إنَّ يوماً عنده
مثل أعداد السنين
ليس إلا مثلهُ
يحمل الحزن الدفين
لا تقل لي كيف يحيا
فيه عزم لا يلين
فيه روح الحب تسرِي
من ضياء المرسلين
إنه هو، به يتأسى المبتلون، ويتصبر الصابرون، ويترحم عليه
المترحمون. آتاه الله ثباتاً في القلب، وحكمة في العقل وعزماً على الشدائد، وبأسـاً
في السيطرة على النفس. قانعاً لا يتشكى راضياً لا يتسنى؛ ترى حياته بؤساً ويراها
نعيماً، قد شقي لينعم غيره. إذا افتقر إلى شيء تعفف عن معطيه، وإذا طُلِب منه شيءٌُ
تعقب سائله. لا يرى سعاته إلا في سعادة غيره.
يعلم أنه عما قريب مفارق وبالأنبياء لاحق؛ فسعادة باقية خيرٌ له من
حياةٍ فانية. إذا ابتُلي في ماله ونفسه حَمِد الله، وإن أصيب في ولده احتسب بالله،
وإن أصابه مكروه صبر، وإن جاءه خيرٌ شكر.
يرسم للدنيا طريقها وتهون عليه أهوالها. صمتُه فكراً ونظره عبراً،
إذا مات ظلت ذكراه باقية وإن عاش يرى حياته فانية.
يأتمُّ به خَلَفه، ويقتدي بسلفه، ويخلِّده كل مكان تركه.
إنه شهيد الحياة لا يؤبه به وهو عند الله عظيم.
الحاقدون عليك قليل، والشامتون فيك كثير.
كل المصائب قد تمرُّ على الفتى
وتهون غير شماتة الحُسَّادِ
فما أعظم الابتلاء للمؤمن الصابر! يرفع الله به ذِكرَه ويضع عنه
وزره؛ فلا خير في جسم لا يبتلى ونفس لم تختبر. نقَّاك الله فاصطفاك، فضَّلك على
كثير ممن خلق؛ فأكثر الناس ابتلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
ابتلي الأنبياء - عليهم السلام - بأقوامهم فصبروا على ما كُذبُوا به
حتى أتاهم نصر الله.
وابتُلي أيوب - عليه السلام - في بدنه وماله وأهله فصبر ودعا ربه
فاستجاب الله له وكشف ما به من ضُرٍّ وآتاه الله أهله ومثلهم معهم.
إن كُلاّ منا يكره الابتلاء من حيث هو ابتلاء، لا من حيث هو فعل.
ولعظيم أجر الابتلاء غلط من ظن أنه يدعو الله به.
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً يقول: «اللهم! إني أسألك
الصبر». فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد سألتَ الله البلاء فاسأله العافية»[1].
ومن وقع عليه الابتلاء فصبر نال ما يرجى من الثواب على الصبر، ومن
حصل له النعيم فشكر نال من الثواب على الشكر. ورُبَّ غني شاكرٍ أفضل من فقيرٍ صابر.
يقول الإمام الغزالي: (بين الصبر والشكر ارتباط وثيق؛ فإذا وقع بصره
على حرام فصبر كان شاكراً لنعمة العينين وإن أتْبَع النظر كفر نعمة العينين).
وحكي عن سمنون الزاهد أنه قال:
وليس لي في سواك حظٌّ؛
فكيفما شئت فاختبرني.
فأصيب بعد هذا البيت بعلة خطيرةٍ كان بعدها يدور على الأبواب ويقول
للصبيان: (ادعوا لعمكم الكذاب). فليكن لنا في الأنبياء قدوةٌ حسنة.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ
حَسَنَةً} [البقرة:
201].
[1] أخرجه
الترمذي.