• - الموافق2024/11/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دسترة قيم الاسلام وفلسفته للحكم

دسترة قيم الاسلام وفلسفته للحكم

 نظرات في الأبعاد والاتجاهات:
لم يكن الاحتلال العسكري الأمريكي، الذي أسقط بغداد في 9 أبريل 2003م، وحدَه في ساحة المعركة، بل وقف بمحاذاته احتلال من نوع آخر؛ هو الاحتلال الفكري والثقافي، الذي شمل المنطقة العربية بأسرها، وهو الذي سعت إليه المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات الأمريكية؛ حيث سارت في ثلاثة اتجاهات تغطي الأهداف التالية:
1 - نَبْذ النظرية الإسلامية أو الفكر الإسلامي حول النظام السياسي الذي يدور حول أسس (الخلافة، الإمامة، البيعة، أهل الحل والعقد، الشورى... إلخ).
2 - الدعوة إلى ثقافة وفكر الدولة المدنية في نسختها الغربية؛ على أنها المنقذ من تردِّي الأوضاع في الدول العربية.
3 - إقرار وإثبات أن نظـام الدولـة المدنية بشـكلها الغربي لا يتعارض مع الإسلام، بل إن الإسلام يدعو إليه، ويمكن (دسترة قيم الإسلام وفلسفته للحكم) وصياغته من خلال نموذج الدولة المدنية.
 
