• - الموافق2024/11/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل العراق... الديمقراطية أم الدكتاتورية أم خطة بايدن ؟

لكن رغم الإسهامات الأمريكية في تعزيز نفوذ إيران إلا أن الأخيرة فشلت في استيعاب الدرس الأمريكي وهو أن اللعبة الإيرانية داخل العراق يجب أن تكـون في سياق النص الأمريكي المرسوم سلفاً،


ترك تقسيم الاتحاد السوفييتي عام 1991م الولايات المتحدة قوةً عالميةً وحيدةً يمكنها ممارسة نفوذها العسكري والاقتصادي مدفوعة بحاجة العالم إلى الاستقرار وتجنب ويلات الحـروب بعد سلسلة صراعات اختتمت بالحرب الباردة بين الكتلة الغربية والاتحاد السوفييتي الشيوعي سابقاً، لكن مع مرور الوقت أصبح لدى الكثيرين في هذا العالم قناعة بأن الولايات المتحدة عبارة عن آلة عسكرية لا يمكنها التوقف عن العمل بفضل ترسانتها العسكرية الضخمة التي تمولها عبر صناعة الحروب التي غيرت الجغرافية السياسية حول العالم، وبالإضافة إلى قدرتها على استيعاب الكتلة الأوروبية بكاملها تحت وطأة التهديدات الروسية وكذلك إخضاعها اليابان وكـوريا الجنوبية للحماية العسكرية ترهيباً بالتهديدات الصينية؛ فإنها في الشرق الأوسط تسير وَفْقَ موروث ديني هو عبارة عن مزيج إنجيلي يهودي مشترك تتم ترجمته على الصعيد العسكري والسياسي ضمن تطبيق خطة ينون (Yinon Plan)؛ وهي خطة إسرائيلية لضمان التفوق الإقليمي لدولة الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط عبر (بلقنة) المنطقة وتفتيتها إلى جزئيات صغيرة متصارعة تم الإعلان عنها لأول مرة في مقالة نشرها مستشار آرئيل شارون، وأحد أبرز الدبلوماسيين الإسرائيليين في الثمانينات من القرن الماضي (عوديد ينون) في فبراير من عام 1982م في جريدة كيڤونيم (الاتجاهات) العبرية بعنوان «إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات»، بتأطير من قسم المعلومات في القدس، التابع للمنظمة الصهيونية العالمية. بموجب الخطة يتم تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق إدارية ذات هويات أيديولوجية مختلفة عن بعضها بعضاً في الموصل، وبغداد، والبصرة، انطلاقاً من كـون العراق أبرز المخـاطر التي تهدد وجود (إسرائيل) على المدى البعيد. كانت الحـرب العراقية الإيرانية هي المرحلة الأولى في خطة ينون التي دعمها الاحتلال الأنجلوأمريكي للعراق الذي أصبح فيما بعد أرضية خصبة لتدخل غربي شامل في العراق تحت مظلة مجلس الأمن الدولي بدأ بفرض حصار خلاله تم دعم الانفصال الكردي عن الدولة العراقية وبلورة هوية سياسية للمعارضة الشيعية حتى أعلنت واشنطن الحرب رسمياً على العراق عام 2003م بعد إنهاكه لأكثر من عقد من الزمان تحت وطأة حصار اقتصادي واستخباراتي شديد لتبدأ مرحلة تقسيم طائفي تحت مظلة سلطة الاحتلال الأنجلوأمريكي التي كان يرأسها الحاكم المدني (بول بريمر)، الذي أقرَّ قانون (إدارة الدولة العراقية المؤقت) وبموجبه وضع الدستور الذي يحكم العراق اليوم والذي وصفه السياسي العراقي (عزت الشابندر) بأنه دستور «مريض» كتب لتقاسم السلطة بين الشيعة والأكراد.

