في موطن آخر تبيِّن كراهة الأمريكان للشاه، وبحثهم عن البديل المناسب، فتقول: «وبالرغم من كراهة الإدارة الأمريكية للشاه، فقد كانت حريصة على بقائه في السلطة، حتى يتوافر البديل المناسب، حرصاً من جانبها على مصالحها البترولية في المنطقة»
عودة الحُجَّتِيَّة للنشاط العلني:
توفي محمود حلبي عام 1997م وبلغ عمره 80 عاماً، ولكن أفكاره لم تنقرض تماماً؛ إذ
استمر العمل السري لتنظيم الحُجَّتِيَّة حتى مجيء سنة 2007م عندما تقدم
الحُجَّتِيَّة بطلب رسمي إلى الجهات الأمنية، لإعادة نشاطه بشكل علني بعد أعوام من
العمل السري.
ربط كثيرون في إيران عودة تنظيم الحُجَّتِيَّة للعلن بالدعم الذي تلقَّاه من بعض
مراجع الشيعة، وعلى رأسهم محمد تقي مصباح يزدي عضو رابطة حوزة قم، والأب الروحي
للرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، وكذلك بدعم من علي خامنئي، المرشد الأعلى
للثورة الإيرانية[1].
علَّق أحد الباحثين على مسألة رجوع الحُجَّتِيَّة للعمل السياسي في ظل الدولة
الإيرانية، فقال:
«ويشاع
أنها عادت إلى العمل في الأعوام الأخيرة، إلا أن البحث في الأطر الفكرية والنظرية
لهذه المنظمة تدحض الفكرة، فهذه الجمعية ترى أن واجب الشيعي الحقيقي هو الانتظار،
وهي تعارض في أفكارها ولاية الفقيه، لأنها تعتقد بحرمة قيادة حكومة غير حكومة
المهدي (لا دولة شيعية قبل المهدي)»[2].
ولكن هذا الكلام صحيح من حيث أصولُهم النظرية وأطرُهم الفكرية، غير أنه قد مرَّ
بنا مسألة تأجيل خلافهم مع الخميني، وأنهم اتجهوا نحو العمل السري، هذا من جهة، ومن
جهة أخرى فإذا كانت أصولهم النظرية لا ترى العمل السياسي والمشاركة في أي حكومة
دينية قبل ظهور المهدي؛ فكيف يمكن فهم وتوجيه ذهاب الحلبي للخميني ومباركته له
ثورته وعرض عناصره عليه؟! وأيضاً فإن من مبادئهم اغتيال كلِّ من يعترض سبيل عودة
المهدي، فإن بقوا دون عمل يمهد الطريق لعودة غائبهم، فإنه يتأخر موعد رجوعه، كما لا
يمكن إغفال عقيدة التقية لدى القوم.
ويمكن القول بأن الغاية لديهم تبرر الوسيلة، فالأصل النظري والمبدأ العقدي الذي لا
يمكن المساومة عليه، هو التعجيل بعودة الإمام الغائب والتمهيد لظهوره، وما سوى ذلك
فهو محل اجتهاد ونظر، يمكن تأجيله أو الالتفاف عليه.
قد يؤكد هذا الرأي ما ذهب إليه وسام سعادة حينما قال:
«كي
يحافظ الحجتيون على وجودهم بعد اصطدامهم بالخميني، اضطر كثير منهم للتكيف لاحقاً مع
ولاية الفقيه، واعتبار الرهبار أو المرشد، مساعداً على ظهور الإمام لا عقبة»[3].
