• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أمة عرجاء

لا يبدو الرئيس بايدن كمُنافِسه ترامب يسير على قدمين اثنتين، فكلا المرشحين يمشي على ساق واحدة؛ فأحدهما يتوكأ على عكاز خبرته، والآخر يتوكأ على عصا شعبويته.


دخلنا في العام الرابع والعشرين الميلادي بعد الألفين، وأصبحت الانتخابات الأمريكية على مرمى حجر، فالخامس من نوفمبر هو موعد الانتخابات الرئاسية، ويُطلِق الأمريكيون على العام الانتخابي «السنة العرجاء»؛ وذلك لأن الاهتمام الأساس للرئيس وإدارته يكون منصبًّا على الدعاية الانتخابية، وكسب الأصوات، واتخاذ الإجراءات ذات الصبغة الجماهيرية، والابتعاد عن القرارات التي تكون محل جدل، أو يمكن للمُنافسين أن يتصيّدوها كنقاط ضعف.

لم يَعُد خفيًّا أن ترامب الرئيس السابق أصبح قريبًا جدًّا من دخول حلبة المنافسة مرشحًا عن حزبه الجمهوري، في مقابل الرئيس الحالي «جو بايدن».

وترامب رئيس سابق اتُّهم بالعديد من القضايا المالية والجنسية، أُغلق بعضها، وبعضها ما يزال متداولًا في المحاكم، وأنهى رئاسته السابقة بسابقة تاريخية لم يفعلها أيّ رئيس أمريكي من قبل، وهي محاولة تغيير النتائج، وتشجيع أنصاره على اقتحام مبنى الكونجرس؛ في محاولة لمَنْعه من إقرار النتائج التي أتت بخسارته.

ناهيك على آراء الرجل العنصرية ضد الأقليات في مجتمعٍ يعجّ بالعديد من الأقليات الإثنية والعرقية. فضلاً عن مهاجمته المستمرَّة لمؤسسات الدولة.

في المرة الأولى التي فاز بها ترامب، لم يكن أحد يدري كيف سيدير ترامب أمور الدولة؛ إذ التصريحات الانتخابية ليست بالضرورة أن تكون محل تنفيذ، لكنّ الرجل كان صريحًا في أقواله، صادمًا في وضعها موضع التنفيذ. وبات العالم اليوم يتهيأ لفترة جديدة من العنتريات والقرارات الصادمة للحدّ الذي دفع القادة الأوروبيين للاجتماع منذ أيام للتباحث حول مصير حلف الناتو في حال فوز ترامب بالانتخابات؛ فالرجل صرح مرارًا أن حلف الناتو غير مفيد للولايات المتحدة، وأنه يكلّفها الكثير من الأموال. قالها عندما كان رئيسًا ويُعيدها الآن في مؤتمراته الانتخابية، فخلال تجمُّع حاشد لأنصاره في ولاية نيفادا، قال: «إنه لا يثق برغبة «الناتو» في حماية الولايات المتحدة إذا ما تعرَّضت لأيّ هجوم أو صراع».

يُشكّل ترامب حالة شديدة العنصرية، مُحاطة باتهامات قضائية، متصادمًا مع المؤسسات السياسية والعسكرية، الداخلية منها والخارجية، لا يتمتع بخلفية سياسية؛ إلا ما افتعله من صراعات إبَّان سنواته الأربع في البيت الأبيض يدفعنا إلى أن نقول: إنه مرشح رئاسي يقف على إحدى قدميه فقط.

على الجانب الآخر يقف الرئيس الحالي ممثلًا للحزب الجمهوري، والرجل يتمتع بخبرة سياسية طويلة قضى جُلّها في الكونجرس، وبعضها نائبًا للرئيس أوباما، فهو صاحب دُرْبَة ودراية، وهو ابنٌ بارّ لمؤسسات الدولة العميقة، ويعرف ما الذي تُمثّله الولايات المتحدة كزعيمة للغرب وقطب أحادي يتحكّم في كثير من الملفّات الدولية، لكن هو الآخر يعاني من عَرَج بادٍ، ففي آخر خطاباته بولاية لاس فيغاس، يروي بايدن (81 سنة) عن لقائه بقادة الدول في قمة السبع بإنجلترا 2021م، وأراد أن يذكر ما قاله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ إلا أنه ذكر بدلًا عنه اسم «فرانسوا ميتران»، وهو رئيس فرنسا الذي تُوفِّي منذ ما يقرب 30 عامًا.

وقال بايدن: «جلست وقلت: لقد عادت أمريكا.. نظر إليّ ميتران من ألمانيا.. أعني من فرنسا..»، وتوقف الرئيس الأمريكي قليلًا قبل أن يعود لإنهاء جملته بالقول: «حسنًا، كم من الوقت ستعود؟»، لقد كان فرانسوا ميتران رئيسًا لفرنسا بين عامي 1981 و1995م، وتوفي عام 1996م.

لقد تعددت زلات لسان الرئيس بايدن كثيرًا، وبدا الرجل في كثير من المواقف مشتَّت الذهن ذاهلًا عمن حوله؛ فقد ذكر أن بوتين يخسر الحرب في العراق، بالطبع هو يقصد «أوكرانيا»، وأخطأ مرة أخرى عندما قال: «إن بوتين لن يستطيع كسب عقول وقلوب الشعب الإيراني»، وكان يقصد الشعب الأوكراني. وأحيانًا يقف الرجل أو يلتفت وكأنه يتحدّث مع أشباح غير موجودة.

لا يبدو الرئيس بايدن كمُنافِسه ترامب يسير على قدمين اثنتين، فكلا المرشحين يمشي على ساق واحدة؛ فأحدهما يتوكأ على عكاز خبرته، والآخر يتوكأ على عصا شعبويته.

لكنَّ اللافت في الأمر أن الولايات المتحدة التي تعدَّى عدد سكانها 330 مليون نسمة، والتي تعتبر نفسها زعيمة العالم الحر، وأن تجربتها الديمقراطيَّة الليبراليَّة وقِيَمها عن الحرية، الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، هي نهاية تاريخ التطور الفكري والسياسي للإنسان، وبالتالي يجب عولمة قِيَمها الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للعالم أجمع، -كما عبَّر عن ذلك كاتبها الفَلسفي والاجتماعي، فرانسيس فوكوياما- تقف عاجزة عن أن تقدّم مرشحيها للرئاسة دون أن تكون خَجِلَة من سجلّاتهما الشخصية المحمّلة بالرعونة والانتهازية والتشتّت الذهني.

وكأن «السنة العرجاء» أبت إلا أن تنسحب على مرشحي الرئاسة كليهما، وتسربل الأمة الأمريكية كلها، وهي في ذلك أُمّة تُوشك أن تنكشف ثم تنكفئ، وقد بدأت الأرَضَة تأكل منسأتها.

أعلى