• - الموافق2024/11/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
معادلة الاهتداء بالقرآن الكريم (بحث ميداني تطبيقي)

يسَّر الله في زماننا تطبيقات تحتوي -إلى جانب النسخ الإلكترونية للقرآن- على تضمين تفسير الكلمات القرآنية فيها، أو تفسير للآيات، بل نجد إمكانية التفسير للآية بحسب أنواع التفاسير، ويمكن الاختيار بينها تبعًا لما أسلفناه من مستوى الشخص في الفهم.


يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، يوضّح الله -عز وجل- أن الغاية من إنزال القرآن الكريم هي الهداية إلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاجَ فيه، لكنْ ما هو السبيل للاهتداء بالقرآن الكريم؟

في هذه الكلمات أُسلِّط الضوء على مُعادلة قرآنية ومعالم تم استنباطها من خلال تدبُّر آي القرآن الكريم، وهي مُعادلة إذا اختلَّ أحد أطرافها وأركانها تخلَّفت نتيجتها؛ وهي الهداية، وهذا هو المُبتغَى لكل مؤمن بلُزوم طريق الهِداية المُوصِّل إلى الجنة؛ بإذن الله.

أولًا: الإطار النظري للمُعادَلة

دعُونا في البداية نتأمل في الآيات الآتية بشكل ترتيبي؛ وهي:

قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].

وقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].

وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123].

وقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ 15 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

بالتأمل في الآيات الثلاث الأولى نجد أنها تُشكّل أطراف المعادلة الثلاثة، والآية الأخيرة نتيجة المعادلة، هذا من الناحية الإجمالية، والتفصيل كما يلي:

1- طرف القراءة:

بالنظر في الآية الأولى نجد دعوة الله -عز وجل- إلى ترتيل القرآن، والترتيل زائدٌ على مجرد القراءة، فهو قراءة وزيادة بتحسين الصوت وتجويد حروفه، فشكلت هذه الآيةُ الكريمة محورَ طرف المعادلة الأول وهو: (القراءة)، ولا يمكن أن تهدي شخصًا نسخة من القرآن فيهتدي بمجرد قبضها، أو يهتدي من حمَّل تطبيقًا للقرآن على هاتفه أو حاسوبه، أو مَن اشترى نسخة من القرآن ووضعها في مكتبته أو سيارته تبركًا؛ فلا بد إذن في أول عمل تجاه الرسالة الربانية من قراءتها، تمهيدًا لما سيأتي بعدُ في الطرف الثاني، فيجب على عموم الأمة أفرادًا وجماعات، عينًا وكفايةً القيام بواجب القراءة تجاه القرآن وتخصيص أوقات للوِرْد اليوميّ قراءةً أو سماعًا، وتأسيس نوادٍ ودُور لتعلُّم قراءته وتجويده؛ تجويدًا يليق بمقامه.

2- طرف التدبر:

بعد القراءة تأتي مرحلة الفهم والتدبر، والتدبر زائد على مجرد الفهم الظاهري لمراد الله، بمعنى يلزم فهم ظاهره مما لا يحتاج إلى كبير عناء، وفهم عميق قد لا يبدو من ظواهر المعنى إلا بشيء من البحث والاستعانة بكتب التفسير وأهل الدراية به، مما يبدو لهم معناه من خلال آيات أخرى، أو من خلال أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من خلال سياق واستنطاق معاني لغة العرب، أو غير ذلك من الوجوه المُعينة على فَهْم كتاب الله كما يجب، وفي هذا المقام لا ينبغي الاكتفاء بالفهم الشخصي لمُراد الله من الآية؛ لأن معظمنا لا يمتلك الأدوات لذلك، أو بالأحرى تأكيد الفهم الشخصي بمزيد من البحث لإثباته أو تصحيحه؛ ممّا يحتّم زيادة على اقتناء نسخة من القرآن الكريم، اقتناء نسخة من تفسير القرآن، وتختلف نوعية التفسير باختلاف مرتبة الشخص في العلم، وتَمكُّنه من بعض الأدوات المُساعِدَة في الفهم، فما يحتاجه المبتدئ قد يستغني عنه المتوسط، وما يحتاجه المتوسط يستغني عنه المتقدم، ويحتاج إلى غيره، ولا عجب في هذا؛ فالقرآن كتاب لا تنقضي عجائبُه.

وقد يسَّر الله في زماننا تطبيقات تحتوي -إلى جانب النسخ الإلكترونية للقرآن- على تضمين تفسير الكلمات القرآنية فيها، أو تفسير للآيات، بل نجد إمكانية التفسير للآية بحسب أنواع التفاسير، ويمكن الاختيار بينها تبعًا لما أسلفناه من مستوى الشخص في الفهم.

وطرف التدبر متعلق بسابقه؛ فلا يمكن تدبر القرآن بدون قراءته، كما أن قراءةً لا فَهْم فيها قراءةٌ ناقصة.