في عام 2008م نشرت مجلة تابعة للجيش الأمريكي خرائط متداولة عن مستقبل العراق في سياق خطة ينون الإسرائيلية، كان الهدف من نشر تلك الخرائط فقط إنعاش ذاكرة السياسيين الأمريكيين تماشياً مع مشروع تبناه مجلس الشيوخ الأمريكي تحت اسم خطة (بايدن - جليب) عام 2007م لتقسيم العراق إلى ثلاث إدارات شيعية، وسنية، وكردية. وتنسب الخطة إلى النائب في مجلس الشيوخ جوزيف بايدن آنذاك، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، بالإضافة إلى الصحفي في نيويورك تايمز (وليزلي جيلب) الذي طرح فكرة البوسنة كنموذج عصري لـ (بلقنة) العراق وتقسيمها إلى أقاليم طائفية. جوزيف بايدن المعروف باسم (جو بايدن) اليوم أحد أبرز المتنافسين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي انتقد بشدة عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (قاسم سليماني) وعقَّب على الحدث قائلاً: «رمى إصبع ديناميت في برميل بارود ويدين للشعب الأمريكي بتوضيح إستراتيجيته وخطته لإبقاء جنودنا وموطفي سفارتنا ومصالحنا وحلفائنا بأمان...»، وتابع بايدن قائلاً: «قد نكـون الآن على شفا صراع كبيـر عبر الشرق الأوسط». اعتراض بايدن على العملية العسكرية المفاجئة لإدارة ترامب ليس سعياً منه في تفادي المواجهة مع إيران بقدر ما أنه قلق بشأن إفساد مثل تلك المحاولات للبيئة السياسية الخصبـة لعمليـة التقسيم التي تتم بجهود إيرانية أمريكية مشتركة؛ فهل فوز بايدن في الرئاسة خلال الانتخابات المقبلة 2020م قد يدفع قُدماً خطة تقسيم العراق أم أنها حقاً مرحلة جديدة خططت لها الإدارة الأمريكية لبداية مرحلة شراكة سياسية بين واشنطن وطهران في العراق بعد أن كانت فقط شراكة عسكرية قائمة على تغيير الديموغرافية السنية على الأرض؟

بالنسبة لإسرائيل فإن تغييرَ الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط بسرعة أحدُ أبرز الغايات التي يتم السعي لتحقيقها؛ فالمنطقة تقع بين القارات الثلاث: آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وهو ما يعطيها أهمية جيوسياسية كبيرة بالإضافة إلى موقعها على البحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي والبحر الأسود، وهي بذلك تسيطر على أهم ثلاث ممـرات مائية حول العالم وهي مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس، بالإضافة إلى امتلاكها أكبر مورد للنفط والغاز على مستوى العالم، لذلك تستثمر إسرائيل الولايات المتحدة في تغيير الخريطة السياسية في المنطقة على اعتبار أنها أهم العوامل الحاسمة في الإستراتيجية الأمنية الأمريكية في العالم ليس بفضل التوازن العسكري الذي تصنعه إسرائيل بالنسبة للمصالح الأمنية الغربية أو التأثير الضخم على الإدارة الأمريكية من قِبَل الإنجيليين واليهود؛ بل بفضل اعتبارها أحد أهم أدوات الحرب الأمريكية على مستوى العالم، وهذا الأمر أكده تصريح نقلته صحيفة معاريف العبرية في 18 مارس2013م عن جو بايدن خلال اجتماعه مع رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة؛ إذ اعتبر أن «إسرائيل أفضل وأرخص سفينة حربية أمريكية ولا يمكن إغراقها وستحافظ أمريكا على هذه السفينة إلى الأبد».

ثم التعريف بمصطلح (الشرق الأوسط الجديد) في يونيو عام 2006م في تل أبيب خلال اجتماع بين وزيرة الخارجية الأمريكية (كونداليزا رايس) صاحبة مصطلح (الفوضى الخلاقة) وبين رئيس الـوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في ذروة الحرب على حزب الله في لبنان؛ إذ استبدل بالمصطلح القديم (الشرق الأوسط الكبير) مصطلح (الشرق الأوسط الجديد) الذي اعتبر أولمرت أن لبنان أُولى مراحل انطلاقه في سياق خريطة طريق عسكرية (أنجلو أمريكية - إسرائيلية) في الشرق الأوسط استنفدت سنوات في التخطيط لها، تتضمن إنشاء قوس من الفوضى والعنف في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق وحتى حدود أفغانستان وذلك عقب الإعلان عن افتتاح خط النفط (باكو - تبليسي - جيهان) الذي ينقل النفط من وسط آسيا إلى الأسواق الدولية عبر ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط.