وهنا تقف متعجباً من هذا الموقف الصادر من الحُجَّتِيَّة، ليس من أجل مخالفتهم
لمبادئهم في العمل السياسي مع الحكومة الدينية قبل ظهور المهدي، ولكن من أجل
مخالفتهم المبدأ الأساس الذي قامت عليه جمعيتهم، من محاربة البهائية ورفض نظرية
الباب؛ إذ إن
«هذه
الجماعة التي بدأت حياتها جمعية لمكافحة البهائية، انتهت للاستعانة بنظرية (الباب)
البهائية - أي أن هناك أشخاصاً يمكن اعتبارهم مطالعَ، أو مظاهرَ للإمام الحجة صاحب
الزمان - لأجل إسباغ الخميني أو خامنئي بهالة مهدوية»[4].
الارتباط بالدول الأجنبية:
نشرت جهات إيرانية مجهولة بياناً بعنوان: (لاتتركوا فرقة الحُجَّتِيَّة تغيب عن
أنظاركم)، وكان مما جاء فيه أن فرقة الحُجَّتِيَّة أُنشِئت من قبل جهات بريطانية
معنيَّة لإيجاد نفوذ لها في وسط الشيعة في إيران، وكان الدكتور علي شريعتي من
السباقين إلى كشف حقيقة هذه الفرقة، فكان ذلك سبباً في العداء بينه وبين
الحُجَّتِيَّة.
اتهم البيان تنظيم الحُجَّتِيَّة بالوقوف وراء الوفاة الغامضة لشريعتي قائلاً: إنه
دُسَّ له نوعٌ من الحبوب السامة وهو قيد السجن ثم أطلق سراحه ليموت خارجه، فكانت
الوفاة سنة 1977م في باريس، بعد مغادرته السجن بزمن يسير، وهذه الحبوب تستخدم من
قبل النظام الإيراني ضد معارضيه داخل السجون؛ إذ تتسبب بإصابة الضحية بأمراض
مجهولة، تؤدي إلى وفاتها بعد مدة قصيرة وَفْق ما يُعرَف بالموت البطيء.
وفي هذا الإطار يرى الموسوي أن الخلاف بين الحُجَّتِيَّة والخميني يمثل خلافاً بين
مشروعين، فقال:
«إن
الخميني حاول بعد انتصار الثورة تدمير هذه الفرقة (لتعارض مشروعها البريطاني مع
مشروعه الأمريكي)، وكثيراً ما حذَّر الخميني قائلاً: (لا تتركوا الثورة تقع بيد هذه
الفرقة) لكنه لم يوفَّق في تحقيق مراده»[5].
ولكن هناك من طرح رأياً مخالفاً لهذا؛ فترى آمال السبكي أن كلّاً من الأمريكان
والبريطانيين، لم يكونوا على وفاق مع الشاه، بل كانوا يعملون على إسقاطه، فقالت عن
مواقفهما تجاهه:
«مما
أزعج الشاه بشدة، وجعله يؤكد في مذكراته على التضليل الذي تعرض له من قبل
الأمريكيين والبريطانيين على حد سواء»[6].
وفي موطن آخر تبيِّن كراهة الأمريكان للشاه، وبحثهم عن البديل المناسب، فتقول:
«وبالرغم
من كراهة الإدارة الأمريكية للشاه، فقد كانت حريصة على بقائه في السلطة، حتى يتوافر
البديل المناسب، حرصاً من جانبها على مصالحها البترولية في المنطقة»[7].
لم يكن الحال بعيداً عن موقف بريطانيا من الشاه، فقد سلطت عليه هيئة الإذاعة
البريطانية،
«أما
بالنسبة لبريطانيا فقد ساندت هيئةُ الإذاعة البريطانية الخميني بشدة، وكانت تبث
الدعوة لقلب نظام حكم الشاه بصورة مباشرة»[8].