3- طرف العمل:

الغرض من القراءة والفهم هو العمل والتنفيذ والتطبيق على نحو ما تم فهمه من المقروء أو المسموع لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]، فالعمل بالمقروء بالفهم الصحيح طرفٌ مُهِمّ لاستكمال حلقات أطراف مُعادلة حصول الهداية بالقرآن، وإلاَّ فلا يُمكن حصول الهداية بمجرد القراءة، كما أنه لا يمكن حصولها بمجرد الفهم، إذا تجرد من العمل وهو المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم : «قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»[1]؛ أي استقم على منهجه، ومنهجه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يُغني إيمان بدون استقامة؛ لأنها ركن في الإيمان الصحيح.

4- الهداية نتيجة الأطراف الثلاثة:

إذا قرأنا القرآن، وفهمناه فهمًا صحيحًا، وعملنا به وَفْق العمل الصحيح، تحققت نتيجة هذا الثلاثي المُتكامل -الذي لا ينبغي أن يتخلف أحدها-، وهي حصول الهداية إلى الطريق المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، فيصلون بذلك إلى سعادة الدارين، ويتجنّبون صراط المغضوب عليهم؛ حيث تخلف شرط العمل والاتباع لديهم، مع معرفتهم اليقينية بالحق، فتركوه جحودًا وتكبرًا، ويتجنبون صراط الضالين الذين تخلف شرط الفهم الصحيح لديهم فعملوا بدون فهم، والفِرْقتان معًا من أهل الضلال والإضلال. ورِيادة الأمة ونهضتها لم ولن تحصل إلا بالقرآن، والرجوع إليه قراءة، وفهمًا، وتدبرًا وعملًا. ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله.

فتحصلت لدينا إذن المُعادلة القرآنية للاهتداء كما يلي:

القراءة للقرآن + الفهم للقرآن

+ العمل بالقرآن = الهداية بالقرآن.

ومنطوق ومفهوم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية صريحة في الدلالة للمُعادلة، وبعضها معروف مشهور، وبعضها ذكرناه ففيه الغُنية والكفاية.

ثانيًا: الإطار التطبيقي للمعادلة:

وفي تطبيقات المعادلة على واقع بعض المتعلمين في المدارس أجريتها على سبيل التشخيص لوضعيتهم في التعامل مع القرآن الكريم، وكانت فئة المُستجوَبين مكوَّنة من مئةٍ وعشرين تلميذًا من الذكور والإناث، أعمارهم تتراوح بين اثنتي عشرة سنة وسبع عشرة سنة، في مؤسسة تجمع بين تلاميذ يعيشون في وسط حضري وآخرين في وسط قروي.

فأقرِّر أولًا الأمثلة التطبيقية موضوع الاستجواب وأردف بالنتائج المستخلصة.

الأمثلة التطبيقية:

طبقت المعادلة على ثلاثة أمثلة لآيات قرآنية فجاءت النتائج كما يلي:

المثال الأول: طبقنا القاعدة على قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43].

وتم في البداية التوجيه بقراءة الآية لعينات من المُستجوبين، وفهم المعنى المُراد من الآية، وإزالة اللبس الحاصل بين الأمر بالصلاة والأمر بإقامة الصلاة، وأن الأمر بإقامتها زائد على مجرد الصلاة باحترام مواقيتها وشروطها وأركانها وواجباتها وسننها والمداومة عليها ومحاولة الخشوع فيها، وعند طلب التعبير عن المصلين من غيرهم عبَّر: 44 منهم بأنهم يصلون بنسبة: 37%، و76 أنهم لا يصَلون بنسبة: 63% (الشكل:1).

شكل رقم 1

ثم سُئل المصلون عن مدى حفاظهم على الصلاة في وقتها، فعبَّر 18 منهم على عدم ترك صلاة حتى تدخل عليها أخرى بنسبة: 40.90%، والباقي أنهم لا يحافظون عليها دومًا بنسبة: 59.09%، وعبَّر 8 منهم أنهم يشعرون بالخشوع أثناء تأديتهم للصلاة بنسبة: 18.18%، ولم أسجل سوى نتيجة واحدة يتيمة في المُعبِّرين عن كون صلاتهم تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بنسبة: 02.27%. (انظر الشكل:2).

شكل رقم2

المثال الثاني: طبقنا القاعدة على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:11].

بعد التوجيه لاستذكار الآية موضوع التطبيق على اعتبار سبق المعرفة بها في أقسام سابقة تمكن من الاهتداء إليها بشكل كامل دون أخطاء 12 منهم، بنسبة: 10%. واستطاع نسبة 99% منهم معرفة معنى السخرية، وغالبًا تم تفسيرها بالاستهزاء، واستطاعوا إعطاء الأمثلة عليها من واقع المتمدرسين داخل المدرسة لا من خارجها، وعبرت غالبيتهم بنسبة: 95% بممارسة السخرية على الغير، أو تعرضوا لإهانةٍ مِن قِبَل الغير (انظر الشكل:3).

