رغم هذه العودة الأصيلة للغة العربية لفظاً ومعنى، إلا أنها لم تسلم من التحول والتغيير الذي سيرافقها مرة أخرى في خضم هذه العصور الحديثة
تُعدُّ اللغة العربية من بين اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، كونها تؤثث
الفضاءات الجغرافية للأمم المختلفة ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً؛ فهي من اللغات
التي تشغل أكثر من 467 مليون نسمة من السكان المتكلمين بها في العالم حسب إحصائيات
عام 2018م لمجموعة من المواقع المتخصصة من بينها موقع (واي باك مشين)، ومن ثَمَّ
تحتل هذه اللغة إلى جانب اللغات الأخرى الأكثر شيوعاً، المركز الرابع عالمياً من
حيث الانتشارُ والتداولُ، والمرتبةَ نفسها أيضاً من حيث الاستخدامُ والتوظيفُ على
صفحات الإنترنت، وهو ما يجعل هذه اللغة ذات أهمية بالغة في الوسط الإنساني سواء من
حيث التواصلُ والتداولُ أم من حيث التوظيفُ والاستخدامُ في مجالات متعددة.
إلا أن ما يرافق هذه اللغة اليوم هو حاجتها إلى إبراز مكانتهـا بعدما كانت في
بداياتها تحتـل المركز الأول، وهذا راجع لما يحدث الآن في الساحة العالمية من
تطورات كمية معرفية، ومعلوماتية، وتكنولوجية، تجعلنا نطرح سؤال الرهانات ومدى تماشي
اللغة العربية مع ضرورات العولمة والعصر التكنولوجي الجديد.
عطفاً على ذلك لا بد لنا أولاً أن نرسم المسار الذي عاشته اللغة العربية ارتباطاً
بإشكالاتها القديمة والحديثة، منذ النشأة المجهولة، ومروراً بمراحل قوَّتها
وازدهارها وتقلباتها مع النهضات القديمة، لنصل إلى إشكالاتها الراهنة. فما عرفته
اللغة العربية من انتقال وتطور، لا يجعلنا - بطبيعة الحال - ندير وجهنا باصمين فقط
على أوجه التميز ومراحل التشكل والارتقاء فيها؛ وإنما أيضاً الوقوف على بعض
الإشكالات التي عرفتها في خضم هذه المراحل منذ النشأة ثم الانتقال والتطور.
عرفت اللغة العربية مجموعة من التحديات والإشكالات الأدبية، من بينها المشاكل
اللغوية التي خلَّفتها الألسن مختلفة اللهجات، والاختلاط بالأجناس وألسنتها
ولهجاتها، وهو ما خلَّف مسألة الإشكالات اللغوية، وما رافق ذلك من لحن في اللغة
وخصوصاً عندما أخذت اللغة العربية مسارها القديم في المتن الديني والقرآني، ومن بين
مظاهر هذه الإشكالات العربية نأخذ - على سبيل المثال - اللحن في اللغة المرتبطة
بالآيات القرآنية، الذي كان بإمكانه تغيير المعاني والوقوع في تحريف المعنى
القرآني، لولا جهود أهل الفقه واللغة في مواكبة ذلك، وهنا نذكر على سبيل المثال لا
الحصر، ورود هذه الآية من سورة التوبة {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْـحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ
الْـمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: ٣]، التي قرئت بلحن في آخرها (... أَن
اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهُ) بكسر اللام، وهو لحن فظيع يغيِّر
المعنى بشكل تام، هذا فعلاً ما جعل العلماء آنذاك يبادرون إلى وضع أسس وقواعد تحفظ
لغة القرآن من الخطأ واللحن، فعملوا على وضع ألفاظ القرآن الكريم وضبطها تنقيطاً
