• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دولة أوروبا المقسمة (1/3)

دولة أوروبا المقسمة (1/3)


نشر مركز ستراتفور البحثي مقالة "لماركو بابيك" في 28 يونيو الماضي [1] عن الحالة الأوروبية الراهنة وما تواجهه من أزمات في منطقة اليورو تهدد بانهيار المنظومة الأوروبية وعملتها، وتيشر الدراسة إلى أن أوروبا منذ الأزل وهي مقسمة بسبب طبيعتها الجغرافية والجبلية وأنه لم توجد قوة أوروبية واحدة في التاريخ استطاعت السيطرة على القارة وإخضاعها في كيان واحد، ثم سرد الكاتب مقارنة تاريخية بينها وبين نشأة الولايات المتحدة كاتحاد كونفيدرالي وكيف استطاعت أمريكا أن تتغلب على متاعبها وإنشاء كيانها الموحد، وفي الجزء الثاني من الدراسة يشير الكاتب إلى محاولات توحيد أوروبا الحالية من النواحي المالية والسياسية الداخلية والخارجية وكذلك الأمنية، ويسلط الضوء على تلك التجربة الهامة، وفي الجزء الثالث يتحدث عن دوائر النفوذ الأوروبية المختلفة، والتي تفيد بوجود أفلاك مختلفة داخل القارة الأوروبية تستقطب حولها العديد من الدول الصغيرة المجاورة من أجل ربطها في سلسلة مصالحها وسياساتها الخارجية والداخلية.

وتكمن أهمية تلك الدراسة أنها تحاول استشراف مستقبل ذلك الكيان الموحد والمخاطر التي تواجهه، وكذلك احتمالية تفككه وانهياره، والتجربة الأوروبية تعد تجربة هامة من التجارب التاريخية في توحيد الدول تحت غطاء واحد، وهو ما قد يفيد التجربة العربية مستقبلاً، سواء من سلبياتها أو إيجابياتها.

ويقول الكاتب في هذا الجزء الأول من مقاله أن أوروبا تستمر الآن في معاناتها الاقتصادية، فالتركيز العالمي قد عاد مرة أخرى إلى أثينا في 28 يونيو مع مناقشة البرلمانيين اليونانيين إجراءات تقشف التي تم فرضها عليهم من شركائهم في منطقة اليورو.

وخطورة ذلك الوضع يكمن في أنه إذا رفض اليونانيون تلك الإجراءات، فإن أثينا لن تتلقى إعانتها المالية الثانية، والتي من الممكن أن تخلق أزمة أكثر سوءًا لأوروبا والعالم ككل، لذا من المهم فهم أن الازمة ليست بالأساس بشأن اليونان أو حتى بشأن العجز في منطقة اليورو بكاملها، ففي النهاية فإن اليونان تمثل فقط 2.5% من الناتج القومي الإجمالي لمنطقة اليورو، والأرقام الخاصة بميزانية كتلة اليورو ليست بهذا السوء في مجملها، فأرقام الدين والعجز الإجمالية في صورة أفضل من تلك الخاصة بالولايات المتحدة على سبيل المثال، فعجز الموازنة الأمريكية يصل إلى 10.6% من إجمالي الناتج القومي في عام 2010، مقارنة بـ 6.4% للاتحاد الأوروبي، ولكن التركيز لا يزال مستمرًا على أوروبا.

وذلك لأن الأزمة الحقيقية تتعلق بالسؤال الأساسي: كيف يمكن للقارة الأوروبية أن تدار ككيان واحد في القرن الحادي والعشرين؟ فقد نهضت أوروبا من حالة التبعية في أثناء الحرب الباردة، عندما كانت عبارة عن رقعة شطرنج لكل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. فقد نالت أوروبا استقلالها الفعلي مع انسحاب القوتين العظميين: روسيا انسحبت إلى مدارها السوفيتي للنفوذ والولايات المتحدة نقلت تركيزها إلى الشرق الأوسط في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر.

ومنذ التسعينيات خاضت أوروبا حالة من الإصلاح المؤسسي ولكن ظل السؤال الأساسي حول التكامل السياسي خارج مائدة الحوار، بالرغم من أنها بالفعل تكاملت اقتصاديًا، وهذا في النهاية هو مصدر أزمة الدين السيادي الحالية، وهو عدم وجود هيمنة سياسية على عملية الاندماج السياسي في حال سيرها في الاتجاه الخطأ.

