بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فقد مضت نحو عشر سنوات على الغارة الأمريكية على العالم
الإسلامي في شقها النظري الذي أطلقت عليه واشنطن وصف (حرب الأفكار)؛ تلك الحرب
التي اعتُبرَت مكمِّلَة للشق العسكري من الغارة، وهو الذي استهدف كلاً من
أفغانستان ثم العراق ثم تعرقل وتعطل برحمة من الله عن بقية البلدان. وقد وضع الأسس
الفكرية لحرب الأفكار (لويس باول) في بداية السبعينيات الميلادية من القرن العشرين
لمواجهة الفكر الشيوعي المناوئ للرأسمالية الغربية، ثم عمل (وليام كروز) على تشغيل
هذه الأسس من خلال مراكز بحثية للغرض نفسه.
وبعد سقوط الشيوعية واحتياج أمريكا لاصطناع عدوٍّ بديل،
توجهت أنظار تجار الحرب الغربيين نحو الإسلام ليكون هو الندُّ الجديد في صراعات
القرن الجديد، وأطلق وزير الحرب الأمريكي في عهد بوش الابن (دونالد رامسفيلد) موجة
جديدة من (حرب الأفكار) عندما قال في حديث لصحيفة الواشنطن بوست في (27/3/2003م)
إبَّان غزو العراق: «نخوض حرب أفكار مثلما نخوض حرباً عسكرية، ونؤمن إيماناً قوياً
بأن أفكارنا لا مثيل لها» وأضاف: «إن تلك الحرب تستهدف تغيير المدارك، وإن من
المحتم الفوز فيها، وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها».
وقد نصت الورقة الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي
للولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت على أن أحد أهم أدوات أمريكا في نشر
مبادئها في الشرق الأوسط هو (شن حرب أفكار) مع اللجوء للخيارات العسكرية عند
الحاجة. حتى إن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كونداليزا رايس) عبرت عن قلقها
من انهماك أمريكا في تلك (الحرب الصليبية الفكرية) إلى جوار انغماسها في ما أسماه
بوش (الحرب الصليبية) العسكرية، فقالت في مقالة لها في الواشنطن بوست (ديسمبر
2005م): «إننا ضالعون في حرب أفكار أكثر مما نحن منخرطون في حرب جيوش».
لكن يبدو أن تلك الحرب الفكرية لم تحقق الأهداف التي
رُسمَت لها في سنوات حكم الحزب الجمهوري الثماني بزعامة جورج بوش الابن، تماماً
كما كان الشأن في الحرب العسكرية، وقد عبَّر عن ذلك (رامسفيلد) نفسه عندما قال في
تصريح له 16 فبراير 2006م: «إن أمريكا تخسر حربها الدعائية والفكرية ضد التشدد
الإسلامي... ينبغي لنا أن نبحث عن وسائل أخرى بديلة لكسب عقول الناس في العالم
الإسلامي». والنتيجة نفسها توصلت إليها في الأثناء ذاتها هيئة استشارية تابعة
لوزارة الدفاع الأمريكية في تقرير لها عَزَا سبب الهزيمة في (حرب الأفكار) إلى
تدخلات أمريكا في كثير من بقاع العالم الإسلامي، وهو ما تسبب في عدم تصديق أحد
لوعودها بالحرية والديمقراطية.
وأشار تقرير عن نتائج حروب بوش - نشر عام 2007م عن
البنتاغون - إلى أن أساليب حكومة بوش كانت فاشلة في إدارة حروب أمريكا في شِقيها
(العسكري والفكري)، وجاء فيه: «إن الولايات المتحدة الأمريكية قد تورطت في صراع
عالمي بين الأجيال بشأن المعتقدات والأفكار، ولم يعد هذا الصراع قاصراً على مواجهة
بين الإسلام والغرب فقط، بل بين الغرب وبقية العالم».
وفي عام 2010م، استضاف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
بنيويورك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق (توني بلير) لأجل تكريمه باعتباره مفكراً
ورجل دولة، فكان من ضمن حديثه أن تكلم عما وصفه بأنه (هزيمة استراتيجية للغرب في
صراعه الفكري مع العالم الإسلامي)، وشرح أسباب ذلك وقال: إن مناهج التعليم في
البلدان الإسلامية هي المحرك الأساسي للتطرف الفكري.
