تُعَدُّ تسمية «الكتاب المقدس»
بهذا الاسم محاولةًً من قِبَل نصارى العرب لإيجاد مرادف عربي للمصطلح الإنجليزي (Holy Bible)[1]. لكن كلمة Bible التي تشير إلى
مجموع الأسفار «المقدسة» لدى اليهود والنصارى هي اشتقاق من الكلمة اليونانية biblia وتعني
«كُتيِّباتٍ» لا «كتاباً». كما أن الكلمة اليونانية biblia هي مُصغَّر byblos؛ أي «ورق
البَرْدِي» الذي كان يُجلَب من سواحل المدينة الفينيقية العتيقة Byblos وهي اليوم
«جبيل» في لبنان[2].
فالكلمة إذن تعني «لفائف» ضُمَّ بعضها إلى بعض. والأَوْلى الاقتصار على تسميته
«كتاباً» دون وصفه بـ «المقدس» عند الإشارة إلى مجمل ما يؤمن به اليهود والنصارى
من أسفار العهدين (القديم والجديد)؛ ذلك بأن هذا هو اللفظ الذي استعمله القرآن في
مثل قوله - تعالى -: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ...} [البقرة: 79] الآية، ولأن قدسية
الكتاب لم تَثبت واقعاً حتى عند كثير ممن يتعبَّد به.
يختلف كتاب اليهود عن كتاب النصارى في
جوانب مهمة. فكتاب اليهود يضم تسعة وثلاثين سفراً كتبت في أصلها بالعبرانية عدا
بعض الأجزاء التي كتبت بالآرامية (أو الإرَمية)، وليس منه ما يؤمن به النصارى مما
يسمى «العهد الجديد». أما كتاب النصارى فيتألف من قسمين: «العهد القديم» وهو أسفار
اليهود التسعة والثلاثون بالإضافة إلى «العهد الجديد» ويضم سبعة وعشرين سفراً يزعم
جمهور علماء أهل الكتاب أنها سطرت في أصلها بلسان الإغريق[3].
لكنَّ نسخة العهد القديم التي تتبناها
الكنيسة الرومية الكاثوليكية تزيد بسبعة أسفار عن أسفار اليهود خلافاً لنسخة
البروتستانت التي تقتصر على الأسفار التسعة والثلاثين. وتُعْرف هذه الإضافات عند
الروم الكاثوليك بـ Deuerocanonical
Books أو «الأسفار الثانوية»، وتُدعى عند
البروتستانت «أبوكريفا» Apocrypha، وهي كلمة يونانية الأصل وتعني «المخفيَّات»؛ أي الأسفار التي لا
يُعلم حالها؛ ولذا أُخرجَت من قائمة الأسفار القانونية.
يعرف العهد القديم أو التـوراة
العبـرانية عند اليهـود بالـ «ت - ن - ك» (وتُقرأ «تَناخ»)؛ وهي كلمة مركَّبة من
الأحرف الأُوَل من كل قسم من أقسامه: تُوراه (التوراة أو الشريعة أو التعليم)،
نبييم (الأنبياء)، وكتوبيم (الكتب).
1 - التوراة:
تضم التوراة (وتسمى أحياناً
«بِنتاتيوك»)[4]
خمسة أسفار هي: التكوين، الخروج، اللاويون، العدد، والتثنية. ويحوي هذا القسم من
التوراة العبرانية سلسلةً من القصص، تتخللها بعض التشريعات، وتقدِّم سرداً لمجموعة
من الأحداث تبدأ بخلق السماوات والأرض وتنتهي بموت موسى، عليه السلام[5].
وعلى الرغم من الجدل المحتدم حول نسبة
هذه الكتب إلى موسى - عليه السلام - فإن التقاليد اليهودية والنصرانية تؤكد على
نسبة تدوين هذه الأسفار الخمسة إلى موسى - عليه السلام - وتنتصر لذلك ببعض نصوص
التوراة العبرانية. لكنَّ ورود بعض هذه النصـوص بصـيغة الغائب يزيد الأمر تعقيداً.
نقرأ على سبيل المثال في (سفر التثنية 31: 9) «وكَتَب موسى هذه التوراة وسلَّمها
للكهنة... ولجميع شيوخ إسرائيل»؛ فمن هو الراوي عن موسى - عليه السلام - هنا؟
كما أن الفقرات الثماني الأخيرة من
سفر التثنية - الذي هو آخر الأسفار الخمسة التي تصف وفاة موسى، عليه السلام - كانت
تشكِّل حرجاً لأحبار اليهود في القرن الثاني الميلادي الذين عَدُّوا «هذه التوراة»
في النص السابق إشارة إلى جميع الأسفار الخمسة السابقة لسفر التثنية. وثمة نصوص
أخرى يبدو أنها كُتبت في خلفية زمنية متأخرة عن الحدث الذي ترويه.
