• - الموافق2024/04/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصومال «النفطي»..  أيّ جبل يعصمه من الأطماع؟

إن لدى هذا البلد المسلم المكلوم، آفاق أمل، وأحلامًا مشروعة في مستقبل أفضل؛ فالصومال آخِذ في التعرف إلى أوراق قوته بشكل جدّي هذه المرة، من دون أن يخطئه إدراك تحدياته الراهنة؛ فهو مع كل طموح وأمل، لم يزل عالقًا في عدد من المشكلات الثقيلة.

البعض يقول: إنها مشتقة من «ذو مال» (صو مال)؛ حيث اشتهرت بالتجارة الواسعة عبر البحر والمحيط؛ إذ تعني كلمة (tajiri) مرادفة لكلمة «ثري» في العربية، والبعض يقول: إنها في السواحيلية أتت من (soo maal) أو (go & malk) أي «اذهب واحلب»؛ لكثرة الثروة الحيوانية بها.

من بلد شاسع، ميسور أهله، إلى بلد فقير، مضى الصومال سني الألم من حقبة «الاستعمار» التي بدأتها بريطانيا (1885م)، وإيطاليا (1889م)، إلى الاستقلال الصوري في العام 1960م، ثم الانقلاب العسكري 1969م بقيادة الجنرال زياد بري، ثم الحرب الأهلية وسقوط نظامه العسكري في العام 1991م، وحل الجيش الصومالي (صاحب أكبر قوة مدرعة في إفريقيا بدون شمالها العربي) على يد القنابل المتناحرة، وصولًا إلى مرحلة حكم المحاكم الشرعية التي نشأت في العام 1991م، وحكمت العاصمة في العام 2006م، وانهارت أواخر العام مع الغزو الإثيوبي، الذي تراجع تدريجيًّا من بعد انتخاب الرئيس شيخ شريف أحمد في العام 2009م.

ثم من بلد ممزق فقير، إلى آخر يغدو في طريق الاستقرار والتنمية بشكل متدرّج، مع تجربة ديمقراطية هشَّة، تدخلت فيها دول إقليمية بالمال والرشاوى لمدّ نفوذها داخل دواليب الحكم والجيش الصومالي، لكنها مع ذلك بقيت صامدة، تسعى لمد نفوذها على ما تبقى من أقاليمها الخمسة، طامحة إلى استرداد تلك الأقاليم المفقودة.

ثم إن لدى هذا البلد المسلم المكلوم، آفاق أمل، وأحلامًا مشروعة في مستقبل أفضل؛ فالصومال آخِذ في التعرف إلى أوراق قوته بشكل جدّي هذه المرة، من دون أن يخطئه إدراك تحدياته الراهنة؛ فهو مع كل طموح وأمل، لم يزل عالقًا في عدد من المشكلات الثقيلة.

بالأمس القريب تلقَّى الصومال طعنة نافذة، من الجارة المعادية إثيوبيا، التي أبرمت اتفاقًا خطيرًا مع إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) الانفصالي -الذي أعلن نفسه منذ ثلاثة وثلاثين عامًا جمهورية مستقلة، ولم يحظَ باعتراف دولي، وبادرت دولة الإمارات، الحليف الإستراتيجي للإقليم إلى الاعتراف به منذ البداية- «تؤجّر» بموجبه أديس أبابا، شريطًا ساحليًّا للإقليم على خليج عدن، بمساحة 20 كيلو مترًا مربعًا لمدة خمسين عامًا، تقيم عليه إثيوبيا ميناء تجاريًّا، وقاعدة عسكرية بحرية، ويُعتبر الشريط الرئةَ البحرية لهذا البلد الكبير الذي لا يتمتع بأيّ إطلالة بحرية، ويعتمد على جيبوتي في تصدير 95% من تجارته البحرية ثم إريتريا، مقابل اعتراف الحكومة الإثيوبية بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، وحصول «أرض الصومال» على حصة قدرها 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية التي بلغت إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار وفقًا لإحصاءات عام 2022م.

