مهام دموية تنتظر قائد الجيش الصهيوني الجديد
فور إعلان وزير الحرب الصهيوني «إيهود باراك» اختياره لقائد المنطقة الجنوبية في الجيش «يوآف غالانت» ليكون قائد أركان الجيش القادم، سارع كثير من المراقبين بتقديم التحليلات التي تضمنت تحذيرات من مرحلة الجنرال القادم، معتبرين إياها من أكثر المراحل دموية في تاريخ الكيان؛ وذلك في ضوء ميـوله الهجـومية، وتفضيله للعمليات العسكرية الأكثر دموية، وهو ما ظهر واضحاً خلال العمليات العسكرية القاسية التي نفذها ضد قطاع غزة.
وقد أكد المحلل العسكري الأبرز «أليكس فيشمان» أنه منذ سنوات طويلة ارتبط اسم «غالانت» بحروب ومعارك خاضها على عدة جبهات؛ سواء مجتمعة أو منفردة، ما يجعلنا نقول بكل ثقة أنه جنرال الإعداد للحرب المقبلة.
ومن خلال متابعةٍ دقيقة لأهم ما تطرَّقت إليه الصحافة الصهيونية خلال الأسابيع الماضية، يمكن التعرف على طبيعة المهام المنتظَرة أمام «غالانت»، وتتمحور في الآتي:
التجهيز للحرب المقبلة من خلال إعادة صياغة العقيدة القتالية، بما يتناسب مع البيئة القتالية التي تفرضها طبيعة التهديدات الإستراتيجية التي تتعرض لها دولة الكيان في المرحلة الحالية، ومعالجة القصور الذي جرى الكشف عنه خلال الحروب الأخيرة، وأكدته المناورات التي أُجريَت مؤخراً.
إنهاء حالة عدم الاستقرار في الجيش وهوما سيشكل عاملاً حاسماً في قدرته على التوجه للمعركة المقبلة.
صياغة أولويات قائمة التهديدات الإستراتيجية التي سيتعرض لها الكيان، والتجهيز لمواجهتها.
وتشير تقارير كثيرة إلى أن «غالانت» رجل شكاك بطبيعته، وأن لديه قدرة على إدارة منظومات كبيرة تحت ظروف الضغط، بينما يشكك كثير من معارضيه في قدراته في مجال قيادة القوات البرية، وعدم القدرة على تفعيل مزايا استخدام القوات الجوية.
ويأخذ الكاتب السياسي «عوفر شيلح» على «غالانت» علاقاته الوثيقة مع السياسيين ورجال الأعمال، وهو ما ينطوي على تميُّز شخصيته بالطابع المدني أكثر منها بالطابع العسكري، كما يمكن أن يمثل مؤشراً على احتمالات تورُّطه في «علاقات خاصة» بما لا ينسجم مع المبادئ العسكرية.
درس غزة:
وقد استطاع «غالانت» الاستفادة من موقعه كمسؤول عسكري في مكتب «شارون»؛ فإضافة إلى اطلاعه على كثير من المعلومات الأكثر سرية، فقد تعرَّف على التحالفات والصراعات بين السياسيين والعسكريين، وتعلم المناورة على الخط الفاصل بين المستوى العسكري والسياسي.
ورأت القناة الثانية في التلفزيون الصهيوني أن الحرب على غزة رفعت أسهم «غالانت» لدى صنَّاع القرار في الكيان، إلا أن نظرةً متفحصة تدل بسرعة إلى أن اختياره ينسجم تاريخياً مع النمط المفضَّل من رؤساء الأركان لدى النخبة السياسية، فـ «غالانت» لديه ميل كبير نحو تفضيل الخيار العسكري، كضابط وقائد لوحدة النخبة البحرية. كما كشف عن ذلك قيادته للمنطقة الجنوبية في الجيش، وردُّ فعله العنيف ضد قطاع غزة خلال فترة مسؤوليته؛ حيث انطلق وَفْقَ مبدأ «جباية الثمن» الذي أقرَّه ردّاً على عمليات المقاومة انطلاقاً من قطاع غزة.
حزمة المهام:
مصادر مقرَّبة من قيادة أركان الجيش الصهيوني تحدثت لصحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن المهمة الأساسية التي تنتظر «غالانت» تتمثل في تجهيز الجيش للحرب المقبلة، والوقوف أمام مواصلة مهام إعادة ترتيب أوضاعه، التي تضررت بصورة كبيرة في ضوء الحروب الأخيرة.