قبيل قيام الولايات المتحدة بتنفيذ عملية اغتيال أحد أبرز اللاعبين في العـراق (قاسم سليماني) بناء على معلومات قدمها الموساد الإسرائيلي عن تحركاته، كان هناك احتجاجات عراقية ضخمة يغلب عليها الخطاب الوطني وقد حظيت بقبول كافة أطياف التوجهات الدينية العراقية من السنة والشيعة والنصارى وغيرهم بغية الانقلاب على نظام تقاسم السلطة الذي فرضه الاحتلال الأمريكي، وساهمت تلك المظـاهرات في توحيد خيارات العراقيين. وعندما بدأت بإخراج التيـارات السياسية الخاضعـة لدولـة التقسيم خارج الحسابات الشعبية بادرت واشنطن لقلب الطاولة على الجميع باستهداف سليماني وبعض قيادات الميليشيات الشيعية العراقية على أمل أن تنجح في تلميع الميليشيات الشيعية التي شاركتها الحرب على الحواضر السنية بذريعة القضاء على (داعش) منذ عام 2014م، ومنحتها مزيداً من الشرعية للاستمرار في المرحلة المقبلة، ورغم هامشية الاهتمام الغربي بالمظاهرات ضد نظام التقسيم الأمريكي في العراق والتي سقط خلالها أكثر من 500 عراقي وتمت تصفية واغتيال العديد من الناشطين العراقيين الداعمين لها؛ إلا أنها تواصل الانتشار والتضخم لكونها توجه السخط الشعبي ضد نظام حكم يرعاه الغرب.

تأكيداً لما سبق، يقول الدبلوماسي الأوروبي السابق (خافيير سولانا): بدلاً من تطوير شعورٍ أكبر بالتماسك من قبل الإدارة الأمريكية في العراق، قامت بإنشاء دستور عام 2005م الذي أسس نظاماً لتقاسم السلطة على أسسٍ ومعاييرَ عرقية ودينية، وبدلاً من تغـذية الديمقراطية تمت رعاية دوامة من العنف الطائفي التي مزقت البلاد وساهمت في ظهور (داعش).

إن نظام المحاصصة الذي ابتدعته واشنطن سمح بتعزيز نفوذ إيران حتى أظهرت برقيات استخباراتية إيرانية أن رئيس وزراء العراق قبل أن يوافق عليه البرلمان يجب أن توافق عليه طهران، لكن رغم الإسهامات الأمريكية في تعزيز نفوذ إيران إلا أن الأخيرة فشلت في استيعاب الدرس الأمريكي وهو أن اللعبة الإيرانية داخل العراق يجب أن تكـون في سياق النص الأمريكي المرسوم سلفاً، لكن إيران تمادت وأصبحت تريد الاستفراد بالساحة العراقية مدفوعة بأزمتها الاقتصادية التي صنعتها لها واشنطن للضغط عليها بهدف الحصول على مزيد من التنازلات منها على المستوى الداخلي والخارجي.

في تقرير نشره معهد بيغن السادات الإسرائيلي تعقيباً على أحداث العراق الأخيرة، أشار على صانع القرار الأمريكي بضرورة أن يدعم «روح الحركات الشعبية»، دون تدخُّل مفرط، مع تهميش التدخلات العسكرية أو الضغط السياسي لتضخيم الانقسام الطائفي.

