الكُنُس اليهودية تطوِّق المسجد الأقصى
لقد تسارعت في الآونة الأخيرة أعمال التهويد في مدينة القدس، وبات المسجد الأقصى المبارك مهدداً بشكل مباشر بالسقوط. واستشعاراً من البيان لواجبها تجاه أولى القبلتين وثالث المساجد التي تُشَدُّ إليها الرحال، وضرباً منها بسهم في نهضة الأمة وبناء وعيها أقامت ندوة استضافت فيها ثلَّةً من خيرة أبناء فلسطين الطاهرة، وهم: (الشيخ الدكتور عبدالغني التميمي رئيس رابطة علماء فلسطين في الخارج، والدكتور زيد عمر الباحث والمتخصص في الشأن الفلسطيني، والأستاذ سمير سعيد الباحث في الشأن الفلسطيني أيضاً) في محاولة لتجلية الصورة وإماطة اللثام عن ممارسات الصهاينة الرامية إلى اقتلاع الوجود الفلسطيني المسلم من مدينة القدس ومسجدها المبارك؛ فكان لها مع فضيلتهم هذا الحوار. البيان : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد: بداية نتوجه إلى فضيلة الشيخ الدكتور عبد الغني التميمي: ما قصة التهويد التي بدأت تظهر بقوة في الآونة الأخيرة؟ وهل القضية متعلقة بنتنياهو فقط؟ أم من الممكن أن تتغير الأحوال بتغيُّر السياسات الصهيونية؟ الدكتور عبد الغني التميمي: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: إننا فعلاً نعيش قصة تهويدٍ ماكرة، لكن التهويد لم يبدأ منذ اليوم، ولم يبدأ منذ نكبة عام 1967م، بل التهويد مشروع يضرب بجذوره في عمق التاريخ وما هو أبعد من ذلك؛ فمنذ مؤتمر بال في سويسرا وأنظار اليهود والصهاينة تتجه إلى هذه الأرض المباركة وترسم لها المشاريع التي يمكن أن تغير في بنيتها الجغرافية والسكانية والثقافية... فلن يغمض لليهود عين، ولن يهدأ لهم بال حتى يواصلوا مثل هذه المشاريع. البيان :لعلَّنا نركز على بعض معالم هذا التهويد حتى تكون الدلائل واضحة والمعالم بيِّنة. الأستاذ سمير سعيد: هناك مخططات صهيونيةٌ تجاه فلسطين عموماً والقدس خصوصاً تعود إلى ما قبل عام 1948م، وهي تتوزع في جوانب متعددة، منها: تهويد الأرض، وتهويد الإنسان، وتهويد الهوية، وتهويد المقدسات. ويضاف إلى هذه القضايا الأربع أيضاً السعي إلى (أسرلة!) المجتمع الفلسطيني، وعبرنة الثقافة؛ فمع بداية احتلال اليهود لفلسطين عُنِي الصهاينة بتحويل كلِّ مَعْلَم تاريخي إسلامي إلى شيء يمتُّ لليهود بِصِلة؛ فعمدوا إلى المدن والقرى الفلسطينية المسلمة وكذلك المقدسات الإسلامية كالمساجد - مثلاً - وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وبدؤوا بمشروع التهويد؛ وذلك بتحويل الأسماء العربية الإسلامية إلى تسميات يهودية؛ فأسماء المدن والشوارع والطرق والأماكن والحدائق كلُّها بدأت تتحول إلى أسماء يهودية، وإذا أردنا استخدام لغة الأرقام فإننا نقول: إن ما تعرضت له القدس في الزمن الماضي من تهويد المصطلحات يصل تقريباً إلى 1200 مصطلح وكنا نستكثر هذا العدد؛ إلا أننا فوجئنا في شهر رمضان عام 1430هـ بحجـم المصطلحات التي جرى تهويدها في مدينة القدس في وسائل الإعلام؛ حيث وصلت إلى أربعـة آلاف مصطلح غُيِّرت لصالح اليهود. وأريد أن أنبِّه هنا إلى مسألة هامَّة وهي أن في فلسطين مشروعين: المشروع الأول: مشروع التهويد، والمشروع الثاني: مشروع التثبيت أو المضاد للتهويد في داخل منطقة القدس عموماً. ومشروع التهويد يركز على جانبين أيضاً: 1 - موضوع تهويد الثقافة في المجال الديني وفي مجال المعالم... ونحوها. 2 - تهويد الهوية المتعلقة بالقدس. البيان : لكن هل ثمة ارتباط بين الوضع السياسي والديني داخل الكيان الصهيوني وبين التهويد؟ الدكتور زيد عمر: يبدو أنه من الصعب الفصل بين ما يحدث الآن في القدس المحتلة من إجراءات التهويد وبين الوضع الداخلي للكيان الصهيوني. إن هذا الذي يحصل الآن هو جزء من صراع البقاء، والذي يتابع تصريحات القادة والمفكرين الصهاينة يخرج بمجموعة من الحقائق الخطيرة؛ ففي لقاءٍ مع مجموعة من أساتذة الجامعات ورجال السياسة والعسكريين الصهاينة اتفقوا على أن أخطر مكان على اليهود هو في إسرائيل نفسها، واتفقوا كذلك على أن مجموعةً كبيرة مما كانوا يظنونه حقائق على مدى خمسين سنة تبيَّن لهم أنها أوهام، بل نلاحظ الآن أنه بدأت تُنَاقَش مسألة بقاء إسرائيل علناً في جلساتهم واجتماعاتهم ومؤتمراتهم؛ لذلك كان من الضرورة البحث عن حبل خلاصٍ وطوق نجاة من هذا المأزق؛ وما تهويد القدس إلا محاولة للفت انتباه جميع اليهود إليها واعتبارها قضية فوق كل القضايا لعل ذلك يسهم في زيادة ارتبـاط اليهـود بفلسطين؛ لأن المجتمـع الصهيـوني - كما لا يخفى علـى الجميع - يتكـون مـن أكثـر من مئـة جنسية، وفيه ما يقرب من خمسة وخمسين لغة. وهـذا المجتمـع الخليـط لا بد له من رابطٍ ونقطة ارتكازٍ تدور حولها هذه المجموعات المتفرقة، المختلفة في كل شيء؛ لذلك وجدوا أن (القدس وإسرائيل والهيكل المزعوم) الذي يبحثون عنه ممكن أن يؤدي هذا الغرض؛ كما أن القدس بمسجدها المبارك تجمع المسلمين على اختلاف وجهات نظرهم، يريد اليهود أن يجعلوا محل المسجد الأقصى كنيساً يقوم