• - الموافق2024/05/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
طوفان الأقصى.. نقطة تحول في تاريخ المقاومة

المباغتة التي حققتها المقاومة الفلسطينية في جنوب إسرائيل، والاستيلاء على مستوطنات غلاف غزة، تطور خطير سيكون له انعكاساته السياسية والنفسية والعسكرية على الاحتلال مستقبلًا


السابع من أكتوبر 2023؛ يومٌ لكنه ليس كأي يوم، إنه "موعد مع النصر العظيم والفتح المبين من على جبهة غزة" كما وصفه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" وهو "يوم أسود لم يسبق له مثيل في إسرائيل" كما وصفه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وبين هذا وذاك عاشت إسرائيل خلال الساعات الماضية تحت وطأة صدمة تاريخية غير مسبوقة، بعد تعرضها لرشقات صاروخية مكثفة وتسلل بري وبحري وجوي من فصائل المقاومة الفلسطينية تمكنت من خلاله في فرض سيطرتها على مناطق كاملة من المستوطنات في غلاف قطاع غزة، أسفرت عن مقتل نحو 600 إسرائيلي وجرح أكثر من ألف حسب الإحصائيات إلى وقت كتابة هذا المقال، أما المعطى البارز فتمثّل في أسر عشرات المدنيين وعناصر جيش الاحتلال، إنها الحرب التي لم يحسب لها الصهاينة حسابها الدقيق، لقد كان طوفانًا مباغتًا وصادمًا.

طوفان مباغت

في الساعة السادسة والنصف صباحًا وبينما كانت شمس يوم السبت (7 أكتوبر 2023م) تشرق، حمل ضوء النهار هجومًا غير مسبوق على الأراضي المحتلة نجح معه مقاتلو كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس في التسلل إلى معسكرات للجيش الإسرائيلي في محيط قطاع غزة، قبل أن يتسللوا إلى مستوطنات غلاف عزة ويسيطروا عليها لساعات، قُتِل وأُسِرَ العديد من الإسرائيليين فيما دكت آلاف الصواريخ مناطق مختلفة في إسرائيل التي كانت تغط في عطلتها الرسمية يوم السبت، لقد كان مشهدًا غير مسبوق للجميع، لم يفك طلاسمه إلا المتحدث باسم كتائب القسام حين أعلن عن بدء عملية "طوفان الأقصى" ردًا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى، أكد المتحدث على المقاومة قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب، مضيفًا: "بدءًا من اليوم ينتهي التنسيق الأمني، وكل من عنده بندقية فليخرجها فقد آن أوانها".

 

 قال بعضهم إن قيادة الجيش طمأننا بأن حماس مرتدعة ولن تقدم على حرب، بينما رد جنرالات الجيش بتسريبات تقول إنهم حذروا حكومة نتنياهو مرارًا من خطر الجمود السياسي والمواقف المتطرفة وانفلات المستوطنين

تعدّ عملية "طوفان الأقصى" نقطة تحول فارقة في مسار المقاومة الفلسطينية، حيث اعتمدت على الخداع الذي حقق عامل المفاجأة الاستراتيجية، لم تكتفِ المقاومة بالقصف الصاروخي من داخل القطاع مثلما كان يحدث دائما في العمليات السابقة، فثمة مرتكزات جديدة مثل استعمال عدة راجمات متجاورة للحصول على كثافة نيرانية كبيرة لتحييد بطاريات القبة الحديدية حيث تقل فاعليتها بشكل كبير في حال إغراقها بالأهداف، إلى جانب ذلك فإن كثافة الصواريخ ستبقي جنود الاحتلال في المعسكرات الملاصقة لحدود قطاع غزة داخل مخابئهم حتى وصول المقاتلين المهاجمين، وهو ما تم بالفعل من خلال عمليات التسلل البري عبر إزالة الأسلاك الفاصلة، والتسلل الجوي عبر إنزال مظليين داخل المستوطنات والسعي للسيطرة على الأرض داخل فلسطين المحتلّة، وهو ما أعاق سلاح الجو من التعامل مع الوضع، ناهيك عن صعوبة التعامل الدقيق بشكل عام نظرًا لتحسس الإسرائيليين فيما يخص الأرواح.

شهدت الشبكة العنكبوتية خلال الساعات الماضية طوفانًا موازيًا من الصور والفيديوهات التي تظهر سيطرة مقاتلي المقاومة الفلسطينية على مستوطنات في غلاف غزة وقتل جنود إسرائيليين وأسر آخرين وتدمير آليات عسكرية إسرائيلية أو السيطرة عليها وسحبها إلى داخل قطاع غزة، كما أظهرت مقاطع أخرى مدى الصدمة التي يعيشها الصهاينة في الأراضي المحتلة، بينما تُسمَع صفارات الإنذار في مناطق متعددة في إسرائيل، شملت تل أبيب ومحيطها وبلدات أخرى في الجنوب وكذلك البلدات المحيطة بقطاع غزة، أما صوت الانفجارات فكان يصمّ الآذان في كل هذه المناطق.

