• - الموافق2024/11/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المسابقات الدينية

المسابقات الدينية

  انتشرت المسابقات «الدينية» بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخاصة في رمضان. والمسابقات وأسلوب السؤال والجواب هي إحدى وسائل التعليم الجذابة المهمة، ولها تأثير كبير على المشاركين والمتابعين؛ لِـمَا لها من مميِّزات لا تتوفر في غيرها من الوسائل. ولقد استخدم الرسول # هذه الوسيلة (السؤال والجواب) في كثير من المواقف. كما أنه ورد هذا الأسلوب في حديث جبريل - عليه السلام - حول الإسلام، والإيمان، والإحسان. وصنَّف بعض العلماء من أهل السُّنة المتأخرين كتباً في مواضيع مختلفة، مستخدمين هذا الأسلوب، ككتاب «أعلام السُّنة المنشورة» للحافظ الحكمي، وغيره؛ وهو ما يدل على أهمية هذا الأسلوب وتأثيرِه. وتُعتَبَر المسابقات الدينية من الوسائل الهامة في الدعوة؛ لأسباب كثيرة، منها:
1 - أنها تناسب كافة المستويات العقلية والعلمية والعُمُرية وأنواعَ التخصصات.
2 - وهي مهمَّة لندرة علماء عصرنا الحاضر، وقلَّة المتفرغين للدعوة، وقلَّة حلقات العلم، وضيق أوقات الناس عن طلب العلم.
3 - وهي مهمة لوجود عنصر التشويق والإثارة فيها، والإمتاع والتسلية، وبث روح التنافس، وبُعْد عنصر الملل عنها؛ وهو ما يجعلها ذاتَ تأثير كبير على الناس. كما أنها لا تُحرِج المشاركين فيها، ولا غيرهم.
4 - وهي أيضاً وسيلة مختصرة، سريعة، مباشرة، مع إمكان أن تكون دقيقة وعميقة.
5 - ولِـمَا فيها من حوافز مالية.
وفوائد المسابقات لا تقتصر على المشاركين، بل تشمل المتابعين أيضاً؛ ولهذا تُعَدُّ المسابقات الدينية وسيلة مهمة، ومجدية في الدعوة، إذا ما جرى استغلالها على الوجه الصحيح من الدعاة وأهل العلم؛ لهذا سارعت وسائل الإعلام المختلفة، والمؤسسات التجارية، والشركات، والجامعات لاستخدام هذه الوسيلة؛ لتحقيق أهدافها في الربح المادي، أو التسلية والترفيه، أو محاربة الإسلام باسم الإسلام؛ حتى إن بعض الصالحين من ذوي النوايا الحسنة وقعوا - عن غير قصد منهم - فيما تعمَّدته الجهات التي طرحت المسابقات بهدف محاربة الإسلام، وتشويهه فاشتركوا في النتيجة مع اختلاف أهدافهم. وفي هذه الكلمات سأحاول إلقاء الضوء على الصور التي يحارَب بها الإسلام بهذه الوسيلة من تلك الجهات، ثم سأذكر بعض الملحوظات، والقواعد لجعل المسابقات التي تطرحها الجهات الطيبة الصالحة في الاتجاه الصحيح، ولِتُؤتي ثمارَها الطيبة، إن شاء الله عز وجل:
1 - من صـور محـاربة الإسلام فـي هـذه المسـابقــات: ما تقوم به كثير من وسـائل الإعـلام من خلـط الحـق بالباطل. ورغم أنها وسائل هدفُها إفساد العقائد والأخلاق؛ إلا أن المسابقات «الدينية» جزء من برامجها. وهي بهذه الطريقة تُظهِر محبَّتها للدين، والاهتمامَ به؛ فيطمئن المتابعون، ويزول حذرهم، وتَقِل يقظتهم من تلك الجهات الإعلامية، وتَقِل ممانعتهم الفطرية لمقاومة المفسدات، بل تُشَل قدرتُهم على الحزم بشأنها، وتجعلهم في حَيْرة من أمرهم بشأنها؛ فلا ينصرف عنها إلا من نوَّر الله بصيرته. وبهذا تكون الضربه أقوى، والطعنة أجدى؛ فهي تحارب الإسلام باسم الإسلام، متسترة بثوب الدين.
2 - ومن الصور التي تحارب بها هذه المسابقات «الدينية» الإسلام: ما تطرحه من أسئلة تافهة في موضوعها وأهميتها، ليبقى الجمهور في هذا المستوى التافه في التفكير، والعمل؛ فهي تعمل على تتفيه الشخصية وتمييعها وإفقادها جديتها.
 3 - وبعض المسابقات تحارب الإسلام عبر ما تطرحه من أسئلةٍ الهدفُ منها زرع الفتن، وبثُّ الشبهات، وتعميق الخلاف، وترسيخ مفاهيم معيَّنة مغلوطة عن الإسلام.
 4 - وأحياناً تطرح كلمةَ حقٍّ يراد بها باطل، أو تطرح حقائق مبتورة، أو مصاغة صياغة ماكرة خبيثة؛ ترويجاً للباطل وأهله.
