الحراك الشعبي العراقي..في الميزان!
لا
بد من مقدمة
هلّ الربيع العربي... وجل الأنظمة
الدكتاتورية الحاكمة فيه هرمة!... عضت على كراسي حكمها ببقايا أسنانها
المتآكلة!... وقد نخر الفساد جنباتها وأركانها... فغدت وكأنها خشب مسندة!!!...
تحاول منع أعاصير الانقلابات... وتصارع كيد المؤامرات من أحزاب أو كتل أو
تنظيمات... وهي تظن أنها مدركة بذلك طريق البقاء والنجاة!!!... والدهر يقول: هيهات
وهيهات!!!
فأسقطتها بين ليلة وضحاها نسائم التظاهرات
العفوية... وزعزعت بنيانها قوة الشعارات السلمية... وخرجت الجماهير من صمت ظنه
الطغاة أبدياً.
وقد يظن البعض (مخطئاً) أن الشعوب قد خرجت
من المعارضة إلى التمكين!!!... أو من الخريف إلى الربيع!!!... لكن الحقيقة تقول
إنها خرجت من القمع إلى الاستهداف!... ومن خريف ربما كانت تتستر ببعض أوراقه
المتساقطة... إلى شتاء لا يرحم فيه مطر ولا يرفق فيه ثلج!!!
ولربما اختلفت الأنظمة العربية في تعاملها
مع آثار ذلك الربيع الهاب... والذي بدأ يُسقط أحجار الدومينو العربي الواحدة تلو
الأخرى دون موعد ولا استئذان... فبينما حاول البعض المكابرة لكنه سرعان ما سقط...
حاول الآخر إعادة ترتيب أوراقه الداخلية غالقاً أبوابه ولو مؤقتاً بوجه التغيير...
بينما انفرد النظام الحاكم في العراق بمزيد من الظلم والقهر والاستئصال لشرائح
مصطفاة من شعبه وهو يرجو قتل روح المبادرة وزرع اليأس في نفوس جل العراقيين...
ويتمنى إذا ما دقت نسائم الربيع بابه ولو بعد حين... أنها لن تجد من يفتح لها...
وقد أزال الظلم من قاموس الخيرين عبارات المقاومة والإباء!!!
الربيع
العربي.. والدولة العميقة
وسواء أخذنا برأي الحكومات العراقية
الطائفية بعد الاحتلال أو لم نأخذ برأيها (وهو الصواب) من أن الربيع العربي انطلق
مبكراً من العراق حين احتله الغزو الأمريكي!!!... فكان أن صنع العراق أنموذجاً
فريداً من الديمقراطية كان على الدول العربية حينها أن تستلهم منه الدروس (كما صرح
بذلك رئيس الوزراء المالكي)... ولو بعد سنين، وكل حسب فهمه ووعيه!!!... وكأن ما
حصل في العراق صفحة من الإصلاح والبناء!!!... فلا خيانة للبلد ومقدراته!!!... ولا
قدوم على ظهر دبابات المحتل وطائراته!!!... ولا دمار شاملاً للبنية التحتية وبأياد
عميلة عراقية... من قبل أن يكون بأياد مغتصبة أجنبية!!!... حتى باعوا الوطن ومن
يعيش على أرض الوطن إلى المحتل (الأمريكي منه والإيراني) بثمن بخس دراهم معدودة
وكانوا فيه من المجرمين!!!
ومن أخطر وأعقد (وأصدق) المصطلحات التي
أفرزها الربيع العربي والثورات الشعبية التي صنعت فيه التغيير، هو مصطلح (الدولة
العميقة)... وهو مصطلح يعبر عن جدار عال يصطدم فيه التغيير إذا ما نجح في إسقاط
رأس النظام... حيث التركة الثقيلة... والآثار المحفورة على كل جدار في مؤسسات
الدولة وأروقتها... حتى تبين لثوار الشعب حقيقة الصراع القادم وخطورته ومن أن
تغيير رأس النظام أهون من إزالة آثاره.