لقد استخدمت مراكز البحوث والدراسات الأمريكية وسيلة المؤتمرات السياسية التي يتجمع فيها مفكرون من العالم العربي والإسلامي لمناقشة هذه الأفكار والرؤى وإقرارِها؛ فمنذ عام 2006م وحتى عام 2010م، عقدت مجموعة مؤتمرات، منها ما يعمِّق الدعوة للاتجاه الثاني الخاص بتدعيم ثقافة الدولة المدنية (وآخرها مؤتمر نظَّمته الجامعة الأمريكية في بيروت أوَّل أبريل 2010م بعنوان: «نحو ثقافة الدولة المدنية»)[1]، ومنها ما يعمِّق الاتجاهين الأول والثالث المتعلقَين بنبذ الفكر الإسلامي السياسي التراثي وتدعيم ما أسمَوه: (دستـرة قيــم الإسلام) و (نحو إسلام ديمقراطي مدني)، وذلك في الأعوام (2006م - 2007م - 2009م)[2]. وقد سـبقت هـذه المؤتمـرات ما يمكن اعتباره تمهيداً للعقول لقبول هذه التصورات وتحضير الأفهام لقبول التغيير والاقتناع بأنه لا يخرج عن جوهر الإسلام وأنه يحقق مصالح المسلمين. ويمكن اعتبار الدراسة التي أعدتها مؤسسة راند[3] (عن الملامح الرئيسة للمسلمين المعتدلين) أحد هذه الممهِّدات التي تجلت فيها الدعوة لقبول الإسلاميين للدولة المدنية؛ حيث قامت مؤسسة (كونراد أديناور الألمانية)[4] بتنظيم المؤتمرات الثلاثة بالتعاون مع مركز القدس للدراسات السياسية؛ لتمثِّل طبيعة التوجه ودلالات الأهداف والأبعاد.
وسنركِّز في نظرتـنا النقدية هذه على مؤتمر (دسترة قيم الإسلام) باعتباره نموذجاً فجّاً لتغريب الإسلام وتذويبه، وتدليساً على المسلمين يحاول أن يلغي تراثنا السياسي وشخصيتنا المميَّزة.
عُقِد المؤتمر في عمان بمشاركة خمسين مفكراً وأكاديمياً وناشطاً من عشرين دولة إسلامية وعربية. كان همُّهم وشغلهم الشاغل، هو عمل صياغة عصرية ديمقراطية ومدنية لقيم الإسلام وفلسفته في الحكم، وتعزيز المشاركة السياسية للحركات الإسلامية، والعمل على إدماج تيار الإسلام السياسي في عمليات التحول الجارية في الدول والمجتمعات العربية والإسلامية التي تمر بأطوار انتقالية باتجاه الديمقراطية. وجرى تقسيم المؤتمر إلى محورين أساسيين[5]:
المحور الأول: نظام الحكم ومفهوم فصل السلطات:
وتندرج تحته بعض الموضوعات الأساسية مثل: (الدولة الدينية والدولة المدنية، ومبدأ فصل السلطات، والشورى والديمقراطية، والانتخاب والبيعة، والإمامة والخلافة والرئاسة).
المحور الثاني: حقوق الأفراد وواجباتهم:
وتندرج تحتة بعض الموضوعات مثل: (المواطنة بين المسلمين وغير المسلمين، وحقوق المرأة، والحريات).
تقول صحيفة الغد الأردنية[6] تعليقاً على البيان الختامي للمؤتمر: «توصل المؤتمرون إلى رؤية مشتركة حول القيم والمبادئ الدستورية التي يرون أنها تنسجم مع تعاليم الإسلام وقيمه، وساد منطق الوسطية والاعتدال الصياغات النهائية للأفكار المعبِّرة عن المضامين المطروحة».
وتوصل المؤتمر للنتائج والتوصيات الآتية[7]:
أولاً: الدولة الإسلامية دولة (مدنية) وليست (دينية)؛ حيث إن الإسلام لم ينشئ دولة دينية لا شرعاً ولا تاريخاً، وهذه الدولة المدنية يحكمها مدنيون منتخَبون، والتشريع فيها منوط بالمجالس النيابية والبرلمانات المنتخَبة بحرية وشفافية ونزاهة.
ثانياً: الدولة الإسلامية دولة (قطرية قومية)، تقوم على أساس الإقليم الجغرافي (القطر)، ومواطنة الدولة وهويتها محصورة بالإقليم؛ فالدولة الأممية (دولة الخلافة والإمامة) التي كانت خياراً تاريخياً لم تعد قائمة.
ثالثاً: تتنوع أنماط الحكم وأشكاله في الدولة المدنية ما بين مَلَكي وجمهوري، برلماني أو رئاسي، ومختلطٍ مركزي ولا مركزي.
رابعاً: الشورى مُلْزِمة للحاكم من خلال نظام ديمقراطي؛ وَوَفْق آليات حديثة كالانتخاب والاستفتاء وغيرها.
خامساً: تمييز العلاقة بين الدين والدولة: فلا يجوز للحكومات أن تتدخل في شؤون الدين خدمة لأغراض سياسية، كما لا يجوز للفقهاء ورجال الدين التدخل في الشؤون السياسية.
سادساً: التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية، حق لجميع مكونات المجتمع السياسية والمذهبية والعرقية والدينية.
سابعاً: تداول السلطة مبدأ أساسي لنظام الحكم؛ يجري وَفْقَاً لآلية انتخابية يقررها الشعب بغالبية أصواته.
ثامناً: المواطَنة هي الأساس الوحيد الناظم والمقرِّر لعلاقة الفرد بالدولة؛ فلها حق الطاعة وله حق الانتماء.
تاسعاً: المساواة التامة بين الرجل والمرأة وصيانة حقها في المشاركة الكاملة في إدارة شؤون الدولة والحكم.
عاشراً: مشاركة المواطنين غير المسلمين في إدارة الدولة والحكم، حق شرعي ودستوري.
مناقشة هادئة لتوصيات المؤتمر:
إن من يستقرئ هذه النتائج والتوصيات يجد أنها تنطوي على تناقضات ومغالطات وتسميات للأشياء بغير مسمياتها، إلى جانب تبنِّي مبدأ تذويب الإسلامي في العلماني، فضلاً عن خلط الأوراق بعضها ببعض؛ وهو ما نتج عنه أخطاء سياسية، وتاريخية، وشرعية كثيرة يمكن تركيزها في الآتي:
