغلاق
الأنفاق بين سيناء والقطاع ألحق بالناتج المحلي في غزة خسائر تقدر بأكثر من 230
مليون دولار شهرياً. كما أدت العملية المصرية إلى توقف عمل أكثر من ألف منشأة
اقتصادية في القطاع تعتمد على المواد الخام التي يتم تهريبها عبر الأنفاق.
وأبقت الحكومة الصهيونية
معبر كرم أبو سالم بين مصر وغزة والكيان الصهيوني مفتوحاً، لكنه مرهون بالأحداث
الأمنية في المنطقة، ويسمح من خلاله بدخول 300 شاحنة يومياً محملة بمواد توافق على
إدخالها الحكومة الصهيونية. وتقدر إحصائيات نشرتها مراكز بحثية فلسطينية أن الحصار
تسبَّب في انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 57% من سكان قطاع غزة، وكذلك ارتفاع نسبة
البطالة لتصل في الآونة الأخيرة إلى 43% من إجمالي قوة العمل المعروضة في سوق
العمل.
إن عمليات الحصار والإغلاق
المستمرة في القطاع أدت إلى تراجع متوسط دخل الفرد إلى أدنى مستوياته منذ عام
2000، حيث وصل إلى 1800 دولار، ثم تراجع إلى أقل من 1200 دولار خلال العام المنصرم
2012، وثمة تقديرات بتراجع دخل الفرد في القطاع إلى أقل من ألف دولار في نهاية
العام الحالي 2013.
بدوره، قال وزير الصحة
الدكتور مفيد المخللاتي: "إن رصيد الأدوية والمستهلكات الطبية لدى وزارته
يتناقص جراء إغلاق معبر رفح"، مشيراً إلى أن 30% من رصيد الأدوية مقطوع
تماماً.
وأشار إلى أن سبعة مراكز
رعاية أولية توقفت فيها حركة البناء بشكل كامل، إضافة إلى خمس مستشفيات تقام فيها
منشآت ضخمة، من بينها مستشفى الشيخ حمد للـتأهيل والأطراف الصناعية ومركز الجراحات
التخصصي في مجمع الشفاء الطبي.
وأوضح أن أكثر من 1000 مريض
كان يتم تحويلهم بشكل شهري من خلال معبر رفح، من بينهم 300 بتحويلة حكومية، و700
على حسابهم الخاص، يعانون أمراضاً يصعب التعامل معها، مثل أمراض الأورام السرطانية،
لا يزال مصيرهم مرهوناً بفتح المعبر.
ولا يزال سكان القطاع يعانون
أزمة خانقة في مسألة انقطاع الكهرباء، حيث تقوم سلطة الطاقة بنشر جدول أسبوعي
لانقطاع الكهرباء في مختلف مدن القطاع يصل إلى 12 ساعة، وتبرر الشركة ذلك بقولها
إن كميات الوقود التي تدخل القطاع من الجانب الصهيوني لا تكفي، إضافة إلى عدم
قدرتها على توفير قطع غيار لمحطات الكهرباء التي تتعطل، بسبب الحصار.
ومنذ يوليو الماضي لم يستقبل
قطاع غزة أي وفود تضامنية بسبب إغلاق معبر رفح، وفي تصريح صحفي نشره علاء البطة،
نائب رئيس اللجنة الحكومية لكسر الحصار، أكد أن استمرار إغلاق السلطات المصرية
معبر رفح البري، المنفذ الوحيد لقطاع غزة للعالم الخارجي، قد أدى إلى منع الوفود
المتضامنة من الدخول لقطاع غزة، وحال دون أداء مهمتها الإنسانية تجاه القضية
الفلسطينية، مضيفا أنه خلال شهر سبتمبر لم يدخل لقطاع غزة أي وفود، حيث كان من
المقرر دخول قافلة أميال من الابتسامات (23)، إلا أن السلطات المصرية منعتها من
الدخول، كما منعت إدخالها المساعدات التي كانت تصطحبها معها إلى القطاع.
ثبات المواقف
وفي ذكرى صفقة "وفاء
الأحرار" التي جرت برعاية مصرية العام الماضي، وأطلق بموجبها سراح المئات من
الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق حركة حماس سراح الجندي الصهيوني "جلعاد
شاليط"؛ ألقى رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية كلمة أجاب فيها عن كثير
من الأسئلة المتعلقة بمستقبل حركة "حماس" السياسي في ظل المتغيرات
الإقليمية، خاصة الأحداث في مصر، وأكد هنية أن حركته محافظة على موقفها المبدئي من
احترامها لتوجهات ومسارات الشعوب العربية في ربيعها، نافياً في الوقت ذاته ما أشيع
مؤخراً عن خلافات داخلية حول مواقف الحركة وسياساتها وأماكن وجود قادتها.
وعلى صعيد المصالحة
الفلسطينية، جدد هنية دعوته رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للبدء بتشكيل
حكومة التوافق الوطني، إلى جانب تأكيده موقف حماس من الانتخابات.
وتعقيباً على كلمة هنية، قال
طلال عوكل، المحلل السياسي الفلسطيني، إن هنية أكد مواقف "حماس" الثابتة
بشأن المقاومة والقدس المحتلة وعدم التدخل في الشؤون الإقليمية.
وأوضح أن النقطة الأهم في
هذا الخطاب هي إعادة صياغة الخطاب الرئيس لحركة حماس على اعتبار أنها حركة تحرر
وطني إسلامي فلسطيني، وأنها ما زالت متمسكة بخيار المقاومة، وليست معنية بالتدخل
في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية.
وأضاف أن رئيس الوزراء في
غزة أكد أنه لا تغيّر بأن الوضع الفلسطيني من أهم الأولويات بالنسبة لحماس، وأنه
يترجم ذلك عملياً بالدعوة لانتفاضة شعبية، وتفعيل المقاومة بالضفة، وما يمكن
اعتباره أنه تنبَّأ بانتفاضة شعبية عربية وإسلامية من أجل القدس وما يجري بحقها من
اعتداءات صهيونية.
ووفقاً
لعوكل، فإن "حديث هنية عن الأسرى والقدس ووقف المفاوضات؛ كل ذلك يحمل في
طيّاته خطاب المقاومة الوطنية، وأن هدف حماس هو تفعيل تلك المقاومة وتوطيد
علاقاتها العربية وإصلاحها".
::
مجلة البيان العدد 317 محرم 1435هـ،
نوفمبر 2013م.