وإعراباً، ووضعوا لكلام العرب قواعد ضابطة له ولألفاظه وتراكيبه، لتظهر علوم اللغة
العربية، كالنحو والصرف والبلاغة والنقد، وانصرفوا بعد ذلك إلى تعليمها. ففي الواقع
كان القرآن مجرداً من النقط والشكل، وكان المسلمون الأولون يرون حرجاً في تنقيطه
حتى لا يختلف عن الرسم الأول. ولكن لما اتسعت الأمة الإسلامية، ودخل فيها الأعاجم،
وشاع اللحن في قراءة القرآن، قام (أبو الأسود الدؤلي) بأول عملية جريئة وهي تشكيل
القرآن عن طريق النقط. وكان ممن تنبه إلى ذلك والي البصرة زيادة ابن أبيه، فسأل أبا
الأسود الدؤلي أن يضع للناس علامات تدل على الحركات، فوضع أصول التشكيل باستخدام
النقط، وسميت تلك العملية لذلك بـ (التنقيط). فوضع نقطة فوق الحرف للدلالة على
الفتح، ونقطة تحت الحرف للدلالة على الكسر، ونقطة أمام الحرف للدلالة على الضم،
وللتنوين نقطتين. وسار الناس على هذا النهج مدة وحروف المصحف دون نقاط إعجام، حتى
كان عهد عبد الملك بن مروان، حيث اضطروا إلى وضع النقط الذي هو الإعجام للحروف،
كالباء والتاء والثاء... إلخ. ثم التبس عليهم نقط الإعجام مع نقط الحركات، لأن
كلاهما يستعمل النقط، فميزوا بينهما باللون والرسم، حتى جاء الخليل بن أحمد
الفراهيدي (100 - 175هـ) وابتكر طريقة عبقرية جديدة للشكل استمدها من أشكال حروف
العلة: الألف والواو والياء فوضع للضم واواً صغيرة توضع في أعلى الحرف لئلا تلتبس
بالواو المكتوبة، ووضع للفتح ألفاً مبطوحة فوق الحرف، ووضع للكسر ياء تحت الحرف
تطورت إلى خط صغير مائل، حتى أصبح التشكيل كما نعرفه اليوم، وعلاماته: الفتحة
والكسرة والضمة والسكون (ه)، ووضعت الشدة، وأصلها شين مبتورة بلا نقاط ( ّ)[1].
المسألة الثانية التي يمكن الحديث عنها في إشكالات اللغة العربية قديماً، هي
إشكالية الترجمة، التي مرَّرتْ في متن اللغة العربية مصطلحات ومفاهيم جديدة، سواء
تلك الفلسفية، أم تلك المرتبطة بآداب اليونان والفرس، والواقع أن عدم اهتمام العرب
في العصر العباسي بالآداب اليونانية بشكل كبيـر نظراً لغرابة هذا الأدب عنهم، أو
لعدم الاعتراف بشعر العالم الآخر في ظل النزعة المتفاخرة بالشعر العربي، أو
لانصرافهم في ظل الدين الإسلامي عن الآداب التي تؤمن بالآلهة المتعددة، ومن ثَمَّ
الاهتمام أكثر بالجانب الفلسفي والمنطق والعلوم الأخرى، جعل العرب حتى في فهمهم
لكتب النقد والفلسفة اليونانية يقعون في أخطاء مرتبطة بعدم جمعهم بين أدب اليونان
وفلسفتهم، وهذا ما حدث فعلاً في ترجمة كتاب فن الشعر لأرسطو؛ إذ أبت اللغة العربية
إلا أن تترجم كلمتي تراجيديا وكوميديا بالمدح والهجاء، ظناً من المترجمين العرب
القدامى أن أرسطو كان يتكلم عن صنفين شعريين فاستمر هذا الخطأ قائماً منذ محاولات
متَّى بن يونس، وحنين بن إسحاق في الترجمة، وشروحات كلٍّ من ابن رشد وابن سينا،
وصولاً إلى القرطاجني لكتاب فن الشعر لأرسطو؛ إذ إن عدم انكباب اللغة العربية على
أدب اليونان أدى إلى إغفال أن التراجيديا والكوميديا نوعان شعريان حركيان مسرحيان،
تدارك فيهما العرب ذلك الخطأ في خضم عصر النهضة، بينما خدع العرب القدماء بخدعة
الترجمة التي لا تحافظ - دون إلمام واسع - على المعنى المراد من اللغات الأخرى.