أسطـورة هشّـة

كشفت عملية "طوفان الأقصى" عن مدى هشاشة القوة الأمنية الإسرائيلية في وقت كانت تقول فيه إسرائيل إن قواتها في أعلى درجات التأهب خشية عمليات فلسطينية في الضفة أو هجوم من قطاع غزة، بَيْدّ أن الهجوم الذي نفذه المئات من عناصر كتائب القسام وبدا أنه مخطط له منذ فترة ليست قصيرة، أظهر هشاشة غير عادية للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن وأجهزة الاستخبارات، كما أن أوضحت تكتيكات حماس أن التغلب على نظام القبة الحديدية ليس بالأمر المستحيل، فبعد أن دأبت إسرائيل على التأكيد على أنها متأهبة إلى أبعد الحدود لاحتمال اندلاع حرب متعددة الجبهات، أدى الفشل الذريع في التصدي للهجوم الأخير دفع معلقين إسرائيليين إلى وصف ما يحدث بأنه "حرب العار".

حتى منتصف نهار السبت لم تكن إسرائيل قد أعلنت بوضوح ما يجري، لقد أربكت عملية "طوفان الأقصى" إسرائيل وأحرجتها إلى حد كبير، ولا شك أن الشكل المنظم الذي ظهر به الهجوم خلال ساعاته الأولى كان صادمًا للكيان الذي ظنَّ أنه يمتلك أفضل أجهزة الاستخبارات وأكثرها خبرة في العالم، إن السيطرة الفلسطينية على زمام الأمور لساعات طويلة لن يُمحى من أذهان القوى الأخرى في المنطقة لعقود، خاصةً وأن عملية "طوفان الأقصى" تأتي بعد يوم واحد من الذكرى الخمسين لحرب السادس من أكتوبر 1973م، والتي استعاد فيها الجيش المصري أرضه عبر هجوم مباغت أيضا أرعب الكيان الإسرائيلي وأبكى قادته الذين أوهموا أنفسهم آنذاك بأنهم جيش لا يقهر.

حـالـة حــرب

بعد الصدمة وهول المفاجأة؛ استفاق الإسرائيليون بعد مرور ساعات في محاولة لاستيعاب ما يحدث، وبعد 4 ساعات من بدء الهجوم الفلسطيني خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في رسالة متلفزة من مقره في تل أبيب ليعلن "نحن في حرب"، سبقه بدقائق وزير دفاعه يوآف غالانت الذي خرج ليتعهد بـ "فوز إسرائيل في الحرب"، وهذه عبارة لم تستخدم في إسرائيل منذ حرب 1973م التي انتهت بهزيمتها، كانت الأحداث تتطور بسرعة كبيرة فانعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغر، في محاولة لترتيب الرد على العملية الفلسطينية وتفحص مدى خطورتها، ثم بدأت القرارات الإسرائيلية في الظهور للعلن ومعها ردود أفعال مختلفة، يمكن تلخيصها في الآتي:

* الإعلان عن حالة طوارئ حربية، في محاولة لاستيعاب المفاجأة والرد عليها في الجبهة الإسرائيلية الداخلية أولًا، حيث كان المسلحون الفلسطينيون يسيطرون على عدة مواقع، ثم الرد لاحقًا في داخل قطاع غزة، حيث سيتم قصف مئات الأهداف.

* الإعلان عن استدعاء جنود الاحتياط، وإطلاق عملية عسكرية تحمل اسم "السيوف الحديدية"، وبالتوازي يتم التدقيق فيما إذا كان هناك تنسيق مع حزب الله اللبناني، والعمل على منع خطر انفجار الحرب على عدة جبهات في آنٍ واحد.

 

ستشهد إسرائيل مزيدًا من التوتر الداخلي الموجود بالأساس في بنيتها السياسية والاجتماعية، وسيتفاقم الانقسام الإسرائيلي وقد يصل إلى مراحل معقدة في تداعياته على بنية حكومة نتنياهو

* دارت نقاشات حادة وتراشق اتهامات بين الحكومة والجيش؛ حيث تم تسريب تصريحات هجومية من بعض الوزراء ضد قيادة الجيش، حيث قال بعضهم إن قيادة الجيش طمأننا بأن حماس مرتدعة ولن تقدم على حرب، بينما رد جنرالات الجيش بتسريبات تقول إنهم حذروا حكومة نتنياهو مرارًا من خطر الجمود السياسي والمواقف المتطرفة وانفلات المستوطنين، وأنه سيعود على البلاد بانفجار كبير وخطير.

* أعلن رؤساء المعارضة الإسرائيلية ـ وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق يائير لبيد، ووزير الدفاع الأسبق بيني غانتس، ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، ورئيس حزب العمل ماراف ميخائيلي ـ في بيان مشترك أنهم "متحدون في وجه الإرهاب"، وأكدوا أنه "في مثل هذه الأيام لا توجد معارضة أو ائتلاف في إسرائيل، سنقدم الدعم الكامل لقوات الأمن لرد حاد وقاسٍ ضد التطرف".

