• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مشاهداتي في الهند

تشرف جامعة الهند على كثير من المؤسسات والأنشطة العلمية في رحاب الجامعة، ومن أهمها: معهد تحفيظ القرآن الكريم مع دراسة المناهج الحكومية؛ حيث يستحق الطالب شهادة حكومية عصرية مع شهادة العلوم.


في الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر لعام 1445هـ، يمَّمت وجهي مسافرًا إلى ولاية كيرالا في جمهورية الهند، فأقمت فيها شهرًا كاملًا، لم أشعر فيه بالغربة؛ إذ كان كثير من سكانها لديهم إلمام محدود باللغة العربية، وذلك يعود إلى سفر عدد كبير من أهلها للعمل وطلب الرزق في منطقة الخليج العربي، إضافةً إلى اهتمام هذه الولاية بتدريس اللغة العربية في المراحل الدراسية -كما سيأتي-، كما لمست من أهلها الاحتفاء الكبير بالسائحين العرب.

وهذا التأثر بالعرب واللغة العربية كان واضحًا في الحياة اليومية، فتجد المطاعم التي تُقدِّم الأكلات العربية، وتحمل أسماء لبعض المطاعم العربية المشهورة، كما لا يغيب عن ناظريك لوحات المحلات والمؤسسات التي كُتبت باللغة العربية، وحينما تتعرَّف على أهلها تجد الأسماء العربية منتشرة بينهم، فيسمون الأبناء بأسماء مشتهرة في دول الخليج العربي.

كان بجوار سكني مسجد لأهل السنة والجماعة، وهو تحت إشراف جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت، وهي جمعية تستحق الإشادة؛ نظرًا لجهودها المباركة هناك؛ فقد كنت أتحدث مع بعض أهل كيرالا، فقال لي: إن هذه الجمعية قد بنت أكثر من 1000 مسجد في كيرالا، كتب الله أجورهم وبارك في أعمالهم.

كما وقفت على بعض الجهود المباركة مِن قِبَل أهل كيرالا في تعليم القرآن الكريم وتدريس اللغة العربية، وعلوم الشريعة، وهو ما سيكون محور هذه المقال.

جمهورية الهند

تعد الهند ثاني أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، وتضم 28 ولاية، ولكل ولاية حكومة منتخبة، ولكل ولاية لغة تمتاز بها، فضلاً عن تميُّز كل ولاية بأشكال متنوعة من المشارب والمآكل والملابس والطقوس والعادات.

واللغة الرسمية في الهند هي اللغة الهندية التي يتكلم بها أكثر سكان الهند.

وتضمّ الهند ديانات شتى، يأتي في المرتبة الأولى منها الهندوسية، ثم الإسلام والنصرانية والبوذية والسيخية وغيرها، ولهذا يعتبر الهندوس أغلبية السكان، أما المسلمون فيشكلون 15%، والنصارى 2.5%، والسيخ 1.7%، والبوذيون 7%، والأديان الأخرى 9%.

وفود العرب المسلمين إلى كيرالا

انطلق العرب المسلمون من الجزيرة العربية، حتى وصلوا جميع أرجاء الأرض المعمورة روّادًا وتجارًا؛ حيث رست سفنهم على شواطئ كيرالا، الواقعة في ساحل بحر العرب في أقصى جنوب الهند، ومن خلال تعاملهم مع أهالي كيرالا تأثروا بهم، وأُعجب عامة الناس هناك بأخلاقهم الحسنة وخصالهم الحميدة، فقد وجدوا فيهم العدل والأمانة والرأفة والرحمة والمساواة، وهي أمور لم يعتادوا عليها مِن قِبَل الإقطاعيين من أهل موطنهم؛ إذ كان نظام الحياة آنذاك هو تصنيف الناس إلى طبقات متفاوتة؛ طبقة عليا وسفلى ومنبوذين، وأصحاب الطبقة العليا يُعاملون غيرهم كالعبيد، فلما رأى أهل كيرالا هذا التفاوت العظيم في أخلاق المسلمين؛ شرَح الله صدورهم للدخول في دين الله -عز وجل-. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المسلمين في كيرالا قد بلغت 26.56%، كما يبلغ عددهم 8.873.472 نسمة.