يرى القزويني أن الشعارات التي يطلقها الحُجَّتِيَّة وأتباع الخميني لا تمثل عداءً
للجهات الغربية، ولكنها من باب تشتيت أفكار الرأي العام، فقال:
«وحول
الشعارات الإيرانية المعادية للغرب وإسرائيل، أشار البيان بقوله: (يجب أن لا تحملوا
حرب الشعارات المعادية التي تشنها فرقة الحُجَّتِيَّة ضد بريطانيا وأمريكا وإسرائيل
على محمل الجد؛ فهي مجرد شعارات لتشتيت أفكار الرأي العام؛ فهل سألتم أنفسكم كيف
يمكن تفسير زيارة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إلى طهران بعد حادثة 11 سبتمبر
2001م مباشرة؟ وإجرائه اللقاءات السرية بأعضاء الحُجَّتِيَّة»[9].
موقف الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد من الحُجَّتِيَّة:
عندما تولى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الرئاسة الإيرانية، اشتهر بكثرة حديثه
عن ظهور المهدي، وهذا ما جعل كثيراً من الناس يربط بينه وبين تنظيم الحُجَّتِيَّة،
ولكن ما مدى صحة هذه النتيجة؟ وهل هناك نقاط التقاء بين مشروعيهما؟
يرى نجاح محمد علي - وهو من المقربين من النظام الإيراني - أن الرئيس الإيراني
الأسبق محمود أحمدي نجاد كان منتمياً لتنظيم الحُجَّتِيَّة[10]،
كما ذهب مهدي خلجي في دراسة له إلى
«أن
ثمة أدلة على أن الرئيس الإيراني ينتمي إلى جمعية خفية وسرية، تؤمن بآخر الزمان
الوشيك، ولا يُعرَف كثيرٌ عن نشاطاتها، وأنها بدأت عملها قبل الثورة، ومن دون أن
تحدد لنفسها مهمة سياسية، وواصلت نشاطاتها بعد الثورة في أربع مدن: تبريز، طهران،
أصفهان، مشهد.
وتفيد التقارير بأن الجمعية تضم أقل من 100 عضو، لكنها منذ سنة 1984م استقطبت
شخصيات حددت للجمعية مهماتها، ومنذ تلك الفترة بات تحضير البلد لعودة الإمام الغائب
أولوية الجماعة، وجرت أحاديث كثيرة تربط بين نجاد وجمعية حجتية»[11].
استُدِلَّ على نسبة نجاد إلى تنظيم الحُجَّتِيَّة ببعض الأحداث والوقائع والأقوال
التي جرت إبان رئاسته للدولة الإيرانية، ومن ذلك أنه
«عندما
أصبح نجاد رئيساً شهدت إيران في أغسطس 2005م عقد أول مؤتمر دولي بشأن العقيدة
المهدوية، وقد جاء عقد المؤتمر مباشرة بعد حديث نجاد في الأمم المتحدة، في خطاب
أربك الحضور الأجانب بفكرة المهدي الموعود، التي لم تطرح في السابق من طرف أي شخص
من على منابر الأمم المتحدة، وعَقَد المؤتمر إلى اليوم ست دورات حظيت بدعم نجاد
وحكومته»[12].
وهناك تصريحات لنجاد هي أشبه ما تكون بمبادئ الحُجَّتِيَّة، حينما أدلى بتعليقه
للصحافيين عقب حضوره المؤتمر الأول، فقال:
«ليس
لدي شك في أن شعب الجمهورية الإسلامية يستعد لعودة الإمام الغائب، وبإرادة الله
فإننا سنشهد ظهوره قريباً. وفي واحدة من خطبه قال نجاد: اليوم يتحمل شعب الجمهورية
الإسلامية مسؤولية كبيرة، ومسؤوليتنا هي أن نقيم في إيران مجتمعاً نموذجياً، يكون
مقدمة لذلك الحدث العظيم»[13].
وفي تلك الأثناء يبرز دليل جديد يستدل به بعض الباحثين على العلاقة التي تربط بين
نجاد والحجتية؛ وذلك حينما يظهر فيلم سينمائي يحمل عنواناً لافتاً وهو (الظهور وشيك
جداً)، يتحدث عن عودة الإمام المهدي لدى الشيعة وعلامات ظهوره، وقد وُزِّع بشكل
كبير في إيران، واتُّهم نجاد وفريقه السياسي ومن ضمنهم اسفنديار رحيم مشائي،
بوقوفهم وراء صناعة هذا الفيلم وترويجه، لتحقيق بعض المآرب السياسية.