بالدور نفسه داخل المجتمع الصهيوني. وإذا ما صـحَّت هذه التحليـلات فإن تهـويد القدس لا يرتبط بحكـومة ولا بزمـن ولا بتقلُّبـات، بل هـو قـرار حاسـم، ولـ (بن غوريـون) كلمـة مشهورة تدل على اسـتيعابه لما ذكرنا؛ حيث يقول: (لا معنـى لإسرائيل بدون القـدس، ولا معنى للقـدس بدون الهيكـل) إنهـا الفكـرة نفسها؛ فهو لا يتصور أن تكون هناك إسرائيل بدون القدس؛ لإنه لا يمكن أن يجمع كل هذا الخليط وكل هذا الشتات بدون القدس. حتى العلمانيون في المجتمع الصهيوني يختلفون عن علمانيي المجتمعات الأخرى؛ فهم يوظفون الهيكل والأقصى؛ لعلمهم بأن له دوراً كبيراً في تثبيت اليهود في هذا البلد؛ لأن هناك عدداً كبيراً منهم ما يزال يعتبر نفسه غريباً على هذه المنطقة؛ وإزالة هذه الغربة إنما تتحقق حينما يقال له: إنما نغبطك بتراث أجدادك الذي يتجاوز عمره أربعة آلاف سنة. فإذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار فسنعلم أن هذه الإجراءات ليست مرتبطةً بواقع آني ولن تحول دونها قرارات أو اعتراضات؛ لأن الاعتراض عليها هو اعتراض على وجود إسرائيل في الأصل؛ ومن هنا ينبغي أن ننطلق في الحديث عن مثل هذه الظواهر. الدكتور عبد الغني التميمي: المشروع الصهيوني في المنطقة بدأ يتآكل؛ وهذا ليس كلاماً شاعرياً ولا بعيداً عن الواقع، وإنما هو كلام مأخوذ من واقع هذا المشروع الصهيوني الذي بدأ بشعار: إسرائيل الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات. وجعلوا هذا على عَلَمِهم وعلى عُمْلَتِهم؛ فهو شعار مقدَّس عندهم وهذا المشروع كان بالنسبة لهم أمراً لا يقبل النقاش؛ فأين الآن مصير إسرائيل الكبرى الآن؟ إنهم في خوف على بقائهم، وبدل أن تمتد أطماعهم من الفرات إلى النيل في هذه الأرض الكريمة المباركة بدؤوا يقيمون حولهم الجُدُر والأسوار، وبدؤوا يتقوقعون ويتقلصون إلى حدٍّ كبير؛ وهذا يشعرنا بأن المشروع الصهيوني بدأ يتآكل وأنه لا مستقبل له في هذه المنطقة. البيان : فضيلة الدكتور عبد الغني - حفظك الله - إن من أظهر معالم التهويد في الأرض المباركة قضيتين رئيستين، هما: القضية الأولى: ما يتعلق بتهجير المقدسيين، ومصادرة أراضيهم ومنازلهم، ومصادرة المزارع وطرد الفلسطينيين منها. القضية الثانية: ما يتعلق بمصادرة المساجد، كالمسجد الإبراهيمي وقبل ذلك المسجد الأقصى الذي يمثل أبرز التحديات الخطيرة التي تواجه أهلنا في الأرض المباركة. لعلنا نلقي الضوء على هاتين القضيتين. الدكتور عبدالغني التميمي: أولاً: إن الضغط على الشعب الفلسطيني؛ لتفريغ أكبر قَدْر من الأرض من الفلسطينيين، أهلِها الشرعيين، يتمثل في جميع الجوانب (الاقتصادية، والصحية والتعليمية...)، إنه ضغط ممنهج من أجل إجبار هذا الشعب الكريم على الهجرة والخروج وتفريغ فلسطين من أهلها؛ فهي محاولات جادة لقلعه من جذوره والتأثير عليه، ومن أمثلة ذلك أن بعض طلاب الجامعة - مثلاً - يمكثون في السنة الرابعة أربع سنين أو أكثر؛ لأنهم لا يستطيعون أن يكملوا دراستهم بسبب المظاهرات، والحواجز التي يقيمها العدو في طريقهم، وبسبب إغلاق الجامعة بين الحين والآخر، وهكذا دواليك؛ فهو إذن جزءٌ من مشروع كبير المقصود منه عصر الشعب الفلسطيني من أجل ألا يجد له خِيار إلا الخروج من فلسطين. وهنا يأتي واجب تثبيت الشعب الفلسطيني وتجذيره في أرضه وهو حق منوط بالأمة وواجب عليها بشكل عام؛ لأنه لا يجوز أن نبقى متفرجين على ما يقع للشعب الفلسطيني: من الظلم والاضطهاد والقتل والتشريد وغير ذلك. ثانياً: تهجير اليهود قسراً إلى فلسطين وإجبارهم - ولو بالكيد والمكر والتفجيـر والقتـل وإثارت البـلابل - على أن يهاجروا إلى فلسطين؛ وهم بهذا يريدون أن يحققوا نوعاً من التوازن الديموغرافي؛ لأنهم يرون الفلسطينيين يتناسلون ويتكاثرون كثرة لا يمكن اللحاق بها فيحتاجون إلى استقدام أعدادٍ كبيرةٍ؛ لإيجاد شيء من التوازن الديموغرافي في فلسطين. ومن أسباب حرصهم على هجرة اليهود إلى فلسطين، مواجهة الهجرة المعاكسة من فلسطين التي صوِّرت لليهود على أنها أرض السمن والعسل، وأنها العش الهادئ الآمن؛ فإذا هي عكس ذلك تماماً؛ إذ بدأت أحوالهم الاقتصادية تسوء وكذلك الأحوال الأمنية، رغم محاولاتهم إشعارَ شعبهم أنهم في أمان واطمئنان. الأستاذ سمير سعيد: لو استخدمنا لغة الأرقام والإحصاءات في ما يتعلق بالمجال الديموغرافي فسنجد أن هناك تحدٍّ حقيقيٍ لليهود في الداخل يتمثل بالجانب الديموغرافي والتعداد السكاني؛ فعلى سبيل المثال في عام 1973م أصدر اليهود قانوناً يحدد نسبة الفلسطينيين في مدينة القدس بـ 22 ٪ فقط؛ وحتى هذا التـاريخ لـم يستطع اليهود أن يحققـوا هذا الرقـم، بل ما زالت نسبة الفلسطينيين حتى هذا اليوم تساوي 35 ٪ من نسبة السكان في منطقة القدس. والمقصود بالقدس: القدس الشرقية بالإضافة إلى المدينة داخل الجدار وخارج الجدار بالإضافة إلى البلدة القديمة وما يحيط بها. ففي داخل البلدة القديمة كان تعداد الفلسطينيين في عام1990م 32 ألف نسمة، وبسبب الممارسات