المسألة الثالثة التي يمكن أن نرصدها أيضاً، هي مسألة الشعوبية التي انتشرت في
العصر العباسي، والتي كان فيها كل شعب يمجد نفسه وأصله وانتماءه في ظل اختلاف
الأجناس الذي عرفه هذا العصر بالذات، حيث اللغة العربية هي لغة العلوم، ولغة الأدب
والتواصل، لكنها في الوقت نفسه لغة المثاقفة ولغة الشعوبية. هذه الشعوبية التي كانت
منتشرة بمظاهر شتى حاول فيها مناصرو الأحادية ذوو الأصول الفارسية والرومية، أن
يهاجموا اللغة العربية من حيث تراكيبها، ومن حيث أساليبها القديمة، ورغم أنهم
ساهموا في إدخال مجموعة من المفاهيم والألفاظ إلى الشعر العربي، كبشار بن برد
وغيره، إلا أنهم هاجموا بشراسة المقدمات الشعرية العربية، وجنحوا إلى تجديد اللغة
بما هو ردٌّ على تشبت العربي بأصوله اللغوية التراثية، وافتخاره على الشعوب
الأعجمية.
هذه بعض المسائل القديمة في إشكالات اللغة العربية، على مستوى الشكل والمضمون
ارتباطاً بالسياقات الثقافية، التي صمدت فيها هذه اللغة غير مبالية بالضربات
الجانبية الهامشية التي يمكن أن تصيب أية لغة، فلم تستطع أن توقف مسارها الحافل في
تخطي العصور رغم ما عرفته أيضاً من إشكالات حديثة. فقد عرف عصر الانحطاط الممتد من
سقوط بغداد على يد المغول إلى دخول نابليون إلى مصر، انحطاطاً موازيا للغة العربية؛
إذ إن الدولة العثمانية التي لم تشجع اللغة العربية في ظل انتصار اللغة التركية،
وفي ظل تكوين الجيوش العسكرية والدواوين السلطانية من دون العرب، بالإضافة إلى أن
الخليفة العثماني لم يكن مثل العباسي ذا شغف كبير بالآداب والشعر، ومن ثَمَّ لم
يشجع الأدباء والشعراء فانحطت اللغة وأصبح كل من هب ودب ينظم شعراً ويقرأ أدباً،
ويصوغ ركاكة في الأسلوب، وضحالة في المعاني، وهو ما جعل العربي في عصر النهضة يشد
العزم مقرراً العودة إلى الأصول العربية التراثية، متأثراً بلغة القدماء من الشعراء
والأدباء، وبلاغتهم في الكلام، ومتانة أسلوبهم، وفصاحة قولهم، فأعادوا بذلك للغة
العربية بريقها، ولمعانها، بنظم الشعر وَفْقاً لعمود الشعر العربي القائم في خصائصه
على اللغة الفصيحة التراثية التي تجمع بين اللفظ والمعنى مشاكلة وبياناً وفصاحة
وتصويراً، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر جهود الشاعر البارودي رائد مدرسة
البعث والإحياء في الشعر العربي، وجهود شعراء آخرين كحافظ إبراهيم، وأحمد شوقي،
وغيرهم من الذين أعادوا للغة العربية والشعر الديباجة القديمة.