حكومات
الاحتلال والدولة العميقة
لقد أدركت الحكومات العراقية الطائفية بعد
احتلال العراق عام 2003... وبمشورة إيرانية خبيثة؛ خطر بقاء الدولة العميقة التي
بناها النظام البعثي السابق (رغم علّاتها)، فسارعت إلى حرق الأخضر واليابس وتدمير
أركان الدولة ما ظهر منها وما بطن في خطوة استباقية سريعة ربما تكون واحداً من أهم
أسباب استمرار بقائها على كرسي الظلم ليومنا هذا، وذلك من خلال:
1. حل الجيش العراقي بكامل صنوفه وقطعاته.
2. حل وزارة الإعلام.
3. إصدار قانون اجتثاث البعث ليشمل عزل كل
من لا يروق للحكومة تواجده في عمله.
4. ممارسة الاستئصال والقتل والتهجير بحق
المخالفين في المذهب والسياسة والفكر.
5. تدمير البنى التحتية.
6. إشاعة ثقافة استلام البلد تراباً وقاعاً
صفصفاً من النظام البائد... فلا تنتظروا الإصلاح القريب.
كما
سلكت الحكومات الطائفية من أول الاحتلال (وبمعونته) طريقاً مرسوماً التقت عليه
مصالح الاحتلالين الإيراني والأمريكي... في استلام العملاء والسراق وأصحاب
المشاريع الهدامة زمامَ الحكم... وإقصاء أهل السنة عن الشراكة في صناعة القرار
العراقي لأسباب يطول شرحها... وذلك من خلال برنامج متواصل ومدعوم من ثلاث مراحل،
هي:
1. منع أهل السنة من المشاركة في العملية
السياسية من خلال تشجيع ودعم الداعين إلى بطلان العملية السياسية تحت ظل
الاحتلال!!!... وبعدة وسائل والتفافات قد لا تسعها سطورنا اليوم... أو من خلال
التهديدات والاغتيالات والتصفيات على يد الميليشيات والقاعدة، وكلاهما وجهان لعملة
التومان الإيراني الخسيس!!!
2. إسقاط القلة القليلة المشاركة في العملية
السياسية من أهل السنة، من خلال تهميشهم وسحب صلاحياتهم وإسقاطهم في نظر جمهورهم
وأنهم لا يقدرون على تلبية احتياجاتهم الدنيا من العزة والكرامة والمساواة.
3. استهداف السياسيين الفاعلين والمعارضين
لسياسة الحكومة بملفات فساد وإرهاب ملفقة وجاهزة.
كل هذا من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى في
ولادة اليأس والإحباط حتى عند أصحاب الغيرة على الوطن منهم، وبالتالي تتحرك
الحكومة إلى المربع المريح لها لتصنع بنفسها الشريك الخانع الذي تريده من العملاء
العرب السنة فيعتبرونه الممثل الشرعي للأغلبية السنية المغلوبة على أمرها... وهم
على ذلك سائرون!!!
ثم كان أن بدأت تلك الحكومات ببناء الجيش
الطائفي من خلال زرع العصابات والميليشيات المدعومة من إيران فيه وخاصة قياداته...
ومن ثم سعت إلى تفريغ الوزارات وأجهزة الدولة من الكفاءات العلمية والرموز الوطنية
واستبدالها بكوادر متدنية وطائفية... حتى بلغ الأمر أشده في وزارة المالكي
الحالية، حيث كان وزير التعليم العالي والبحث العلمي فيه والحائز بصعوبة على شهادة
البكالوريوس!!!... قد حول الوزارة إلى حسينية كبيرة ملفوفة باللون الأسود وهو في
طريقه لاستئصال الكفاءات وغير الكفاءات من أهل السنة!!!... أضف إلى ذلك وزير النقل
الفذ هادي العامري المشرف العام على نقل الميليشيات أيام القتل الطائفي في
العراق!!!... وغيرهم كثير.
فكان أن نجحت حكومات الاحتلال الطائفية...