وعلى مر القرون انتشر في ديار كيرالا تعلُّم وتعليم لغة القرآن، وبُنيت المساجد، وأُنشئت المدارس الدينية، ثم الكليات والجامعات، فتخرّج العلماء والدعاة والباحثون في تاريخ العرب واللغة العربية، كما نالت اللغة العربية مكانةً مرموقةً في المدارس والكليات والجامعات الحكومية؛ حيث يتم تدريس اللغة العربية وآدابها منذ المراحل الابتدائية إلى الجامعية.

جامعة الهند الإسلامية

تعد جامعة الهند الإسلامية من أبرز المعاهد الإسلامية في جنوب الهند، ويقع المركز الرئيسي للجامعة على منطقة جبلية مرتفعة من مستوى البحر، في مقاطعة مالابورام بولاية كيرالا، وهذه البقعة تُعدّ مركزًا سياحيًّا له طبيعة خلّابة، ونظرًا لصفاء هذا الوادي ونقائه من التلوث، أطلق عليه طلاب العلم هناك (وادي الحكمة).

يَفِد الطلاب إلى الجامعة من جميع أنحاء كيرالا ومن الولايات المجاورة، ليتلقوا التعليم الجامعي والعلوم الشرعية واللغة العربية، وقد أُسِّست هذه الجامعة عام 1434هـ/2013م، تحت إشراف جمعية الحكمة المسجّلة لدى الحكومة، وهي بمثابة المنظمة الثقافية الإسلامية الشهيرة، لنشر اللغة العربية ولتعليم الكتاب والسُّنة والعقيدة الإسلامية الصحيحة، على منهج أهل السنة والجماعة، وتُعنَى بتخريج العلماء والخطباء والدعاة القادرين على القيام بمهام الدعوة في العصر الحديث، وخلال العقد الماضي نجحت هذه الجامعة -بفضل الله وتوفيقه- في تخريج عشرات من المدرسين والدعاة كلهم يقومون بدورهم في نشر الدين الإسلامي.

يحتوي المنهج الدراسي للجامعة على معهدين لتعليم اللغة العربية للبنين والبنات، وثلاث كليات؛ كلية الحديث وكلية الدعوة، وكلية الشريعة على مستوى البكالوريوس والماجستير، ودورة ديبلوما في الدراسات الدينية، ويدرس فيها حاليًّا ما يزيد على ثلاثمائة طالب في جميع المراحل؛ ابتداءً من المعهد وحتى مرحلة الماجستير، كما أن هناك 240 طالبة في مقر البنات.

 يقيم الطلاب في السكن الجامعي، ولا يرجعون إلى بيوتهم إلا مرة في الشهر، حتى تتسنَّى لهم الفرصة للمطالعة والمناقشة، كما يعملون على تطوير مهاراتهم الدراسية، والنشاطات التربوية والفنية، علمًا بأن الجامعة تغطّي جميع احتياجاتهم ومتطلباتهم من السكن والطعام وسائر مرافق الحياة مجانًا.

يتميز طلاب الجامعة بمستوى تعليمي عالٍ، وهو ما جعَلهم يلتحقون بالدراسات العليا في الجامعات الشهيرة داخل الهند وخارجها، فخلال السنوات الأخيرة تخرج من الجامعة كثير من الطلاب، يعمل معظمهم مدرسين في شتى الكليات والمعاهد الحكومية والأهلية، وهناك خطباء في المساجد، ودعاة في بعض جاليات الدول الخليجية.

كما يوجد أعداد كثيرة من الطلاب، يتابعون دراستهم في الجامعات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، كالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية وجامعة الملك عبدالعزيز، كما أن بعضًا منهم يدرسون في جامعة الأزهر بدولة مصر، وهناك طائفة أخرى يدرسون في الجامعات المركزية في الهند.

