• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ألدّ خصوم بوتين.. من هو المعارض الروسي أليكسي نافالني؟

على مدى السنوات الماضية، اشتهر رجل وحيد في روسيا باعتباره ألدّ معارض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شنَّ حملة ضد الفساد الرسمي للدولة ونظّمَ احتجاجات ضخمة مناهضة للكرملين، إنه أليكسي نافالني المعارض الشرس الذي مات أخيرا في سجنه.



في الغالب عادةً ما يختفي المعارضون السياسيون لبوتين وسط المشاحنات السياسية التي تنتهي فجأة أو يتم سجنهم ومن ثمَّ يعتزلون السياسة بعد خروجهم، أو في أفضل الأحوال يذهبون إلى المنفى، لكن "أليكسي نافالني" كان على العكس من ذلك، إذ أصبح مع الوقت أقوى وأقوى، وصعد إلى قمة المعارضة من خلال الإصرار والفهم العميق لكيفية تمكن وسائل التواصل الاجتماعي من التحايل على قبضة الكرملين المحكمة على الأخبار في روسيا، ورغم تعرضه للاعتقال والسجن قبل سنوات، إلا أن اسمه ظلَّ لامعًا في الأوساط السياسية داخل روسيا وخارجها، وصولًا إلى الإعلان عن وفاته قبل أيام قليلة؛ فمن هو أليكسي نافالني؟، وكيف صعد هذا المحامي الشاب الذي تحول إلى زعيم للمعارضة إلى صدارة المشهد السياسي في روسيا؟

بزوغه كمعارض

وُلِدَ أليكسي نافالني في عام 1976م، في منطقة أودينتسوفسكي، الواقعة على بعد حوالي 40 كيلومترًا خارج موسكو، حصل على شهادة في القانون من جامعة الصداقة الشعبية في عام 1998م، بدأ نافالني عمله كعضو في حزب المعارضة الليبرالي يابلوكو، لكنه دخل في صراع مع قيادة الحزب عندما حاول الضغط من أجل أجندة قومية، وتم طرده من صفوف الحزب في عام 2007م، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تعليقاته المثيرة للجدل الداعية إلى ترحيل جميع المهاجرين غير الشرعيين وبسبب حضوره للمسيرة الروسية السنوية، المناهضة لبوتين، والتي كانت تضم أعضاء من اليمين المتطرف، حصل على زمالة من جامعة ييل بالولايات المتحدة في عام 2010م، في تلك الأثناء تقريبًا بدأ نافالني معارضته العلنية للكرملين، واجتذب الانتباه من خلال التركيز على الفساد المستشري بين النخبة الروسية.

 

في دوائر المعارضة، كان يُنظر إلى نافالني في كثير من الأحيان على أنه قومي مفرط في دعمه لحقوق ذوي الأصول الروسية، واتهمه البعض بتبني موقف غامض بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014م

سرعان ما أصبح نافالني مستثمرًا ناشطًا، إذ استخدم مبلغ 10 آلاف دولار لشراء حصص صغيرة في شركات النفط والبنوك الروسية المرتبطة بالدولة حتى يتمكن من أن يصبح مساهمًا بحصة أقلية في قيادة تلك المؤسسات، وبموجب القانون الروسي يحق لجميع المساهمين في أي شركة الاطلاع على وثائقها المالية، وهو الأمر الذي مكّنه من كشف انتهاكات في العقود الحكومية التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات، بما في ذلك العديد من المناقصات التي تم تنظيمها وتضخيمها من أجل دفع رشاوى للمسؤولين، وسرعان ما بزغ نجمه في الحياة العامة في روسيا، وتطورت جهوده وتقدمت على مدى العقد الماضي ليدشن مؤسسة مكافحة الفساد، وهي منظمة ذات تمويل جماعي توظف أكثر من 30 شخصًا ولديها الآلاف من المساهمين المتطوعين. ومن خلال التركيز على كشف الفساد، اجتذب نافالني شعور الروس الواسع النطاق بأنهم يتعرضون للخداع من قبل السلطة الحاكمة، وكان له صدى أقوى في الغرب من خلال ترديد الحديث عن المخاوف بشأن المثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إلى واجهة المعارضة