2 - الأنبياء:
وينقسم إلى قسمين: الأنبياءِ القدامى
والأنبياء المتأخرين.
أما قسم الأنبياء القدامى: فيشمل أربعة أسفار تاريخية، هي: سفر
يوشع - عليه السلام - وسفر القضاة، وسفر صموئيل، وسفر الملوك.
وأما قسم الأنبياء المتأخرين: فيشمل أربعة أعمال نبوئية، هي: سفر
إشعيا، وسفر أرميا، وسفر حزقيال، وأسفار الأنبياء الإثني عشر الموسومين بـ
«الصغار» Minor
Prophets. وقد كانت أسفار الأنبياء الإثني عشر
تُكتَب على لفافة مفردة وتحوي أسفار هوشع ويوئيل وعاموس وعُبَديا ويونس (أو يونان)
- عليه السلام - وميخا وناحوم وحبَقوق وصفنيا وحجَّاي وزكريا (وهو غير النبي عليه
السلام) وملاخي. لذا فإن قانون[6] «الأنبياء» العبراني يحوي في عمومه ثمانية أسفار.
أما قانون «الأنبياء» عند النصارى فلا
يخصص قسماً لـ «الأنبياء القدامى» بل يُدخِلهم تحت مسمى «الأسفار التاريخية». كما
أنه يستعير سفرين من قسم «الكتب» هما مراثي أرميا وسفر دانيال، عليه السلام. بَيْد
أنه يَفصل الأسفار الإثني عشر كُلاً على حدة فيكون بذلك عدد أسفار «الأنبياء» سبعة
عشر عند البروتستانت؛ أما الكنيسة الكاثوليكية فإنها تزيد على ذلك سفر «باروخ»
الذي رفضته الكنيسة الأورثوذكسية في مجمع أورشليم المنعقد عام 1672م.
أما في ما يخص «الأنبياء القدامى» فإن
القانون البروتستانتي – على غرار النسخة السبعونية[7] – يفصل سفرَي صموئيل والملوك إلى صموئيل الأول وصموئيل
الثاني، وكذا الملوك الأول والملوك الثاني. أما الكنيستان الكاثوليكية
والأورثوذكسية فقد كانتا تُقسِّمان السفرين إلى أربعة: الملوك الأول والثاني
والثالث والرابع دون ذكر لاسم صموئيل. لكنَّ جُلَّ الترجمات المعاصرة تلجأ إلى
التقسيم المتبع في النسخة السبعونية[8].
3 - الكتب:
وهي القسم الثالث من أقسام التوراة
العبرانية. ويحوي هذا القسم مجموعة متفرقة من الكتابات المقدسة لدى اليهود لم يمكن
تصنيفها تحت «التوراة» أو «الأنبياء». وليس لهذه الكتابات وحدة أدبية بل تشمل
ترانيم دينية (المزامير ومراثي أرميا)، وشعراً غزلياً (نشيد سليمان)، وحِكَماً
ووصايا (الأمثال، وأيوب، والجامعة)، وتاريخاً (أخبار الأيام وعزرا ونحميا)، ورؤى
ونبوءات (دانيال عليه السلام)، وقصة قصيرة (رُوث)، وحكاية غرامية (إستير)[9].
هذا عرض مبسَّط لأسفار العهد القديم
أو «التوراة العبرانية» أردت منه التمهيد لمقال لاحق – إن شاء الله – يعلِّق على
قول الحق - تبارك وتعالى -: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ...} [البقرة: 79] الآية، وكيف حُرِّفَت التوراة فأصبحت أسفاراً بعد أن كانت سفراً.
[1] يستعمل بعض نصارى العرب الكلمة الإنجليزية
Bible بأحرف عربية دون ترجمة هكذا «بَيْبِل». فيقال - مثلاً -: كلية العلوم البيبلية.
[2] Random House Webster’s
Unabridged Dictionary, CD version 3.0 (Random
House, Inc., 1999). (Under “Bible”(.
[3] Bruce M Metzger &
Michael D Coogan (Ed.), Oxford Companion To The Bible (Oxford & New York:
Oxford University Press, 1993) p. 79.
[4] البنتاتيوك Pentateuch كلمة يونانية الأصل وتعني: «الأسفار الخمسة».
[5] Encyclopaedia
Britannica 2002
Standard Edition CD-ROM (Encyclopaedia Britannica, Inc, 1994-2002), (Under “Torah”(.
[6] تستعمل
كلمة «قانون» canon في مثل هذا
السياق بمعني قائمة الأسفار المعتمدة في مقابل تلك المشكوك في صحتها.
[7] السبعونية: هي أقدم ترجمة يونانية للتوراة العبرانية.
[8] Encyclopaedia Britannica 2002 Standard Edition CD-ROM,
(Under “Biblical Literature, Nevi’im”(.
[9] Encyclopaedia
Britannica 2002
Standard Edition CD-ROM, (Under “Biblical Literature, Ketuvim”(.