وآخرها حكومة المالكي وبامتياز... في استهداف وحدة العراق ونسيجه؛ فجعلت من السجون
والمعتقلات بيوتاً لأهل السنة، وختمت عليهم كمواطنين من الدرجة الثانية... ومن ثم
فتحت ملف الكرد وهي تسعى لابتلاع إقليمهم كجزء من مشروعها الإيراني... وأفلحت في
قطع كل العلاقات الطيبة مع دول الجوار... وأورثت خراباً وفساداً مالياً... جعل من
الحكومة العراقية الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان... ومن العراق البلد الأكثر
فساداً في العالم... ومن بغداد الرشيد العاصمة الأقل نظافة في الوجود!!!
مسبّبات
الحراك الشعبي
بالتأكيد، فإن كل ما ذكرنا من ويلات
وانتهاكات كانت تمثل بركاناً يغلي في صدور العراقيين... وظلماً لا يمكن أن يدوم
وإن طال... لكنه كان في حاجة إلى فتيل يؤججه... وظهر الظلم الطائفي كان بحاجة إلى
قشة تقصمه.
فكان أن تحرك المالكي بين ليلة وضحاها...
بقوة وبطش وحقد... نحو رافع العيساوي وزير المالية العراقي والقيادي السني الأبرز
في الساحة السياسية اليوم... معتقلاً مسؤول حمايته ثم أفراداً من حمايته... ثم
جميع حمايته!!!... ومن خلال التهمة الجاهزة لكل القيادات السنية بل حتى عوامها...
تهمة الإرهاب!!!... ثم كانت المداهمات الهوجاء (ومن قبل قوات تابعة للمالكي
مباشرة) لمقرات العيساوي السياسية ومقرات حمايته ومنزله في محافظة الأنبار ومكاتب
وزارة المالية!!!... لتظهر بعدها وبقدرة قادر اعترافات (تم الحصول عليها تحت وطأة
التعذيب المميت والتهديد باغتصاب الأعراض!!!).
ولا أدري هل وقع المالكي بشر أعماله التي
سعى بها لاستئصال أهل السنة حين أقدم على هذه الخطوة؟!... أم أنها مشورة البطانة
السيئة للمالكي التي جرأته على الاستعجال بإسقاط رمز سني آخر؟!... أم أنه الفراغ
الرئاسي الذي خلفه الموت السريري لرئيس الجمهورية الطلباني؟!... المهم... حصل ما
حصل وولدت قشة البعير من رحم الأزمة.
ورغم أن للمالكي سوابق في استهداف قائمة
عريضة من القيادات والرموز السنية... والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
الدكتور عدنان محمد سلمان، وطارق الهاشمي، ومحمد الدايني، ورياض العضاض، وليث
الدليمي، وآخرون من أعضاء البرلمان وأعضاء مجالس المحافظات وشيوخ وأعيان القوم...
إلا أن استهدافه الأخير للعيساوي كان ذا أبعاد مختلفة بعضها له علاقة بالدكتور
رافع العيساوي بشكل خاص، منها:
1. الخطاب الناري الذي خرج به العيساوي عقب
الاعتداء ليثبت من خلاله قوة موقفه وليدافع عن حماياته بقوة... وليصف الحكومة
بأنها حكومة ميليشيات... ما أسقطها في عيون العراقيين... وما ألهب مشاعر المظلومين
ودفعهم للإقدام وكسر حاجز الصمت على الظلم.
2. التفاف السياسيين حول
رافع العيساوي بشكل سريع وخروجهم بمؤتمر صحفي في نفس اليوم وظهورهم كقوة واحدة.
3. العمق العشائري للعيساوي من خلال عشيرة
العيساويين في محافظة الأنبار.
4. الأثر الطيب للعيساوي في تقديم يد العون
لأهله من عموم محافظته بتنوع عشائرها وأعيانها ومكوناتها.
والبعض الآخر من تلك الأبعاد خارجية مثل:
1. الثورة السورية وما كانت تقدمه من زخم
للمظلومين في العراق.
2. نمو ملف اعتقال النساء في العراق محل
أزواجهن المتهمين ظلماً بالإرهاب، والاعتراف الرسمي بوجود حالات الاعتداء
والاغتصاب داخل السجون، وما سبّبه من غضبة جماهيرية، إضافة إلى حالة الاغتصاب التي
قام بها ضابط من الجيش العراقي لفتاة قاصر في الموصل قبل أيام من الحراك الشعبي.