الصهيونية القمعية وصل العدد الآن إلى 21 ألف نسمة، وفي داخل المسجد (داخل الحدود الجغرافية للجدار الجديد) يوجد عندنا 230 ألف فلسطيني وفي خارج الحدود أيضاً 230 ألف؛ أي هناك 460 ألف فلسطيني في القدس وضواحيها في حين وصل عدد اليهود في منطقة القدس - بما فيها الغربية طبعاً - 650 ألف يهودي؛ إذاً ما زالت النسبة تراوِح عند 35 ٪ على الأقل من نسبة الشعب الفلسطيني. وقد اتخذ اليهود عدة مسارات من أجل الموضوع الديموغرافي: المسار الأول: هو مسار المستوطنات وتكثيف الاستيطان في منطقة القدس: حيث عملوا ثلاثة أحزمة استيطانية يهودية في منطقة القدس: من الجنوب، ومن الشرق، ومن الشمال؛ لأجل إحلال اليهود مكان الشعب الفلسطيني؛ فسلبوا الأرض وبَنَوا المستوطنات وزادوا عدد السكان اليهود في المنطقة. وثمة أمر آخر يتعلق بالمساحة الجديدة داخل الجدار البالغة 289 كم2؛ حيث أخذ اليهود منها ما يقارب 163 كم2 للمستوطنات؛ فمن 289 كم2 يوجد 163 كم2 مستوطنات لحشد اليهود في المنطقة. ومقابل هذا لما مد العدو الصهيوني الجدار وأدخل مستوطنة (معاليه أدونيم) أخذ من مساحة الضفة الغربية 163 كم2 احتلالاً مقابل 163 كم2 تلك التي وضعها في المستوطنات ويسكن المستوطنات 270 ألف صهيوني. المسار الثاني: الترويج لمدينة القدس واعتبارها مركزاً سكنياً يهودياً: إن المسـتغرب في المعـادلة اليهـودية أن القـدس طـاردة لليهـود! مـع أنه يجـب أن يكـون العكـس! إن اليهـود لا يحتملـون أن يقعـدوا فيها إلا المتطـرفون؛ لـذلك هـم يجبـرون كل الرحلات اليهودية التي تأتي من الخارج ومن الداخل بأن يتوجه 10 ٪ ممن فيها إلى القدس ومع ذلك يهربون منهـا؛ فقـد بلغـت الهجرة السلبية من القـدس من عام 1980م إلى عـام 2005م 105 آلاف مسـتوطن يهـودي خرجوا منهـا؛ وعلـى الرغـم من كـل هـذه الإجــراءات والمستوطنات والأموال لا يأتي المستوطنون إليها. المسار الثالث: هو الجدار الفاصل الذي يهدف إلى أمرين: أولاً: ضمُّ المناطق والكثافة السكانية اليهودية إلى القدس. ثانياً: عزل المناطق والكثافة السكانية الفلسطينية إلى خارج القـدس؛ حتـى يكون هناك تعـادل ديموغرافي وهو ما تفضَّل به الأساتذة قبل قليل. المسار الرابع - وهو أخطرها - (التهجير): إن سياسة الصهاينة في تهجير السكان الفلسطينيين من منطقة القدس تقوم على محورين: التهجير الفردي: ويكون عن طريق سحب ما يسمى بالبطاقة الزرقاء؛ وهي عبارة عن هوية إقامة. وحتى تكتمل الصورة أقول: وَفْقَ اتفاقية وادي عربة فإنه لا يحق للمقدسي أن يأخذ جواز السفر الأردني، و وَفْقَ اتفاقية أوسلو لا يحق للفلسطيني المقدسي أن يأخذ جواز سفر فلسطيني. هذان شرطان على كلٍّ من السلطة الفلسطينية والأردن، والبديل أن يأخذ البطاقة الزرقاء؛ فلا يعامَل على أنه أردني ولا يعامَل على أنه فلسطيني وأيضاً لا يعامَل على أنه (إسرائيلي)؛ ولذلك فإن المقدسي يعاني معاناة خطيرة جداً في منطقة القدس؛ حيث بدأ اليهود أيضاً بسحب الإقامة؛ فمن عام 1967م إلى عام 2006م بلغ عدد الإقامات والبطاقات المسحوبة 6396 بطاقة من منطقة القدس وفي المقابل هناك 105 آلاف يهودي هاجروا منها. التهجير الجماعي: ويتضمن إعطاء إخطارات لأصحاب البيوت لمغادرتها؛ وفي عام 2000م بلغ عدد العقارات التي سُلِّمت إخطارات لكي يغادرها أهلها 174 عقاراً مع الأخذ بالاعتبار معنى كلمة عقار؛ إذ ليس معناها بيتاً فقط، بل ممكن أن يكون عمارة أو سوقاً وقد يكون مجموعة أبنية أو بناءً واحداً لكنه مجموعة شقق، ويتوزع الـ 174 عقـاراً على خمسة أحياء، هي: حي البستان الذي صارت حوله الضجة الإعلامية في بداية عام 2009م، وحي العباسية، والشيخ جراح، وكذلك الطور، والحي الشمالي لتلك البلدة. إن الموضوع الديموغرافي موضوع خطيرٌ جداً، ومعتمَد اليهود عليه في ما يتعلق بتهويد القدس. البيان : المسجد الأقصى هو رأس الحربة في مشروع التهويد؛ فما أبرز التحديات التي تواجه المسجد الأقصى؟ الدكتور زيد عمر: إن من أبرز التحديات التي تواجه المسجد الأقصى جَهْلُ أهله به؛ فبعض المسملين ليس لديهم معلومات واضحة وصريحة ووافية عن شرف المسجد الأقصى ومكانته، وإذا كان الإنسان عدوَّ ما يجهل فإنه - على أقل تقدير - لا يتحمس للمسجد الأقصى، وقد لا يستحضر مظاهر الخطورة التي يتعرض لها؛ وذلك من خلال إيهام الصهاينةِ الناسَ بأن هذه الإجراءات تجري خارج إطار المسجد الأقصى؛ لأن كثيراً من المسلمين لا يعلمون أن مساحة المسجد الأقصى 144.000 م2؛ فحين يغيب عن باله ذلك ويرى المسجدَ قائماً بذاته، فإنه سيعتقد أن هذه الإجراءات بعيدة عنه، وأنه ما زال بخير... وهذه مسألة ينبغي أن نتنبه لها؛ فحين نقول: المسجد الأقصى؛ فإننا نعني مساحةً تقدَّر بـ: 144.000 م2؛ ولذلك فإن كثيراً من إجراءات التهويد التي بدأ بها اليهود مرَّ بها الناس مروراً عابراً، بل لم يُتنبَّه لها، بل أستطيع أن أقول: إنه بعد ثلاثة أيام من احتلال اليهود للمسجد الأقصى عام 1967م بدؤوا بتغيير معالمه؛ حيث هُدِم حي المغاربة بعد ثلاثة