هل ستشارك أمريكا في الحرب ضد غزة؟

هل يمثل الحشد العسكري الأمريكي مجرد دعم معنوي للحليف الصهيوني وإسناد لوجستي لتوصيل السلاح والذخائر للجيش الصهيوني بعد الانكسارات التي شهدها الكيان الصهيوني من هجمات كتائب القسام؟ أم يمثل أكبر من ذلك بإمكانية التدخل المباشر؟


"لدي كلمة واحدة: إياكم إياكم لا تفعلوا ذلك قد تكون قلوبنا مكسورة ولكن عزمنا واضح"

بهذه الكلمات العاطفية خاطب الرئيس الأمريكي جو بايدن مهددًا ومتوعدًا بعد ورود أنباء اجتياح كتائب عز الدين القسام مستوطنات غلاف غزة.

وفي اليوم الثاني من حرب طوفان الأقصى، تداولت وكالات الأنباء خبر إرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى شرق المتوسط قبالة ساحل فلسطين، بعد أن تم تحريكها من أمام شواطئ أوروبا.

ويعتبر كثير من المراقبين العسكريين أن تلك السفينة هي أخطر السفن التي يمتلكها سلاح البحرية الأمريكية، فهي الأكثر تطورًا وحداثة في الأسطول الأمريكي، وتبلغ كلفتها المالية 13 مليار دولار ويصل طولها 335 مترًا، ووزنها 82 ألف طن، وتعمل بالدفع النووي، وتحمل على ظهرها 75 طائرة، و4460 جنديًا، وقادرة على الإبحار 20 عامًا دون الحاجة للتزود بالوقود.

ولم تكتف أمريكا بحاملة الطائرات تلك، فقد صرح مسئول في البنتاجون لوكالات الأنباء أن الولايات المتحدة سترسل بجانب فورد، السفن الحربية من طراز يو إس إس نورماندي والمدمرات يو إس إس توماس هدنر، ويو إس إس راماج، ويو إس إس كارني، ويو إس إس روزفلت، بالإضافة إلى تعزيز القوات الجوية الإقليمية من طراز إف-35، وإف-15، وإف-16، وإيه-10.

وبعد مرور أسبوع من القصف الصهيوني فوجئ الجميع بإرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات الثانية (أيزنهاور).

وتعددت الاحتمالات والتساؤلات حول الدوافع الأمريكية من الدفع بكل هذا العتاد والقوات:

هل هذا الحشد هو مجرد دعم معنوي للحليف الصهيوني وإسناد لوجستي لتوصيل السلاح والذخائر للجيش الصهيوني بعد الانكسارات التي شهدها الكيان الصهيوني من هجمات كتائب القسام؟

أم هو لتخويف وزجر أي محاولة إقليمية للتدخل لصالح المقاومة الفلسطينية كما صرح بذلك قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي كوريلا، بأن وصول مثل هذه القوة الجاهزة للقتال إلى المنطقة هو إشارة قوية لردع أي لاعب معادٍ لإسرائيل يفكر في محاولة استغلال الفرصة، بالرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نفى تورط إيراني في هذه الحرب، وأكد أن المسؤولين الأمريكيين لم يروا بعد دليلا على أن إيران وجهت، أو كانت وراء هذا الهجوم بالذات.

أم أن الإرسال هو جزء من خطة أمريكية تشترك فيها قوات أمريكية مع نظيرتها الصهيونية لاجتياح غزة كما يلوح بذلك القيادات العسكرية الصهيونية؟

لمحاولة فهم الدوافع الأمريكية والإجابة على هذه التساؤلات يلزمنا معرفة موقع الكيان الصهيوني في الأهداف والاستراتيجيات الأمريكية، ثم نعرج لتحليل الوضع الراهن.

