• - الموافق2025/10/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نفق نتانياهو المظلم!!

سياسات نتانياهو في غزة، أدخلت بالفعل الدولة اليهودية النفق المظلم، وأصبح مستقبل تلك الدولة الغاصبة في مهب الريح، ويبدو أن مستقبلها لن يتعدى عمر ما سبقها من الدول اليهودية كما يتوقع اليهود أنفسهم.


في مجال التحليل السياسي، يوجد مصطلح متداول يطلق عليه "النفق السياسي" أو "النفق المظلم" يُستخدم غالبا للإشارة إلى موقف أو أزمة سياسية صعبة، يجد فيها السياسي أو النظام السياسي نفسه محاصرا في ظروف معقدة، دون رؤية واضحة للحل أو الخروج.

يُعبر هذا المصطلح عن حالة من الضغط الشديد، والغموض، أو التعقيد السياسي، حيث تتضاءل الخيارات المتاحة، وتكون القرارات محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى عواقب غير متوقعة أو سلبية.

فمصطلح النفق المظلم يحمل ثلاثة معانٍ: الغموض وهو عدم وضوح النتائج أو الحلول، والضيق وتعني محدودية الخيارات المتاحة، وأخيرا الخطر وتعني احتمالية اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى تدهور الوضع.

وعند تطبيق المعاني الثلاثة: النفق السياسي المظلم على سياسات نتانياهو وممارساته في حرب غزة الحالية، نجد الآتي:

أولا/ الغموض

يعكس مصطلح الغموص في حالتنا تلك، عدم الوضوح في الرؤية النهائية لما بعد الحرب، حيث يصر نتانياهو على القضاء الكامل على حماس دون تحديد خطة واضحة لإعادة الإعمار أو الحل السياسي.

وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر الماضي، أكد نتانياهو أن "إسرائيل" يجب أن تنهي المهمة في غزة، لكنه رفض تماما فكرة الدولة الفلسطينية، متهما الدول الغربية بالنفاق في دعمها لها.

هذا الوضع يخلق غموضا حول ما إذا كانت السياسة التي يتبعها نتانياهو تهدف إلى سيطرة دائمة على غزة أم مجرد أمن مؤقت، على الرغم من أن تقارير الأمم المتحدة قد أشارت إلى أن الكيان الصهيوني يسعى لسيطرة دائمة على القطاع مع توسيع المستوطنات.

كما أن الخطة الأمريكية المقترحة (21 نقطة) لإنهاء الحرب وإنشاء مسار للدولة الفلسطينية، تزيد من الغموض حول التوافق الدولي.

هذا الغموض يعيق أي تقدم دبلوماسي ويثير تساؤلات حول ما أطلقوا عليه (اليوم التالي) بعد القضاء على حماس.

فالعجز الواضح لدى نتنياهو عن تصور الوضع لما بعد الحرب يعبر عن حالة مأزومة وشديدة التعقيد، حيث أصبحت مكانة نتانياهو كزعيم تقبع في مكان مظلم من السياسات والأفكار، ولا يستطيع بسهولة رسم طريق للخروج من الأزمة الراهنة.

هذه الحالة تعد من أبرز تعريفات النفق السياسي التي تعني فقدان الأفق السياسي الواضح والقدرة على التخطيط للمستقبل بثقة.

ثانيا/ الضيق في الخيارات المتاحة

تتضاءل الخيارات أمام نتانياهو بسبب الضغوط المتعددة، حيث يجد نتانياهو نفسه محاصرا بين الالتزامات العسكرية الداخلية والضغوط الدولية المتزايدة.

داخليا، يواجه نتانياهو تحديات من الاحتجاجات داخل الكيان التي تطالب بإطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب، مع مخاوف من انهيار الائتلاف الحكومي إذا توقفت العمليات العسكرية، بسبب دعم قوى وأحزاب اليمين المتطرف المتحالفة مع حزب الليكود الذي يتزعمه نتانياهو لفكرة استمرار القتال ولو حتى لسنين عديدة، لتحقيق الهدف الذي يتمثل في تهجير أهل غزة وإقامة المستوطنات.

 

عبر العديد من مستخدمي المنصة عن مخاوف من أن نتانياهو لا يريد صفقة بل يسعى لتدمير غزة، وهذا الأمر يزيد من التذمر الشعبي العالمي ويحول الرأي العام ضد الكيان

أما الضغوط الخارجية، فقد رأيناها من تنديد غالبية دول العالم للمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة والتجويع، إلى الحد الذي دفع الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو إلى دعوة دول الجنوب العالمي إلى تشكيل جيش دولي قوي لتحرير فلسطين والدفاع عن شعوبها ضد ما وصفه بالطغيان والشمولية التي ترعاها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على حد تعبيره، وأعلنت كل من إندونيسيا وجنوب أفريقيا إلى تأييد تلك الخطوة.

وقد شهد خطاب نتانياهو في الأمم المتحدة انصرافًا جماعيًا لأكثر من 100 دبلوماسي من 50 دولة احتجاجًا على سياساته، مما يعكس عزلة دولية متزايدة. كذلك، اللقاءات الأخيرة بين نتانياهو ومستشاري ترامب (مثل جاريد كوشنر وستيفن ويتكوف) في نيويورك لمناقشة غزة أظهرت ضيقا في التفاوض، حيث يرفض نتانياهو أي صفقة تسمح بعودة حماس أو تؤدي إلى دولة فلسطينية، رغم الضغط الأمريكي، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحات علنية يوم 25 سبتمبر أي منذ عدة أيام، إلى التصريح للصحفيين أنه "لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية"، وأكد أنه ناقش الأمر مباشرة مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتانياهو، مشددا على أن هذا لن يحدث بغض النظر عن رغبة نتانياهو.