إن الحديث عن (حرب الأفكار) ظل موصولاً بعد وصول
الديمقراطيين للسلطة في أمريكا بزعامة (باراك أوباما)، الذي قال في كتابه (جرأة
الأمل): «إن أمريكا تخوض في الشرق الأوسط صراعاً مسلحاً، وتخوض في الوقت نفسه حرب
أفكار». وقد أصدرت إدارته تعليماتها ببذل جهود جديدة ومبتكرة في حرب الأفكار ضد
«الإسلام المتشدد»، ولكن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية انتقد في مقال
لمجلة القوات المسلحة الأمريكية الأداء الأمريكي في تلك الحرب وقال: «يسود اعتقاد
واسع أن أمريكا تخسر حرب الأفكار، بدليل أنها تفشل في كل مرة في الالتزام بالقيم
التي تنادي بها، ولا تنفِّذ تعهداتها؛ فتبدو في الصورة التقليدية لـ (الأمريكي
المتعجرف)»!
معطيات جديدة:
أبرزت الشهور الفائتة من عام (1432هـ / 2011م) معطيات
جديدة في ميدان حرب الأفكار بعد الثورات العربية، وبخاصة في تونس ومصر، يُتوَقع أن
تعيد لها اندفاعها وامتدادها، ولكن على وتيرة مختلفة، وهذه المعطيات هي:
1 - بروز دور القوى الإسلامية في الثورات بما يرشحها لأدوار رئيسية في عمليات
التغيير وَفْقَ المشروع الإسلامي الذي طالما أصرَّ الغربيون وأذنابهم على منعه أو
إفشاله.
2 - انطلاق أشبه بالانفلات في حرية التعبير؛ فتح الأبواب لدعاة الباطل مثلما
فتحه لدعاة الحق، وهو ما يرشح لسجالات فكرية ساخنة، لن يفوِّت الغربيون عامة
والأمريكيون خاصة فرصة اهتبالها لدعم وكلائهم من أوليائهم في (حرب الأفكار) بكل
أنواع الدعم.
3 - انشـغال شـعبي عن الاهتمام بالخطر الخارجي (الصهيوصليبي) الذي استحوذ على
جُلِّ الاهتمام خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، مع انشغال تام بالشؤون
الداخلية، وطبيعة التغيير القادم في كل بلد، بما يورثه من خلافات في الرؤى
واختلافات في المواقف، يدور جزء كبير منها حول الموقف من تحكيم الشريعة في حاضر
البلدان ومستقبلها.
4 - بروز إعلامي واضح للاتجاهات الإسلامية، مع ظهور اختلافات في وجهات نظرها
في صيغ التغيير، وهو ما أسفر عن تجسيد الاختلاف بين فصيلين رئيسيين، هما: الإخوان
المسلمون، وبقية التيارات السلفية، وهو ما يمثل موقفاً يمكن استغلاله في تعميق هوة
مصطنعة بين ما يسمى (الإسلام المتشدد) وما يسمى (الإسلام المعتدل).
5 - صعود سياسي غير متوقَّع للتيارات السلفية، أجبر أنواع المخالفين لها أن
يُظهِروا خلافهم بل عداوتهم، لطروحاتهم في صور فكرية متلونة وفجة، تأتي تارة من
الليبراليين المتغربين، وتارة من اليساريين، وتارة من منحرفي الصوفية ومن الشيعة
الجدد وفلول النظام البائد.
6 - زيادة حدَّة تلك الاستقطابات الفكرية بين جميع الاتجاهات، وهو ما يتيح
الفرصة لتكريس تصنيفات فكرية للمجتمعات التي تشهد الثورات على أسس قريبة لما بَنَت
عليه دراسات معهد (راند الأمريكي) خططها، وهذه الاتجاهات هي: الاتجاه العلماني
بأقسامه (الليبرالي واليساري والقومي)، والاتجاه الإسلامي بأنواعه: السلفي (وهو
يعني المتشدد عندهم) و (التقليدي) وهو المنسوب للجهات الرسمية، و (المعتدل)
ويقصدون به الاتجاه السالك مسلك الترخص في بعض السياسات الشرعية ويمثله بعض
الإخوان ومن تأثر بنهجهم.