أولاً: تعارض «المدني» مع «الديني» بوجه عام:
تقوم الدولة المدنية على أساس استبعاد الدين من عملية بناء القيم السياسية وتقنين العلاقة السياسية بين المواطن والحكومة في إطار الدولة القومية، مع استبعاد الرابطة الدينية كأساس للتجانس الاجتماعي والتكامل السياسي.
وتعتمد الدولة المدنية على مبادئ أساسية أهمها:
1 - مبدأ الحرية الدينية: وهو (مبدأ المساواة بين المواطنين بغضِّ النظر عن الانتماء الديني).
2 - عدم تقبُّل الدين «الكهنوت» كاتجاه سياسي أو كمرجعية سياسية للدولة.
3 - الفصل التام بين العلاقة الدينية والعلاقة السياسية.
4 - الفصل الوظيفي بين «الوجود الديني» وكيان الدولة.
وفي هذا تعارض بين البعد التاريخي والبعد الواقعي؛ فالدولة المدنية التي نشأت إبَّان الثورة الفرنسية هي وليدة سلسلة طويلة من التطورات والنظريات الفكرية التي تفاعلت مع ظروف القارة الأوروبية وأوضاعها في القرن التاسع عشر، وهي بهذا المفهوم ليست سوى تعبير عن واقع سياسي بعينه، هو الواقع الأوروبي في القرن التاسع عشر، أو هي مرحلة في التطور العام للظاهرة السياسية في المجتمعات الأوروبية[8].
ووجه التناقض: أنهم يقرِّرون أن الدولة في الإسلام مدنية وليست دينية: أما مصدر الدستور والقانون فيها فحتماً هو الكتاب والسُّنة، وموروث الأمة فقهاً وفكراً، لكن هذا الكلام في الحقيقة يحمل التناقض بين ثناياه؛ إذ كيف نقول عنها: إنها لا دينية. ثم نقول في الوقت نفسه: إن دستورها هو الكتاب والسُّنة؟ فمعنى كونها لا دينية: أنها لا ترتبط بالدين، وكون دستورها الكتاب والسُّنة أنها ترتبط بالدين؛ وفي هذا تناقض فجٌّ؛ فمن هذا المنطلق لا يمكن أن تتلاقى الدولة المدنية مع الدولة الدينية (الإسلامية)[9].
ثانياً: تعارض «الديني» بمفهوم «الغرب»، مع «الديني» بمفهوم «الإسلام»:
ارتبط مفهوم الدولة الدينية في الغرب بدولة الكنيسة التي كان يحكمها رجال الدين في ضوء نظرية (التفويض الإلهي) أو الحكم الإلهي (الثيوقراطي)؛ وهو نظام الحكم الذي يعتبر أن الله هو السلطة العليا، وأن القوانين الإلهية هي قوانين واجبة التطبيق، وأن رجال الدين (الكنيسة) - بوصفهم الخبراء بتلك القوانين الإلهية - تتمثل فيهم سلطة الله التي يكون لزاماً عليهم تجسيدها من خلال فرض القوانين السماوية وتطبيقها، وهم مسؤولون أمام الله فقط في المحاسبة وليس أمام الشعب[10].
والنظام الثيوقراطي (Theocracy) من أصل يوناني (θεοκρατία) وتعني: حكومة الكهنة أو حكومة دينية.
تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين مدمجتين، هما: (ثيو) وتعني: الدين، و(قراطية) وتعني: الحكم، وبناءً عليه فإن الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته (أو بالأحرى) شرعيته مباشرة من الإله. وتُعَدُّ الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردي الذي كان يزاوله الملك عن طريق الوراثة ولا يجوز لأحد مخالفته باعتباره خليفة الله.
ولقد كانت أوروبا في عصورها الوسطى نموذجاً من هذا النوع من الحكم؛ حيث امتدت سيطرة الكنيسة ورجالها إلى كافة نواحي الحياة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) في المجتمعات الأوروبية، وكان لها أثرها الواضح في توليد ردِّ فعل عنيف تجاه تدخُّل رجال الدين في حياة الأفراد بأي صورة من الصور؛ فكان أن ظهرت الحركات القومية والمذاهب الفردية والنظريات الديمقراطية كردود فعل على ممارسات رجال الدين المسيحي المتعدية في أوروبا زمن العصور الوسطى، وكان أن ترجم الفكر السياسي الأوروبي رفضه لممارسات رجال الكنيسة في العصور الوسطى إلى رفض للدين ذاته؛ فظهرت الحركات العلمانية التي ترمي إلى الفصل التام بين الدين والسياسة، مؤكِّدة أن الدين مكانه ليس البرلمان ولكن دور العبادة؛ وهي الفكرة التي تقوم عليها المجتمعات السياسية في أوروبا وأمريكا حتى وقتنا الحالي. وتتمثل الثيوقراطية (الدولة الدينية) في ثلاثة أصناف:
أولاً: الطبيعة الإلهية للحكام.
ثانياً: نظرية الحق الإلهي المباشر.
ثالثاً: نظرية الحق الإلهي غير المباشر.
وكل ما سبق عكس مفهوم الدولة الدينية (الإسلامية) التي يحكمها بشر يحاسَبون أمام الناس (كما جاء في خطبة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: «أطيعوني ما أطعت الله» فإن فعل غير ذلك فلا طاعة له عليهم، ويحاسَبون أمام الله؛ كما جاء في الآية الكريمة: {الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ *} [الحج: ١٤].