رغم هذه العودة الأصيلة للغة العربية لفظاً ومعنى، إلا أنها لم تسلم من التحول
والتغيير الذي سيرافقها مرة أخرى في خضم هذه العصور الحديثة، خصوصاً ذلك الجدال
المثير بين أنصار اللغة القديمة، وأنصار التحديث فيها؛ إذ بادر مجموعة من الشعراء
والأدباء المجددين إلى المناداة بتجديد اللغة وَفْقاً لعصرها وتماشياً مع الحياة
الاجتماعية الحديثة. بينما رفض أنصار اللغة القديمة ذلك لكون الجديد يقتل أصول
اللغات وأسسها وأصولها وتراثها، في حين نظر المجددون في لغة الأدب والشعر إلى
الآداب الأجنبية متأثرين بالنزعة العلمية التي رافقت العالم العربي في عصر النهضة
وبعده، مقررين أن لا هروب من تجديد اللغة لأن تجديد اللغة بالنسبة لهم يجدد الآداب
والمعارف، وهي حقيقة حتمية. فأنصار اللغة القديمة ارتبطوا بلغة القدماء، وأنتجوا
شعراً عربياً يوازي بشكل كبير لغة امرئ القيس وعنترة، بينما أنصار التجديد في اللغة
جعلوا معجمها في الأدب والشعر يسير جنباً إلى حنب مع الشكل التواصلي اليومي، ومن
هنا نجد شعراء الرومانسية العربية يتكلمون في بعض قصائدهم بلغة سهلة تنهل من اللغة
اليومية المتداولة.
في ظل هذين الاختلافين سيظهر طرف ثالث ينادي بلغة توفيقية تركب بين القديم والحديث،
ظنّاً منهم أن القديم لا يتطور دون اطلاع على الحديث، وأن اللغة العربية الحديثة لن
تتطور إلا باستنادها إلى القديم، وهذا ما جعل بعض الشعراء يخلطون بين اللغة العربية
التراثية في الشعر وبين اللغة الحديثة المائلة إلى الانزياح.
من بين الإشكالات اللغوية الأخرى المطروحة حديثاً: مسألة تقديس اللغة؛ فطالما كان
هناك تضارب وجدال كما ذكرنا سابقاً فيما يخص اللغة العربية المستعملة؛ إذ إن التطور
جعل اللغة رهينة بالتغيير والتحول، وهذا ما جعل المدافعين عنها في تشدد، يتمسكون
بشدة بأصولها القديمة وخصوصاً مسألة تقديسها، محاولين المحافظة على لغة القرآن كما
وردت دون اللجوء إلى التغيير والتخطي. بينما يرى الآخرون أن التقديس في اللغة
العربية مُضِرٌّ بها ولا يجعلها تسير وتتحرك، معتبرين أن بقاء أية لغة رهين بعدم
جمودها، وبقدرتها على مسايرة التطورات، والمستجدات الجديدة.
لقد أضفى الإسلام طبعاً نوعاً من القداسة على اللغة العربية فأصبحت في نظر المسلمين
ذات أهمية كبيرة، وهذا أمر منطقي كونها لغة الدين والقرآن، لكن مسألة تقديسها تفضي
بنا إلى مجموعة من المشاكل من بينها إيهامنا بأنها ذات حفظ سماوي لا تندثر ولا
تموت، كما يجعل العربي يتعامل معها بنوع من التهاون في ظل التحديات التي تواجهها،
رغم أن هناك الكثير من القول الذي لا يجعل اللغة العربية ذات بعد تقديسي سماوي،
أوله أن اللغة العربية في القرآن الكريم جاءت لتيسير معانيه وجعلها قابلة للفهم لدى
العربي المسلم ودليل ذلك من القرآن نفسه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلَّا
بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي
مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ} [إبراهيم: ٤]، وكذلك قوله تعالى:
{فَإنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: ٨٥]،
وهنا يتبين أن العربي في التعامل مع لغته قد وجَّهته العاطفة إلى تقديس ذلك، فنسي
أن النص الديني القرآني هو المعني بالتقديس أما اللغة فتبقى وسيلة للتواصل والفهم
باختلاف المقامات التواصلية والخطابات والعصور المختلفة.