اتفاق «أرض الصومال» مع إثيوبيا الذي أُبرم في الأول من يناير الفائت هو خطيئة تاريخية، لا يقوى «رئيس أرض الصومال» موسى بيهي عبدي على تحمُّل تبعاتها الدينية والأخلاقية والسياسية؛ فهي محض خنجر قد غُرس في ظهر الصومال الكبير، بل الأمة الإسلامية برُمّتها؛ إذ يؤذن باحتلال تدريجي لهذا الإقليم الهشّ، غير المعترف به دوليًّا، والخارج عن سلطة مقديشو منذ أن ارتكب زياد بري جريمته باقتراف مذابح ضد قبيلة الإسحاق في أرض الصومال، ما شجَّعها على الانفصال مع أول خيط فوضى ألَمَّ بالبلاد أوائل التسعينيات، ثم هو خطيئة أخرى قد توازي تراخي الجيوش العربية وتسليمها أم الرشراش للكيان الصهيوني 1949م؛ لتمنح دولة الاحتلال إطلالة على البحر الأحمر باسم «إيلات» لتصبح دولة مشاطئة للبحر متشاركة مع «الجيران» في تحقيق أمنه! بل السيطرة عليه.

فأديس أبابا لا تسعى من وراء هذا الاتفاق إلى توفير 2 مليار دولار سنويًّا تُمثّل سُبُع ميزانيتها السنوية لميناء جيبوتي رسوم تصدير واستيراد، ولا زيادة تجارتها الخارجية بنسبة 25-30% بحسب تقارير دولية، فحسب، لكنها تريد تحقيق أهداف إستراتيجية كبرى، تتمثل في تعزيز مكانتها الدولية والإقليمية، وزيادة تدخلها في الشأن الصومالي، وإضعاف الصومال، الذي تَعتبر رفاهيتها في انهياره، وقوتها في ضعفه، فإطلالة إثيوبيا على خليج عدن، ومِن ثَم على بحر العرب، والبحر الأحمر، تعني تلقائيًّا منافسة الصومال تجاريًّا، وتعزيز قبضتها على الأوغادين الصومالي الذي تحتله منذ «استقلال» الصومال، وتعززت قبضتها عليه بعد الحرب الفاشلة التي خاضها الجنرال زياد بري لتحريرها في العامين 1977-1978م.

ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد الذي ينتمي إلى تركيبة قومية/دينية، معقَّدة نوعًا ما، تجمع ما بين البروتستانتية الخمسينية، التي تفصله عن جموع الأرثوذكس الأحباش، وتعزله عن فضائه القومي الأورومي (المسلم في معظمه)، لديه تطلعاته لتحسين صورته الداخلية المهتزة عبر تحقيق هذا الاتفاق المربح لدولته من جهته، وأحلامه بتعزيز نفوذه في محيطه القومي الأورومي الرافض له، والذي يتطلع لانفصال «أوروميا الكبرى مع امتداد صومالي لها»، ولهذا يحرص آبي أحمد على التماهي، ولو ظاهريًّا مع هذا الحلم.

ما كل ما تتمناه إثيوبيا تدركه!

أدركت مقديشو على الفور أن خطرًا كبيرًا يتهددها إذا ما دخلت الاتفاقية غير القانونية حيّز التنفيذ، لهذا فقد تحركت دبلوماسيًّا في اتجاه المنظمات المختلفة، كالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيغاد، وجامعة الدول العربية، وشاركت مخاوفها ورفضها مع دول أبرزها، الصين ومصر وإيطاليا وإريتريا وجيبوتي، وكل هذه الدول ترفض هذا التمدد الإثيوبي، لأسباب مختلفة: (الصين بسبب اعتراف «أرض الصومال» بتايوان، ومصر لحرصها على الوحدة الصومالية في مقابل إثيوبيا، التي توترت علاقتها معها بسبب ملف سد النهضة، وإيطاليا لاعتبارها إحدى دول الاحتلال السابقة للصومال، والتي لم تزل لديها مصالح اقتصادية مع مقديشو، وإريتريا بسبب عداوتها التقليدية مع أديس أبابا، وحرصها على إضعاف إثيوبيا ومنعها من الوصول إلى الساحل، وجيبوتي بسبب تضرُّر اقتصادها كثيرًا في حال استغنت إثيوبيا عن ميناء جيبوتي).

