آبي أحمد.. إفريقيا على موعد مع زعيم جديد
اسم جديد أطل في قائمة قادة النهضة لدى الأمم الفقيرة، إنه
«آبي
أحمد علي»
رئيس الوزراء الإثيوبي الذي مثلت شهوره الأولى في حكم إثيوبيا نقطة تحول كبيرة
تداولتها وسائل الإعلام في العالم أجمع بكثير من الانبهار، حتى إن وكالة سي إن إن
الأمريكية عنونت تحقيقاً يتناول التغيرات الجديدة في إثيوبيا بـ«لماذا
يعتقد الإثيوبيون أن آبي أحمد نبي؟»،
وهو عنوان يعبر عن فرط التجاوب الشعبي مع ما أحدثه آبي أحمد من إصلاحات في البلاد.
مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، لولا دا سيلفا رئيس البرازيل.. وغيرهم، أسماء
كثيرة كان لها دورها في نهوض أمتهم، وحصدوا محبة شعوبهم بعد إصلاحات مست حياة الناس
بصورة مباشرة، وكانت تلك الإصلاحات وثمارها ماثلة أمام أعين الناس حيث انتقلت
بلادهم من حالة الإفلاس والفقر إلى حالة النهوض والتقدم. لكن مع حالة آبي أحمد لم
يتح له الوقت الكافي ليتبين الناس حقيقة الإصلاحات ويلمسونها بأيديهم، فإن هي إلا
أشهر معدودة، فكيف حصل على كل هذا الزخم الشعبي؟
هناك عدة عوامل في ظني هيأت لتلك الحالة من الشعبية الجارفة:
أولاً:
آبي أحمد هو خيار شعبي بامتياز، لذلك يشعر الناس أنه جاء انتصاراً لرغباتهم ونتيجة
نضالهم الطويل وهو لم يخيب ظنهم به، إذ كان وجوده فعلاً تعبيراً عن انتمائه الشعبي.
جاء آبي أحمد إلى السلطة عقب احتجاجات واسعة ألمت بالبلاد وهددت وحدتها وفرضت
خلالها حالة الطوارئ فقد اندلعت الاحتجاجات في أكتوبر 2015م عقب قرار حكومي بتوسيع
رقعة العاصمة أديس أبابا ومن ثم مصادرة الأراضي الزراعية المتاخمة لها. وتقع تلك
الأراضي ضمن أملاك الأورومو الذين يمثلون 40% من المجتمع الإثيوبي، تليهم القومية
الأمهرية بنسبة 25%.
مع ملاحظة أن هناك تاريخاً طويلاً من الشعور بالظلم لدا قبائل الأورومو ونضالاً
طويلاً أيضاً في سبيل رفع هذه المظالم. لكنها القشة التي قصمت ظهر البعير.
وعلى إثر تلك الاحتجاجات المتواصلة في إقليم أروميا وأمهرا سارعت الحكومة في أكتوبر
2016م إلى إعلان حالة الطوارئ بالمنطقة، ومنعت خروج المواطنين منها، وقطعت شبكة
الاتصال وخدمات الإنترنت. وجرى بموجب تلك التدابير اعتقال أكثر من 29 ألف شخص،
ووصلت أعداد القتلى إلى أكثر من 500 قتيل في غضون أشهر، ومنحت حالة الطوارئ السلطات
الحق في نشر الجيش بمناطق الاحتجاجات.
كانت تلك الأزمات القوية هي التي دفعت في النهاية إلى استقالة رئيس الوزراء هايلي
مريام ديسالين، من رئاسة الحكومة والحزب الحاكم، وبرر ديسالين استقالته قائلاً:
«اتخذت
قراري بالتنحي على أمل أن يساعد ذلك على إنهاء سنوات الاضطرابات والقلاقل السياسية».
وأضاف:
«أرى
أن استقالتي حيوية لتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية دائمين».
أتى آبي أحمد إلى رئاسة الوزراء في 27 مارس 2018م، وهو أول رئيس وزراء من عرقية
أورومو، ذات الأغلبية المسلمة فسبعون في المائة من عرقية الأورومو مسلمون، والده
مسلم، وأمه مسيحية من عرقية أمهرة، ومتزوج من زوجة مسيحية أمهرية وله ثلاث بنات.
ثانياً:
التجاوب الكبير الذي أبداه أحمد ف الأيام الأولى من رئاسته، إذ على الصعيد الداخلي
تعهد آبي أحمد لدى توليه السلطة بتبني إصلاحات سياسية واقتصادية لمعالجة شكاوى
الجماعات العرقية، ومنها جماعة الأورومو التي ينتمي لها، من التهميش. كما أقال
النائب العام في إثيوبيا خمسة من كبار المسؤولين بالسجون بعد تقرير حقوقي يدين
الانتهاكات والتعذيب. قال آبي للبرلمان في منتصف يونيو:
«كانت
الشرطة تجلد (الناس). هذا انتهاك للدستور. كان رجال الشرطة إرهابيين».