في القرن السادس عشر خضعت العراق لحكم العثمانيين وقسمت الإدارةُ العثمانية المباشرة العراق إلى ثلاث محافظات: البصرة، وبغداد، والموصل، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى سقطت العراق في أيدي البريطانيين الذين بدورهم حولوا المحافظات الثلاث إلى مملكة عام 1921م بقيادة الملك فيصل الأول ليتم تسجيل فصل جديد من الجدل الطائفي في العراق بين السنة والشيعة والأكراد. بعد إسقاط صدام حسين والدولة البعثية التي كانت تتبنى الخطاب القومي ألقت واشنطن باللائمة على السكان العرب السنة الذين يتمركزون في وسط العراق وبدأ الجدل يدور مرة أخرى حول تقسيم العراق لثلاث دويلات توجه دستور عام 2005م الذي شرعن تقاسم السلطة.

طوال العقود السابقة خضعت العراق لسلسلة انقلابات قومية كانت دائماً تفرض توازناً للخلافات العرقية داخل المجتمع العراقي وكان يغذيها الطابع العسكري للحكومات والتراث الوطني الذي تتبناه هوية الدولة العراقية منذ الاستعمار البريطاني، لذلك غالباً ما تفشل مشاريع التقسيم بسبب الموروث القومي الذي تتمسك به الأغلبية العراقية، لكن رغم الوحدة التي يعتبرها البعض هامشية فإن الأكراد دائماً يذهبون في اتجاه آخر؛ فبعد سقوط السلطنة العثمانية مع معاهدة سيفر، كان من المقرر تأسيس دولة كردية مستقلة وَفْقَ ما نصت عليه معاهدة لوزان عام 1923م لكن حل محلها معاهدة سيفر وتم تجاهل الملف الكردي. وفي ستينيات القرن الماضي قاد مصطفى البرزاني مع القبائل الكردية تمرداً ضد بغداد وبدعم إيراني حاول التحرر من الدولة العراقية لإقامة حكم ذاتي إلا أن المحاولة فشلت بعد أن تخلت عنه إيران. مع زيادة الفوضى في نواحي العراق خلال العقدين الماضيين زادت فرص الأكراد للانفصال وتحقيق الحكم الذاتي لكن كما أكدنا سلفاً فإن الجغرافية السياسية هي التي تفرض أجندتها في الصراعات السياسية؛ فإيران وتركيا وسوريا ترفض أي حكم ذاتي للأكراد في العراق كون هذه الدول هي المستهدفة بالمشروع الكردي الذي يقع ضمن نطاقها الجغرافي؛ ففي عام 2017م حينما قررت حكومة كردستان العراق إجراء استفتاء للانفصال عن بغداد فرضت تركيا والعراق وإيران حظراً للصادرات والطيران على أربيل وأقرت عقوبات مشددة نجحت في إفشال الخطوة الكردية.

بالإضافة إلى ما سبق فإن تقسيم العراق ثلاث دويلات سيؤدي إلى عدم استقرار إقليمي حيث ستتنافس دول الجوار للسيطرة على الدول العراقية الجديدة منذ إنشائها، سواء بفعل عوامل أمنية مثل تركيا التي تعتبر منطقة شمال العراق مركزاً لهجمات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي أو الأطماع الإيرانية في جنوب العراق الذي يمتلك ثروة نفطية ضخمة. كذلك فإن سقوط هذه الثروة الضخمة في أيدي الإيرانيين سوف يزيد من قدرة طهران على المساومة مع جيرانها والولايات المتحدة ويضاعف تأثيرها على مستوى السياسية الخارجية. أما بالنسبة لوسط العـراق فهـو نطــاق فقيـر من الثـروات ويعيش - غالباً - على موارد النفط من الجنوب والشمال وهذا الأمر سيجعله رهينة لتلبية احتياجاته مدفوعاً بالفقر والضعف العسكري والأمني.