شكل رقم3

المثال الثالث: طبقنا القاعدة على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].

وقبل عرض الآية وُجِّهَ السؤال بخصوص مدى معرفتهم لآيات الحجاب في القرآن الكريم، وعرض آية من الآيات، فكانت النتيجة؛ لا أحد ذكورًا وإناثًا، بنسبة: 0%، وكان عدد الإناث من المُستجوبات تقريبًا 70، لم يلاحظ التزام لبس الحجاب منهن سوى 22 منهن بنسبة: 31.43%. (انظر الشكل:4):

شكل رقم4

النتائج والخلاصات العامة:

دُهشت لحجم النتائج المخيبة للآمال في تعامل أبنائنا مع القرآن الكريم في المدارس العمومية، حاشا المدارس القرآنية ومؤسسات التعليم العتيق التي سنحاول -بإذن الله- تخصيصها ببحث مستقل، وإن كان في الإمكان تخصيص المدارس الخاصة بنفس الدراسة، وإن كنت أرى استباقًا أن نتائجها لن تختلف كثيرًا عن نتائج التعليم العام، لكن ما لا يُدْرَك كُلّه لا يُتْرَك جُلّه؛ كما قيل. وكل ما نخشاه هو أن تتحقق فينا شكوى النبي صلى الله عليه وسلم  لربِّه في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].

ويمكن - انطلاقًا من هذا البحث - الخروج بالخلاصات والنتائج الآتية، مع اقتراح بعض الحلول:

لا يمكن فَهْم القرآن دون قراءته أو سماعه.

لا يمكن فَهْم القرآن فهمًا صحيحًا إلا باتباع قواعد الفهم الصحيحة بفهم سلف الأمة، ويُرجَع في ذلك إلى كتب التفسير المعتمدة.

لن تحصلَ الهداية بالقرآن بمجرد القراءة والفهم، بل لا بد من اتباع هديه وتطبيقه واقعًا في الحياة؛ كما قالت عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلت عن خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ»[2]، وهذا على المستوى الفردي والعام.

المعادلة القرآنية السابقة منهج مفيد للمعلِّمين في المدارس ومحاضن العلم؛ لإعادة ربط أبنائنا بالتعامل الصحيح مع القرآن الكريم، وذلك من خلال:

- إتقان القراءة والترتيل؛ تمهيدًا للحفظ وإتقان المحفوظ.

- ربط القراءة والحفظ بالفهم الصحيح من خلال شرح الشيخ أو تقرير تفسير، والوقوف على المعنى الصحيح للآية، فلم يَعُد مقبولًا إعداد حَفَظَة بدون فَهْم.

- إنشاء محاضن تدريبية وورش عمل للتربية على هدي القرآن وتفعيله عمليًّا؛ كالخروج جماعة للصلاة في مسجد المؤسسة، والتربية على الاحترام وعدم السخرية، وغيرها من الأفكار الإبداعية التي لا تنحصر في كيفية تطبيق مضمون آية أو حديث شريف.

لا يمكن ربط المتعلمين بمنهج القرآن دون تطبيقه واقعًا عمليًّا لدى الأساتذة والمعلمين على اختلاف موادهم الدراسية، وتمثُّلهم لقِيَمِهِ وجعلها محل القدوة لدى الناشئة.

لا بد من تعاون الأسرة والمجتمع والإعلام مع المدرسة في تكامل لغرس القيم القرآنية الفاضلة في صفوف المتعلمين.

لا بد من تطهير المقررات الدراسية من كل دخيل يخالف تعاليم الدين والشريعة السمحة.

لا بد من التنويه بفئات من المتعلمين؛ الذين يُعتَبرون كالقابضين على الجمر في وسط بيئة غير مُشجِّعة على تعاليم القرآن، ويجب الانتباه إليها وتشجيعها للمُضِيّ قُدُمًا في طريقها حتى لا تتأثر بالغالبية حولها.

لا بد من دَعْم الأبناء في غير المدرسة، وربطهم بدور القرآن أو مدرسي القرآن؛ لتعويض النقص الحاصل في المدارس الرسمية.

أما الآباء الذين يودون توجيه أبنائهم لحفظ القرآن والعناية به؛ حفظًا وفهمًا وتنزيلًا؛ فعليهم توجيههم في وقت مبكر إلى المدارس الخاصة لهذا الغرض.

هذا ما يسر الله الوصول إليه في هذا البحث المتواضع، أرجو أن ينفع الله به، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

  


[1] رواه أحمد في مسنده برقم: 15416، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط بهامش المسند:24/141.

[2] رواه أحمد في مسنده برقم: 24601 ، وصححه شعيب الأرناؤوط بهامش المسند:41/149.

 

أعلى