 

تحولت فلسطين في الضمير البروتستانتي من الأرض المقدسة للنصارى إلى أرض الشعب المختار، ومن الملاحظ أن بعض البروتستانت قد آمن بضرورة اعتناق اليهود للنصرانية تمهيدا لقدوم المسيح، وآمن بعضهم بإمكان تحولهم هذا بعد قدومه.

الكيان الصهيوني والحلم الأمريكي

يعتقد كثير من الناس أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل نابع من مصلحة أمريكية في علاقتها الخاصة بإسرائيل، ولا شك أنه يحقق لها مصالح كثيرة، ويبقي على أطماعها في المنطقة، ولكن في الوقت نفسه يضع مصالح أمريكا في خطر كبير؛ لأنه يزيد من حجم العداء لها. ومن أجل هذه المصالح نجد دولاً مثل فرنسا وإيطاليا تغير موقفها من الصراع، وتصبح أكثر توازنًا من ذي قبل.

فأي مصلحة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية مثلاً ستعود على أمريكا من نقل سفارتها إلى القدس، على الرغم من إدراك صانعي القرار في أمريكا بالمكانة الخاصة للقدس في قلوب الملايين العرب والمسلمين والنصارى؟

ويفسر آخرون ذلك الانحياز بقولهم إن سيطرة اللوبي اليهودي في أمريكا على الحياة السياسية والاقتصادية الأمريكية له أثر كبير في ظل النظام الانتخابي الأمريكي القائم على تنافس السياسيين والأحزاب في أمريكا على استقطاب الصوت اليهودي.

لكن تضخيم الصوت الانتخابي اليهودي في الانتخابات الأمريكية أمر مبالغ فيه. نعم إن الجالية اليهودية نشطة ولها تأثير، ولكن القول بأنها تحكم أمريكا ليس صحيحًا؛ فلم يحدث أبدًا أن كان الرئيس أو نائبه يهوديًا، ونسبة اليهود في الكونجرس لا تزيد إلا قليلاً عن نسبة اليهود في أمريكا أي 2 - 3%؛ حيث يبلغ تعدادهم حوالي 6 ملايين نسمة تقريبا؛ أي أصواتهم الانتخابية لا تتعدى 2 - 3% من نسبة الأصوات الانتخابية في أمريكا، وهذه النسبة ليست بالنسبة الكبيرة التي تمكن اليهود من التأثير في الانتخابات، ولو كان لهذه النسبة أي تأثير لكان للمسلمين والعرب في أمريكا أثر في تشكيل السياسة الأمريكية؛ لأن تعدادهم يزيد على تعداد اليهود هناك، كما أن السود يشكلون نسبة كبيرة من السكان بالإضافة إلى أقليات أخرى؛ وبالرغم من ذلك لم نسمع عن أثر لأصواتهم الانتخابية، ولم نسمع عن رئيس أمريكي سعى إلى استرضائهم كما يفعل مع اليهود، إذن فالقضية ليست قضية صوت انتخابي فحسب ! فما هو السر في هذا الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل؟

إن الإجابة تكمن في العلاقة بين البروتستانتية واليهودية، حيث يستمد التراث الديني في أمريكا أصوله من المذهب البروتستانتي في إنجلترا والذي ارتحل إلى أمريكا، وكان قد نشأ مع حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن السادس عشر ضد الكنيسة الكاثوليكية في روما.

إن أهمية الأفكار التي جاءت بها حركة الإصلاح الديني على يد لوثر تـعود إلى أنها مهدت الطريق أمام الأفكار التي نادت بها الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر، فهذه الأفكار التي أكدتها البروتستانتية لا تختلف كثيرا عن اليهودية، والتي تنطوي في جوهرها على دعوة اليهود للعودة إلى صهيون؛ أي إلى أرض إسرائيل بحدودها التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة لدى اليهود.

وهكذا تحولت فلسطين في الضمير البروتستانتي من الأرض المقدسة للنصارى إلى أرض الشعب المختار، ومن الملاحظ أن بعض البروتستانت قد آمن بضرورة اعتناق اليهود للنصرانية تمهيدا لقدوم المسيح، وآمن بعضهم بإمكان تحولهم هذا بعد قدومه.