رؤية الجامعة

النهضة العالمية والفكرية والتربوية في المجتمع البشري عامة، وفي الأقليات المسلمة خاصة، مع تأهيل الجيل الجديد لقيادة الأمة، متمسكين بالقِيَم الإسلامية، واستخدام الوسائل المستجدة، والإمكانيات المتطورة في جميع مجالات البشرية، لصلاح الأمة والوطن.

رسالة الجامعة

إنشاء معاهد وكليات ومراكز في جميع المراحل الدراسية، لتعليم الجيل الناشئ اللغة العربية والعلوم النافعة والاتجاهات الإيجابية، وإعدادهم لمسايرة التطورات الحديثة، وتأهيلهم لمواجهة التحديات الحديثة، وإعداد دعاة أكفاء مسلحين بالحكمة والعلم، مع تأهيلهم لخدمة العباد والبلاد.

المؤسسات العلمية تحت إشراف الجامعة

تشرف جامعة الهند على كثير من المؤسسات والأنشطة العلمية في رحاب الجامعة، ومن أهمها:

معهد تحفيظ القرآن الكريم مع دراسة المناهج الحكومية؛ حيث يستحق الطالب شهادة حكومية عصرية مع شهادة العلوم.

دراسة علوم الشريعة مع حفظ القرآن على منهج خاص، وفق بعض الكتب والمقررات التي تنشرها الجامعة.

معهد اللغة العربية لتأهيل المَلَكات اللغوية العربية والإنجليزية؛ حيث يقبل الطلبة في هذا المعهد، عقب تخرجهم من المدارس الثانوية الحكومية، وبعد اجتياز المقابلة الشخصية.

تدرس في هذا المعهد المقررات الدينية والمقررات الحكومية أيضًا، إضافة إلى المنهج الدراسي الخاص للجامعة، لكي يحصل الطالب على شهادتين؛ واحدة من الحكومة، وأخرى من إدارة الجامعة.

تشرف على كليات الدعوة والحديث والشريعة على منهج خاص، ليتخرج جيل خبير بالعلم الشرعي، كما يدرس معها الطالب المناهج المعتمدة لدى الحكومة، حتى ينال شهادتين؛ واحدة في علوم الشريعة، والأخرى بكالوريوس في الأدب العربي.

كلية البنات تحت إشراف الجامعة

على الرغم من اكتظاظ الكليات في كيرالا، إلا أنه يندر وجود معاهد خاصة للبنات، ولهذا اهتمت الجامعة بتأسيس كلية خاصة للبنات بعد إتمام دراستهن الثانوية، وبفضل الله وتوفيقه تم بناء كلية للبنات عام 2022م في قرية (باناكاد)، على بُعد بضعة كيلو مترات من مقر الجامعة، وتستهدف الجامعة من تأسيس هذه الكلية، تربية أمهات الجيل الجديد على القِيَم الإسلامية، وتعليمهن العلوم الشرعية، لكي يغرسن الروح الإسلامي في النشء الجديد، ويدرس حاليًّا في هذه الكلية ما يزيد على مائتي طالبة من شتى أنحاء البلاد؛ حيث توفر الجامعة للطالبات السكن والطعام وسائر مرافق الحياة بدون مقابل.

المشاريع الدينية التي تشرف عليها الجامعة

1- مدرسة القرآن:

أنشأت الجامعة مشروعًا باسم مدرسة القرآن(School of Quran) ، ولهذا المشروع منهج متكامل، ويتم الاستفادة من العطلة الرسمية الأسبوعية للمدارس الحكومية، فتقوم الجامعة باستئجار هذا اليوم من المدرسة الحكومية، والاستفادة من الفصول الدراسية؛ حيث تُقدّم الدروس في مدرسة القرآن في أيام العطلة الأسبوعية وفي أيام العطلات في المناسبات المختلفة، فتبدأ الدراسة صباحًا وتستمر حتى الظهر، ويستهدف هذا المشروع حفظ خمسة أجزاء من القرآن على الأقل، كما تقوم المدرسة بتعليم الدروس الدينية الأساسية اللازمة، وتجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من 25 مدرسة في شتى أنحاء كيرالا وفي الولايات المجاورة يتم تقديم هذه الدروس فيها.