بداية
ونمو الحراك
1. كانت البداية للحراك الشعبي عفوية غير
موجهة... انطلقت من مدينة الفلوجة البطلة التي ارتبط اسمها بالبطولات وقد أرغمت
المحتل الأمريكي بالأمس على تجرع ذل الهزيمة وألم الانكسار... وهي مسقط رأس
الدكتور رافع العيساوي ومستقر عشيرته وعزوته، حيث بدأ الناس في التجمع الطبيعي
شيئاً فشيئاً... فكانت تظاهرات ساخطة انتقلت خلال ساعات إلى اعتصام يهدد
بالعصيان... وسرعان ما أصبح المشهد مهيباً ترسمه مئات الألوف من الرجال.
2. لقد كانت الساعات الأولى للحراك تتسم
بغياب التوجه الواضح، وعدم القدرة على ترتيب وتهذيب المتطلبات بما يجعل الشارع
العراقي بكل مكوناته متعاطفاً معها وداعماً لتحقيقها... لكنها وبمرور الوقت خرجت
إلى النضج والاتزان بفضل الله وهمة المنظمين المتبرعين لإدارتها، وكان من أهم
معالم هذا النضج:
· اللسان الواثق المبين الذي بيّن للسامع
والمشاهد أن ما ينادي به أهل الحراك هو ليس طلبات بعضها مشروع وبعضها غير مشروع
كما حاولت أن تروج الحكومة الطائفية ووسائل إعلامها الموتور... بل هي حقوق مسلوبة
يحاول المظلومون استرجاعها.
· الثقافة العالية والإدارة الواعية التي
منعت بعض الآحاد من الخطابات أو الصور المستفزة من الاستمرار بالتواجد في ساحة
الحراك... والتي قد اعتمدها بعض المغرضين حجة لتشويه صورة الحراك وكأنها تعبر عن
توجهاته.
· الانتقال التدريجي السريع من العفوية نحو
التخصص والتنظيم.
· سرعة ترتيب الصفوف وتوزيع الأدوار بين أهل
التخصص.
3. انطلاق الحراك الشعبي في جميع المحافظات
السنية المظلومة وكما يلي:
· محافظة الأنبار: ظهر حراك شعبي آخر في
مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار ثم في المناطق الغربية من المحفظة بشكل أقل،
وبقي الحشد الجماهيري في الأنبار وليومنا هذا رمزاً للحراك الشعبي وزخماً لبقية
المحافظات في العراق... والأكثر تفاعلاً وحضوراً، حيث اقترب الحضور في مدينة
الفلوجة وحدها من النصف مليون متظاهر.
· محافظة صلاح الدين: وهي المحافظة الثانية
التي وصل إليها الحراك، وكانت ذروته وما زالت في مدينة سامراء التي تطمع الحكومة
الطائفية إلى ضمها للخارطة الشيعية لوجود مرقد الإمامين العسكريين فيها، رغم أنها
مدينة لا يقطنها ولا مواطن شيعي واحد!!!... ثم تعداها الحراك إلى مدينتي تكريت
وبيجي، لكن بقي الحراك في سامراء الأكثر وعياً وتنظيماً وزخماً.
· محافظة الموصل: والتي تأخرت لأيام عن
اللحاق بأخواتها في الحراك الشعبي... لأسباب لعل أهمها قوة الجيش الطائفي المرابط
في تلك المحافظة شبه المحتلة!!!... لكن وبمرور الأيام نما الحراك.
· محافظة ديالى: تلك المحافظة المظلومة
مرتين... مرة من الحكومة العراقية الطائفية، ومرة من جوارها غير المرغوب فيه
لإيران أس البلاء وأصله!!!... وقد انضمت إلى أخواتها في الحراك وسط المضايقات
الكبيرة من الجيش الطائفي فيها.
· محافظة كركوك: وقد ظن الكثير أن لا يزورها
الحراك الشعبي؛ لأنها مزيج من كل مكونات العراق وشرائحه، حيث يصعب اتفاقهم على أمر
واحد... لكنها وأمام صدق مطالب المظلومين وقوة عزيمتهم نالت شرف هذا العز.
