انتصار الإسلام حتمية تاريخية
بسم الله، والحمد لله، والصلاة
والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فلا تزال سنن الله الكونية القدرية
تمضي بحكم الله وحكمتـه في حياة البشر لإخضاع وإقناع الذين لم يسـلموا أو لم
يسـتكملوا التسـليم لأحكامه البشـرية، والأمر كما قال اللـه - عز وجل -: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْـحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]. قال الشيخ السعدي في معناها ما
مؤداه: إن قلتم وشككتم بصحة وحقيقة ما جاء به القرآن، فسيقيم الله لكم ويريكم من
آياته في الآفاق والأنفس بياناً لا يقبل الشك أنه هذا القرآن حق، وما اشتمل عليه
حق[1].
ولقد رأينا ورأى العالم في
العقود والسنوات الأخيرة، بل الشـهور الأخيـرة مـن آيات اللـه في الأنفـس والآفـاق
ما يُخضِع كلَّ القلوب لو كانت فيها حياة، ويقنع كل العقول لو كانت فيها بصيرة؛
فكم من أفكار تخالف دين الله صالت وجالت، وجادل العقلاء والحكماء أربابَها في
بطلانها، فلم يستجيبوا أو يرجعوا، حتى كشفت حركة التاريخ عن فسادها وزيفها وهشاشة
قواعدها وأصولها؟ وكم من قوىً علت في الأرض بالبغي والباطل تأذَّن الله بسقوطها
وهلاكها بعد أن تجبَّر أهلها واختالـوا بقوَّتهـم وقالـوا: لن تَبِيد هـذه أبداً،
لكنهم سرعان ما خرجوا من دائرة العلو، بل من ذاكرة التاريخ بعد أن ظن الناس أن لن
يخرجوا { وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ
حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر: ٢]. إن انتصار الحق واندحار
الباطل سُنة قدرية وحقيقة كونية وحتمية تاريخية. وقد درج المفكرون الغربيون على
تسمية قوانين سير التاريخ بـ (فلسفة التاريخ) أو (حتمية التاريخ)، ويقصدون بذلك:
أن حركته على المستوى الإنساني (الفردي أو الجماعي) تخضع للتسلسل المنطقي للأسباب
التي يؤدي بعضها إلى بعض، وَفْقَ قوانين محددة سلفاً، يقولون هم: إنها قوانين
الطبيعية، ونقول نحن: إنها سنن الله الكونية.
إنهم يقولون: إن لذلك التاريخ
الإنساني فلسفة، يشير إليها أنه ينقسم إلى دورات حضارية مستقلة؛ فهناك - مثلاً -
دورة للتاريخ الفرعوني والقبطي في زمان موسى عليه السلام، ودورة للتـاريخ اليهـودي
قبل بعث عيسى عليه السلام، ودورة للتاريخ النصراني بعد بعثته عليه السلام، ثم دورة
للتاريخ الإسلامي بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكل دورة فلسفتها وحتمياتها؛
فالأمم الوثنية فلسفتها التاريخية هي مراقبة مسيرتها في الوفاء للطقوس الوثنية،
وعدم السماح بانقراض أتباعها أو اندثار آثارها، وفلسفة التاريخ عند اليهود ترصد
مسيرة ما يسمى بـ (الشعب المختار/ الأول) منذ عهد التيه، وحتى عهود التمكين ثم
التشرد والضعف، تطلعاً إلى عصر السيادة والملك العالمي تحت قيادة مسيح اليهود
المنتظر، وفلسفة التاريخ عند النصارى تنظر إلى تطور مسيرة (الشعب المختار /
الثاني) وطريقة انتشاره في الأرض، وتأثيره في المسار الإنساني؛ حتى يصل به التاريخ
إلى (عهد الخلاص) بعد عودة مسيح النصارى المنتظر الذي يقيم لأتباعه دولة القطب
الأوحد والأخير!
أما المسـلمون، فإن حتمية التاريخ
عندهم تنتظم تاريخ كل أنصار الحق في كل زمان في مواجهة جنود الباطل في كل زمان
ومكان، وهي تختلف عن كل فلسفات التاريخ عند الأمم بأنها ترقب انتصار أهل الحق للحق
وبالحق، لا انتصار أهل الدنيا للدنيا، وعلوَّهم في الأرض واستكبارَهم على الناس.