كما يسعى الفيلم إلى التشديد على دور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي،
والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في ظهور الإمام الغائب، وأنهما من أبرز الشخصيات
التي تمهد لعودته وظهوره.
يصل هذا الفيلم إلى نتيجة مفادها أن كلّاً من خامنئي ونجاد، هما من جنود الإمام
المهدي، وهما اللذان سيسلِّمان الراية له، ويكاد يجزم الفيلم بأن موعد الظهور بات
قريباً جداً[14].
حينما تقرأ عن أحداث هذا الفيلم، تبدأ في التفكير في إمكانية علاقة نجاد بالحجتية،
ولكن سوف تتراجع عن هذا عندما تعلم أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، قد نفى
بشدة مسؤوليته عن إنتاج الفيلم[15].
نجاد ينفي الانتماء للحجتية:
يظهر من خلال الأدلة التي استدل بها من نسب نجاد إلى الحُجَّتِيَّة اعتمادُهم على
دليلين هما: كثرة حديثه عن ظهور المهدي وتهيئة الأوضاع لعودته، وأنه كان خلف إنتاج
فيلم عن الإمام المهدي، وهذا الأخير قد سبق ذكر نفي نجاد علاقته بهذا الفيلم، وبقي
توجيه عنايته واهتمامه بظهور وعودة الإمام الغائب لدى الشيعة.
انتظار الإمام المهدي وترقُّب ظهوره والتهيئة لعودته، ليست حكراً على تنظيم
الحُجَّتِيَّة بل هو عقيدة للشيعة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض آيات إيران، ممن
انتقدوا حديث نجاد عن قرب ظهور المهدي، لم ينكروا ولم يحرموا الانتظار، بل على
العكس من ذلك، فإن بعضهم يشارك نجاد فكرته بضرورة الإعداد لاستقبال المهدي وتهيئة
الأرض لخروجه[16].
كما أن نجاد يؤمن بولاية الفقيه، وإقامة الدولة والعمل السياسي، في الوقت الذي لا
يرى الحُجَّتِيَّة هذه المواقف السياسية.
«ويكتب
محمد ميرزا مهدوي عن هذه القضية، ويرى أن موقف نجاد من الاستكبار العالمي، مناقض
تماماً لموقف الجمعية الذي يتصف باللامبالاة، وبمعارضة تقديم الدعم لأهل فلسطين
لأنهم من السنة، ويرى مهدوي وجود فرق بين العقيدة المهدوية التي يؤمن بها نجاد وفكر
الحُجَّتِيَّة، وفي مقدم هذا الأمر أن الرئيس الإيراني يعتقد بضرورة تدخل الدين في
السياسة، مناقضاً بذلك بصورة كاملة لما تروجه الجمعية»[17].
بل لقد سئل نجاد عن علاقته بالحجتية ونفى ذلك، واستدل على كلامه ببعض الخلافات بينه
وبين الحُجَّتِيَّة، فقد روى
«أحد
نواب مجلس الشورى الإيراني أنه سأل نجاد خلال اجتماعٍ مَّا إذا كان يتبع جمعية
الحُجَّتِيَّة فكان جوابه النفي، وعلق: هذا اتهام لا ينسجم مع صفاتي الشخصية،
وتساءل: هل قامت الجمعية يوماً بالحديث عن العدالة، مواجهة الفساد والتمييز؟ هل سبق
أن شاركت في الجهاد والمقاومة؟»[18]،
«وهو
ما أكده زعيم الحُجَّتِيَّة الحالي افتخار زاده نفسه، بقوله: (إن أحمدي نجاد لم
يشارك طوال عمره، في أي جلسة من جلسات الحُجَّتِيَّة)»[19].