لقد عرفت اللغة العربية تطوراً ملموساً في بنيتها، فقد دعت الحاجة في العصور
الحديثة والمعاصرة والحالية، إلى محاولة تجديد معجمها والإضافة إليه ليكون معجماً
أكثر غنى وثراءً، وأكثر ارتباطاً بنوافذ العالم الجديد المنفتحة على العلم الجديد
والتكنولوجيات الحديثة، لذلك عمدت اللغة العربية إلى تطوير معجمها مستندة على ظواهر
لغوية ولسانية جديدة كالاقتراض تارة من اللغات الأجنبية، وهنا نتكلم عن المصطلحات
العلمية والسياسية والفلسفية وغيرها، التي يحتاجها الفكر العربي فلا يجد مفراً من
اقتراضها، ثم الاستناد تارة أخرى على ظاهرة التعريب بجعل الكلمات المستوردة ذات وزن
عربي خالص في الاستعمال الجديد للغة العلمية الجديدة، وللمفاهيم الأدبية والسياسية
الغربية، ثم ظاهرة النحت التي تعين اللغة العربية على دمج المصطلحات العلمية
الغربية في مصطلح واحد ذي بُعْدٍ أصيل أو دخيل أو مختلط، يجعل اللغة العربية
وألفاظها ذات بُعْد حركي حيوي نطقاً وكتابة.
على الرغم من هذا كله، إلا أن اللغة العربية اليوم تحتاج إلى مسايرة العصر
التكنولوجي الذي يفرض علينا التكلم بلغته الأجنبية، ومن ثَمَّ يجعلنا نطرح مجموعة
من الرهانات التي تراهن عليها هذه اللغة مع مجتمعاتها الناطقة بها، والتي تفضي إلى
أن اللغة تولد وتنمو وتموت، ومِن ثَمَّ وجب عدم تقديسها إلى درجة الانخذال
والتواكل، كما تحتاج اللغة العربية اليوم إلى التوفيق بين نصرة تراثها من جهة،
ومسايرة التطورات الإنسانية من جهة ثانية، في تمازج يجعلها ذات بعد وظيفي في تدريس
العلوم والنهل منها منافِسة بذلك اللغات الأخرى الأكثر انتشاراً، ومن ثَمَّ
احتلالها لمكانة جيدة في المجالات المتعددة كالإعلام والصورة ووسائل التواصل
الاجتماعي والقنوات التلفزية والإعلانات الخارجية، بالإضافة إلى ذلك أصبح لزاماً
على اللغة العربية أن تتبع مسار تعريب التكنولوجيا الجديدة، ولغة المعلوميات
والبرمجة، لتتماشى والعلوم الحديثة التي يحتاجها إنسان اليوم.
إن تطور اللغة العربية اليوم رهين بتطور شعوبها، ورهين بانتقالهم من دول مستهلِكة
إلى دول منتجة للعلوم، ومطورة للتكنولوجيا والمعارف الأساسية، وتحول شعوبها إلى
مجتمعات معرفة تنتج بلغتها وتجعلها مصدراً أساسياً لاستهلاك الشعوب الأخرى.
لقد كان الغربيون فيما مضى يطلقون عبارة هذا كلام سرياني على اللغة اللاتينية
تعبيراً منهم عن الكلام المبهم غير الواضح وغير المفهوم، وتعبيراً منهم كذلك عن أن
اللغتين السريانية واللاتينية، لغتان ميتتان فقدتا وَهْجَهما مع فقدانهما الاستمرار
في الإنتاج المعرفي، وهذا ما لا نريد أن يقع للعربية في العصور المقبلة، وأن لا
يصفها أحد بأنها كلام سرياني، وأن لا يصف لغة أخرى قريبة من السقوط بأنها كلام
عربي.
[1]
د. لبيب بيضون، الإعجاز العددي في القرآن، ص: 64 - 71.