· العاصمة بغداد: وهي الثكنة العسكرية
للمالكي وجيشه!!!... انتظرت أسبوعين بعد الحراك حتى تنطلق بتجمعاتها من جامع الإمام
الأعظم أبي حنيفة النعمان في مدينة الأعظمية رغم مضايقات الجيش وإغلاق الطرقات...
ولتعيد الكرة في الجمعة التي تليها في جامعي أبي حنيفة النعمان وأم القرى... ثم
لتشهد في الجمعة الثالثة صلوات جامعة في مساجد عدة في أنحاء متعددة في وسط العاصمة
وأطرافها أعادت الثقة للبغداديين من أن عاصمتهم لم تسقط بعد بيد الفرس... وأدخلت
في ذات الوقت الرعب في قلوب الحكومة وجيشها ومن أنهم لم يحكموا القبضة على بغداد
رغم ظلمهم وقهرهم... كما أنهم لم يفلحوا في قتل روح الجهاد والثورة في أبنائها.
4. كانت مطاليب الحراك الشعبي قد بدأت بأهم
وأعجل الاحتياجات، حيث تم إطلاق سراح الآلاف المؤلفة من المعتقلات والمعتقلين
الأبرياء في سجون المالكي، فلم تبق عائلة من عوائل أهل السنة إلا ولديها معتقل أو
شهيد، وقد حرص المالكي على أن يختم على جميع أهل السنة بالإرهاب... ثم أضيف لها
مطالب إلغاء المادة (4 إرهاب) أو كما يطلق عليها مادة: 4 سنة!!!... لأنها مخصصة
لاستهداف واعتقال أهل السنة والجماعة!!!... وأضيف لها تفعيل التوازن في أجهزة
الدولة خاصة الأمنية منها والعسكرية، والتي يشكل المكون الشيعي نسبة 98% من
قياداتها!!!... أضف إلى ذلك ملف إخراج القوات العسكرية الطائفية من المدن التي
تحتلها لتحل محلها قوات من الشرطة تشكل من أبناء المحافظة.
5. أما استراتيجية الحراك فقد اعتمدت على
إدامة الزخم ومضاعفة الحضور... حيث الأساس المتين الذي ينطلق منه الحراك إلى طلبات
مشروعة مقنعة مرتبة حسب أولويتها وأهميتها وصولاً إلى الدعوة نحو إسقاط المالكي
وحكومته في حالة عدم الاستجابة لمتطلبات الحراك الشعبي.
من
يقود الحراك؟
لقد حرصت الحكومة العراقية وإعلامها المنحاز
على تشويه صورة الحراك من يومه الأول... وإظهاره وكأنه يقاد من ثلة متطرفة تريد
الضرر بوحدة العراق وإثارة النعرات الطائفية... وأنه مدعوم مالياً من دول إقليمية
وعربية من أجل تنفيذ أجندة هدامة تستهدف العراق الديمقراطي الجديد!!!... وسرعان ما
فضحت كل تلك الادعاءات أمام براءة الحراك ومصداقيته وسيرته الوطنية وتبني أبناؤه
مستلزماته كافة... فمن يقود الحراك الشعبي إذاً!!!... ومن هنا نقول:
1. حرص بعض السياسيين والبرلمانيين السنة
على أن يركبوا موجة هذا الحراك الشعبي... خاصة والانتخابات المحلية على الأبواب...
لكن رسالة جماهير الحراك الشعبي كانت واضحة وحازمة منذ البداية... إنكم أيها
السياسيون لم تفلحوا في تأمين حقوقنا وقد أوصلناكم بدمائنا إلى مقاعد البرلمان...
فلن نسمح لكم اليوم بأن ترتقوا على دمائنا ثانية لتتمسكوا بتلك المقاعد ومنافعها
المادية... مع وجود تنسيق مع بعض المخلصين منهم في صياغة المطالب ومشاركة البعض في
سوح الحراك كمواطنين في الحراك.
2. كان للعمامة البيضاء ورجال الدين الدور
الريادي في توجيه الحراك... فهم في خطاباتهم وتوجيهاتهم وتواجدهم وسط الجماهير
بعثوا الأمل في قيادة أمينة صادقة لا تبتغي من هذا الحراك أجراً ولا شكوراً؛ إلا
السعي لإعادة حقوق المظلومين.