7 - احتمال تحول الحَراك السياسي إلى عراك فكري بين الإسلاميين وغيرهم من
العلمانيين من جهة، وبين الإسلاميين بعضهم بعضاً من جهة أخرى، وهذا الحَراك أو
العراك مرشح للتفاعل أكثر وأكثر بعد الدخول في استحقاقات المنافسة الحزبية على
مواقع التأثير السياسي.
إن كل تلك المعطيات ستتيح لمن يريدون اللعب بالخيوط من
وراء ستار، أن يدشنوا مرحلة جديدة من (حرب الأفكار)؛ لكنها ستتحول هذه المرة - بل
تحولت بالفعل - إلى حرب بالوكالة؛ حيث ينيب الأمريكيون والغربيون عملاءهم في داخل
البلدان الثائرة، لينفِّذوا بشكل حرفِيٍّ كلَّ ما ورد في تقارير مؤسسة (راند)
الأمريكية للأبحاث التابعة لسلاح الجو في البنتاغون الأمريكي، تلك المستهدفة
جميعِها للثوابت الإسلامية؛لتغييرها وتحريفها على غرار تحريف اليهودية والنصرانية.
ومن هذه التقارير:
• تقرير (راند) لعام 2002م عن (الإسلام المدني
الديمقراطي... شركاء وموارد واستراتيجيات)؛ وهو الذي يقسم المسلمين إلى (أصوليين)
و (تقليديين) و (حداثيين) و (علمانيين)
• وتقرير (راند) لعام 2004م عن (تكوين شبكات لأصحاب
«الإسلام المعتدل») لمواجهة «الإسلام المتشدد».
• وتقرير (راند) لعام 2007م الذي انتهى للدعوة إلى
مواجهة كل المؤمنين بمرجعية الشريعة الإسلامية، من «معتدلين» أو «متشددين».
إن مؤسسة راند وغيرها من (مراكز التفكير) في الغرب لا
تقدم مجرد أراء نظرية في المجال الفكري فقط، بل تصنع دراسات تشبه الخطط العملية،
أو خرائط طريق لصانعي القرار، وأبرز مثال على ذلك: أن مؤسسة (القرن الأمريكي) قدمت
لإدارة بيل كلينتون (الديمقراطية) خطة للهجوم على العراق عام 1997م، على أنها
مقدمة للسيطرة الأمريكية على منابع النفط في الشرق الأوسط، باعتبار ذلك ضمانة
لاستمرار أمريكا سيدةً للعالم في (القرن الأمريكي الجديد)، ولكن إدارة بوش
(الجمهورية) تبنت ذلك المشروع، ونفذت تلك الخطة!
إن تقارير وخطط راند وغيرها قد تفشل ويتكرر فشلها؛
ولكنها تظل في انتظار ظروف مواتية، لتعيد الكرة، وتجدد الجولة، بوسائل جديدة ووجوه
جديدة، وصدق الله {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا
كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].
والمتأمل في مجريات (حرب الأفكار) في جولتها الأخيرة
يلاحظ أن وكلاء أمريكا يتحاورون مع الإسلاميين بالخطوط والخطط نفسها التي رسمتها
تقارير (راند)؛ ليتم فرز هؤلاء الإسلاميين إلى «معتدلين» و «متشددين»، ولتبدأ بعد
ذلك السلسلة التقليدية في تشويه مشروع هؤلاء «المتشددين» ثم إقصائهم ثم إلغائهم.
والسلفيون جميعاً يقعون داخل دائرة (المتشددين) شاؤوا
أَمْ أبَوا؛ بحسب معايير مراكز الفكر في أمريكا، بل يدخل معهم كثيرون مما سبق
تصنيفهم بأنهم «معتدلون».