ارتفعت شعبية نافالني بعد مقتل معارض آخر يتمتع بشخصية كاريزمية، هو بوريس نيمتسوف، الذي تم اغتياله بالرصاص على جسر بالقرب من الكرملين في عام 2015م، كان نافالني شخصية محورية في الاحتجاجات ذات النطاق غير المسبوق ضد نتائج الانتخابات الوطنية المشكوك فيها واستبعاد المرشحين المستقلين. على الرغم من أن القنوات التلفزيونية التي تسيطر عليها الدولة في روسيا تجاهلت نافالني، إلا أن أخباره وأحاديثه وجدت صدى لدى الشباب الروس من خلال مقاطع الفيديو ومنشوراته على موقعه على الإنترنت وحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما ساعده على توسيع عمله من التركيز على الفساد إلى النقد العام للنظام السياسي في عهد بوتين، بالرغم من أن بوتين في معظم الأحيان كان حريصًا كلما تحدث عن نافالني، أنه كان يحرص على عدم ذكره بالاسم مطلقًا، وعادةً ما كان يشير إليه بـ "ذلك الشخص" أو عبارات مماثلة، في محاولة واضحة لتقليل أهميته.

في دوائر المعارضة، كان يُنظر إلى نافالني في كثير من الأحيان على أنه قومي مفرط في دعمه لحقوق ذوي الأصول الروسية، واتهمه البعض بتبني موقف غامض بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014م، وصرح نافالني مرارًا وتكرارًا أنه لا يرى مستقبلا لأوكرانيا في تلك المنطقة، ورغم أنه أدان وسائل ضم بوتين لشبه جزيرة القرم، فإنه تجنب القول في العديد من اللقاءات إنه ينبغي إعادتها إلى الأوكرانيين، كما انتقد غزو بوتين لأوكرانيا واتخذ مواقف قوية مناهضة للحرب، مما يجعل من غير المرجح أن يفوز بمنصب انتخابي في روسيا، حتى لو استعاد حريته. بين الأوكرانيين، يُنظر إلى انتقادات نافالني الصريحة للحرب، جزئيًا، على أنها جهد يخدم مصالحه الذاتية للحفاظ على الدعاية لقضيته الخاصة، وفي روسيا حيث فقدت آلاف الأسر أزواجها وآباءها وأبناءها وإخوتها في حرب أعلنها بوتين على أنها معركة عادلة وضرورية، تبدو آراء نافالني معادية للوطن.

بين المحاكم والسجون

يواجه كل من يعارض بوتين العديد من التحديات، من أبرزها الاعتقال والقمع السياسي وتقييد حرية التعبير، والتهم الملفقة والمحاكمات المسيّسة، وصولًا إلى العنف والسجن في ظروف قاسية أو التصفية الجسدية، لم يشذ نافالني عن هذه القاعدة، إذ حُكِمَ عليه بسلسلة من الإدانات المشكوك فيها بالاحتيال، والتي كانت وسيلة لمحاولة إبعاده عن السياسة، يمكننا إيجازها في الأتي:

في عام 2013م، أُدين نافالني بالاختلاس فيما وصفها بمحاكمة ذات دوافع سياسية وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، لكن مكتب المدعي العام طلب لاحقا بشكل مفاجئ إطلاق سراحه في انتظار الاستئناف، وحكمت عليه محكمة أعلى فيما بعد بالسجن مع وقف التنفيذ، وفي اليوم السابق للحكم عليه، سجل نافالني نفسه كمرشح لمنصب عمدة موسكو، ورأت المعارضة أن إطلاق سراحه كان نتيجة لاحتجاجات واسعة النطاق في العاصمة ضد الحكم الصادر بحقه، لكن العديد من المراقبين أرجعوا ذلك إلى رغبة السلطات في إضفاء مظهر شرعي على الانتخابات البلدية، وجاء نافالني في المركز الثاني بالانتخابات حيث خسر أمام المرشح الذي كان يحظى بدعم بوتين.

في عام 2014م، تم القبض على نافالني وشقيقه أوليغ ومصادرة أصولهما، وقد اتُهموا بالاحتيال على عملاء شركة شحن أنشأها أوليغ في عام 2008م، وتم وضع نافالني تحت الإقامة الجبرية لمدة عام، مع قطع اتصاله بالعالم الخارجي، بدون هاتف ولا إنترنت ولا زوار، وعندما أدانت محكمة روسية الأخوين، حُكم على نافالني بالإقامة الجبرية لفترة أخرى، وذهب أوليغ إلى السجن.