3. نشأت بمرور الأيام ما أسماه الحراك
الشعبي بالتنسيقيات، وهي تجمعات إدارية متخصصة لقيادة الحراك في كل محافظة، وقد
بدأت تنمو وترتب عملها حتى صارت الناطق الرسمي والمشرف الفعلي والحارس الأمين لكل
تظاهرة واعتصام داخل الحراك الشعبي.
الحراك
الشعبي في الإعلام
لعب
الإعلام دوراً مهماً في توصيف الحراك الشعبي ونقل أنشطته ورسائله... ما بين ثورة
في الإعلام الإلكتروني على الفيسبوك والتويتر... ونشاط في الإعلام المسموع
والمقروء وجهد في النقل الفضائي المرئي الذي يمكن تصنيف قنواته الفضائية كما يلي:
1. القنوات الحكومية والكتل الطائفية...
وكانت تحارب الحراك وتحاول أن تصوره كعدو يستهدف الشيعة ويريد إعادة البعثيين
الظلمة إلى الحكم.
2. القنوات العربية على العموم هاملة لهذا
الحراك باستثناء قناة الجزيرة.
3. القنوات العراقية العلمانية... بدأت
بإهمال الحراك في أول أيامه واليوم تحاول أن تركب الموجة.
4. قنوات المحافظات السنية تتبع سياسة
المحافظين فيها، لكنها لا تستطيع إلا دعم الحراك.
5. قنوات تابعة لهيئات أو مسؤولين... وهي
تمارس تغطية للحدث مع الترويج لأصحابها وسياستهم.
6. قناة بغداد الفضائية... وهي الوحيدة التي
تبنت الحراك الشعبي منذ ساعاته الأولى حتى الآن وبكل جهد وسعي ومثابرة، وتلقت جزاء
ذلك الإنذار من أكثر من جهة بالإيقاف والإغلاق!!!
المواقف
من الحراك الشعبي
1. موقف الحكومة: ونقصد بالحكومة رئيسها
المالكي ورجال كتلة دولة القانون من الوزراء والبرلمانيين، وهم يقفون في صف معاداة
الحراك والتشكيك بتوجهاته.
2. الائتلاف الوطني الشيعي: وقد كانت
توجهاته في البحث عن السبل التي تجعله يحافظ على مكتسباته التي نالها في السنوات
الماضية على حساب أهل السنة، وذلك بمسارين:
· عدم الانزلاق في صراع واشتباك قد يؤدي إلى
ضياع مغانم السنين.
· عدم الاستجابة لمتطلبات الحراك الشعبي
التي قد تعيد العملية السياسية العرجاء التي استأصلوا بها المنافسين إلى المربع
الأول.
مع ضرورة الانتباه إلى دور تخذيلي معروف
للتيار الصدري يحاولون من خلاله لعب دور المجس الخارجي للائتلاف ومحاولة إجهاض
الحراك في الوقت الملائم... وما تخذيلهم لحلفائهم في سحب الثقة عن رئيس الوزراء
المالكي قبل أشهر عنا ببعيد... ودور آخر يتحرك به المجلس الأعلى بزعامة الحكيم
للعب دور المعتدل الوسطي ليوهم جمهور الحراك الشعبي بأن صوت العدل موجود داخل
الائتلاف الوطني.
3. المرجعية الشيعية: وهي حائرة ما بين
مشروع طويل المدى تريد الحفاظ عليه... وتهور متوقع من المالكي في أي لحظة ينسف كل
تلك الأحلام... لذلك رفضت استقبال المبعوثين رفيعي المستوى من المالكي (الشهرستاني
والزهيري)، وأرسلوا للمالكي رسالة حادة مفادها أن حل البرلمان خط أحمر... والنظر في
حقوق الحراك الشعبي هو من واجبات المالكي وحكومته.