وترى المصادر الصحفية أن هذه المهمة تتطلب منه إعادة صياغة العقيدة القتالية وقدرة الردع للجيش؛ حيث تشكِّل التطورات الإستراتيجية في البيئة المحيطة بدولة الكيان، عاملاً ضاغطاً على رئيس الأركان الجديد لإعادة صياغة العقيدة القتالية للجيش في ضوء تضرر قدرة الردع، وتنوُّع التهديدات الإقليمية.
وقد صرح «غالانت» نفسه في أحاديث خاصة مغلقة بأنه معنيٌّ أكثر من أي جنرال صهيوني آخر بتحسين قدرة الردع للجيش، والتخطيط لحروب أقل تكلفة، وأكثر جدوى، وأقصر زمناً، وأطول نتائج على المدى الإستراتيجي، والعمل على ضمان القدرة القتالية على خوض الحرب على عدة جبهات في وقت واحد.
كما أفادت محافل عسكرية بارزة في تسريبٍ مقصودٍ لموقع «ويللا» الإخباري بقولها: إن «غالانت» سيأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي طرأت في السنوات الأخيرة على جبهات القتال التي بات الجيش مضطراً لخوضها، وتركَّزت بصورة كبيرة في نموذج حرب العصابات، وهو ما يجعله مطالباً بتطـوير قدراته القتالية في هذا الاتجاه.
إلى جانب التركيز على تعزيز قدرة قوات الجيش على الحضور المكثف في مسرح العمليات، وتعزيز القدرة القتالية لدى مقاتليه على تنفيذ «العمليات الجراحية الموضعية» المطلوبة، وهو ما يتطلب تفعيل عمل الوحدات الخاصة والتنسيق العملياتي بين مختلف الوحدات والألوية. مع ما يعنيه ذلك من تحسين ظروف المواجهة، من خلال تكثيف وتركيز «قوة النيران» على مراكز القيادة والسيطرة للعدو، وهو الأمر الذي سيعزز دور المروحيات في العمليات العسكرية المستقبلية، مع عدم إغفال سلاح البر، وتعزيز قدراته على العمليات الهجومية المباغتة وَفْقَ مبدأ «الصدمة والرعب»، الذي سبق أن حقق نجاحاً في العديد من عمليات الجيش.
بنك الأهداف:
مصادر إعلامية صهيونية تحدثت في القناة التلفزيونية الأولى عن مهمة تبدو ضرورية للجنرال القادم، وتتمثل في «تحديث» بنك الأهداف، في ضوء الإخفاقات الأمنية والاستخبارية التي كشفت عنها حربا (لبنان وغزة)، واعتماد الجيش فيهما على معلومات قديمة غير محدَّثة. وهذا الأمر يتطلب تعزيز التنسيق والتعاون مع المؤسسة الأمنية، وتعزيز مفهوم العمليات الوقائية، التي تركز على المستويات القيادية لدى الجهات المعادية.
وربما يبدو «غالانت» متسرعاً باتجاه وتيرة الانتهاء من مشروع «القبَّة الحديدية» الذي يساهم في حماية العمق الصهيوني من أخطار الصواريخ التي باتت تمثل السلاح الأكثر تأثيراً في أيدي قوى المقاومة؛ سواء الصواريخ قصيرة أو متوسطة المدى أو بعيدة المدى.
وهناك مهمة أخرى ستواجه «غالانت»، وستنعكس عليه، وتتمثل في أن السنة القادمة ستشهد انتهاء مهام رئيس جهاز الموساد «مائير دغان»، ورئيس جهاز الشاباك «يوفال ديسكن»، ورئيس شعبة «أمان» للاستخبارات العسكرية «عاموس يادلين»، وهناك تخوُّف من أن يؤدي تغيير قادة الأجهزة إلى عدم استقرار في فترة تتعاظم فيها التهديدات على دولة الكيان.
وعلى الرغم من أن «غالانت» سيمتنع عن القيام بأي خطوات تتعارض بصورة جذرية مع الإجراءات التي نفذها سلفه في قيادة الجيش «غابي أشكنازي» في إطار خطته التي نفذها لإعادة ترميم الجيش بعد حرب لبنان الثانية، وجعلته رئيس الأركان الأكثر قبولاً لدى الجمهور الصهيوني، على الرغم من ذلك إلا أنه من المستبعَد أن يتمكن «غالانت» من إعادة الاستقرار إلى قيادة الجيش بسرعة، في ضوء التحديات التي تفرضها التعقيدات القائمة.
كما سيكون «غالانت» مطالباً بتجهيز الجبهة الداخلية، والتقليل من الأضرار والخسائر التي قد تلحق بالصهاينة، وتوفير قدر أكبر من الحماية والرعاية لهم من خلال توفير ملاجئ محصنَّة، والتأكد من جاهزيتها الكاملة؛ تخوفا من تحدي المقاومة القادم حتماً.