  في عام 2017، مُنع نافالني من الترشح ضد بوتين للرئاسة على أساس أن لديه سجل إجرامي، في نفس العام تعرض للاعتداء بمادة خضراء تسببت في حروق كيميائية خطيرة في عينه اليمنى، وفي حديث صحفي حينها تساءل عن سبب بقائه على قيد الحياة، وقال: "ربما فاتتهم التوقيت المناسب لذلك عندما كنت أقل شهرة".

 

رحيل نافالني يمثل تحديًا كبيرًا للمعارضة الروسية، لا سيما وأن غالبية المعارضين الروس يقبعون جميعهم تقريبا في المنفى، ولا يتمتع أي منهم بجاذبية نافالني الواسعة

في عام 2019م، سُجن نافالني بتهمة تنظيم "احتجاج غير مصرح به"، وأصيب داخل السجن بالمرض فجأة، ووصف أطباء السجن مرضه بأنه "التهاب الجلد التماسي"، لكن نافالني وطبيبه الشخصي اشتبهوا في تعرضه للتسمم.

في صيف 2020م، أصيب نافالني بنوبة مرضية مفاجئة أثناء رحلة جوية إلى موسكو من مدينة تومسك السيبيرية، واضطرت طائرته إلى الهبوط اضطراريًا في سيبيريا، وفي البداية لم يُسمح لنافالني ـ الذي دخل في غيبوبة ـ بمغادرة البلاد، وقالت روسيا إن القرار كان طبيًا بحتًا، ومع تزايد الضغوط سمح الكرملين بعد 48 ساعة بنقله بطائرة إسعاف جوي إلى مستشفى في برلين معروف بتجربته مع ضحايا الهجمات السامة، وهناك أكد الأطباء أنه تم تسميمه بمادة نوفيتشوك، وهو غاز أعصاب شديد السمية يقال إنه أقوى بعشر مرات من غاز السارين.

في يناير2021م، قرر نافالني العودة مجددًا إلى روسيا، وبمجرد وصوله تم احتجازه في مطار موسكو ووجهت إليه تهمة انتهاك شروط حكم سابق مع وقف التنفيذ لعدم مراجعة مسؤولي السجن أثناء وجوده في ألمانيا، وقضت محكمة روسية بحبسه لقضاء الأشهر الـ 32 المتبقية من تلك العقوبة، وأثناء وجوده في السجن دخل في إضراب عن الطعام لمدة 24 يومًا، احتجاجًا على الافتقار الملحوظ إلى الرعاية الطبية المناسبة، وأنهى إضرابه بعد أن قال إنه تم فحصه من قبل أطباء من خارج السجن، وخرج الآلاف من الأشخاص إلى الشارع لدعمه.

في مارس 2022، أُدين نافالني بتهمة الاحتيال وازدراء المحكمة وحُكِمَ عليه بالسجن 9 سنوات إضافية في سجن شديد الحراسة، وندد مرة أخرى بهذه الاتهامات ووصفها بأنها لا أساس لها من الصحة ولها دوافع سياسية.

في أغسطس 2023، أضافت المحكمة 19 عامًا أخرى إلى عقوبته، وبعد بضعة أشهر، تم نقله إلى سجن آخر معروف بالانتهاكات - المعروف باسم "حزام نقل التعذيب" - مما أثار مزيدًا من المخاوف بشأن حياته.

وفاة مشبوهة

لقد وضع نافالني حياته على المحك من خلال تنظيم المظاهرات والترشح للمناصب الرسمية والدعوة إلى إصلاحات ضد الفساد، وتوجيه الانتقادات المستمرة إلى بوتين ونظامه، ورغم نجاته من حالتي تسمم على الأقل، يبدو أنه لم ينجو من وعكة بسيطة فتسببت في وفاته!، فقد أعلن مكتب مصلحة السجون الفيدرالية الروسية لمنطقة يامالو- نينيتس في بيان، أن نافالني "شعر بتوعك بعد خروجه في نزهة على الأقدام يوم الجمعة، ثم فقد وعيه على الفور"، وأضاف البيان: "وصل الأطباء على الفور، وتم استدعاء فريق طبي آخر للطوارئ، وتم تنفيذ جميع إجراءات الإنعاش اللازمة، لكنها لم تسفر عن نتائج إيجابية"، ليؤكد البيان في ختامه على وفاة المحكوم عليه.