2- معهد تحفيظ القرآن الكريم:

هذا المعهد يعمل في المقر الرئيسي لجامعة الهند، يُقبَل الطلاب فيه من سنّ العاشرة، بعد مقابلة لاختبار استعدادهم للحفظ، لا يقتصر دور المعهد على تحفيظ القرآن الكريم، بل يقوم بتدريس الطلاب معاني السور الصغيرة والعلوم الإسلامية من العقيدة والفقه والأخلاق، ويتولّى التدريس في هذا المعهد أساتذة يحفظون كتاب الله -عز وجل- وحاصلون على القراءات العشر.

3- أكاديمية الهند لتعليم القرآن الكريم

يستهدف هذا المشروع تعليم العامَّة القرآن الكريم والحديث الشريف والعلوم الدينية والأحكام الشرعية، يتم تنفيذ هذا المشروع في أكثر من 25 منطقة في ربوع كيرالا والولايات المجاورة.

4- مركز البحوث الإسلامية

يستهدف هذا المشروع تدريب الدعاة لكي يكونوا قادرين على مواجهة التحديات الجديدة في العصر الراهن، ويقام ضمن هذا المشروع مخيمات ومؤتمرات خاصة للدعاة من الخطباء والكُتّاب، كما تستضيف الجامعة هذه البرامج الدعوية، ويقوم هذا المركز بطباعة الكتب والمؤلفات والمنشورات باللغة المحلية، وتوزيعها ونشرها بين الناس.

5- المسابقات العلمية

نظمت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ممثلة بالملحقية الدينية في سفارة المملكة بنيودلهي، بالتنسيق مع جامعة الهند الإسلامية، بالتعاون مع جمعية الحكمة الإسلامية بجمهورية الهند، مسابقة (مهارة) في نسختها الثانية، وهي مسابقة علمية أدبية إسلامية، عُقدت بحضور الملحق الديني بالسفارة بدر العنزي، وعضو برلمان كيرالا كونهالي كوتي، ورئيس جمعية الحكمة الإسلامية بكيرالا رئيس جامعة الهند الإسلامية عبداللطيف المدني، ومدير جامعة الهند الإسلامية فيصل بن أحمد، وعدد من الشخصيات الإسلامية بولاية كيرالا.

أقيمت المسابقة في بداية شهر يوليو من هذا العام، وعقدت التصفيات النهائية خلال الفترة من 29 سبتمبر حتى 1 أكتوبر 2023م على مستوى جنوب الهند؛ حيث شارك فيها (1289) متسابقًا ومتسابقة في ولاية كيرالا والولايات القريبة منها، واشتملت على ثلاثة مسارات:

الأول: حفظ القرآن الكريم كاملًا للبنين والبنات، شارك فيه (359) متسابقًا ومتسابقة، فاز منهم (9).

والثاني: حفظ المتون العلمية (الأصول الثلاثة، نخبة الفكر) شارك فيه (180) متسابقًا ومتسابقة، فاز منهم (9).

والثالث: إعداد مقالة باللغة العربية شارك فيه (750) مشاركًا ومشاركة، فاز منه (9).

ختامًا

حينما يتأمل الإنسان هذه الجهود المباركة، ينشرح صدره ويُسرّ قلبه وتبتهج نفسه، ويستحضر الحديث الذي رواه الصحابي الجليل تميم الدَّاريّ -رَضِيَ اللَّهُ عنه-، حينما قال: قال رسولُ اللَّه #: «ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخَله اللَّهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ به الكُفرَ»

أعلى