أيام، وبعض الناس لا يدركون مدى صلة هذا الحي بالمسجد الأقصى وأنه جزء منه. والمسألة التي لا بد من الانتباه لها أن كلَّ هذه الإجراءات التي تجري الآن؛ إنما تجري ضمن حدود المسجد الأقصى، والأخطر من ذلك أن كثيراً من إجراءات التهويد لا تُرَى؛ لأنها تجري تحت المسجد الأقصى؛ فهناك أكثر من ستين كنيساً يهودياً تحت المسجد الأقصى، وهناك أيضاً ثمانية أنفاق؛ ولهذا يقول خبراء العمران: لو أن طائرة خارقة لجدار الصوت مرت فوق الأقصى فسينهار! ويبدو لي أن هذه هي الخطوة القادمة لليهود، ولعل الأخوين العزيزين يوافقاني على ذلك؛ حيث سيجري تعريض الأقصى إلى شيء من الاهتزاز فيصيبه تصدُّع، ومن ثَمَّ يُغلَق المسجد الأقصى حرصاً على أرواح المصلين، ويُهْجَر إلى فترة، وبعد ذلك يحصل ما يحصل؛ فأنا أتمنى أن يركَّز على أن الإجراءات التي نالت المسجد الأقصى إنما هي في صميمه وليس كما يُتوَهَّم أنهم على مدى أربعين سنة لم يصلوا إلى المسجد الأقصى، بل الحقيقة أنهم وصلوا إليه وبدؤوا بتغيير معالمه بعد ثلاثة أيام من دخولهم إليه، ولعل أخانا الأستاذ سمير يعطي هذا الموضوع مزيداً من التوضيح من خلال إيراد بعض الأرقام والحقائق والتواريخ التي تؤكد هذه المسألة. البيان : أشرتم آنفاً إلى الأنفاق تحت المسجد الأقصى، فلعلنا نبسط الحديث حول هذا المشروع الخطير. الأستاذ سمير سعيد: عطفاً على ما تفضل به الدكتور من تنبيهات مهمة ثمة ما يتعلق بوصف المسجد الأقصى المبارك؛ فعندما يجري الحديث عن المسجد المبارك يقال: (ساحات المسجد الأقصى المبارك... واليهود يقتحمون ساحات المسجد الأقصى المبارك...) إن هذه التسمية المتداولة في وسائل الإعلام، علينا أن نستبدل بها كلمة (الأقصى)؛ لأن اليهود يدخلون إلى الأقصى. وساحاتُ الأقصى هي جزء من الأقصى والمساحة التي تفضل بها الدكتور (144.000 م2) تحوي مجموعة من معالم الدولة الإسلامية العريقة التي احتضنت المسجد، وقبل ذلك وُجد فيه عـدد من الأنبيـاء - عليهـم الصلاة والسلام - ومن ثَمَّ فنحن نتكلم عن سلسلة حضارية حقيقية داخل القدس ولا يوجد أي أثر تاريخي لليهود تحت القدس على الإطلاق. إننا عندما نذكر المسجد الأقصى فإننا حقيقةً نتحدث عن ستة مساجد: المسجد القبلي، والمسجد المرواني، والمسجد القديم (وهو تحت المسجد القبلي)، ومسجد النساء في الجهة الجنوبية ، ومصلى النساء. هذا إذا اعتبرنا قبة الصخرة مسجداً، وممكن نعتبره في القباب، فنقول: مسجد قبة الصخرة، ثم مسجد البراق، ثم المسجد الغربي هذه ستة مساجد وبإضافة قبة الصخرة تصبح سبعة. وداخل المسجد الأقصى المبارك 15 قبةً وكل قبة لها محراب وكان العلماء في الزمن الماضي يعلِّمون الناس تحت هذه القباب ثم إذا نودي للصلاة فكلٌّ يصلي في مكانه؛ لاتساع مساحة مسجد الأقصى المبارك، وفيه أيضاً أبواب عريقة و 36 مدرسةً في داخل مسجد الأقصى المبارك و 26 مصطبةً (والمصطبة عبارة عن بقعة مرتفعة عن الأرض مسطحة، كان يجلس عليها طلبة العلم، وهي ما زالت موجودة حتى الآن). إن الأمة لا بد أن تعي جميع هذا الوصف وهناك معلومة جديدة تضاف إلى ما تفضل به الدكتور في ما يخص الكُنُس الستين نشرتها مؤسسة الأقصى لأعمار المقدسات، وهي أن سـلطات الاحتلال الإسـرائيلي أصبحت تطوِّق المسجد الأقصى بأكثر من 100 كنيس يهودي وهو ما نبَّه إليه الشيخ رائد صلاح. وأشير هنا إلى مسألة هامة، وهي: ما المقصود بتهويد المسـجد الأقصـى المبارك؟ وللإجـابة عن هـذا السؤال لا بد أن نفهم أن هناك عناصر أساسية ثلاثة للمسجد الأقصى المبارك، هي: أرض المسجد الأقصى المبارك، وحدود المسجد الأقصى المبارك بزواياه الأربعة مع السور الموجود عليه، والقبلة؛ فإذا ما قلنا: المسجد الأقصى المبارك، فإن المقصود هو القبلة أي البقعة ثم الحدود المعروفة والمشهورة على مدار التاريخ والمتوارثة من الأنبياء ثم من ملك إلى ملك إلى ملك إلى أن وصلت إلينا، وهناك بحث علمي صدر عن جامعة نابلس لأحد الباحثين المهندسين تحدث فيه عن تطابق زوايا المسجد الأقصى المبارك مع زوايا الكعبة مع فارق الحجم؛ فإذا أخذنا انطلاقاً من الحجر الأسود خطاً مستقيماً على استقامة الركن الذي بعده فإننا سنصل إلى المسجد الأقصى المبارك مباشرة؛ وكما أن مكة منتصف العالم كذلك المسجد الأقصى المبارك منتصف مركز اليابسة. أما بالنسبة لموضوع التهويد فقد شمل المسجد الأقصى المبارك فوق الأرض وتحت الأرض، بل حتى سماء القدس! البيان : كيف ذلك؟ الأستاذ سمير سعيد: أثناء اتفاقيات أوسلو في عام 1993م تحدث الشيخ رائد صلاح وقال: اتصل بي أحد هؤلاء الأشخاص المشاركين في المفاوضات، فقال لي: يا شيخ رائد! انتبه فقد اتفقوا على أن تكون الأرض تحت المسجد القبلي والسماء أيضاً لليهود ويبقى المبنى مع الفلسطينيين هذا من عام 1993 - 1994 فرجع الشيخ رائد يبحث عمَّا تحت الأرض، وأثناء البحث جاء أحد الآثاريين الفلسطينيين وقال للشيخ: عمَّ تبحث؟ فأخبره الشيخ عمَّا علم من خبر الاتفاقية، فقال: أنا أدلك ولكن بشرط أن تكتم عني (هذه القصة سمعتها من الشيخ شخصياً). قال: فأتينا إلى بقعة في الجدار نفسه فدفعها الشاب؛ فإذا بها باب متطابق مع الحجارة لا يمكن أن يُكتَشَف من فِعْل يهود. قال الشيخ: نزلنا بسرداب فاكتشفنا مسجدين: المسجد المرواني تحت الأرض وفيه آلاف الأطنان من التراب؛ إذ لم يُفتَتَح على مدار خمسمائة سنة، واكتشفنا المسجد القديم تحت المسجد الأقصى المبارك. واستطاع الشيخ رائد - بفضل الله عز وجل - خلال عامي (1996م و 1997م) أن ينتهي من ترميم المسجدين؛ المسجد المرواني استصلح منه أربع آلاف متر مربع، ثم المسجد القديم استصلحه أيضاً وقامت بعض الدول بتزويده بالسجاد لكلا المسجدين. إن مخطط اليهود الآن يقوم على ثلاث قضايا وأرجو أن يُنتَبه لهذه جيداً: لَـمَّا وصل اليهود إلى مرحلة لا يستطيعون فيها الهدم لبناء الهيكل المزعوم بدؤوا يخططون بطريقة أخرى للوصول إلى أهدافهم وذلك من خلال نهج سياسة عزل المسجد الأقصى المبارك عن محيطه، وبدؤوا يضعون المخططات المتعلقة بهذه القضية؛ فأصدروا ما يسمى بالقدس أولاً، وهي مذكرة يهودية اكتشفت في عام 2007م، تتحدث بالتفصيل عن موضوع تهويدِ كامل محيط المسجد الأقصى المبارك وصولاً للخطوة الثانية، وهي التقسيم. واعتبر اليهود اليـوم أن قضية تقسـيم المسجد الأقصى أخفُّ عليهم من الوصول إلى مرحلة الهدم فلجؤوا إلى سياسة الجرعة جرعة؛ حتى يتلقى العـالم كله - سواء المجتمع الدولي أو الإقليمي أو العـربي أو حتى الشعب الفلسطيني - الصدمة دون ردة فعل تُذكر. الدكتور عبد الغني التميمي: هم طبعاً يضخمون الموضوع ويُظهِرُون أن المطلوب هدمَ المسجد الأقصى؛ بحيث يبقى الناس مهيئين نفسياً لهدم المسجد الأقصى ومن ثَمَّ يخفُّ عندهم موضوع التقسيم أو التجـزئة وكـأن المسجدِ الأقصى محفوظٌ وما حصل له شيء. وكان اليهود قد رصدوا مبالغ تقدَّر بـ 400 مليون دولار أمريكي لتهـويد القـدس، وأدخلـوا المنطقـة الشـرقية للقدس، تلك التي لم تكن في المعادلة الصهيونية ولا المنطقة الجنوبيـة كذلك؛ حتـى يقومـوا بعمليـة عزل المسـجد الأقصـى المبارك؛ فأدخلـوا في مخططهـم مقبـرة الرحمـة (وهـي إحـدى المقابر الإسلامية علـى سـور الأقصـى كامـلاً من الجهـة الشـرقية، تبـدأ من الجنــوب إلى الشـمال مسـطحها قرابة 18000م2 وقـد نصَّـت وثيقـة (القـدس أولاً) على أنها حديقـة توراتيـة. ولـم يتخـذوا الإجـراء السابق فـي مقبـرة (مأمـن اللـه) التـي كـانت مـوجـودة فـي الجهـة الغربيـة بمعنى: أنهم نبشوا القبور، فثـارت ضجـة إعلامية، فأبقوا المقبرة كما هي وأخذت الناقـلات تصبُّ التراب فوق القبور، وبدؤوا يزرعـون فيهـا فـوق القبــور فأنشؤوا الحديقـة فــوق القبـور، ولـم ينبشوا قبـور الصحـابة أو القبـور الموجودة فـي هـذه المنطقــة؛ أذن بدأت كــل سـياسـات اليهــود تختلـف فـي ما يتعلـق بموضوع المسجد الأقصى المبارك في هذا الجانب. وفي ما يتعلق بموضوع الكُنُس فقد ذكرنا أن ثمة 100 كنيس، وكل كنيس يُفتَتَح على مستوى عالٍ؛ فمثلاً كنيس سلسلة الأجيال الموجود تحت الحائط الغربي في المسجد الأقصى المبارك افتُتِح على يد (موشي كتساف) رئيس الدولة في عام 2006م، وهناك مجموعة كُنُس أخرى موجودة منها كنيس الخراب الذي بدؤوا العمل به منذ عام 2001م بسياسة الجرعة جرعة إلى أن انتهى كنيس الخراب يوم الإثنين 15/3/ 2010م. وهنا أنبِّه إلى أن الأنفاق شيء والكُنُس شيء آخر؛ فهناك حفريات تحت المسجد الأقصى مع أنفاق، وهناك حفريات وكُنُس. ومن خلال هذه الكُنُس بدؤوا يأتوا بالسياح من العالم إلى داخل فلسطين ويقومون بمسح الأدمغة، وبدأت الاقتحامات اليهودية (وهي جزء من التهويد أيضاً)؛ إذن أحاطوا بالمسجد الأقصى المبارك من ثلاث جهات: الغرب والجنوب والشرق، ورصدوا ميزانية تقدِّر بـ 400 مليون دولار، مع مشاركة على مختلف المستويات: الكنيست، رئيـس الحكـومة، رئيس الدولـة، ولم يبـقَ إلا التنفيـذ؛ وهم انتقلوا فعلاً من مرحلـة التخطيـط التي كانت في عام 2007م إلى مرحلة التنفيذ الآن. هذا مختصر ما يجري في منطقة القدس اليوم. البيان : لو تحدَّثنا بشكل مفصَّل عمَّا يسمى بقائمة التراث اليهودي التي يروج لها الإعلام الصهيوني؟ الدكتور زيد عمر: أودُّ أن لا يستغرقنا الحديث التاريخي كثيراً وأن نربط هذا الأمر بالواقع؛ ففي دراسة لأستاذٍ صهيوني في علم الاجتماع في جامعة حيفا، يقول: «المحيط الثقافي المغاير لدولة إسرائيل يفرض عليها أن تبقي عدواً دائماً لها، وبقاء هذا العدو هو سر بقائها؛ وبناءً على ذلك لا بد من إشعار المواطن الإسـرائيلي أن له عـدواً دائمـاً في هـذه المنطقة...». باعتقادي أن هذه الفكرة أنما تتحقق من خلال هذه الإجراءات التي تجري داخل المسجد الأقصى؛ فاليهودي يعرف ما يعنيه المسجد الأقصى للمسلمين، ومن ثَمَّ فأي إجراءات تنال المسجد الأقصى، فستعني بالنسبة له مزيداً من العداوة في العالم الإسلامي والعربي ثم الفلسطيني المحيط به، أيضاً. ويقصد اليهود من هذه الإجراءات المتتالية، المتسارعة في هذه الأيام بثَّ اليأس في نفوس