* أعلن قادة الاحتجاج على خطة الحكومة القضائية إلغاء المظاهرات الأسبوعية التي كانت مقررة، ولا شك أن هذا النبأ يسعد نتنياهو كثيرًا إذ سيحاول استعادة شعبيته المفقودة، وبطبيعة الحال فإن الحرب هي أقصر الطرق أمامه لفعل هذا الشيء.

تداعيات ونتـائج محتملة

لقد كشفت عملية "طوفان الأقصى" الغطاء عن كذبة متانة الاحتلال الأمنية والعسكرية، لقد قلبت المقاومة الفلسطينية الطاولة في وجه الاحتلال، وأعلنت بهذه المعركة النوعية أن المقاومة قد بدأت عهدًا جديدًا من المواجهة، ثمة تداعيات مرتقبة ونتائج محتملة قد نشهدها خلال الساعات والأيام المقبلة، منها:

* ستشهد إسرائيل مزيدًا من التوتر الداخلي الموجود بالأساس في بنيتها السياسية والاجتماعية، وسيتفاقم الانقسام الإسرائيلي وقد يصل إلى مراحل معقدة في تداعياته على بنية حكومة نتنياهو، التي حصلت على الحد الأدنى من مقاعد الأغلبية بعد عدة عمليات انتخابية للكنيست في فترة زمنية قصيرة.

* المباغتة التي حققتها المقاومة الفلسطينية في جنوب إسرائيل، واستيلاءها على مستوطنات غلاف غزة، تطور خطير سيكون له انعكاساته السياسية والنفسية والعسكرية على الاحتلال مستقبلًا، فإذا كانت فصائل المقاومة الفلسطينية على قلة عددها وعتادها قد نجحت في ذلك، فكيف الحال إذا دخلت قوى أخرى أكبر عددًا وعتادًا مثل حزب الله اللبناني في معركة جديدة مع إسرائيل.

* كشفت عملية "طوفان الأقصى" عن مدى تمزق الداخل الإسرائيلي، فهناك تصدعات واضحة في معسكر الحكم؛ بين الحكومة وشعبها، وبين الحكومة والجيش، ففي حين تقوم الحكومة الصهيونية بتوقيع اتفاقيات سلام وتطبيع مع دول المنطقة فإنها في ذات الوقت تقذف بالجيش لتنفيذ مهمات لا تضمن السلام لإسرائيل بأي حال.

* لا شك أن الغنائم التي تحصّلت عليها المقاومة ونقلتها إلى قطاع غزة تمثل ورقة ضاغطة وتعطيها أفضلية في المفاوضات خلال الفترة المقبلة، وربما من أهم المكاسب التي تحققت من وراء عملية "طوفان الأقصى" أن الاحتلال مهما بلغت قوته وعدوانه لن يفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإخماد جذوة مقاومته.

* ستظل المعادلة الميدانية في مشهد متوتر وبعيد عن إمكانية حدوث التهدئة في أفقه القريب، فالهجوم الفلسطيني ستتبعه حرب ضارية ستنفذها اسرائيل انتقامًا لسمعتها العسكرية والاستخباراتية.

* من المستبعد في الوقت الراهن أن يتطور الأمر إلى دخول جهات أخرى على خط الصراع، لا سيما الجبهة اللبنانية حيث يعوّل كثيرون على حزب الله اللبناني، كما أن هناك استبعاد لتدخل الوسطاء حاليا لنزع فتيل الازمة، لأن إسرائيل بحاجة إلى صورة نصر حتى ولو من خلال استهداف المدنيين والبنى التحتية والأبراج السكنية في قطاع غزة، ويمكن بعد تلك الضربة الإسرائيلية أن تكون هناك فرصة لدخول وسطاء.

* إذا انتهت المعركة بخيبة إسرائيلية، فإن النتيجة ستكون عكسية على حكومة نتنياهو، وقد سبق أن حصل الأمر ذاته في عام 1973م، حيث فوجئت إسرائيل بهجوم مصري ـ سوري مشترك لتحرير الأراضي المحتلة، حينها أقامت الحكومة لجنة تحقيق رسمية خرجت باستنتاج يبرّئ القيادة السياسية ويدين الجيش على الإخفاق، لكن الإسرائيليون خرجوا إلى الشوارع في مظاهرات صاخبة انتهت بالإطاحة بحكومة غولدا مائير، فهل سيتكرر الامر ذاته مع نتنياهو؟

رغم مرور ساعات طويلة على عملية "طوفان الأقصى"، إلا أنه لا تزال الصورة ضبابية أمام المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية حول كيفية قيام حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر منذ 15 عامًا، بتنفيذ عملية عسكرية دقيقة ومباغتة بتلك الحرفية العالية وغير المسبوقة، لا شك أن النتيجة النهائية لعملية "طوفان الأقصى" لم تتضح بعد، لكن المخاوف الإسرائيلية من مصطلح "الهزيمة" تتزايد، لا سيما وأن الكلمة تحمل معها شعورًا بأنّ إسرائيل تقترب من نهايتها أو أنها على وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، يتحسس الإسرائيليون نتائج ما حدث وفي ذاكرتهم مقولة ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وأول رؤساء حكوماتها، حين قال "ستسقط إسرائيل بعد أوّل هزيمة تتلقّاها".

أعلى