ثم بيَّن نجاد لماذا تلصق به تهمة الانتماء للحجتية فقال:
«إنهم
يلصقون بي التهم لأنني أقول في كل خطبي (اللهم عجل لوليك بالفرج والنصر)، وهم لا
يريدون لأحد أن يتحدث عن الإمام، وهدفهم تشويه صورة حكومتي لدى الشعب»[20].
وقريب من هذا ما نقله أحد الباحثين، حينما قال:
«لكن
رجل الدين الإيراني المحافظ حميد غريب رضا، يرفض هذه المزاعم، ويقول: (أحمدي نجاد
لم يكن له سابقة في ذلك (يقصد تنظيم الحُجَّتِيَّة)؛ وإنما من أجل أنه يذكر الإمام
المهدي في بداية محاضراته، فقام بعض السفهاء وزعموا أنه من الحُجَّتِيَّة، أنا أعرف
الحُجَّتِيَّة جيداً وكانوا ضد أحمدي نجاد»[21].
وهناك فرق آخر بين نجاد والحجتية في مسألة الاهتمام بالعلوم الحديثة؛ إذ الجمعية
تعتقد بأن التعاليم الشيعية الفريدة تجعل العلم الحديث غير ضروري، ونظراً لأن مهدي
خلنجي في دراسة له يرى أن نجاد ينتمي للحجتية وينسبه إليهم، فقطعاً سيكون موقفه
مثلهم تماماً، ولكن خالف هذا الرأي أحد الباحثين، فقال:
«لكن
هذا الرأي يجد ما ينقضه على أرض الواقع؛ إذ إن نجاد أَوْلى العلوم اهتماماً كبيراً،
وهو على العكس مما يقوله خلجي، يدافع عن العمران والازدهار العلمي، كطريق وضرورة
لتهيئة الأرضية اللازمة لظهور المهدي»[22].
كما أن وصف الرئيس الإيراني بأنه مولع بفكرة ظهور المهدي دون سواه من القيادات
السياسية الإيرانية وصف غير صحيح؛ إذ إن فكرة المهدوية عميقة جداً في الطرح السياسي
الإيراني، ولا تعدو تلك المناوشات أن تكون جانباً من الصراعات السياسية، تقول فاطمة
الصمادي:
«أما
وصف نجاد بأنه المولع بفكرة الظهور من دون سواه من القيادات السياسية في إيران،
فوصف يجانب الصواب، ويتَّخَذ ذريعة لمهاجمته والقول: إنه يشجع الخرافة، فالفكرة
المهدوية عميقة في الطرح السياسي الإيراني، ولكن نجاد أخرجها من إطارها الداخلي،
وأدخلها في خطابه الخارجي.
والقول:
إن فكرة المهدوية تجد صداها لدى كثير من السياسيين في إيران له صدقيَّة، فالدولة
الحقة - كما يراها رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني - تعني الدولة المتصلة بثورة
الإمام المهدي، وعليه فإن الحكومة المهدوية والحكومة التي تريد أن تقول: إنني أملك
خصوصية الانتظار، يجب أن تهتم بموضوع التكامل، وتمتاز بالحيوية والنشاط والأمل
والحركة، فلا تيأس ولا تصاب بحالات القنوط في مواجهة الباطل»[23].
وهذا ما أكده راي تاكيه، حينما قال:
«لكن
على عكس الرؤساء الإيرانيين السابقين، لم يفرِّق بين الخطاب الموجَّه للخارج كالذي
ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبين مجمل الخطابات الموجَّهة للداخل، أو
محاضراته في مجمع الفقهاء والملالي»[24].
