• - الموافق2024/11/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دروس صهيونية من انتفاضة الاقصى في ذكراها العاشر

دروس صهيونية من انتفاضة الاقصى في ذكراها العاشر


بينما يحيي الفلسطينيون الذكرى السنوية العاشرة لانتفاضة الأقصى؛ باتت معالم معاناة المجتمع الصهيوني بادية للعيان: متعددة المصادر، ومختلفة المظاهر، فقد ذكرت نشرة «ذي ماركر» الاقتصادية أن تدهور الوضع الاقتصادي في الكيان الصهيوني - الذي شهد ازدهاراً كبيراً قبل الانتفاضة - في معظمه كان سببه تعطل السياحة، التي تمثل ثاني مصدر للدخل، وشكلت أعوام الانتفاضة العشرة الأسوأ من الناحية الاقتصادية منذ ستين عاماً.

كما تراجع الناتج المحلي الإجمالي الصهيوني بنسبة 1%، وارتفعت نسبة البطالة إلى 10.5%، وارتفعت نسبة الصهاينة الذين هم تحت خط الفقر إلى 20%، أي نحو مليون و200 ألف، وانخفض المعدل السنوي لإنتاج الفرد بثلاثة آلاف دولار، من 18600 إلى15600 دولار.

وحسب تقرير القسم الاقتصادي في اتحاد «لاهاف» فقد أُغلِق نحو 50 ألف متجر، وتوقفت عشرات الآلاف من المشاريع التجارية والمتوسطة، وحسب بعض التقديرات فقد بلغ مجموع الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية خلال السنتين الأوليين للانتفاضة نحو ثمانية مليارات دولار، بمعدل 11 مليون دولار يومياً!

ثمن الغطرسة:

من جهتها عقبت صحيفة هآرتس على هذه المناسبة بالقول: إن الفرق الجوهري الذي أحدثته الانتفاضة، يشير إلى أن الشعب الفلسطيني لم يعد الجهة الوحيدة التي تدفع ثمن الاحتلال من شهداء وجرحى ودمار، بل أصبحت «إسرائيل» تدفع غالياً ثمن احتلالها.

ولأول مرة في تاريخ الصراع يدفع الإسرائيلي ضريبة عدوانه على المستويين المادي والمعنوي؛ فسجل المستوى المادي تزايداً في أعداد القتلى والجرحى، إضافة إلى خسائر أخرى، وسجل المستوى الثاني مشاعر إحباط متنوعة، وقلقاً على مستقبل الدولة في المنطقة

كما ذكرت مجلة «بمحانيه» العسكرية تقديرات بعض التقارير الأمنية للخسائر الإسرائيلية من القتلى والجرحى بين عامي 2000-2006 بـ 1100 قتيل، و6000 جريح، وبلغ مجموع ما ينفق على الأمن ما يقرب من 9.5 مليار دولار، ومجموع من خرج للسياحة خارج فلسطين المحتلة أثناء الانتفاضة 360 ألف إسرائيلي، أكثرهم خرج خوفاً من العمليات الاستشهادية، كما أحدثت الانتفاضة هزة عميقة في الكيان الصهيوني، وأصابته في صميم القاعدتين اللتين بنى عليهما وجوده المادي، وهما الأمن والاقتصاد.

وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن عشرات الآلاف من الصهاينة أخذوا يحزمون حقائبهم، ويغادرون عائدين إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا، وأصبحوا يتجنبون ركوب الحافلات، ويخفِّفون من التسوق قدر الإمكان، لئلا يحدث انفجار في أي لحظة وفي أي مكان. وفقد المجتمع الصهيوني شعوره بالأمن، وتبخرت أحلامه في فرض شروطه المهينة على الفلسطينيين، وارتفعت جدران العداء والدماء من جديد لتوقف مدّ التسوية والتطبيع. كما أعاد الاحتلال إلى أذهان العالم صورته البشعة من جديد، وتحول نموذج استشهاد الطفل محمد الدرة - الذي رآه العالم - إلى كابوس يفضح الحقد والوحشية الإسرائيلية.

والمحللون العسكريون الصهاينة وأبرزهم «عاموس هريئيل، وإليكس فيشمان وألون بن دافيد» تطرقوا إلى أن الجيش الذي حاول التقليل من تأثير الانتفاضة خرج منها بعدة دروس، أهمها:

1- صحيح أنه كان بإمكانه السيطرة على المناطق المحتلة التي أطلق عليها اتفاق أوسلو مصطلح «أ» بشكل مباشر، لكنه تمّ بدون هدف حقيقي ممكن، فالهدف المعلن هو القضاء على «البنية التحتية للانتفاضة»، غير أن العمليات العسكرية الفدائية الناجحة - في أثناء هذه الحرب المفتوحة - أثبتت أن الهدف مجرد وهم.