أصدر عفواً عن 756 سجيناً من بينهم القيادي المعارض نائب رئيس حركة
«قنبوت
سبات»
أندرجاتشا سيجي، كانوا متهمين في قضايا فساد وإرهاب. كما اجتمع آبى أحمد مع مسؤولين
من جماعات المعارضة والمجتمع المدني. وعاد إلى إثيوبيا، زعيم جبهة أورومو
الديمقراطية المعارضة، لينشو ليتا، برفقة أربع من قيادات الجبهة، بعد عقدين من
الزمن قضاهما في المنفى بين أوربا وأمريكا.. وفي 22 يونيو الماضي، أعلنت المعارضة
الإثيوبية في إريتريا التخلي عن المقاومة المسلحة وتعليق أنشطتها العسكرية، وعقب
ذلك وافق البرلمان على مشروع قانون قدمته الحكومة لرفع أسماء حركات مسلحة، وهي
«قنوب
سبات»،
و«جبهة
تحرير أرومو الديمقراطية»،
و«جبهة
تحرير أوجادين»،
و«الجبهة
الوطنية الإثيوبية»،
من قائمة المجموعات الإرهابية. وكانت الحكومة أدرجت هذه الحركات، التي تشكل ائتلاف
المعارضة الإثيوبية المسلحة، على قائمة المجموعات الإرهابية، في يونيو 2011م.
على المستوى الخارجي.. صفر مشكلات:
على خطى داود أوغلو نسج آبي أحمد سياسته الخارجية، إذ سعى إلى توسيع رقعة التعاون
مع الدول المجاورة وإنهاء حالات التوتر والصراع بين جيران إثيوبيا فشملت جولته
الخارجية في أشهر حكمه الأولى 7 دول بدأها بزيارة جيبوتي، وآخرها زيارة تاريخية
للعاصمة الإريترية أسمرة أنهت عقدين من الصراع بين البلدين، وأعلنت إثيوبيا
وإريتريا انتهاء الحرب بينهما وبدء مرحلة السلام، حيث وقع آبى أحمد، والرئيس
الإريتري أسياس أفورقي
«إعلان
سلام وصداقة»
مشترك في أسمرة، ينهي الحرب بين البلدين، واتفقا على الالتزام بتنفيذ اتفاقية
الحدود بينهما، واستئناف الرحلات الجوية والاتصالات، وعلى المشاركة بتطوير موانئ
إريترية على البحر الأحمر.
لكن الحدث الأبرز في مسيرة الإصلاحات الداخلية والخارجية لآبي أحمد هو إنهاء حالة
عسكرة السياسة والاقتصاد، فقد أزاحت حكومة إثيوبيا شركة المعادن والهندسة (ميتيك)
المملوكة للجيش من مشروع سد النهضة، حيث قال رئيس الوزراء آبي أحمد: إن الحكومة
ألغت العقد مع ميتيك، التي يديرها الجيش الإثيوبي، وستعطيه لشركة أخرى. وقال رئيس
الوزراء الإثيوبي، خلال مؤتمر صحفي عالمي، نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية:
«بناء
سد النهضة الإثيوبي الكبير كان قد تم تخطيطه للانتهاء في خمس سنوات، ولكن لم نتمكن
من ذلك بسبب إدارة فاشلة للمشروع، وخاصة بسبب تدخل شركة ميتيك».
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الشركة وإدارتها لم تكن لديها خبرة ولا معرفة للعمل في
مثل هذه المشروعات الكبيرة. مع ملاحظة أن تلك الإدارة تعود في الأخير إلى الجيش
الإثيوبي، كما أقال آبي رئيس أركان الجيش ومدير المخابرات الوطنية في خطوة اتسمت
بالجرأة إذ بقي هذان القائدان أكثر من 17 عاماً في منصبيهما.
تلك التغييرات الجذرية التي قام بها آبي أحمد أشعرت المواطن الإثيوبي أنه أمام حالة
من الإصلاحات الحقيقية في بنية السلطة والمجتمع والاقتصاد، وليست مجرد أمنيات ولا
خطابات تدغدغ المشاعر.
والدرس الذي ترسيه تجربة آبي أحمد القصيرة جداً، أن الانحياز إلى الشعوب بهويتها
وقيمها وتطلعاتها الإنسانية والحضارية هي بوابة الإصلاح، وأن روشتة النهوض ليست
اختراعاً عبقرياً بل هي متاحة لكل أحد شريطة أن يتمتع بالإرادة القوية في تطبيقها.
وأن الدماء لا تبني أوطاناً، والعنف لا يولد حكومات مستقرة، وقهر الشعوب لا يضمن
ولاء للأنظمة الحاكمة، فقط الحكام الذين يصغون لآمال شعوبهم، ويحققون العدل بين
الناس ويأخذون على أيدي الفاسدين هم الذين يحققون النجاح وتبقى آثارهم عنواناً على
التقدم والنهوض.