ولهذا ذُكِر بأن نجاد قد وظف فكرة المهدوية وجعلها أداة للتغلب على خصومه،
«ويذهب
الباحث علي آلفونة في بحث عنوانه أحمدي نجاد في مواجهة رجال الدين، إلى أن نجاد
يستخدم المهدوية كأصل في الإسلام الشيعي، أداة للتغلب على رجال الدين، ولتهميش هذه
الفئة ذات النفوذ الواسع في إيران»[25].
فقضية المهدوية كانت ضمن التنافس والتجاذب السياسي في إيران، تؤكد هذا فاطمة
الصمادي بقولها:
«وحضر
إمام الزمان الغائب بقوة في أزمة نجاد السياسية، التي شهدتها فترته الرئاسية
الثانية، وشكل محوراً مهمّاً في موضوع الخلاف والهجوم، الذين يتعرض لهما من طرف
جهات عدة، في مقدمها الحرس الثوري الإيراني، وشارك في الهجوم مجلس الشورى ورجال
الدين في قم، ولا تنفصل قضية المهدوية عن مجمل التنافس والتجاذب السياسي في إيران،
وتتجاوز في حقيقتها الجوانب العقائدية، لتصل إلى صراع النفوذ والقوة في إيران.
جاء الهجوم بصورة واضحة من جانب قيادات في الحرس ومرجعيات دينية، تحذِّر من مما
تسميه تيار الانحراف داخل حكومة نجاد، وضغطت هذه القيادات بشدِّة كي يعلن الرئيس
براءته، من مقربين منه يتزعمون تيار الفتنة هذا... أما المقصود بتيار الانحراف فلا
يعدو كونه فريق نجاد، وعلى رأس هذا الفريق مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي»[26]،
وفي هذا السياق قال رشيد بلوح:
«يعتقد
محللون أن الشرخ الحاصل اليوم بين المرشد آية الله خامنئي والرئيس أحمدي نجاد لا
يعدو كونه صراع مواقع»[27].
ذكر الباحث راي تاكيه أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يسير على خطى الخميني ويقتفي
آثاره، وأنه من الموالين لما يسمى بنهج الإمام الخميني[28]،
ثم تكلم عن منهجه فقال:
«ويرى
المحللون بأن رؤية نجاد السياسية ونهجه، يرتكزان على ضرورة العودة إلى جذور الثورة
الإيرانية في بداية عهدها»[29].
رجَّح محمد الصياد عدم انتماء نجاد لتنظيم الحُجَّتِيَّة، فقال:
«والذي
يترجح لدينا أن أحمدي نجاد لم يكن من الحُجَّتِيَّة، وإذا تصادف انتماء بعض
المقربين منه إلى الحُجَّتِيَّة فهو انتماء قديم، ثم انشقوا عنها»[30].
وبعد هذا الاستعراض هل يصح القول بأن نجاد من الحُجَّتِيَّة؟
لا يوجد ما يمكن الجزم به من أنه ينتمي لهذا التنظيم أو ينسب لهذه الجماعة، بل يوجد
من الإيرادات ما يقوي نفي صلته بها، فإن قيل بأن ما نقل عن نجاد، من نفي صلته بهذا
التنظيم، أنه جاء من باب عدم الإضرار بسمعته السياسية؛ إذ الانتماء لهذه الجمعية
يعدُّ مأخذاً وليس صفة مدح، فنقول: لربما كان هذا مقبولاً في وقته، فيعذر بكونه من
أجل التنافس على الرئاسة، ولكن هذا الدافع لم يعد موجوداً حالياً، ولا سيما أنه فاز
بفرتين رئاسيتين، فلماذا يستمر بالنفي؟ فإن قيل: ما زالت لديه طموحات سياسية، وليس
من المصلحة التصريح بانتمائه لهم، فنقول: هذا ليس بدليل قاطع أو حجة داحضة.