2- إن إعادة سيطرة الجيش على الضفة الغربية لم ينتج عنها سوى استمرار الانتفاضة وبأشكال أخرى، لا سيما العمليات الناجحة، بل إن قراءة لمستوى العمليات الفدائية ونوعيتها ارتباطاً بالهجمات الإسرائيلية تشير إلى أن هناك تناسباً طردياً بينهما، خاصة في ضوء استهدافها لنقاط الضعف لدى الجيش.

3- لم يدرك الجيش أن الانتفاضة قادرة على الوصول للمستوطنين في كل مكان، وهو ما أثبتته عملياتها التي نُفِّذت مؤخراً في مدينتي الخليل ورام الله، بينما الدبابات تعلن الحرب في مختلف أنحاء الضفة الغربية.

4- من حصيلة حرب المدن والمخيمات يمكن القول: إن سياسة الحسم العسكري التي أعلنها الكيان تحت شعار «دعوا الجيش ينتصر» هُزمت في جولة مهمة، خصوصاً أنها حصدت أرواح عشرات الجنود ومئات الجرحى خلال عمليات الاقتحام نفسها، فضلاً عن عشرات قُتلوا في عمليات استشهادية خلال هذه الفترة.

5- يمكن القول: إن استمرار الانتفاضة - حتى كتابة هذه السطور - أفشلت توقعات الجيش؛ لأنها تحولت إلى مقاومة مسلحة حولت الحرب المعلنة إلى «حرب تحرير شعبية»، وأعادت إلى تجربة العمل الفدائي وحرب العصابات مفاهيمهما وعناصرهما؛ وهو ما لم يخطر ببال الجيش.

6- ما شهدته الانتفاضة من خلال «تجربة الحرب» تطوير نوعي وحقيقي للتراث العسكري الفلسطيني، من خلال الأوضاع اللوجستية التي غيّرت مفهوم الحرب؛ من اختراق الحدود ومهاجمة الجنود إلى اصطياد عدو يأتي إليك وإنزال خسائر فادحة به.

7- نجحت الانتفاضة في إفقاد الجيش توازنه، فسقوط نظريته العسكرية دفعه للإقدام على قصف سيارات الإسعاف والمدنيين، بل أماكن العبادة، بوصف ذلك تعبيراً عن فقدان الأعصاب الذي أصاب قيادته.

سقوط القوة العسكرية:

التليفزيون الصهيوني أورد تقريراً مصوراً مطولاً في هذه الذكرى، جاء فيه أنه يمكن النظر إلى أشكال المواجهة الرئيسية التي اتبعتها الانتفاضة بوصفها مؤشرات على العلاقة المطردة مع الجيش. فكل شكل يؤرِّخ لمرحلة من مراحل هذه العلاقة، هو التأكيد على أن أي معركة لا يمكن حسمها بالطائرات أو بإطلاق الصواريخ بعيدة المدى أو قصيرة المدى، بل يتقرر حسم المعركة فقط عن طريق القوة العسكرية البرية؛ وأكثر تحديداً عن طريق قوات المشاة، دون ذلك فإن حرب الطائرات والصواريخ تظلّ ممارسة لـ (فانتازيا القوة) التي تصل إلى حدّ الإرهاب.

ومن ناحية أخرى فقد اضطرت الانتفاضة الكيان الصهيوني للتراجع عن مواقفه السابقة؛ عبر إقامة «مناطق عازلة» ظل يرفضها مراراً، بعد فشل جميع الوسائل العسكرية التي استخدمها من دبابات وطائرات واغتيالات وحصار وإغلاق واحتلال لمناطق «أ» في توفير الأمن للصهاينة.

أخيراً: فإن الصيغة التي خرجت بها معظم المحافل الصهيونية، أمنياً وسياسياً وعسكرياً، في ذكرى الانتفاضة العاشرة أنه بالرغم من تواصل عمليات التوغل والاغتيال في المناطق إلا أن الانتفاضة ما زالت تعمل بقوة، وبدأت حرب استنزاف غير مسبوقة، سجلت فيها تفوقاً نوعياً أذهل الجيش الإسرائيلي؛ ودخل المجتمع الصهيوني حالة من «النزيف المعنوي» لم تحدث له من قبل، على الرغم من كل أشكال الاستنفار الأمني وعشرات الآلاف من العساكر الذين جُنِّدوا للتصدي للمنتفضين.

كما وفرت الانتفاضة للشعب الفلسطيني مناخاً مغايراً، وبات واضحاً أنها قدمت لأنصارها ثقافة جديدة تتركز في أنه لم يَعُد أمامه إلا خيار المقاومة.

  

 

أعلى