 5 - ومنها ما هو موجَّه للمرأة؛ لزعزعة نظام الأسرة المسلمة، والترويج لبرامج الصليبيين في الأسرة.
 6 - ومن أهداف تلك المسابقات: تضييع أوقات المسلم في البحث عن إجابات الأسئلة، أو متابعة ما لا يهمه في دينه، ولا حتى في دنياه.
 7 - ويحارَب الإسلام أحياناً بطرح أسئلة عن تاريخ الإسلام لتشويه حقائقه.
8 - كما أن بعض الجهات تستخدم المسابقات كاستبيانات لجمع المعلومات: بهدف وضع البرامج المناسبة من جهة، وتقييم البرامج الحالية والسابقة من جهة أخرى؛ للكيد للإسلام وأهله. والملاحَظ أن المكر لا يكون في موضوع السؤال وحسب، بل في طبيعة صيغته. ويكون الباطل من لوازم الإجابة، أو في الإجابة ذاتها مثل: من هو الموسيقار المسلم الذي طوَّر آلة العود؟ وكأن هذا العمل من العبادات الإسلامية التي نعتز بها ونفاخر، أو: اذكر ثلاثة من فلاسفة الإسلام؟ ومعروف ما هي دلائل مصطلح «فلسفة»، وما هي موحياته... وهكذا يراد أن يقع في ضمير المشاركين، والمتابعين لتلك المسابقات: أن الإسلام هو هذا الذي يُطرَح؛ فمن عرفه فهو على خير، ولا ضير عليه في عدم معرفة غيره.
وإذا أحسنَّا الظن في بعض من يطرح مثل هذه المسابقات فلا يمكن إعفاؤه من المسؤولية عن المشاركة في الإساءة للدين؛ وأقل ما يقال: إن ما يُطرَح في تلك المسابقات، إن لم يكن مما لا يهمُّ المسلم في دينه، فإنها تأتي في مؤخرة الأولويات على الإطلاق، ولا تخدم المسلمين ولا الإسلام. وهكذا ينشغل المسلمون بتوافه الأمور عن عظائمها، ويُعمَـل (من الحبة قبَّة)، ويجري تحويل الثوابت إلى متغيرات. وبدلاً من أن تبقى مقاييس الكتاب والسُّنة هي المرجع الوحيد في حياة المسلم، تصبح أراء الرجال (بل أشباه الرجال) لا تزاحم ذلك المرجع وحسب، بل تَحُل محلَّه. وتصبح المسلَّمات قابلةً للنقاش وتُطرَح على طاولة البحث والأخذ والرد، والله المستعان.
فماذا يعنيني في ديني معرفة اسم زوجة العزيز؟ وما غَنَاء معرفة كم مكث يوسف في السجن من سنوات؟ وما هي أسماء صاحِبَيه في السجن؟ وهل من الضروري أن أعرف اسم أوَّل شهيد، أو أوَّلَ من صلى؟ وماذا يضيرني إذا لم أعرف ما عدد أحرف سورة كذا؟ وكم تكررت كلمة كذا في سورة كذا؟ بينما من الضروري أن أعرف شروط التوحيدِ، وأقسامَه، وأُسُسَ عقيدة السلف.
وقد يجادل بعضهم فيقول: أن أعرف خير من أن لا أعرف. وقد يكون عدُّ أحرف سورة كذا طريقاً لقراءة القرآن؛ وهي عبادة... إلى آخر هذا الجدل.
فأقول: ليس دائماً أن تعرف خير من أن لا تعرف؛ بل يكون أن لا تعرف خيراً من أن تعرف: إذا كانت هذه المعرفة على حساب فضائل أخرى: من فرائض، وواجبات، والعمل بها مما نحن مقصرون فيه؛ لذلك يجب على المخلصين من دعاة هذه الأمة، ومن أهل العلم وأئمة المساجد، التنبُّه لهذه الوسيلة، وخطورتِها، والاهتمامُ بها، واستخدامُها، وتوجيه مستخدميها؛ لتكون وسيله دعوية فاعلة، مؤثرة. وفي هذا الصدد أشير إلى عدد من الملحوظات، والضوابط للرقي بمستوى المسابقات الدينية:
1 - تصحيح النية من قِبَل القائمين على المسابقات، وإرشادُ المشاركين إلى تصحيح نياتهم عند المشاركة؛ لتكون النية خالصة لله، عز وجل.
2 - التركيز على الأسئلة حسب أولويات مواضيعها، وأهميتها. وأعتقد أن مسائل الاعتقاد، والتوحيد، والإيمان، والبراء، والولاء، ومسائل الشرك، ونواقض الإسلام أَوْلَى الأولويات، ومِنْ بعدها المواضيع المتعلقة بالمنهج، والعبادات، ثم ما يهم الناس في معاملاتهم، وما ينبني عليه ثمرة. والأصل في هذا قول الرسول #: «من حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه».
3 - التذكير بحرمة الغش والتغشيش، ووضع آلياتٍ لمنع ذلك؛ كأن تكون الإجابة على الأسئلة فورية، وغير ذلك.
