(السِّنين)...!
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه
وصحبِه، وبعدُ:
(السنين) جمع سنة وتأتي بمعانٍ متعددة، منها تتابع سنوات الجدب وما يتبعها من
تدهورٍ في أحوال الناس المعاشية؛ وما ذلك إلا علامة دالة على انحراف عامٍّ ينبه
الله سبحانه وتعالى عباده على خطورته. كما أنها تجمع بين النِّذارة والتحذير؛
نِذارة الغفور الودود، وتحذير العزيز القـدير، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا
آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 130]. فالابتلاء العامُّ - سواء كان بجدب أم وباء أم آفة
- يحمل في طياته دعوةً للتوبة والإنابة وتحذيراً من العقوبة؛ فما أحوجنا إلى
المسارعة بتوبة عامة من كلِّ ما يُغضِب الله تعالى من ظُلْم وانحراف، وأن نتناهى
عن فعل المنكرات حتى وإن تلبَّس المسلم منها بشيء؛ وذلك لقطع دابر قَبُولها
والتعايش معها وهو ما يؤذن بوقوع العذاب، وأن نستبق بذلك الوصولَ إلى مرحلة آخرى من
السنين تنقلب فيها الأوضاع والمفاهيم فيسهل قبول الناس للدعاة الواقفين على أبواب
جهنـم، ومن ثَمَّ تتشرب قلوبهم فتنة الدجال، أعاذنا الله والمسلمين منها! فقبل فتنة
الدجال الكبرى تكون سنوات عجاف أخبرنا عنها نبيُّنا المعصوم صلى الله عليه وسلم
كما في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنهما، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إنَّ
أمامَ الدَّجَّالِ سِنينَ خَدَّاعةً، يُكَذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُصَدَّقُ فيها
الكاذِبُ، ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ، ويؤْتَمَـنُ فيها الخائنُ، ويَتكلَّمُ فيها
الرُّوَيْبِضةُ. قيل: وما الرُّوَيْبِضةُ؟ قال: الفُوَيْسِقُ يَتكلَّمُ في أمرِ
العامَّةِ».