وفلسفة التاريخ هذه (أو حتميته) هي ما
يُطلِق عليه القرآن وصف (سنة الله)؛ أي طريقته وعادته - سبحانه - في إجراء تصاريف
الزمان ومقاديره، على مقتضى الحكمة الإلهية، كما قال - سبحانه -: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137]،
وقال: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن
قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} [الأحزاب: 38]، وقال: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن
تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}. [الأحزاب: 62]
إن انتصار الإسلام - وهو دين الرسل
جميعاً - سنة إلهية، وبِلُغة القوم: (حتمية تاريخية) ولا مشاحة في الاصطلاح؛ فسنن
الله تحكم التاريخ، وتشكِّل حتمياتِه، مهما بدا لقصار النظر أنها تسير بخلاف ما
يقوله الله وما يريده. فقد انتصر الرسل جميعاً على أعدائهم، حتى جاء خاتمهم
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله له فتحاً مبيناً ونصره نصراً عظيماً
على صنوف الأعداء من مشركين وكتابيين ومنافقين، وسجل القرآن الكريم هذه السنة
الإلهية و (الحتمية التاريخية) فقال - سبحانه -: {هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣]، ولم يمت
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حقق الله له النصر على كل من ناوأه، وخُتمَت
حياته صلى الله عليه وسلم ببشارة النصر الذي اقترن بفتح القلوب بالتوبة قبل أن
يقترن بفتح البلدان بالغزو، فقال - سبحانه -: {إذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ١ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ
اللَّهِ أَفْوَاجًا ٢ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ
تَوَّابًا} [النصر: ١ - ٣].
ومثلما وعد الله رسوله بالنصر، وعد
أتباعه به ما استقاموا على دينه وسنته، فقال - سبحانه -: {وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم
مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
[النور: ٥٥].
ولقد شهدتْ أحداث التاريخ الإسلامي في
عهوده المتوالية، على أن هذه السُّنة الإلهية وتلك الحتمية التاريخية في انتصار
الإسلام، هي قدر هذه الأمة على قدر استجابتها واستقامتها؛ فمنذ أن كسر الله بهذه
الأمة مُلْك كسرى وقَصَر نفوذ قيصر، توالت انتصارات الأمة في جنبات الأرض الأربع،
فلم يستطع التتار قهرها، ولم يتمكن الصليبيون من إخضاعها، وكذلك قاومت العداة من الأوروبيين
في العصر الحديث فلم تركع لهم، ولم تخضع لمشاريعهم الاستعمارية التي استهدفت مسخ
هويتهم وتبديل شريعتهم، وقد كان آخر عهد القوة الفرنسية العالمية بالمجد بعد
اجتياحها لمصر والشام في ما عُرِف بالحملة الفرنسية التي أعقبها سقوط تلك
الإمبراطورية بعد عودة نابليون إلى بلاده لمواجهة المصير المحتوم.
وكذلك انتهت عهود القوة العظمى
لبريطانيا بعدما قادت ضد مصر ما عُرِف بـ (العدوان الثلاثي) مع فرنسا و (إسرائيل)
فبعدها أفل نجم قوة (بريطانيا العظمى) لترثها أمريكا.
وفي عصرنا الراهن - وعلى الرغم من
الوهن الذي أصاب الجسد الإسلامي - فإن هذه الأمة بما بقي فيها من الخيرية أحرزت
بالإسلام انتصارات كبرى، لم يمنع من إبرازها أوالمفاخرة بها إلا أن أهلها لم
يكونوا إلا عصائب متفرقة في الآفاق من المطاردين والمستضعفين، الذين لم يحتف أو
يحتفل بهم أحد .
- فمن كان يظن أن الكيان الشيوعي الضخم
الذي أراد اكتساح العالم الإسلامي وغيره نظرياً بالماركسية بعد اجتياحه عسكرياً
بالجحافل الروسية سيتوقف سيره، بل سينتهي تاريخه على أيادي المسلمين المستضعفين
بعد اجتياح الروس لأفغانستان عام 1980م، لتكون نهاية اتحاد الإلحاد على أيديهم،
بعد عقد واحد من ذلك الغزو الذي عدَّ الخبراءُ انتصار المجاهدين فيه أحدَ أبرز
أسباب تفكُّك ذلك الاتحاد، بل انهيار المعسكر الشيوعي بأكمله!