المسلمين، وخاصة الفلسطينيين (أي: ليس لكم شيء في الأقصى)، وإبرازَ قوَّتهم، وخفـضَ سقف التوقعـات في المباحثات التي ربما قد تجري في المسـتقبل، ومن هنا أعتقدُ أن هذه الاستفزازات التي يقوم بها اليهود هي مقصودة في حدِّ ذاتها وليست عرضاً للإجراءات. أقول ذلك لنعلم أن الإجراءات وردود الأفعال التي يتخـذها المجتمـع الـدولي، واهمٌ مَنْ يعتقد أنه سـيكون لها أثر إيجـابي على الفلسطينيين وعلى الأقصى وأنها ستحدُّ من هذا الاندفاع الإسرائيلي. الأستاذ سمير سعيد: تمشياً مع سياسة الخطى المتدرجة فإن اليهود يخترعون أشياء جديدة وهذا يبدأ من المؤسسة السياسية ثم تعطى للمؤسسة الدينية؛ فيقومون بالإفتاء والتسويغ؛ فإذا أرادوا شيئاً قانونياً قدموه للجهة القانونية، (سواء الكنيست الإسرائيلي أو المحكمة الإسرائيلية العليا)؛ فتقوم بسنِّها كقانون ثم يكون الإعلان (أي: سياسيٌ يخترع، وحاخامٌ يشرِّع أو يفتري، وقانونيٌ يسوِّغ، وإعلاميٌ يسوِّق). إنها رباعية يهودية تعمل اليوم في تسويق كل المشاريع الصهيونية، ومنها قصة التراث اليهودي. ما قصة التراث اليهودي؟ هي عبارة عن افتعالٍ جديد لشيء جديد غيرِ موجود أصلاً بالنسبة لهم؛ حيث بدؤوا يقولون - مثلاً -: إن المكان الفلاني تراث يهودي، ومن خلال هذا الادعاء قاموا بضم عددٍ من المدن والمناطق والأماكن. وهذه السياسة ما هي إلا مسوغ للمؤسسة الصهيونية السياسية أو الدينية؛ لاختراع أشياء جديدة يلتف حولها العالم من أجل تحديد الهدف والتقدم نحو هدم الأقصى وبناء الهيكل. هذا خلاصة ما يقوم به اليهود. وقائمة (التراث اليهودي) تضم 150 مَعلَماً إسلامياً، وهذه القائمة موجودة لدى الحكومة الإسرائيلية، وحاول كثير من القِطاعات ومراكز الدراسات البحث عن القائمة حتى يعرفوا ما بداخلها، فما وجدوها إلا على مكتب رئيس الوزراء، وهي قائمة خاصةٌ سياسيةٌ بالدرجة الأُولَى ثم بعد ذلك يمكن أن تكون تراثاً وقائمةً دينيةً. ماذا تحتوي هذه القائمة؟ تضم هذه القائمة أماكن مقدسة: كالمسجد الأقصى المبارك؛ حيث تقول القائمة: إن سور البلدة القديمة جزء من التراث، والمسجدَ الإبراهيمي جزء من التراث، ومسجدَ بلال بن رباح في منطقة بيت لحم جزء من التراث، وحيَّ سلوان في داخل القدس عدَّوه جزءاً من التراث اليهودي، وكذلك الجبال التي تقوم عليها مدينة نابلس (جبل عيبال وجبل جرزيم) عدُّوها من التراث اليهودي بمعنى أن القائمة شملت كلاً من: الضفة الغربية، القدس، المنطقة المحتلة عام 1948م، ثم جاؤوا إلى بعض المدن، مثل: مدينة قيسارية، وبيسان، وعسقلان، واعتبروها جزءاً من التراث اليهودي، مع أن هذه البلدان تُعدُّ أقدم حتى من الوجود اليهودي داخل فلسطين؛ فهي قديمة جداً للغاية، من ذلك أيضاً منطقة مرج ابن عامر التي تبدأ من عكا أو حيفا إلى أن تصل إلى جنين ثم إلى طبريا. هذا المثلث كلُّه ضُمَّ إلى التراث اليهودي بما فيه منطقة حطين ومنطقة مجدُّو (وهي ما يعتقد اليهود أن معركة (هرمجدُّون) ستكون في المستقبل في هذا المكان)، ثم هناك قلعة في منطقة يافا اسمها: قلعة رأس العين، ضمُّوها أيضاً إلى هذه القائمة وغير ذلك من المناطق، ثم القبور؛ حيث ضموا منطقةً زعموا أن فيها قبر النبي يوسف - عليه السلام - وكذلك قبر (راحيل) زوجة يوسف - عليه السلام - الكائن حول مسجد بلال (وللتنبيه فإن هذا المكان دُفِن فيه أحمد عبـد العزيز المجاهد الذي قُتِل عام 1948م في طريقه وهـو عائد من القـدس إلى الخليل ثم إلى غزة لشأن مَّا)، ثم المقابر الإسلامية التي تكلمنا عنها أيضاً ضُمَّت إلى التراث اليهودي. إذن القائمة شملت مدناً، وقرىً، ومساجد، وقبوراً ومواقعَ إلى غير ذلك؛ وكل ذلك تحت شعار: المواقع التاريخية. ومنها ما يتعلق بكَنِيس الخراب الذي تم افتتاحه في 15/3 /2010م والذي عُدَّ أيضاً جزءاً من التراث اليهودي، وتقول مؤسسة الأقصى: إن كنيس الخراب مشروع تهويدي من الدرجة الأولى، وهو مرتبط ببناء الهيكل الثالث المزعوم، وهو مشروع تتبناه الحكومة الصهيونية وشركاتٌ استيطانية تابعةٌ لها. وإن كلَّ من ساهم في هذا المشروع من المتبرعين اليهود كان يربط بين بنائه وكونِه خطوةً متقدمة في بناء الهيكل. لذلك سيُعلَن عن قضية خطيرة جداً وهي: أول نقطة في بناء الهيكل. ولهذا الكنيس مزايا من وجهة نظرهم: فهو يطل على المسجد الأقصى وعلى قبة الصخرة، وسيُغير مَعلَم القدس البارز (وهو المسجد الأقصى)؛ بظهوره أعلى من قبة الصخرة، ويكون أجملَ من قبة الصخرة أيضاً. وهو كنيس مقبَّب بالطريقة نفسها؛ لأن المنظر في داخل منطقة القدس هو منظر أيوبي عباسي إسلامي بكل ما تعنيه الكلمة. ومن القضايا المهمة أن الحكومة الإسرائيلية تعمَّدت أن تضع رسم المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال وغيره من المواقع داخل الكنيس. وهكذا فإن كل ما سبق ذكره متعلق للأسف الشديد بما يسمى: التراث اليهودي. البيان : ثمة سؤالان نتوجه بهما إلى فضيلة الشيخ عبد الغني التميمي - حفظه الله -: أولاً: هل يتوقع فضيلته أن يُستَنقَذ المسجد الأقصى من خلال تجربة المفاوضات التي مرت على القضية الفلسطينية؟ وثانياً: ما المطلوب من الأمة إزاء هذه التحديات الكبرى؟ الدكتور عبد الغني التميمي: أما بالنسبة للسؤال الأول الذي تفضلتم به: فالواقع أن المفاوضات أثبتت فشلها الذريع باعتراف أهلها وليس تجنياً عليهم، بل هم اعترفوا بأن هذه المفاوضات على مدى اثنتي عشرة سَنَة لم تؤدِّ إلى شيء ولم تستنقذ من فلسطين شيئاً، بل ما زالت الجرافات والحفارات وآلة المستعمر الصهيوني تهضم الأرض هضماً وتضم آلاف الدونمات والهكتارات إلى المستعمرات والمغتصبات وخاصةً في الأماكن الإستراتيجية، ويُبنَى عليها آلاف الوحدات السكنية لشذاذ الآفاق القادمين من أطراف الدنيا؛ فلم يلاحِظ الشعب الفلسطيني أن هذه المفاوضات أَجدَت شيئاً، و كلمة (شيئاً) أقولها هكذا نكرةً في سياق النقد: يعني مهما كان هذا الشيء تافهاً، فإنها ما قدَّمته للشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك هذه المفاوضات كان ثمنها القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني، ومحاولة تطبيع الشعب الفلسطيني إلى حدٍّ كبير جداً، ومحاولة وإيصاله إلى مرحلة من اليأس يتوهم عندها أنه لا مجال ولا خِيار آخر أمامه؛ أي: نفاوض ثم نفاوض ثم نفاوض... وهكذا. وأؤكد أن هذا ليـس تجنيـاً، بل هو الواقع على الأرض، وهو ما يعترف به أصحاب المشروع التفاوضي. إن المغتصِب ينهب الأرض ويحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى ويخطط وينفذ كثيراً مما يخطط في سبيل ابتلاع أرض فلسطين والمفاوضاتُ جاريةٌ، والابتسامات تُوزَّع، والعناق... وما إلى ذلك؛ فأنا أعتقد جازماً أن هذه المفاوضات لن تؤدي إلى ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني والأمة المسلمة من تحرير هذه المقدسات التي تهم كلَّ مسلم. إن هذا المشروع ساقطٌ من أصله، وفاشلٌ، وما أدى إلى شيء، ويجب أن يملك أصحابه الشجاعة للاعتراف بهذا الأمر وأن يديروا ظهورهم لهذا المشروع الذي ما أوصل الشـعب الفلسطيني إلا إلى طـريق مسدود؛ فمن بداية المشروع التفاوضي إلى اليوم لم يُزَل من الضفة الفلسطينية حاجز واحد من الحواجز العسكرية التي يقيمها العدو الصهيوني، بل هذه الحواجز تزداد حتى بلغت قرابة 600 حاجزٍ في هذه البقعة الصغيرة من الضفة الغربية؛ فإذا كانت هذه المفاوضات لا تزيل حاجزاً واحداً، ولا يُسمَح بالتحدث حتى عن مثل هذا فيها؛ فلا أدري فيم كانوا يتفاوضون طيلة تلك المدة؟ أما في ما يتعلق بدَوْر الأمة فدورها كبير، ونحن متفائلون بدور أمتنا الإسلامية، ونحمد الله - سـبحانه - أن هذه الأمة حيةٌ وأن أهل الخيـر فيها كُثُـر ونحـن - بعد اللـه عز وجل - نأمل في أمتنـا المسلمة الكثيـر، وواجـب الأمـة الذي يجب أن تركِّـز عليـه هو موضوع تثبيت إخواننا المقدسيين وتشجيعهم ودعمهم؛ لأنهم - كما قلنا سابقاً - يتعرضون إلى حربٍ باردةٍ طاحنةٍ؛ من أجل إخراجهم من أرضهم؛ فيُمنَوعون من ترميم بيوتهم المتصدعة، وتُفرَض عليهم الضرائب الباهظة، ويُمَنعون من استحداث أيِّ بناءٍ في بيت المقدس، وقائمة الممنوعات على المقدسيين قد لا يكون لها حصر؛ ومع ذلك نجدهم - بفضل الله - صابرين وصامدين في أرضهم، ومرابطين يتحملون الكثير من الأذى؛ من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى، ومن أجل الاعتكاف في المسجد الأقصى ولا ننسى أيضاً دور إخواننا في الأراضي المحتلة عام 1948م وتسييرَهم للحافلات والباصات؛ ليبقى المسجد الأقصى عامراً على مدى 24 ساعة، والوفود تأتي إليه وتذهب... إن واجب الأمة جدُّ كبير؛ ونحن من هذا المنبر المبارك نناشد عموم الأمة: من علماء وحكام وشعوب أن لا يعتبروا هذه القضية قضية فلسطينية، وإنما هي قضية الأمة الإسلامية جميعاً؛ فإذا ما طُعِنَت في هذا المقتل، فإن هذا سيكون له أثر كبير على باقي الأمة الإسلامية؛ فاليوم هو يوم التنادي إلى الكرامة، والنجدة، التنادي إلى إبراز النخوة الإسلامية والحمية الإسلامية انتصاراً وغضباً لله؛ فنحن إنما ندافع عن هذه الأرض؛ لأنها مقدسة لا لأنها فلسطينية، ولأن الله - عز وجل - أراد أن نحميها وأن ندافع عنها؛ فالآن - كما سبق البيان - يتعرض المسجد الأقصى إلى التقسيم، وهم يتكلمون عن موضوع الهدم من أجل أن يمهدوا للتقسيم؛ فتتجه أبصار الأمة إلى الهدم ثم إذا جاء موضوع التقسيم كان وَقْعه أقلَّ وأخفَّ على مسامع الأمة ومشاعرها فيمر بسرعة وسهولة، وبدون مقاومة. وأكرر مناشدة الأمة - وأخص العلماء والخطباء - أن لا تمرَّ جمعة على الخطباء في كل العالم الإسلامي دون أن يعرِّج الخطيب على ما يجري للمسجد الأقصى، وأعتقد أن من الواجب عليه شرعاً أن يذكر إخوانه والمصلين بأن المسجد الأقصى في خطر، وأن المقدسات في بيت المقدس في خطر... فهذا ليس شأناً فلسطينياً إنه شأن الأمة؛ فالأقصى ثالث المساجد الثلاثة التي تُشَد إليها الرحال في الدنيا كلِّها. والقدس ثاني مدينة مقدسة على وجه الأرض عند المسلمين؛ فأقل الواجب أن يذكِّر الخطيب