ردود الفعل

لقد أدت محاولات التسميم السابقة إلى جانب المحاكمات المتعددة وفترات الاعتقال الطويلة إلى تحويل المحامي الذي لم يكن معروفًا إلا في أوساط ضيقة للغاية، إلى بطل قومي يحظى باهتمام دولي ونفوذ متزايد في وطنه، بل وأصبح صرخة حاشدة للملايين من متابعيه وشوكة في خاصرة بوتين، وقد أحدثت وفاته المشبوهة ضجة في الداخل والخارج، وأثارت ردود فعل في العالم الغربي المناهض للنظام الروسي:

في الولايات المتحدة؛ أكبر خصم لروسيا، أعرب الرئيس جو بايدن عن غضبه لوفاة نافالني، مؤكدًا أن "بوتين مسؤول عن وفاته"، وقالت نائبته كامالا هاريس تعقيبًا على الوفاة: "هذه بالطبع أخبار فظيعة، هذه علامة أخرى على وحشية بوتين، ومهما كانت القصة، لنكن واضحين: روسيا هي المسؤولة، وسيكون لدينا المزيد لنقوله عن هذا لاحقًا"، فيما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "على مدى أكثر من عقد من الزمن، قامت الحكومة الروسية باضطهاد وتسميم وسجن أليكسي نافالني، والآن هناك تقارير عن وفاته في أحد السجون الروسية، الخوف من رجل واحد فقط يسلط الضوء على الضعف والتعفن في قلب النظام الذي وضعه بوتين".

في أوروبا؛ حمّلت الدول المناهضة لموسكو بشكل واسع مسؤولية وفاة نافالني لنظام بوتين، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إن "الاتحاد الأوروبي يحمّل النظام الروسي المسؤولية الوحيدة عن هذا موت نافالني المأساوي"، أما رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك اعتبر أن الوفاة "نبأ فظيع ومأساة هائلة للشعب الروسي"، كما شدد وزير خارجيته ديفيد كاميرون على "وجوب محاسبة بوتين على ما حصل"، أما رئيس لاتفيا، ادغارس رينكفيكس، فقال: "مهما كان الموقف من نافالني كرجل سياسي، لقد اغتيل بطريقة وحشية من قبل الكرملين"، ورأى وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، أن نافالني دفع حياته ثمنا لمقاومته نظامًا قمعيًا ويذكرنا موته بطبيعة نظام بوتين، كما أدان المستشار الألماني أولاف شولتس والأمين العام للناتو  ينس ستولتنبرغ وعدد آخر من المسؤولين الأوروبيين وفاة نافالني.

أما الصين، الحليفة المقربة لموسكو، فقد اعتبرت من خلال بيان لوزير خارجيتها، أن وفاة نافالني شأن روسي داخلي.

تبعات وعواقب

مع كل العقوبات المختلفة المفروضة على روسيا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد اجتياحها لأوكرانيا قبل عامين، ومع تضرر التبادلات التجارية والاتصالات الدبلوماسية خلال الأشهر الماضية بسبب التدخلات الروسية في مناطق مختلفة من العالم، لا يملك الغرب أي نفوذ إضافي على موسكو ليمارسه كرد فعل على وفاة نافالني، على جانب آخر فإن رحيل نافالني يمثل تحديًا كبيرًا للمعارضة الروسية، لا سيما وأن غالبية المعارضين الروس يقبعون جميعهم تقريبا في المنفى، ولا يتمتع أي منهم بجاذبية نافالني الواسعة، لكن وفقًا لبعض التقارير فإن هناك بعض الأسماء التي من المتوقع أن تملء بعض الفراغ الذي سيتركه نافالني؛ مثل: ميخائيل خودوركوفسكي، رجل الأعمال السابق الذي اختلف مع بوتين وقضى 10 أعوام في السجن، وهو يقيم الآن في لندن، وهناك أيضا مكسيم كاتز، أحد المؤثرين على يوتيوب ويقيم الآن في إسرائيل، وإيليا ياشين، وهو سياسي مخضرم يقضي حكمًا بالسجن لمدة 8 أعوام بتهمة نشر الفظائع الروسية في أوكرانيا، إلى جانب ذلك هناك مجموعات صغيرة مناهضة للكرملين، ولكنها تركز على مناطق روسية معينة، أو قضايا اجتماعية أو أقليات عرقية، وفي غالبها لا تشكل خطرًا كبيرًا على النظام الروسي.

 

أعلى