ومما قوى هذه الأفكار التجارب التي مر بها المهاجرون البروتستانت من أوروبا إلى أمريكا؛ حينما قارنوا بينها وبين التجارب التي مر بها اليهود القدماء عندما فروا من ظلم فرعون إلى أرض فلسطين.

فكثير من البروتستانت فر من الاضطهاد الديني؛ ولذلك عندما واجه المهاجرون مقاومة أهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر فإنهم تذكروا اليهود ومقاومة أهل فلسطين القدماء لهم. لقد كان هؤلاء المستوطنون بحاجة إلى شيء يُسوِّغ أفعالهم هذه، ويضفي عليها نوعًا من الشرعية والأخلاقية، فلم يجدوا هذا التسويغ إلا في العهد القديم. بل إنهم ادعوا أن الله اختار العنصر الأنجلو - ساكسوني البروتستانتي الأبيض لقيادة العالم، كما جعل الله اليهود شعبه المختار.

ولتوضيح أثر العقيدة البروتستانتية في دفع رؤساء أمريكا إلى الانحياز لإسرائيل، نسوق موقف الرئيس الأمريكي جون كيندي الذي كان الرئيس الكاثوليكي الوحيد في تاريخ أمريكا، حيث قال: إن الانحياز الأمريكي في النزاع العربي - الإسرائيلي لا يهدد الولايات المتحدة فحسب؛ بل يهدد العالم بأسره، فالأفكار والتنبؤات التوراتية لم تكن في وجدانه أو عقله مثل سابقيه ولاحقيه.

بهذا تحدد الهدف الاستراتيجي الأمريكي في هذا الصراع، وهو ضمان وجود دولة يهودية لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى تمهيدًا لنزول مسيحهم، فبقاء الكيان الصهيوني عنصر أولوية للأمن القومي الأمريكي تفوق أي عنصر آخر حتى لو كان صعود الصين أو روسيا.

 

ربما تكون أحد أهداف المشاركة الأمريكية السريعة في دعم الكيان الصهيوني، هو أن عملية طوفان الأقصى كما أظهرت الفشل الاستخباراتي الصهيوني، فإنها كانت أيضا كاشفة للفشل المخابراتي الأمريكي

أمريكا وطوفان الأقصى

يركز الإعلام على المشاركة الأمريكية بحاملتي الطائرات والتي على متنها آلاف جنود مشاة البحرية وعشرات الطارات الحديثة وغيرها من المعدات والأسلحة، ولكن هناك مشاركة لا يركز عليها الإعلام كثيرًا والتي تتعلق بفرق الكوماندوز الأمريكية المشاركة.

فقد أعلن المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، أن قوات دلتا الأمريكية الخاصة والمعنية بتحرير الرهائن، قد وصلت إلى دولة الكيان، وفقاً لما نقلت هيئة البث الرسمية الصهيونية.

وبحسب موقع (military) الأمريكي فإن قوة دلتا المعروفة رسمياً باسم مفرزة العمليات الخاصة الأولى للقوات الخاصة-دلتا قد تم تشكيلها عام 1977، وهي إحدى وحدات المهام الخاصة الأميركية التي تركز بشكل أساسي على مهمة مكافحة الإرهاب، فهي موجهة خصيصاً لقتل أو أسر وحدات ذات قيمة عالية أو تفكيك الخلايا الإرهابية.

ووفقا للموقع فإن قوة دلتا تظل مرنة للغاية ويمكنها المشاركة في مهام العمل المباشر وعمليات إنقاذ الرهائن والمهام السرية التي تعمل مباشرة مع القوات المسلحة.

ومن العمليات التي قامت بها تلك القوة، عملية مخلب النسر خلال أزمة الرهائن في إيران عام 1980، والتي فشلت وأدت إلى مقتل ثمانية أميركيين.