فالأزمة الاقتصادية لمنطقة اليورو طرحت السؤال بشأن المصير السياسي لأوروبا وجلبته إلى الصدارة، ولكن تلك قضية متكررة في التاريخ، فكل ما يقرب من مائة عام تواجه أوروبا تلك المعضلة، فتلك القارة تعاني من الازدحام، ليس السكاني ولكن ازدحام الدول، فأوروبا بها أكبر تركيز من الدول القومية المستقلة مقارنة بكل قدم مربع، أكثر من أي قارة أخرى، وبالرغم من أن إفريقيا أكبر مساحة وبها المزيد من الدول، إلا أنه لا توجد قارة بها مثل ذلك العدد من الدول الغنية والقوية نسبيًا مثلما تأوي أوروبا. وهذا بالطبع من الناحية الجغرافية لأن القارة مليئة بالمقومات التي تمنع من تكوين كيان سياسي واحد، فيها سلاسل جبال وشبه جزر وجزر وكل ذلك يحد من قدرة القوى الكبرى من الهيمنة أو غزو الدول الصغيرة الأخرى، ولا يشكل نهرًا بعينه واديًا موحِّدًا يمكن أن يهيمن على بقية القارة، فنهر الدانوب يقترب من ذلك، ولكن مصبه ينتهي إلى البحر الأسود المغلق فعليًا، والمخرج الوحيد من ذلك هو بحر مغلق آخر، وهو البحر المتوسط، وهذا يحد من قدرة أوروبا على إنتاج كيان مستقل واحد قادر على أن يمثل قوة عالمية.

ولكن أوروبا لديها الكثير من الأنهار، ومسارات المواصلات السهلة والمناسبة للحركة وملاجئ جيدة الحماية، وهذا يسمح بتوليد رؤوس الأموال في عدد من النقاط في القارة، مثل فيينا وباريس ولندن وفرانكفورت وروتردام وميلان وتورين وهامبورج.

ولذلك عانت الجيوش الكبرى من عدم قدرتها على التوغل داخل أرجاء القارة والمرور عبر أرجائها من أجل جمع تلك الدول المتناثرة تحت حكم دولة واحدة، أما الأفكار والأموال والبضائع والخدمات لا تخضع لذلك لتلك العوائق المكانية، وهذا يجعل أوروبا غنية (فلدى القارة إجمالي ناتج محلي مساوي للولايات المتحدة ويمكن أن يكون أكثر، بناء على كيفية حساب ذلك).

ولكن ما يجعل أوروبا غنية أيضًا يجعلها مشرذمة، فالبنية السياسية والأمنية الحالية لأوروبا ـ الاتحاد الأوروبي والناتو ـ كانت الولايات المتحدة هي من شجع عليها من أجل توحيد القارة لكي تمثل ما يشابه جبهة موحدة ضد الاتحاد السوفيتي.

وذلك لم ينبع طبيعيًا من داخل القارة ولكن بسبب عوامل خارجية، ولكن ذلك أصبح يمثل مشكلة الآن فموسكو لم تعد تمثل تهديدًا لكافة الدول الأوروبية، فألمانيا وفرنسا تريان روسيا على أنها شريك تجاري والدول الأوروبية تواجه أول تحد حقيقي أمام حكم القارة، لذا فإن سلبيات الشرذمة والتفكك وشكوك الدول بين بعضها البعض تعمل بطاقتها القصوى الآن، فالتقارب وإنشاء كيان يشبه الولايات المتحدة الأوروبية يبدو أنه الحل الواضح للمشكلات التي تواجه أزمة الدين السيادي لمنطقة اليورو حاليًا، بالرغم من أن مشكلات منطقة اليورو كثيرة وليس من السهل حلها فقط عن طريق الاندماج، كما أن تاريخ وجغرافية أوروبا تميلان بالطبيعة، إلى التفكك والتشرذم.

 

- دولة أوربا المقسمة (1/3)

- دولة أوربا المقسمة (2/3)

- دولة أوربا المقسمة (3/3)



 http://www.stratfor.com/weekly/20110627-divided-states-europe (1)

 

أعلى