تدرك مقديشو ذلك، غير أنها على يقين بأن الرغبة الإثيوبية الجامحة في الوصول إلى البحار وإجهاض أيّ محاولة صومالية للنهوض من كبوتها الطويلة، ودعم بعض الدول الإقليمية لإثيوبيا في مخططات التقسيم والإضعاف للعالم العربي والإسلامي، لا سيما الكيان الصهيوني، وبعض حلفائه في المحيط الإقليمي للحد الذي جعل المراقبين يتوقعون تمويلهم للاتفاق نظرًا لإفلاس إثيوبيا الوشيك، قد تجعل من الصعوبة على الصوماليين إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه إذا ما وضعت اتفاقية أديس أبابا/هيرجيسيا (عاصمة أرض الصومال) موضع التنفيذ.. ولإدراك مقديشو كل ذلك؛ فإنها غدت لا تعول كثيرًا على مواقف الحلفاء، والرفض الدولي القانوني للاتفاق، خصوصًا إذا ضربت أديس أبابا بكل ذلك عُرض الحائط، ومضت في إقامة مينائها وقاعدتها العسكرية في لوغايا بأرض الصومال، وشرعت في وصل زيلع الصومالية الشمالية بهرر الحبشية، عبر ممر حيوي تجاري، واصل من ساحل الصومال إلى قلب إثيوبيا؛ محاكاةً لتاريخ تجاري مزدهر للمسلمين إبَّان حكمهم لتلك المناطق معًا على مدى قرون طويلة، ولكن هذه المرة ستكون بقيادة «مسيحية» وفق ما ترغم إثيوبيا وحلفاؤها!

عدم تعويل الصومال على هذا الحراك الدبلوماسي، والقانون الدولي، وإيمانها بقانون القوة، دعاها إلى التسريع بعقد اتفاق أمني مع تركيا، كان منذ فترة طويلة في طور الدراسة المتأنية؛ فبعد خمسة أسابيع فقط من الإعلان عن اتفاق أديس أبابا/هيرجيسيا المثير للجدل، أعلن في العاصمتين التركية والصومالية عن اتفاق وصفه رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري بـ«التاريخي»، وهو الاتفاق الذي تم توقيعه ودخل حيز التنفيذ بين أنقرة ومقديشو في 22 فبراير الماضي، وينص على أن تقوم البحرية التركية بتوفير أمن الساحل الصومالي والمياه الإقليمية البالغ طوله 3333 كيلو مترًا. حيث ستكفل الاتفاقية، التي ستكون سارية لمدة 10 سنوات، الإفادة من الموارد الجوفية الصومالية، وتحسين القدرة العسكرية لهذا البلد بدعم من تركيا. كما أنه يمنح أنقرة حق التنقيب عن النفط واستخراجه في برّ وبحر الصومال، بشراكة تحصل تركيا بموجبها على 30% من عوائد النفط المستخرَج، في مقابل تكاليف الاستخراج، وتأمين الحدود البحرية الصومالية، بما فيها «أرض الصومال»، ومساعدة مقديشو على إنشاء قوة بحرية قوية تغطّي سواحلها الممتدة، وتوقف بموجبها عمليات الصيد غير المشروعة التي تقوم بها دول وعصابات دولية وإقليمية، وكذلك عمليات القرصنة، علاوةً على مواصلة تدريب القوات الصومالية البرية، ومدّها بأسلحة حديثة لتمكينها من بسط سيطرتها على كامل التراب الصومالي.

على المستوى الأمني، تُعدّ الاتفاقية «تاريخية» كذلك بالفعل؛ فهي تُعيد النفوذ التركي التاريخي لهذه المنطقة المهمة في العالم، وتجعل لتركيا إطلالةً مهمةً على البحر الأحمر، وبحر العرب، والمحيط الهندي، وتُقرّبها كثيرًا من باب المندب، لتصبح أحد اللاعبين في المنطقة، لا سيما أن لتركيا حضورًا في جيبوتي المجاورة، واتفاقية لم تنقضِ بعدُ أجَّرت بموجبها أنقرة، جزيرة سواكن السودانية لمدة 99 عامًا.

وصوماليًّا، يُعدّ الاتفاق إنقاذًا للبلاد من خطر التمزق المتوقع في حال نفَّذت أديس أبابا اتفاقها المشبوه مع هيرجيسيا. وتأمينًا قويًّا ضد حركة الشباب الصومالية المناوئة لمقديشو، وحماية من مغامرات إثيوبيا المتوقعة.