ولو قال قائل بأن هناك من الأدلة ما تُثبِت صلته بهم، وفي الوقت نفسه يوجد أدلة
أكثر تعضد القول بعدم صلته بهم وتؤيده، ولكن تبقى الاحتمالات واردة، ولا يمكن الجزم
بأيٍّ منهما، سوى أن نقول: إن الأصل هو البراءة، حتى تثبت العلاقة بدليل لا يقبل
الطعن فيه، لكان قولاً له وجاهته.
ولكن الذي يترجح لدي من خلال الاستدلالات السابقة، ومن خلال بعض التصريحات، وبالنظر
إلى حال وواقع محمود أحمدي نجاد، وصلته بالثورة الخمينية؛ أنه لا يعد منتمياً
لتنظيم الحُجَّتِيَّة، ولكنه استطاع توظيف موضوع المهدي لخدمة مصالحه السياسية.
«وأخيراً
يمكن القول:
إن الحُجَّتِيَّة اليوم أكبر تنظيم هرمي ديني غير سياسي في إيران، وطدت علاقتها
بالبازار ورجال المال والأعمال وقطاع كبير من رجال الدين، ويقلد كثير من أعضائها
مرجعية وحيد الخراساني، وتمتاز علاقتهم بالمؤسسة الدينية بالهدوء، وكذلك علاقتهم
بالنظام السياسي الإيراني، رغم تحريمهم العمل السياسي أو إقامة الدولة في ظل غياب
المعصوم»[31].
[1] انظر: الحُجَّتِيَّة تنظيم خامنئي السري الذي يحكم إيران، إسراء حبيب، إيران
بوست، العدد الثاني، شهر نوفمبر سنة 2017م.
[2] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص297).
[3] الحُجَّتِيَّة: الاتصال بالمهدي في المنام والتناقض مع ولاية الفقيه، وسام
سعادة، على الرابط:
https://raseef22.net/article/95488
، بتاريخ 1/7/1443هـ.
[4] الحُجَّتِيَّة: الاتصال بالمهدي في المنام والتناقض مع ولاية الفقيه، وسام
سعادة، على الرابط:
https://raseef22.net/article/95488
، بتاريخ 1/7/1443هـ.
[5] المرشد الإيراني علي خامنئي في مرَّبع تنظيم الحُجَّتِيَّة، صباح الموسوي، على
الرابط:
www.albayan.co.uk
، بتاريخ 1/7/1443هـ.
[6] تاريخ إيران السياسي بين ثورتين، آمال السبكي، (ص198).
[7] تاريخ إيران السياسي بين ثورتين، آمال السبكي، (ص197).
[8] تاريخ إيران السياسي بين ثورتين، آمال السبكي، (ص199).
[9] المرشد الإيراني علي خامنئي في مرَّبع تنظيم الحُجَّتِيَّة، صباح الموسوي، على
الرابط:
www.albayan.co.uk
، بتاريخ 1/7/1443هـ.
[10] انظر: فقه الانتظار، محمد الصياد، (ص120).
[11] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (295 - 296).
[12] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص290).
[13] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص290).
[14] انظر: التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (292 - 293). المهدوية في
إيران المعاصرة، رشيد بلوح، (18 - 28).
[15] انظر: التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص294).
[16] انظر: التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص294).
[17] انظر: التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص297).
[18] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (297 - 298).
[19] فقه الانتظار، محمد الصياد، (120 - 121).
[20] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص298).
[21] فقه الانتظار، محمد الصياد، (ص120).
[22] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص289).
[23] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (291 - 292).
[24] إيران الخفية، راي تاكيه، (ص64).
[25] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (ص298).
[26] التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، (291 - 292).
[27] المهدوية في إيران المعاصرة، رشيد بلوح، (ص25).
[28] انظر: إيران الخفية، راي تاكيه، (50 - 53 - 56).
[29] إيران الخفية، راي تاكيه، (ص65).
[30] فقه الانتظار، محمد الصياد، (ص121).
[31] فقه الانتظار، محمد الصياد، (ص128).