والإسلام ليس فيه مؤسسة دينية كالكنيسة التي فيها التراتبية المعهودة بين رهبانها، وقد نعى القرآن الكريم على أهل الكتاب هذا المفهوم، فقال - تعالى -: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ١٣] . وقد بيَّن المفسرون أن تلك الربوبية كانت في استقلال الأحبار والرهبان بالتشريع، حتى إنهم لَيُحِلُّون ما حرَّم الله - تعالى - ويحرِّمون ما أحل الله، تعالى[11].
ثالثاً: اختلاف الحدود والأدوات:
1 - إن الدولة المدنية قطرية إقليمية بخلاف الدولة الدينية (الإسلامية) التي تعتمد الإسلام وطناً، والخلافة إطاراً عامّاً يتعدى حدود القطرية[12].
2 – «الشورى»: وهي أداة من أدوات النظام السياسي الإسلامي، تختلف وتتعارض مع «الديمقراطية» التي تمثِّل آلية من آليات النظام السياسي المدني الغربي، وتعمل من خلال المنظومة الفلسفية السياسية الغربية؛ فهي مُلزِمة تعتمد على الأغلبية بخلاف الشورى التي تُعتَبَر مُعلِمة لا تُلزِم الحاكم؛ بل توجِّهه وتُعِينه في اتخاذ القرارات. وحتى لو أخذنا ببعض الآراء التي تقول بأنها مُلْزِمة للحاكم؛ فإنها تختلف شكلاً وموضوعاً عن الديمقراطية التي تعبِّر عن رأي الأغلبية، وإن دعا هذا الرأي إلى كفر؛ فالتعويل هنا على الإجماع وإن كان على باطل[13].
رابعاً: اختلاف الأولويَّات:
إن الدولة المدنيـة تفصـل فـصـلاً تامـاً بين «الدنيـوي» و «الدينـي»؛ وذلـك عكـس الدولـة الإسلامية التي تجمع بين الاثنين في إطار يُعلِي من شأن الديني على الدنيوي؛ كما جاء في الآية الكريمة: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: ٦٩]. والآية: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْـجُوعِ وَالْـخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ٢١١][14].
خامساً: اختلاف طبيعة الحقوق والحريات:
1 - حقوق المرأة: وهي تختلف في الدولة المدنية عن نظيرتها في الدولة (الإسلامية)؛ إذ في الأُولَى تخالف الفطرةَ التي فطر الله الناس عليها؛ كالمطالبة بالمساواة التامة في كل شيء. بينما الآية الكريمة تقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: ٦٣]، فهما مختلفان في الإمكانيات الجسمية، والدَّور، والوظيفة الأساسية التي خلقهما الله من أَجْلِها، وكذلك تخالف القواعد التي وضعها الحق - تبارك وتعالى - لحماية المرأة والأسرة؛ فلها حقوقها التي أقرَّها لها الإسلام؛ وهي لا تتطابق مع الرجل تطابقاً تاماً؛ لاختلاف التكوين والطبيعة والوظيفة؛ كما جاء في الآيات الكريمات: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: ٨٢٢]، و {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: ٤٣]، فالنساء لهنَّ حق التعليم والعمل في ضوء الإسلام وهديه[15].
2 - الحريات مصانة في الدولة الإسلامية، لكنها تختلف عن نظيرتها في الدولة المدنية: فحرية العقيدة مكفولة، كما في الآية الكريمة: {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٦٥٢]؛ ولكن من يرتد عن الإسلام بعدما اختاره واعتنقه يقام عليه حدُّ الردة ويعامَل معاملة الكفار. وأهل الكتاب يمارسون شعائرهم ويشتركون في الحياة العملية في ظل قوانين الدولة الإسلامية والتسـامح الذي هو فلسـفة أسـاسـية لها طالما أنهم لا يقاتلون المسلمين في دينهم[16].
سادساً: أكذوبة إقصاء الدين في الدولة المدنيَّة الغربية المعاصرة:
إن الملاحظة الممحِّصة للواقع السياسي الغربي حالياً تشير إلى وجود علاقة بين الدين والحياة السياسية في ظل الدولة المدنية، وإلى أن الدين هو أحد متغيرات العلاقة السياسية من جهة، وأحد مقومات عملية التجانس والتكتل الاجتماعي من جهة أخرى. لقد تحولت الكنائس بالفعل في الواقع السياسي الغربي المعاصر إلى مؤسسات ذات تفويض كامل؛ لكي تلعب دوراً سياسياً مشروعاً داخل النظم الغربية[17]؛ فعلى سبيل المثال تلعب الكنيسة الإنجليكانية في بريطانيا دوراً أساسياً كقوة مساندة للحكومة، وتناضل من أجل الدفاع عن مصالح ومواقف الدولة، وتُحوِّل منابرها إلى أماكن للدعاية السياسية، كما تتدخل في بعض القضايا الدولية تحت إشراف الدولة وكأداة من أدواتها، كما حدث في فلسطين ولبنان وأفغانستان والعراق[18]. ويؤكد المؤرِّخون أن قرارات الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان قد غلَّفتها الرؤية المسيحية التي سادت الحروبَ الصليبيةَ على الشرق الإسلامي قديماً. إن ما سُمِّي بحرب الخليج الثانية عام 1991م، كان الاسم السري لها (مجد العذراء)، ولم يكن حديث جورج بوش الابن عن الحرب الصليبية إبَّان غزو أفغانستان واحتلالها عام 2002م والعراق عام 2003م مجرد زلَّة لسان، بل إن ما حدث من تدنيس للمصاحف على نطاق واسع في معسكر غوانتانامو الأمريكي لم يكن إلا نوعاً من التوجه الديني للحرب والسياسة[19].
 