- ومن كان يصدق أن ذلك الاندحار
العسكري الميداني سبقه أو صاحبه انهيار فكري نظري تمثل في سقوط الفكرة الشيوعية
الماركسية التي طالما أراد الروس فرضها على بلاد الشرق عامة وبلاد المسلمين خاصة،
فكان الإسلام أول من قهر كيانها، فأسقط بذلك فكرتها؟
- ثم من كان يتصور أن تكون أُولَى
هزائم القطب الأول والأوحد في العالم بعد سقوط الشيوعية - وهو الولايات المتحدة
الأمريكية - ستجيء على أيدي أتباع محمد صلى الله عليه وسلم من المسلمين المستضعفين
في كلٍّ من أفغانستان والعراق؟ حيث تتوالى تصريحات الخبراء العسكريين والسياسيين
الغربيين بأن ما حصل لأمريكا في أفغانستان وفي العراق لم يسقط هيبة جيوشها فحسب،
بل أسقط أحلامها الإمبراطورية في السيادة على العالم لقرن جديد قادم، كما خطط لذلك
أصحاب مشروع (القرن الأمريكي)؛ حيث كان ما حصل للجيش الأمريكي على أراضي المسلمين
بداية العدِّ التنازلي لانتهاء عصر القوة الأمريكية، الذي بدأ يتطور إلى تراجع
أمريكي عام لن يستطع (أوباما) ولا من يأتي بعده علاج مشكلاته ولا حل معضلاته.
- ومن كان يتخيل أنَّ تَضَعْضُعُ
القوة المادية لأمريكا، سيتبعه تزلزُلٌ في الجوانب الفكرية النظرية للمنظومة
الفكرية الغربية كلها، لا الأمريكية فحسب؟ وذلك بظهور عوار النظرية الرأسمالية في
المجال الاقتصادي؛ حيث أظهرت أزمات السنوات الأخيرة الاقتصادية أن المذهب
الرأسمالي في الاقتصاد قد قاد أمريكا والعالم من ورائها إلى كوارث اقتصادية برزت
عام 2006م في صورة أزمة مالية عالمية، لم تكد أمريكا تتعافى منها حتى أوشكت على
الدخول في أشد منها، بسبب الأزمة الجديدة الطاحنة (أزمة الديون) التي قد تهـدد
الاقتصـاد العـالمي الرأسمالي القائم على الربا، بأزمات لا يعلم إلا الله إلى أي
شيء ستنتهي.
لقد كان سقوط النظرية الرأسمالية بعد
النظرية الشيوعية في المجال الاقتصادي انتصاراً منهجياً للإسلام الذي طالما نظَّم
منظِّروه المناظرات في نقد الفكرتين العَلمانيتين، وأظهروا مناقضتهما للمصلحة
البشرية والفطرة السوية. وقد بدأ العالم اليوم في البحث عن نظام عالمي اقتصادي
جديد يجنِّبه الأزمات والكوارث التي جرَّها عليه الشيوعيون والرأسماليون، ولو كان
لأهل الإسلام كيان ممكن يتحدث باسمه لما ترددت الشعوب في قبول النظام الإسلامي
الاقتصادي الذي كثر الحديث مؤخراً حوله في المنتديات الاقتصادية العالمية بعد
إفلاس النظرية الرأسمالية.
الثورات
العربية:
انتصارات جديدة في جولات
جديدة:
كشفت الثورات العربية الأخيرة عن أن
المستقبل للإسلام في أراضيه، وأبانت أنه لا بقاء في أرض الإسلام لنظام لا يحترم
الإسلامَ وكرامةَ أهل الإسلام، وأظهرت أن الأمة قد أعادت، أو هي في سـبيل استعادة
اكتشاف ذاتها بالعـودة إلى هويتهـا وعقيدتهـا، ولا شك أن الإسلام بذلك يسجل
انتصارات جديدة تتوالى مظاهرها:
• لقد انتصر الإسلام عندما انتفضت
شعوبه في عدد من البلدان وليس لها معقل تخرج منه وتفيء إليه إلا المساجد التي عادت
لها مكانتها بعد طول غياب.
• وانتصر الإسلام عندما اتخذت الشعوب
المنتفضة من يوم الجمعة موعداً تتقرر فيه وتتكرر وقفات المطالبات السلمية بالعدالة
والحرية في ظل الحياة الإسلامية، بعد اصطفاف المنتفضين جميعاً يصلون؛ حتى أولئك
الذين لم يكونوا يصلون!
• وانتصر الإسلام عندما تساقط الطغاة،
واحداً تلو الآخر، من الناحية الواقعية أو الحكمية؛ فحتى الذين لا يزالون يقاومون
السقوط من الطغاة بأشد الأساليب سقوطاً، قد سقطوا من أعين شعوبهم لانكشاف خيانتهم
لدنيا الناس ودينهم.
• وانتصر الإسلام عندما أذن الله للذين
أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، أن تنفتح أمامهم سبل العودة
للديار بعد طول انتظار، ويُطرَد أعداؤهم ويخرجون منها مدحورين أو يدخلون السجون
صاغرين، وتتبدل الأحوال فيأمن الخائفون، ويخاف الآمنون، ويقوى المستضعفون ويضعف
المتجبرون.