4 - أن تصاغ الأسئلة صياغة تحرِّك الناس من الداخل للانتفاض على الواقع الأليم للأمة، والثورة على برامج التجهيل الممنهجة، وفَضْح المؤامرات على الإسلام، والمسلمين، وصياغة الأسئلة لتكون أداةً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5 - مراعاة المستويات العقلية، والعلمية، والعُمُرية، للمشاركين، مع الاختيار المناسب لأوقات المسابقة، ومراعاة أوقات الناس.
6 - أن تتصف أسئلة المسابقات بالدقة، والإيجاز، والاختصار قَدْرَ الإمكان. ولا يمنع ذلك من أن تكون عميقة.
7 - الاهتمام بنشر الإجابات الصحيحة: لأن الهدف الدعوة إلى الله، عز وجل.
8 - لا بد من الاهتمام بعنصر التشويق والإثارة والتنويع في المواضيع. ومع أن الترفيه والتسلية ليس هدفاً؛ لكن إبعاد عنصر الملل والجمود مطلب مهم.
9 - صعوبة الأسئلة، وسهولتها: حيث يراعَى بها أحوال المشاركين، ويكون الهدف من المسابقة ليس التذكير بالحق فقط؛ إنما تعليمه بشكل رئيس؛ لذا اقتضى أن تكون الأسئلة تتناسب صعوبتها مع المستويات العلمية للموجَّهة لهم، وهذه مسألة نسبية قابلة للاجتهاد. ويلاحظ أن المسابقات التي تهدف إلى الربح المادي، وفيها قمار وميسر، تكون سهلة للغاية، بل تافهة؛ ليشارك فيها أكبر عدد ممكن من الناس، والحصول على أعلى دخل مادي وربح تجاري. ومن أمثلة ذلك: ما عدد ركعات صلاة الظهر؟ وما اسم نبي الإسلام ؟ وما اسم آخر الرسل؟ وهل تجوز الصلاة بغير وضوء؟
10 - الجوائز: يراعى أن تكون هادفة من حيث قيمتُها، ومعناها. مع تحري الحلال في مصدرها، وتجنُّبِ شُبَهِ الميسر، والقمار، والحذر من أكل أموال الناس بالباطل.
وبالنسبة للمنفقين على الجوائز من المحسنين يجب الحذر من دعوة المنحرفين وأهل البدع، لرعاية تلك المسابقات، وتقديم جوائزها؛ فالدعاة يجب أن لا يسمحوا أن يكونوا سلَّماً أو جسراً يعبر عليه أصحاب المآرب المادية، أو أهل البدع. ومن المحزن أن نرى هؤلاء يستغلون الدين والمساجد وأهلَ الدين للوصول إلى أهدافهم: من الربح المادي، والشهرة، والدعاية الانتخابية.
11 - صياغة الأسئله صياغة تتناسب مع طبيعة السؤال، ومع موضوعه، ومع طبيعة المشاركين وأحوالهم أيضاً.
فإذا كان المشاركون - مثلاً - ممن قدرتهم على التعبير ضعيفة، أو كتاباتهم ضعيفة؛ فإنه يفضَّل أن تكون الأسئلة الموجَّهة لهم من نوع (اختيار من متعدد) أو (نعم أو لا).. ونحو ذلك. وهناك أسئلة تصلح أن تكون بصيغة (صح أو خطأ)، أو (أكمل الفراغ)، أو (فَسِّر)، أو (ما حكم كذا؟)، أو (اذكر)، أو (عدِّد)، أو (استخرج من كتاب أو شريط كذا وكذا)... إلخ. ولا بأس من الإحالة إلى كتاب، أو شريط للحصول على الإجابة.
12 - بعض الأسئلة لها أكثر من إجابة صحيحة، وبعضها لها إجابات صحَّتُها نسبيَّة، أو بعض إجاباتها أصحُّ من بعضها الآخر، أو أدق؛ فهذه الأسئلة: إما أن يُتجَنَّب طرحها أو تطرح بصيغة مناسبة لوضعها؛ كأن يوضع لها اختيار صحيح من متعدد، أو يكون أحد الاختيارات يجمع كل الإجابات الصحيحة الممكنة للسؤال. ولقد سمعت ذات مرة سؤال: من هو الصحابي الذي غسَّلته الملائكة؟ فأجاب أحد المشاركين: إنه حمزة، فتمَّت تخطئته على اعتبار أن الإجابة الوحيدة الصحيحة، هي: (حنظلة)؛ مع أن هذا المشارك إجابته صحيحة؛ فقد ورد في حديث صحيح: أن حمزة - رضي الله عنه -غسَّلته الملائكة أيضاً[1]؛ ولذلك يجب أن يكون واضعو الأسئلة في المسابقات ليس ممن تتوفر فيهم صفة الصلاح وحسب، بل العلم والثقافة عالية المستوى أيضاً.
وصلى الله على رسولنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم، والحمد لله رب العالمين.
 


[1] انظر صحيح الجامع، رقم (5133).

أعلى