 



[1] جريدة البناء اللبنانية، الجمعة 2 أبريل 2010م، العدد 273، ص 6، شؤون اجتماعية.
 
[2] شبكة العَلمانيين العرب، القدس سنتر، مؤتمر دسترة قيم الإسلام وفلسفته للحكم ف (1- 2)، /9/ 2007م. وانظر أيضاً: شبكة الإصلاح والتغيير في العالم العربي. وانظر موقع الهندسة نت حول مؤتمر (نحو إسلام ديمقراطي مدني).
 
[3] د. باسم خفاجي، إستراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام. (قراءة في تقرير مؤسسة راند 2007م)، المركز العربي للدراسات الإنسانية القاهرة، السنة الأولى، ربيع الثاني 1428هـ، مايو 2007م، ص 26، 27، 28.  
 
[4] «مؤسسة كونراد أديناور» مؤسسة تابعة للحزب الديمقراطي المسيحي الألماني؛ وهي مؤسسة ذات طابع سياسي ولا تهدف للربح، كما تسهم ببرامج وأنشطة لدعم الحوار السياسي والتفاهم بين الثقافات، ولها وجود في معظم الدول العربية. اقرأ عن (الدور المشبوه لمؤسسة كونراد أديناور في مصر والعالم العربي) بموقع: www.al- seyassah.com. وانظر موقع الأماني أورج/ alamany.org 3.
 
[5] موقع صحيفة الغد الأردنية 2 أيلول 2007م، وموقع صحيفة خبر الإلكترونية بعنوان: «مؤتمرات باسم الإسلام فيها الخيانة للإسلام».
 
[6] المرجع السابق .
 
[7] المرجع السابق.
 
[8] د. عبد العزيز صقر، الرؤية الغربية للدولة المدنية، بحث في التقرير الإستراتيجي الصادر عن مجلة البيان، التقرير الخامس (الواقع الدولي ومستقبل الأمة)، الرياض، 1429 هـ/ 2008 م، ص 23، 24.
 
[9] د. محمد بن شاكر الشريف، الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية والـمُحكَمَات الإسلامية، بحث في موقع WWW.SAAID.NET
 
[10] د. عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2، 1993م، حرف الثاء، مصطلح الثيوقراطية.
 
[11] د. صلاح الدين دبوس، الخليفة (توليته وعزله)، إسهام في النظرية الدستورية الإسلامية: دراسة مقارنة بالنظم الدستورية الغربية، القاهرة، 1973م، مؤسسة الثقافة الجامعية، ط 2، ص 201.
 
[12] د. مصطفى حلمي، نظام الخلافة في الفكر الإسلامي، دار الأنصار القاهرة، 1980م.
 
[13] عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، الشورى وأثرها في الديمقراطية، دراسة مقارنة، المكتبة العصرية، بيروت، 1995م، ص100. وانظر أيضاً: أحمد عبد الفتاح بدر، مفهوم الشورى في أعمال المفسرين، مكتبة الكتاب والسُّنة، القاهرة، 1991م، الباب الثالث من ص 81 – 98.
 
[14] د. علي جريشة، شريعة الله حاكمة، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1987م
 
[15] ناصر الدين الألباني، تحقيق كتاب حقوق المرأة في الإسلام للشيخ محمد رشيد رضا، المكتب الإسلامي بيروت، 1984م.
 
[16] د. محمد أبو زهرة، فلسفة العقوبة في الفقه الإسلامي، مكتبة وهبة القاهرة، 1976م، ص 192، وص 681.
 
[17] د. عبد العزيز صقر، الرؤية الغربية للدولة المدنية، ص 23 - 42.
 
[18] المرجع السابق.
 
[19] د. محمد مورو، الحرب الصليبية من البابا أربان إلى البابا بوش، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة، ط 2005م، ص 5، 6.

أعلى