وينبِّه، وأن يلفت النظر إلى ما يجري في الأرض المقدسة؛ فهذا من جملة الواجب الذي لا يكلِّف كثيراً ولا ينبغي لنا أن تطحننا الآلة الإعلامية الصهيونية؛ فنقلِّل من أهمية هذا الأمر. الأستاذ سمير سعيد: أحب أن أذكر بمسألة هامة أنه عندما خطط اليهود لقيام دولتهم كان ضمن المخطط شيء اسمه: تنمية الوعي القومي الصهيوني عن المشروع. ونحن نسمِّي هذه الخطوة: تعريف شعوب العالم الإسلامية وغيرها بمكانة القدس وطبيعة التهديدات، وطبيعة التهويد الذي يجري فيها؛ وهذا واجب على الأمة طبعاً (العلماء وغيرهم)، وكذلك تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات والمنظمات الخيرية في كل العالم الإسلامي للعمل لمشروع القدس وأن يكون من أَوْلى أولوياتها، وأيضاً تقديم المزيد من الدعم المادي (بالذات) وبمقدار ما يصل إلى القدس من دعمٍ ماديٍّ يكون هناك مشاريعٌ لتثبيت وجود الشعب الفلسطيني في الداخل؛ لأن اليهود يفرضون ضرائب باهظة جداً على الشعب الفلسطيني؛ حتى لا يستطيع أن يقوم بهذه الأعباء في هذا الجانب، ثم لا بد لنا أن نتحول من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل، ولا بد أن نتحول من مرحلة التعاطف إلى مرحلة التعاضد، ولا بد لنا أن نتحول أيضاً من مرحلة المشاعر إلى مرحلة الشعائر نحو القدس والمسجد الأقصى المبارك، وكذلك أن نتحول فعلاً من مرحلة الدعم المؤقت إلى الحالة الرسالية في قضية القدس. هذه رسالة كل مسلم وليست رسالة الشعب الفلسطيني وحدَه في الداخل، وكذلك ينبغي أن نواجه المشروع بمشروع، وأن نواجه الخطة بخطة، وأن نواجه البرنامج ببرنامج؛ فاليهود يعملون بخطط وبرامج ومشاريع؛ فلا يُعقَل أن يكون ردُّ فعلنا مجرد كلام، أيضاً نريد عملاً دائماً وإن قَلَّ، وأن تدخلَ قضية القدس إلى كل بيت وأسرة وفرد في المجتمع، وأن تكون قضية القدس جزءاً من الخطة الذاتية لكل مسلم؛ لا بد أن تنعكس قضية القدس وفلسطين على السلوك الشخصي للمسلم؛ بمعنى أن تستغرق قضية القدس كلَّ مسلم. البيان : في ظل حالة اليأس من الحلول التفاوضية والضغط الهائل الذي يتعرض له المسلمون في فلسطين، هل يمكن أن يحدث انفجار داخل الشعب الفلسطيني؟ الدكتور عبد الغني التميمي: الحقيقة الانفجار في تصوري موجود داخل الشعب الفلسطيني. ونسبة انتقال ذلك إلى الشارع وتحوُّلِه إلى انتفاضة ثالثة، وحركة جارفة قد تصل إلى 50 ٪؛ ذلك أن الشعب الفلسطيني تعود عند الأزمات والمنعطفات أن يفجِّر انتفاضته وأن ينتفض ضد العدو الغاصب، لكن يوجد - مع الأسف - من أبناء جلدتنا مَنْ يجثمون على صدر الشعب الفلسطيني، ويعيقون حركته، ويكبِّلون يديه أن يتحرك في هذا الجانب أو أن يقدِّم شيئاً! والضفة الفلسطينية التي هي دائماً ما تكون في طليعة الانتفاضة ضد العدو الصهيوني أصبح المجاهدون والمقاومون فيها في سجون السلطة يعانون أشد المعاناة؛ حيث يتعرضون للقتل وللشبْح والآلام الكثيرة، ومع وجود هذه السلطة قد يكون الأمل ضعيفاً بقيام الانتفاضة وإن كنَّا لا نستبعد ذلك ولا نعتبره مستحيلاً، لكن اعتبار أن هذا العائق عائق كبير وأن عدم قيام انتفاضةٍ ثالثة هو جزء من المطلوب تحقيقه ضمن خريطة الطريق؛ فيأخذ المفاوضون راحتهم في التوقيع على برامج العدو الصهيوني مع ضمان عدم الوقوف ضدها بأي شكل من الأشكال، خاصة الشكل الشعبي. البيان : مـــا هــي انعكاســات التصعيد الصهيوني الحالي على الوضع الداخلي الفلسطيني والإقليمي والدولي؟ الأستاذ سمير سعيد: يمكننا أن نجمل هذه الانعكاسات في ثلاث نقاط: الأولى: ازدياد حجم النقمة لدى الرأي العام العالمي ضد السياسات الصهيونية الداخلية. الثانية: هي وضع السلطة الفلسطينية وبعض الدول الأخرى التي تراهن على المفاوضات في موقعٍ محرج، والدليل ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً من أن وزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلنتون كلَّمت نتنياهو 43 دقيقة وهي توبِّخه على التصرف الذي حصل منه في ما يتعلق بالإعلان عن بناء 1600 مستوطنة. الثالثة: إيجاد الظروف المواتية لبلورة اصطفاف فلسطيني على قاعدة: مواجهة الهجمة الاستيطانية اليهودية، والدفاع عن الأرض والمقدسات، والتوقف في هذه المرحلة عن التفاوض مع العدو. الرابعة: تعزيز موقف حلف المقاومة في داخل فلسطين وحتى الدول المجاورة تجاه الصَّلَف الصهيوني. أخيراً: هـل سـتقوم انتفاضـة بعد هذه القضايا أم لا؟ كل ما سبق يعزز قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، إضافة إلى موضوع الجدار، والحواجز، وكذلك موضوع الضغط الصهيوني داخل الضفة الغربية، والحالة الاقتصادية، وزيادة البطالة مع حضور قضية القدس الأساسية... كل هذا يدعم بعضه إلى أن تكون هناك انتفاضة فلسطينية ثالثة، إن شاء الله. البيان : نســأل الله - سبحانــه وتعــالى - لنا ولكم التوفيق ونشكــر أصحاب الفضيلة على هذا اللقاء المبارك، ونسأله - عز وجل - أن يعزَّ دينه وأن ينصر أولياءه. وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.