بل ذكرت صحيفة هآرتس العبرية: الرياح في واشنطن تغيرت ونتنياهو سيواجه ضغوطا لإنهاء الحرب.

وكتب المعلّق العسكري في القناة 13 ألون بن دافيد مقالاً في موقع صحيفة معاريف بدأه بالقول: من كان يصدق أنه في مساء رأس السنة العبرية، بعد عامين من خروجه إلى المجزرة الوحشية على حد تعبير المعلق الصهيوني، يمكن ليحيى السنوار أن يسترخي في قبره ويشاهد رؤياه تتحقق؛ ليس العالم العربي فقط يتحد ضد "إسرائيل"، بل أيضا العالم الإسلامي ومعظم دول العالم. لقد تحولت "إسرائيل" إلى دولة معزولة ومنبوذة، وأكثر من 140 دولة من دول العالم تضع الآن الأساس لإقامة دولة فلسطينية.

هذه الضغوط تهدد نتانياهو بفقدان الدعم الداخلي أو الخارجي.

ثالثا/ الخطر المحدق

ونقصد به الخطر في عواقب سياسات نتانياهو، سواء المخاطر السياسية والعسكرية والدبلوماسية الناتجة عن الاستمرار في السياسات الحالية.

فعسكريا، يزيد التركيز على القضاء على بقايا حماس من الظهور عسكريا بمظهر المهزوم، وتنقل القناة 12 العبرية عن رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زمير، قوله: "نحن ملتزمون بأهداف الحرب كما حددها الكابينيت، لكن حماس لن تُهزم عسكريا ولا سياسيا حتى بعد عملية احتلال مدينة غزة".

بينما صرح اللواء احتياط إسحاق بريك: هناك خطر حقيقي لانهيار الجيش بسبب الاستنزاف في القوى البشرية والقدرات العسكرية.

فإطالة أمد الحرب لفترة أطول مما توقعته قيادة الجيش الإسرائيلية العليا، أدت إلى أمرين: استنزاف كبير للقوات وتقليل فعالية العمليات العسكرية، كما أدت إلى خلافات داخلية في القيادة العسكرية، وتزايد الاعتراضات الصادرة من كبار ضباط الجيش ورئيس هيئة الأركان على خطة احتلال غزة بالكامل.

وسياسيا، يعرض رفض الكيان الصهيوني للدولة الفلسطينية، وكذلك اتهامها بالإبادة الجماعية، كما في تقرير لجنة الأمم المتحدة الذي رفضه نتانياهو، مما يهدد بعقوبات دولية أو فقدان الدعم الأمريكي تحت إدارة ترامب الجديدة.

على منصة إكس (تويتر)، عبر العديد من مستخدمي المنصة عن مخاوف من أن نتانياهو لا يريد صفقة بل يسعى لتدمير غزة، وهذا الأمر يزيد من التذمر الشعبي العالمي ويحول الرأي العام ضد الكيان، مما يمثل خطرا متزايدا يمكن أن يؤدي إلى انهيار حكومة نتانياهو أو عزلة إقليمية طويلة الأمد، خاصة بعد أن بدأت كثير من الحكومات الغربية في الفترة الأخيرة، في اتخاذ موقف شعوبها في التنديد بما يجري في غزة، ومطالبة الكيان بوقف المجازر والتجويع.

مستقبل الكيان الصهيوني

في مناسبات سابقة، أشار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو نفسه إلى تاريخ اليهود، مشددًا على أن دولهم القديمة لم تدم إلا لفترات زمنية محدودة نسبيا.

ففي اجتماع لدائرة الكتاب المقدس في أكتوبر 2017، قال نتانياهو: "الحشمونيون حكموا هنا لمدة 70-80 عامًا، وكانت هذه أطول فترة استقلال سياسي يهودي. هدفي هو الوصول إلى السنة المائة. سنتجاوز ذلك ونستمر".

وفي نفس الاجتماع، أشار نتانياهو ضمنيا إلى أن مملكة داود وسليمان (التي سبقت الحشمونيين بحوالي 700 عام) لم تدم أيضا أكثر من 80 عاما ككيان موحد قبل انقسامها إلى مملكتي إسرائيل ويهودا.

والحشمونيون هم أسرة يهودية في القرن الثاني قبل الميلاد، ويزعم اليهود أن هذه الأسرة استعادت الهيكل بالقدس، وأسسوا سلالة حاكمة جمعت السلطة الدينية والسياسية. وضعفت تلك الأسرة بسبب الصراعات الداخلية، وانتهى حكمهم بتدخل الرومان وتعيين هيرودس.

هذه التصريحات جزء من استراتيجية نتانياهو لربط التاريخ اليهودي بالواقع السياسي الحالي، حيث يرى أن الدروس من السقوط السابق (مثل الصراعات الداخلية أو التحالفات الخاطئة) يجب أن توجه سياسات دولة الاحتلال لضمان بقائها.

ولكن وعلى سبيل المثال، لم يشرح نتانياهو أسباب سقوط هذه الدول بالتفصيل (مثل الخلافات الداخلية في عصر الحشمونيين)، لكنه ركز على الحاجة إلى القوة لتجاوز الـ80 عاما، محذرا من أن الكيان يجب أن يكون مستعدا للاحتفال بذكراه الـ100 في 2048.

سياسات نتانياهو في غزة، أدخلت بالفعل الدولة اليهودية النفق المظلم، وأصبح مستقبل تلك الدولة الغاصبة في مهب الريح، ويبدو أن مستقبلها لن يتعدى عمر ما سبقها من الدول اليهودية كما يتوقع اليهود أنفسهم.

أعلى