يقر الدستور العراقي بفدرالية الدولة العراقية لكن هناك آراء مختلفة ومنقسمة حول هوية هذه الدولة يؤثر فيها - غالباً - مركزية الثروة والقرار السياسي؛ فرغم مرور ثمانين عاماً على قيام الدولة العراقية الحديثة إلا أن المجتمع يفتقد إلى فكرة السردية الوطنية الحقيقية التي توفر حاضنة لجميع الطوائف، لأن السرديات التاريخية والهوية الدينية هي الفاعل في صناعة القرار، كما أن وجود قيادة سياسية تجمع خيوط هذا التشتت أمرٌ صعبُ المنال في ظل وجود دستور صنعه الاحتلال للمساهمة في تقسيم البلاد، لذلك فإن أُولى مراحل التصدي لمخطط التقسيم هو إجراء مراجعة جوهرية لقواعد النظام السياسي الحالي في البلاد للتركيز على المواطنين قبل طوائفهم؛ ففي الفترة التي كان يحكم فيها نوري المالكي العراق عزز من إقحام العناصر الشيعية ضمن دوائر الحكم العسكرية والمدنية على حساب السنة، وهذا الأمر انعكس على طبيعة الجرائم التي استهدفت السنة في الموصل التي تعرضت لإبادة جماعية. ورغم أن العوامل السياسية والجغرافية المحيطة تُضعِف نوعاً مَّا احتمالات تطبيق مشروع التقسيم إلا أن الخبير الأمريكي في الشؤون الإيرانية (دين هندرسون) يشير إلى أن دول الخليج العربي التي تهيمن على 42% من احتياطي النفط العالمي ستظل هدفاً للأطماع الأنجلوأمريكية في المنطقة.

بناء على ما سبق يجب الاستنتاج أن الطائفية السياسية التي نشرتها الولايات المتحدة في العراق لمساعدتها على تدمير الجيش العراقي السابق والإرث الوطني الذي خلفته دولة البعث وإعادة تشكيل الحاضنة السنية سواء على الصعيد الديموغرافي أو على الصعيد السياسي، سمحت ببناء قوة تراكمية للمراجع الشيعية التي وفرت حاضنة للميليشيات المسلحة الشيعية وكذلك للكيـانات السياسية التي تمثلها وأصبحت تهيمن على قرار العراق السياسي والاقتصادي والأمني، وكون تلك القوة أصبحت تمتلك الكلمة الأولى في صناعة القرار العراقي فإن بعض الكتل التي فُرضَت على الهوية السنية في البرلمان العراقي وكذلك الحكـومة الكردية أصبح كلٌّ منهما ينظر إلى الوجود الأمريكي على أنه جزء من اللعبة السياسية ويمثل رمانة الميزان للحفاظ على مكتسبات تلك الأحـزاب والكيـانات التي يُنظَـر لها شيعياً نظرة عداء، لذلك أول تصريحات وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبي) عقب اغتيال قاسم سليماني ومطالبة البرلمان العراقي الحكومة بطرد الجيش الأمريكي من العراق، كان يؤكد أن أكثر من 50 مسؤولاً عراقياً أبلغوه بتمسكهم بالوجود الأمريكي للإبقاء على التوازن مع الوجود الإيراني في العراق. وبغض النظر عن أهمية الوجود الأمريكي في العراق بالنسبة للكيانات الهشة والكتل السياسية التي تبحث عن مكاسب مجتزئة من هذا الأمر فإن للإدارة الأمريكية مصالح اقتصادية في العراق عبر شراكات التسليح للجيش العراقي والشركات الأمريكية التي تعمل بشكل واسع في العراق في البنية التحتية والطاقة، بالإضافة إلى كون الوجود الأمريكي أكبر ضمانة لاستمرار تأمين عملية انفصال كردستان العراق وتوفير حضور استخباري وعسكري قوي على حدود تركيا وإيران وسوريا والخليج العربي، لذلك الانسحاب الأمريكي غير وارد طالما استمر الوجود الإيراني في العراق وبقي الخطاب العراقي الوطني يغلب عليه الشتات والتصارع الداخلي ولم يتخلص من الفساد السياسي الذي تعيشه البلاد، وستبقى البلاد رهينة لتطبيق مراحل متعددة ضمن مشروع التقسيم في سياق رؤية يتم الترويج لها على أنها الحل للنزاعات الحالية على السلطة مثل مشروع الأقاليم الفدرالية الذي تم إقراره في الدستور العراقي الحالي.

 


أعلى