4. القائمة العراقية: إن
المتبقي من القائمة العراقية بعد أن تشظت إلى أقسام متناثرة لأسباب منها جهد
المالكي في شرائه ذمم الرخيصين منهم... ومنها عمالة بعض رجالها ممن ضحكوا على
أذقان القائمة بدعوى وطنيتهم... المهم... فإن المتبقي منهم يتظاهرون بأنهم على قلب
واحد في دعم متطلبات الحراك، ومنهم أفراد يشاركون في الحراك وهم على عدد أصابع
اليد الواحدة.
5. الكرد: وهم لهم مصالحهم وأولوية إقليمهم،
لكن مع خلافهم الأخير مع المالكي حول مسائل مفصلية كتصدير النفط وتمويل قوات
البيشمركة العسكرية وتقليص تخصيصات الإقليم، إضافة إلى تكشير المالكي عن أنيابه
أمام الإقليم... كل هذا جعل للكرد موقفاً شبه بائن يؤيد متطلبات المظلومين من أهل
السنة ولن يغادروه إلى ما هو أكثر من ذلك... إلا إذا ما التقى ذلك مع مصالحهم.
6. إيران: كانت إيران حاضرة من أول أيام
الحراك الشعبي!!!... من خلال الهتافات الشعبية التي كانت تنادي بخروج إيران من
العراق... خاصة بعد تصريحات جنرالات الحرب الإيرانيين من أن إيران مستعدة للقضاء
على المعتصمين في الأنبار إذا ما جاءها الضوء الأخضر من الحكومة العراقية!!!
تحديات
الحراك الشعبي
بالتأكيد هناك تحديات لهذا الحراك وإن بلغ
المنعة بزخمه وقوة إدارته، ولعل من أهمها:
1. الموالون للمالكي من أهل السنة... حيث
برغم أن الحراك الشعبي بحجمه وتأثيره قد منع الكثير من الظهور على حقيقتهم خشية
الغضب العارم وتسقيطهم في ساحات الحراك الشعبي!!!... إلا أن مواقف بعض مسؤولي
المحافظات ورجال الدولة المستهلكين، كانت حاضرة، والحكومة اليوم تحاول تسويقهم
كمفاوضين عن حقوق المظلومين!!!
2. الجيش العراقي: والكل يعرف كيف تم بناء
هذا الجيش والأسس الطائفية التي قام عليها... لكن ومع هذا فإن جيش المالكي في
المحافظات السنية لا يمكن التعويل عليه أبداً أمام عزيمة وصدق ومضاء الحراك الشعبي
وجحافله الكبيرة... أضف لذلك معرفة المالكي برجال جيشه الذين ينتظرون نهاية الشهر
لاستلام مرتباتهم وهم غير مستعدين للموت في سبيله... بينما قد يكون الأمر مختلفاً
في بغداد.
3. تحويل وجهة الحراك الشعبي من قبل المالكي
إلى صراع طائفي من خلال إشعار الشارع الشيعي بأنه هو المستهدف من هذا الحراك.
4. المتطرفون والحمقى والمستغفلون الذين قد
يندسون أو يوجهون الحراك الجماهيري السلمي نحو إثارة الفوضى أو العنف أو الاستفزاز
الذي يربك المشهد اليوم.
5. الإحباط الذي يصيب جمهور الحراك، سواء
كان من خلال مماطلة الحكومة وعدم مصداقيتها في تلبية متطلبات الجماهير... أو من
المستجدات غير المتوقعة.
6. استمرار غياب الدعم المعنوي العربي
والإقليمي والدولي.
التظاهرات
الشيعية
للأمانة نقول إن هناك عدة تظاهرات شهدتها
المحافظات الجنوبية في العراق كانت قد خرجت لمناصرة إخوانهم العرب السنة والدعوة
لتلبية مطالبهم... وإن كانت لا تلبي احتياجات إخوانهم المظلومين من أهل السنة...
لكنها بوادر خير نتمنى البناء عليها.
التظاهرات
المضادة!
في
مشهد سقيم... أخرج المالكي تظاهرات ضعيفة مأجورة بائسة من عشرات أو مئات طلاب
المعاهد أو رجال أمن ومكافحة شغب ألبسوهم اللباس العربي وجاؤوا بهم إلى ميادين
التحرير أو غيرها بعد أن قطع الجيش الطرقات وأمن حماية هذه المسرحيات التي
استنكرها الجميع، ومنهم الائتلاف الوطني ذاته!!!