أما على المستوى الاقتصادي؛ فإن الاتفاق إذا ما تم دون عقبات تعترضه، سيضع الصومال في قائمة الدول الغنية في المنطقة، ويفتح لها آفاقًا استثمارية هائلة.

«ذو مال»:

ربما لم يكن يدرك الأجداد حين أسموا هذا البلد، «ذو مال» (على إحدى التفسيرات اللغوية)، أنه بالفعل رابض على احتياطي نفطي يُبوّئه المركز السادس على مستوى العالم، بثروة تزيد عن 500 مليار دولار، تتمثل في احتياطي يبلغ نحو 30 مليار برميل، تنتظر استخراجها في حال ضخَّت أنقرة نحو ملياري دولار في هذا الاستثمار الواعد.

وفي عالم النفط، يقول بعض الخبراء: إن أنقرة يمكنها بدءًا من اليوم إرسال سفينة الحفر «السلطان عبد الحميد» للبدء باستخراج النفط، لكن تركيا ستُرجئ ذلك بالتأكيد ريثما تتمكَّن من تأمين حضورها بقوة بحرية رادعة. ويتوقع أن أنقرة التي تعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة ستسعى إلى التسريع بتنفيذ هذا الاتفاق، وهي بدأت بتسريب تهديدات مسبقة عبر الصحافة التركية، للقوى الإقليمية المنزعجة من الاتفاق بينها وبين الصومال لمنعها من الضغط على تركيا للتخلي عن هذه الصفقة الهائلة، فعلى سبيل المثال، قالت صحيفة (تورك خبر) في تقرير لافت لها (6 مارس 2024م): إن «الاتفاقية البحرية التي وقَّعتها تركيا مع الصومال تُغطّي كامل الساحل والمياه الإقليمية للبلاد. وهذا يشمل أرض الصومال الانفصالية. ومن المؤكد أن العمليات العسكرية التي تدعمها تركيا ستعيد ربط الانفصاليين المدعومين من «إسرائيل» بمقديشو، وتجعل البلاد موحدة».

وأضافت: «بموجب الاتفاقية، سيكون للسفن الحربية التركية دور في كامل الساحل الصومالي الذي يبلغ طوله 3333 كيلو مترًا. ويشكل هذا الوضع كابوسًا لـ«أرض الصومال» الانفصالية التي تهدف إلى تقسيم الأراضي الصومالية؛ لأن ساحل أرض الصومال من بين المناطق التي سلمتها مقديشو لتركيا مع الاتفاق». وتذكر الصحيفة بأن «أكبر قاعدة للقوات المسلحة التركية في الخارج تقع في العاصمة مقديشو».

وزير الدفاع الصومالي، من جهته، عزَّز الشعور السائد مؤخرًا بين محللين اقتصاديين وإستراتيجيين غربيين بتصميم كلا العاصمتين على تحقيق الردع بقوله، بعد توقيعه الاتفاق الدفاعي مع نظيره التركي: «إما أن تكون جبلًا أو تتكئ على جبل».

*     *     *

على أن الجبل التركي، بحاجة إلى قدر من التفاهم مع دول أخرى، أبرزها الإمارات، الحليف القوي لـ«أرض الصومال»، فلدى أبو ظبي حضورها القوي في هذا الإقليم، فهي قد أنشأت قاعدتين عسكريتين بجوار مينائي بربرة وبوصاصو اللذين تُديرهما أيضًا، وهذا النفوذ يعاكس الرغبة الصومالية، التي تتعهد أنقرة بحمايتها، بل إن الإمارات حاضرة بقوة كذلك في الصومال ذاتها؛ حيث تحتفظ أبو ظبي بعلاقات جيدة مع جنرالات في الجيش الصومالي، وبالتالي؛ فإن تركيا التي أقامت اتفاقًا اقتصاديًّا كبيرًا مع الإمارات، تدفَّقت بموجبه المليارات الإماراتية للاستثمار في بنوك ومشروعات تركية، ستجد نفسها مدفوعة إلى إبداء قدر من المرونة في تنفيذ إستراتيجيتها الطموحة في الصومال، ومدعوة للتفاهم مع الإمارات لتحقيق مُواءمة تحفظ مصالح البلدين، وبدون مخاطرة بتلك العلاقات التي نُسجت مؤخرًا بصعوبة.