وَلْنتأمَّل مثلاً: تلك الدراسة التي قدمتها مؤسسة راند عن «الإسلام المعتدل»، والتي تضمنت 11
سؤالاً «يُختَبَر» بها الشخص أو الكيان، ليُعرَف هل يمكن تصنيفه ضمن المعتدلين
المفيدُ تقريبهم، أم بين المتشددين الواجبُ حصارهم و إقصاؤهم؟ وَلْنتأمَّل في
الوقت نفسه؛ كيف يدير الإعلام العَلماني العربي الحوار مع الإسلاميين على اختلاف
توجهاتهم على أساس الأحد عشر سؤالاً هذه، التي تصوغ معايير الاعتدال أو (الوسطية)
بالمقاييس الغربية والأمريكية، بفحواها أو بنصها.
وهذه الاسئلة هي:
1 - هل توافق على أن الديمقراطية بصيغتها الغربية
القائمة على فصل الدين عن الدولة، هي الصيغة المثلى للحكم؟
2 - هل توافق على أن الديمقراطية تعني قيام دولة مدنية، (يعني
علمانية)؟
3 - هل تسلِّم بأن الفرق بين المسلم المعتدل والمسلم غير
المعتدل هو موقفه من تطبيق الشريعة؟
4 - هل تعتبر الواقع (الحر) للمرأة الغربية المعاصرة هو
الوضع الأمثل أم لا؟
5 - هل توافق على «نبذ العنف» - يعني الجهاد - وهل دعمته
من قَبْل أو دافعت عنه؟
6 - هل تقبل القيم الليبرالية الداعمة إلى الحرية
المطلقة للإنسان، والاقتصاد الحر، (يعني الربوي)؟
7 - هل توافق على استثناءات في حرية الإنسان؟
8
- هل تؤمن بحق الإنسان في تغيير دينه؟
9
- هل تعتقد بوجوب تطبيق العقوبات
الجنائية في الشريعة الإسلامية وبتعدد مصادر التشريع؟
10
- هل ترضى بتولي الأقليات الدينية غير
المسلمة بمناصب عليا في الدولة؟
11
- هل تؤمن بحرية بناء المعابد لغير
المسلمين في بلاد الإسلام؟
إننا إذا تأملنا في هذه الأسئلة فسنكتشف للوهلة الأُولَى
أنها الأسئلة نفسها التي لا يمل أصحاب البرامج الحوارية في الوسائل الإعلامية
العربية من طرحها بصيغ مختلفة على الإسلاميين أصحاب التأثير الجماهيري، أو هؤلاء
الذين يرشحون أنفسهم لمناصب سياسية مؤثرة في بلدانهم، كالمناصب النيابية أو
الرئاسية، وللأسف الشديد فإن كثيراً ممن يخضعون لهذا (الاستجواب) يرسبون في الاختبار حتى قبل أن تطرح عليهم تلك الأسئلة المكرورة؛ وذلك
بقبولهم الجلوس ابتداءً مجلس «الامتحان» أمام
الإعلامي (العلماني)!
ولرضاهم بموقف الاسترضاء المتنازل، أو
الاستخذاء والاستخفاء بأمور الشعائر والشرائع، خشية أن يصنَّف أمام الناس بأنه (متشدد)! بعضهم
أولياء بعض:
من اللافت للنظر أن مجريات حرب الأفكار الجديدة انضمت
إليها فصائل أخرى غير الليبراليين معادية للتوحيد وأهله، أو معادية للسُّنة
وأهلها؛ فالساحة في بلدان كمصر وتونس - وحتى في البلدان التي لا تزال عمليات التغيير فيها غير منتظمة -
تشهد تحالفاً (غير مقدس) بين الأقليات غير المسلمة وشواذ المتشيعة والمتصوفة وبعض المذبذبين بين ذلك
لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ ليقفوا جميعاً في الصفوف الأُولَى للمعارك الفكرية ضد
الاتجاهات الإسلامية، وبخاصة السلفية، وهذا مشهد يشهد لجلال منطق الوحي القرآني
العظيم عندما قرر مسبقاً أن أرباب النفاق يتحالفون ضد الدين، كما يتحالف أولياء
الشيطان من الكتابيين والمرتدين: {الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ
بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْـمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنَّ
الْـمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].