• وانتصر الإسلام عندما فتحت بل كُسرَت
الأبواب المؤصدة أمام الدعوة والدعاة في كثير من بلدان الشعوب المنتفضة، وصدع
الدعاة (آمنين) بكلمة الحق والتوحيد، وعادت منابر المساجد وأعمدة الصحف وشاشات
القنوات متاحة مفتوحة على مصاريعها أمام كل صادع بالحق، ناطق بالصدق.
• وانتصر الإسلام عندما انكشف عُوار
الطابور الخامس من المنافقين الخائنين للدين، الذين كانوا يختالون ويحتالون
فيحتلون مناصبَ (الأمن) فيحيلونه خوفاً وإرهاباً، ومنابرَ الإعلام فيجعلونها
إفساداً وخراباً، وكراسيَّ الفكر والثقافة فيشيعون منها الانحرافات والضلالات.
• وانتصر الإسلام عندما رأى المستضعفون
أعداءهم الطغاة في بعض البلدان، يحلُّون مكانهم في غيابات السجون وأقبية الزنازين،
مع فارق أن المظلومين كان الله معهم، أما الظالمون فليس معهم أحد إلا من كانوا لهم
حُراساً وحجَّاباً وخدماً من عسكر الطغيان.
• وانتصر الإسلام عندما عادت قضية
تحكيم الشريعة إلى الصدارة، وعندما ظهرت الحقيقة المغيَّبة التي طالما أخفاها
العلمانيون في الداخل، وتواطأ على تزييفها وتزويرها أعداء الإسلام في الخارج، وهي
أن الشعوب المسلمة لا ترضى بغير الله رباً والإسلام ديناً ومحمد صلى الله عليه
وسلم نبياً ورسولاً، وشريعة الإسلام أصل في التشريع تنص عليه الدساتير.
• وانتصر الإسلام عندما تبيَّن للعالم
أن الجيل الجديد من شباب الأمة الذي خطط أولياء الشيطان لشيطنته ومسخ عقيدته، ومسح
شخصيته، لم يُمسَخ ولم تُمسَح هويته، ولم تصادَر رجولته، على الرغم من إفساد الشياطين،
فكان طليعة الثائرين لكرامة الأمة والمطالبين باستعادة عزتها، صامدين في ميادين
التحدي الأرقى والأنقى على مستوى الثورات في العالم.
• وانتصر الإسلام عندما ظهرت ثمرة جهود
أجيال من الدعاة والعلماء والمفكرين من كافة الجماعات في توعية عموم الأمة، فصارت
غالبية الناس تميِّز بين الغث والسمين من القول، وبين العدو والصديق من الناس،
وبين النافع والضار من الأفكار والنظريات والنشاطات.
• وانتصر الإسلام عندما نتج عن كل ما
سبق أن الأمة لم تعد عندها (قابلية للاستعمار)، ولا استعداد للخنوع لعدو (خارجي أو
داخلي) ولا قبول للخداع تحت الشعارات البراقة المستوردة من الخارج أو المصنعة في
الداخل؛ فالأمناء فقط هم أهل الثقة، وأهل الخبرة هم أهل القبول.
• وانتصر الإسلام عندما أدرك العوام
والخواص من الناس أن النصر من عند الله وحدَه، مهما ضعف أصحاب الحق وتجبَّر أهل
الباطل، وقد ظهر لهم ذلك جلياً، مما بدا من آثار إصرار الثوار وهم في غالبيتهـم
عـزلٌ مسـالمون، ومـع ذلك أطاحـوا، ولا يزالون يطيحون بالعروش دون جحافلَ أو جيوش.
وظهرت للناس آية من آيات الله؛ حيث
ألقى الرعب والخذلان في قلوب المتكبرين على الرغم من كثرة عددهم وعدتهم، وثبَّت
المستضعفين العزل وقوَّاهم وأيدهم على الرغم من ضعفهم وقلة إماكانتهم.
إن انتصارات الماضي والحاضر، موصولة
بانتصارات المستقبل التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: «ليبلغن هذا الأمر ما
بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ
عزيز أو ذلِّ ذليل؛ عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر»[2]. وهكذا يثبت
الزمان ما نطق به القرآن؛ فسبحان من صَدَقَ وعده، ونَصَرَ عبده وهزم الأحزاب وحده:
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوَارِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: ٥ - ٦].
[1] رواه الهيثمي بمجمع
الزوائد: 17/6، ورجاله رجال الصحيح.
[2] السلسلة الصحيحة، للشيخ ناصر الدين الألباني، رحمه الله.