وهذا التحدي يرافقه تحديات أخرى، يتعلق أحدها باستمرار التهديد القائم من حركة الشباب المناهضة للنظام، والتي لم تزل نشطةً في أنحاء كثيرة من الصومال، رغم تراجعها قليلًا مؤخرًا على وقع ضربات نفذتها طائرات إماراتية (تركية الصنع)، وأمريكية، وضربات من الجيش الصومالي نفسه، وهو تحدٍّ آخر لا بد أن تواجهه مقديشو، وهو ذاك المتعلق بمدى نفوذ الدول «الأجنبية»، سواء أكانت غربية أم غير ذلك داخل السماء والأرض الصوماليين. كما يتعلق آخر بهشاشة الحكم الصومالي في سلطتيه التنفيذية و«التشريعية»، القائم على نوع من المحاصصة القَبَلية، والذي يلعب فيه المال الخارجي دورًا مُؤثرًا في رسم خرائط التمثيل البرلماني، إضافةً إلى القوى العسكرية والأمنية التي تقع هي الأخرى تحت إغراءات مادية، ربما حرفت بعضها عن جادة المصلحة الصومالية، على نحو ما قد أفرز صراعات في دول أخرى عربية وإسلامية، تُركت نهبًا للاستقطاب المتنوع والمتناقض لدول لديها مصالح تعارض المصلحة الصومالية الحقيقية.

*     *     *

ومع ذلك؛ فإن الحالة الصومالية الآن لديها من رصيد التفاؤل، ما لم يكن لها خلال السنين الماضية، بما يُتصوّر أن يقلّص من آثار تلك التحديات سالفة الذكر، إذا ما خلصت النوايا، وتوحدت القوى والقبائل في إطار قِيَمي رفيع، كالذي جمع عليه الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي المسلمين قبل خمسمائة عام، مخضعًا ثلثي الحبشة لحُكْمه، حين أقام إمارة «العدل» الكبرى، متخذًا من العدالة الإسلامية أساسًا للدمج والتقريب بين القبليات والأعراق الصومالية والحبشية. فالصومال التأم في حدوده الكبرى، التي تشمل أقاليمه الخمسة السابقة: الصومال (الإيطالي/الصومال الحالي، وإقليم بلاد بونت)، والصومال (البريطاني/أرض الصومال حاليًّا)، والصومال (الفرنسي/جيبوتي الحالية)، والصومال الغربي (الأوغادين المحتلة من إثيوبيا)، والصومال الجنوبي الغربي (الإقليم الجنوبي الغربي «إن إف دي» المحتل مِن قِبَل كينيا)، بالإسلام وحده دون أيّ وشيجة أخرى قد تحرفه عن مسار الوحدة والائتلاف، وانصهر بعيدًا عن العصبية والقَبَلية؛ فمعلوم بالتاريخ والسنن وقواعد العمران، أنه متى اقترب الشعب الصومالي وقادته منه ازدادوا عزةً ومنعةً، وأرهبوا عدوهم التقليدي، وأخضعوه. ومتى ما ابتعدوا تشرذموا، وتناوشتهم القوى المحيطة. هذه خارطة طريق الصومال الحقيقية نحو الاستقلال والقوة والرفاه والعمران.

صحيح، أن الصومال يحاول أن يخطو في اتجاه صحيح هذه المرة؛ إذ ربما كان الاتجاه نحو الإفادة القصوى من ثروات الصومال في حدوده الحالية، من نفط وغاز، ويورانيوم (بالجنوب)، وثروة حيوانية، وحدود صيد هائلة، وسياحة واعدة، وزراعة وفيرة، هو عامل مهم جدًّا لاسترداد شيء من القوة المستلبة من هذا البلد المسلم العريق، وهو عمل جيد جدًّا إذا ما نجحت مقديشو بمعاونة أصدقائها في تحقيقه، وهو ضامن مبدئي للاستقرار وتحقيق الأمنين الداخلي والخارجي، لكنه في النهاية ليس كافيًا ما لم تتراجع العصبيات القبلية، والأيديولوجيات المستوردة، ويتحد الصوماليون تحت راية هي الوحيدة التي لمَّت شعثهم، وأذابت فوارقهم، وكسرت الحمية الأرضية في نفوسهم. عندها، فقط، يمكن أن نأمل بمستقبل مشرق لحاضرة القرن الإفريقي التاريخية.

أعلى