خطوات
الحكومة في التعامل مع الحراك
1. محاولة تسفيه الحراك ووصفه بأنه فقاعة
تحمل أصواتاً نتنة وعلى لسان المالكي!!!
2. محاولة تهديده بالقوة... وظهر ذلك من
خلال خطاب المالكي الذي خاطب الجماهير قائلاً: إما أن تنتهوا أو تُنهوا!!!
3. إرسال شخصيات سنية رخيصة إلى الحراك
للتفاهم معه، مثل:
· صالح المطلك الذي طرد بالنعال من ساحة
العزة والكرامة في الأنبار.
· وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي الذي
حاول النزول وسط ساحة العزة والكرامة للقاء المتظاهرين... فرفع له الجمهور الأحذية
فولى هارباً إلى مكان آخر.
· السياسي البائس السابق سلام الزوبعي الذي
توعدته الجماهير بذات الاستقبال المهين إذا ما تجرأ ووطأت قدماه أرض الحراك...
فولى هارباً كسابقيه!!!
4. تشكيل ما يسمى لجنة الحكماء مكونة من
أربعة رجال دين؛ اثنان منهم من الشيعة، واثنان من العملاء السنة!!!... الذين طالما
وصفوا الحراك الشعبي بأسوء الصفات... ليبدؤوا بمسرحية إخراج نحو عشرة نساء أو يزيد
من المعتقلات ومحاولة تصويرهن وهن شاكرات وممتنات لهذا العطف الأبوي وأنه لم يمسهن
أحد بسوء!!!... ثم الإعلان عن إطلاق سراح 300 معتقل... هم أصلاً قد صدر بحقهم
مذكرات إطلاق السراح منذ سنين وهم ينتظرون الابتزاز المالي حتى ينالوا حريتهم!!!
5. ظهور وزراء العدل وحقوق الإنسان ورئيس
لجنة المساءلة والعدالة (الاجتثاث)، وهم يتصنعون الحلم الوردي للجمهور الغاضب ومن
أنهم سيرفعون الضيم بجرة قلم!!!
6. إرسال رسالة إلى الحراك الشعبي ليكتبوا
مطالبهم إلى المحافظين أو رئيس مجلس المحافظة لإيصالها إلى الحكومة!!!
7. وبعد أن فشلت الحكومة في كل خطواتها
السابقة قامت بتشكيل لجنتين وزاريتين لزيارة المتظاهرين واستلام مطالبهم ممن
يمثلونهم.
8. تشكيل لجنة خماسية من جميع المكونات
لدراسة هذه المتطلبات... واليوم أعلن عن فشل هذه اللجنة في مهامها!!!... وقد تراجع
الجانب الحكومي فيها عن تلبية متطلبات الحراك الشعبي.
الحراك
الشعبي إلى أين؟
وختاماً فليس من السهل اليوم أن تتخاذل
جماهير الحراك الشعبي وتترك ميادين اعتصامها... من دون أن تعيد حقوقها المغتصبة
وتعيد موازين العزة والكرامة والمساواة... وإلا فلنقرأ على أهل السنة في العراق
السلام!!!... من هنا نذكر بعض عناصر نجاح وديمومة هذا الحراك الشعبي وسر تحقيقه
أهدافه:
1. الحفاظ على زخم التظاهرات، والترتيب
العملي لدوام تواجد المعتصمين.
2. الحفاظ على سلمية التظاهرات والجُمَع
الموحدة.
3. الحرص على صناعة قيادات واعية
للتنسيقيات.
4. منع المتطرفين والمغرضين والمغفلين من
التأثير على الحراك الشعبي.
5. توحيد المتطلبات وصياغتها بشكل قانوني
ومقنع.
6. الحرص على الحصول على الدعم المعنوي
العراقي والعربي والإقليمي والدولي.
7. التنسيق الفاعل مع
السياسيين المخلصين.
:: مجلة البيان العدد 308 ربيع الآخر
1434هـ، مارس 2013م.