بالإضافة لعملية الغضب العاجل لإنقاذ سجناء غرينادا من سجن ريتشموند هيل، وعملية السبب العادل في بنما للقبض على الجنرال مانويل نورييغا وحماية حوالي 35 ألف أميركي يعيشون هناك.

وشاركت أيضا في حرب الخليج خلال غزو العراق للكويت، وعملية الثعبان القوطي في مقديشو عام 1993.

ولكن ربما تكون أحد أهداف المشاركة الأمريكية السريعة في دعم الكيان الصهيوني، هو أن عملية طوفان الأقصى كما أظهرت الفشل الاستخباراتي الصهيوني، فإنها كانت أيضا كاشفة للفشل المخابراتي الأمريكي.

فالولايات المتحدة تمتلك أقمارا صناعية وقواعد عسكرية في كل مكان، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط، وتفرض وزارة المالية الأمريكية مراقبة التداول المصرفي لجميع الدولارات في العالم، وتقوم أجهزة المخابرات بالتنصت على المكالمات الهاتفية ومراقبة معدات شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية.

وتقارن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تصريحات لموقع قناة آر تي الروسي، بين الحسابات الخاطئة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية التي فشلت في التنبؤ بالتصعيد في الشرق الأوسط، وبين تلك الأجهزة الأمريكية التي واصلت الحديث أمام العالم كله عن غزو روسيا لأوكرانيا على مدى شهرين في نهاية عام 2021 وشهرين آخرين في بداية عام 2022. 

وتحاول زاخاروفا توجيه هذا الفشل إلى نظرية المؤامرة، عندما تساءلت لماذا لم تلمح واشنطن أكبر اشتباك عسكري مع أقرب حلفائها والذي يوجد على أراضيه آلاف المواطنين الأمريكيين؟ كيف لم ينطق أحد في الولايات المتحدة بكلمة واحدة قبل يوم واحد على الأقل من بدء التصعيد الحالي في الشرق الأوسط؟

لغز آخر، وهو أسوأ من اغتيال جون كينيدي، على حد تعبير المسئولة الروسية.

قد يكون الموقف الروسي الذي جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية من باب المكايدة السياسية، أو من آليات الصراع الروسي الأمريكي الجارية حاليا، ولكن المنطق الروسي وتلك الفرضية يعززها عدة عناصر: الدعم السريع الأمريكي والحشد السريع لقواتها في المنطقة فور ورود انباء طوفان الأقصى.

ومنها أيضا تداول الأكاذيب التي ما فتئت أركان الادارة الأمريكية ترددها، بدء بالرئيس الأمريكي بايدن ومستشاره للأمن القومي، والتي تتعلق بادعاء فظائع قامت بها كتائب القسام في المستوطنات من قطع رءوس الأطفال واغتصاب النساء، والتي بعدها نفى البيت الأبيض وجودها وزعموا ان مصدرها رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو والذي نقلها لبايدن.

ووصل التشكيك في النوايا الأمريكية والارتياب منها إلى الرئيس التركي أردوغان والذي تساءل في تصريحات علنية: ما حاجة الكيان الصهيوني لحاملة طائرات؟

وبصرف النظر عن تلك النوايا الخفية، فمن المؤكد أن أمريكا قد شعرت بأن طوفان الأقصى لم تكن مجرد عملية عسكرية قامت بها كتائب القسام اجتاحت بها الحدود والسور العازل والمستوطنات أو المغتصبات الصهيونية، بل كان الغرض منها تغيير بيئة الصراع في المنطقة العربية، وتحول المقاومة من خانة رد الفعل والدفاع الى الهجوم، وتعديل قواعد اللعبة وبداية النهاية في طريق إنهاء أسطورة الكيان الصهيوني، فكان التدخل الأمريكي لإنقاذ ذلك الكيان، ولمنع تلك التغيرات والحيلولة دون تغيير هذه القواعد.

 

 

 

أعلى