إننا لنعجب - مثلاً - كيف ساغ
لأدعياء محبة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأهل بيته من المتصوفة والمتشيعة أن
يتحالفوا مع نصـارى وناصريين وليبـراليين ويساريين، ليقفـوا جميعاً منادين بدولة
مدنية (أي علمانية) في بلد كمصر؛ اختار شعبها بأغلبية ساحقة عدم إلغاء
مرجعية الشريعة من الدستور! إنه مشهد قابل للتكرار في أقطار أخرى؛ لأن اليد التي تحرك خيوط هذه الدمى
واحدة.
فتش عن راند؟
بعد ما بدأت مؤسسة (راند) حربها لبناء شبكة من (المسلمين المعتدلين) في تقريرها الصادر عام 2004م، عدَّلت في خطتها عام 2007م لتضع كلَّ من يقبل بمرجعية الشريعة في تصنيف (التطرف).
واعتبرت أهل الاعتدال هم: الليبراليين العلمانيين الذين يؤمنون بفصل الدين عن
الدولة؛ بل عن الحياة، وكذلك الصوفية القبورية، والمنتسبين لما يسمى بـ (الإسلام الليبرالي) المنادي بالتصالح (غير المشروط) مع الغرب، وأيضاً غير الدينيين الأشبه بالأتاتوركيين.
وذهب ذلك التقرير الصادر قبل الثورات بأربع سنوات إلى أن
خير وسيلة لضرب التيارات الإسلامية الداعية لمرجعية الشريعة، هي صناعة وإنشاء
أعداء لهذه التيارات في داخل البلاد الإسلامية إذا لم يوجدوا، ودعمهم إن كانوا
موجودين بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي.
وقد لوحظ في الآونة الأخيرة، أن الولايات المتحدة تسابق
الزمن في التمكين لجبهة سياسية واقتصادية وإعلامية علمانية، كارهة ورافضة للشريعة
الإسلامية في البلدان العربية بعد الثورات؛ تخوض من ورائها الجولة الجديدة من (حرب الأفكار) التي تحاول إحلالها محل حروب الحديد والنار؛ تلك التي قرَّبت أمريكا من
حتفها عسكرياً، وأذلت كبرياءها سياسياً، وأفرغت خزائنها اقتصادياً.
المجابهة الفكرية:
إن الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة؛ مدعوون للتسلح بكل
الأسلحة الفكرية لتلك الجولة الشرسة من حرب الأفكار، إنها (معركة الشريعة) لا لأجل تطبيق الممكن منها بحسب مقتضيات السياسة الشرعية فحسب؛ ولكن لأجل
تثبيت الإيمان بمرجعيتها التي لا إيمان لمن لا يؤمن بها، كما قال -
سبحانه -: {فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
إن أكثر الداخلين أو الداعمين لحزب الشياطين المناوئ
لمرجعية الشريعة، يدَّعون في الوقت ذاته أنهم يؤمنون بالله ربّاً وبمحمد صلى
الله عليه وسلم رسولاً وبالإسلام ديناً. وفي معركة مع مثل هؤلاء؛ لا بد من حشد جهود الباحثين
والعلماء والدعاة والمفكرين لخوض غمار تلك الحرب بالوسائل الشرعية، المدعومة
بالإمكانات التقنية والمادية في مراكز تفكير مضادة، ولن يكون هناك سلاح يُستعان به
أنجح من القرآن الذي أمر الله بالتسلح به في هذا «الجهاد الفكري» في قوله - سبحانه
-: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا
كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، والآية وإن كانت في الكفار، إلا أن من يجادل في مرجعية
وحاكمية القرآن يأخذ حكمهم فيجُاهَد جهادهم.
إن كتاب الله هو عُدَّة كلِّ مسلم في مواجهة (حرب الأفكار) المفروضة، بأهدافها المرفوضة؛ لأن النص القرآني فيه من قوة الحجة وفصل
البيان ما يلجم ألسنة المتطاولين ويبطل حجج المجادلين. فَلْنجاهد هؤلاء وهؤلاء بالقرآن {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]؛ أي جهاداً مؤصلاً متواصلاً، ما داموا متواصين على حربه، متواصلين على
عداء أهله، والله المستعان.